حان الوقت لوضع استراتيجية للتنوع والمساواة والشمولية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تبذل العديد من الشركات والمؤسسات منذ فترة طويلة جهودًا حثيثة لتعزيز مبادئ التنوع والمساواة والشمولية في قواها العاملة والمجتمعات التي تنشط فيها، حيث كثفت جهودها بشكل كبير بعد حادثة مقتل جورج فلويد في عام 2020، والذي كان شرارة لانطلاق عدد غير مسبوق من مبادرات الالتزام بالتنوع والمساواة والشمولية من قبل الشركات على مستوى العالم..1

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتباطأت وتيرة هذه الالتزامات منذ ذلك الحين، حيث أعرب قادة الأعمال والموظفون وغيرهم من الجهات المعنية عن خيبتهم نتيجة عدم إحراز تقدم حقيقي نحو تحقيق الأهداف التي تعهد بها القادة في مجالات التنوع والمساواة والشمولية، على الرغم من صدق النوايا التي تكمن وراءها.2. ومن الأمثلة على ذلك غياب التكافؤ بين الجنسين على مستوى التقدم المهني، حيث أظهرت دراسة المرأة في مكان العمل 2022، والتي أجرتها ماكنزي بالتعاون مع منظمة "لين إن"، أن ترقية كل 100 رجل من الوظائف الأولية إلى الإدارية يقابلها حصول 87 امرأة فقط، و82 امرأة من أصول غير أوروبية على الترقية ذاتها. كما كشفت الدراسة نفسها أن القيادات النسائية، وخاصةً اللواتي ينحدرن من أصول غير أوروبية، 3 يغادرن شركاتهن بمعدلات أعلى بكثير من الرجال من أصول أوروبية. 4

ما هي العوامل المسؤولة عن قصور التقدم؟

بناءً على تجربتنا مع مئات الشركات التي تتطلع لإطلاق أو تحويل استراتيجياتها في مجال التنوع والمساواة والشمولية، يمكننا أن نشير إلى عدة أخطاء منهجية تقع فيها الشركات والقادة وتؤدي إلى الفشل، خاصةً على مستوى المبادرات الداخلية التي تستهدف الشركة نفسها.5 ويكمن الخطأ الأبرز في إطلاق مبادرات التنوع والمساواة والشمولية دون دراسة كافية للوضع الحالي، بما يشمل تحليل وضع الشركة في الفترة الماضية، واتجاهها الحالي، والموارد التي تحتاجها لتحقيق الأثر المطلوب على مستوى التنوع والمساواة والشمولية، والمعايير التي ستحدد من خلالها نجاح استراتيجيتها في هذا المجال. وتعتمد بعض الشركات أسلوبًا تراكميًا لتحقيق التغيير، والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى هدر وقت وطاقة الأفراد وفرق العمل؛ بينما تفتقر شركات أخرى إلى معايير واضحة وثابتة لقياس نتائج مبادراتها، وغالبًا ما تفوتها فرص تعزيز الجوانب الناجحة أو تغيير الاتجاه عند عدم تحقيق التأثير المطلوب.

وفي المقابل، كان الالتزام بمبادئ التنوع والمساواة والشمولية على المستوى الداخلي من نصيب الشركات التي عمدت إلى صياغة استراتيجيتها في هذا المجال بأسلوب منهجي. ويبدأ ذلك من خلال وضع طموحات جريئة وواقعية تقترن برسالة الشركة واستراتيجيتها العامة، ومن ثم استخدام أدوات التحليل الكيفي والكمي لفهم الوضع الحالي وتحديد التدخلات الأكثر ضرورةً، إلى جانب رسم خطة للمبادرات التي سيتم إطلاقها وتوقيت هذا الإطلاق بناءً على الأهداف الاستراتيجية العامة للشركة. كما تحشد هذه الشركات الموارد والإمكانات اللازمة لإنجاز هذه المبادرات، بالإضافة إلى اعتماد أساليب معيارية لقياس التقدم الذي يتم تحقيقه مع الوقت، مما يساعد القادة على محاسبة المسؤولين عن تحقيق هذه النتائج مع توسيع المبادرات الناجحة والحفاظ على زخمها.

وتؤكد تجربتنا أهمية الخطوات الخمسة التالية في صياغة وتنفيذ استراتيجية داخلية ناجحة في مجال التنوع والمساواة والشمولية:

خمس خطوات ضرورية للنجاح في صياغة وإنجاز استراتيجية التنوع والمساواة والشمولية.

  1. الطموح. الرؤية الواضحة المنسجمة.
  2. التقييم. دراسة الواقع الحالي.
  3. التصميم. وضع الخطة المناسبة.
  4. التنفيذ. حشد الإمكانات والموارد المطلوبة
  5. التقدم. قياس التقدّم المُحرز لتوسيع المبادرات الناجحة والحفاظ على زخمها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الخطوات لا تشكل بأي حال من الأحوال وصفة جاهزة للنجاح أو ضمانة لإحداث التغيير المفاجئ، إذ إن النجاح فيها يتطلب تعاونًا بين القادة في مختلف أقسام الشركة ووحداتها، إلى جانب التواصل الدائم مع الموظفين وأعضاء مجلس الإدارة وغيرهم من الجهات المعنية.

ولكنّ القادة والشركات التي تعتمد أساليب منهجية في صياغة استراتيجية التنوع والمساواة والشمولية ستكون أقدر على تحسين التجربة اليومية للموظفين على المدى القصير من جهة، وتحقيق تقدم مستمر على مستوى الأهداف بعيدة المدى من جهة أخرى.

الخطوة الأولى: تحديد أهداف جريئة وواقعية في مجال التنوع والمساواة والشمولية

على الرغم من أن قضايا التنوع والمساواة والشمولية تبقى محط جدلٍ كبير، والذي يكون عرضة للتسييس في كثير من الأحيان، يتزايد عدد الأدلة التي تشير إلى أن اعتماد الشركات لسياسات إيجابية في هذه المجالات يعود بالنفع على جميع الأطراف. وأظهرت إحدى الدراسات أن الشركات التي تحتل المراكز الـ 25% الأولى بالنسبة للتنوع بين الجنسين في فرقها التنفيذية كانت مرشحة أكثر من غيرها لتحقيق أرباح فوق المعدل.6

وقد يواجه الأفراد وفرق العمل صعوبات في الموازنة بين هذه النشاطات والأولويات اليومية للعمل، حتى ولو اتفقوا على أهمية الجهود في مجال التنوع والمساواة والشمولية. وهنا تبرز الحاجة إلى وضع هدف جريء وعملي لتحفيز الجهود ورسم مسار واضح لها ووضعها في سياق الاستراتيجية العامة للشركة. وفي هذا السياق، قال لنا قائد إحدى شركات الصناعات الدوائية: "إنّ تعزيز التنوع والمساواة والشمولية يُشكل بحد ذاته خيارًا صائبًا، ولكنه يتيح لنا أيضًا تحقيق أهدافنا العامة في تقديم الخدمات لعدد أكبر من المرضى والمجتمعات. ويتعين علينا بصورة مستمرة التركيز على هذه المبادئ كونها تقترن بقدرتنا على تحقيق رؤيتنا للارتقاء بنتائج المرضى".

وقد تأتي صياغة الهدف على شكل جملة واحدة، أو قائمة من الالتزامات، أو مخطط توضيحي، أو نص من عدة فقرات، إلا أن المضمون هو العنصر الأهم في هذه المعادلة، والتأكيد على أن التوجه إلى تعزيز التنوع والمساواة والشمولية سينعكس إيجابًا على رسالة المؤسسة والجهات المعنية الأخرى. ويجب أن يوضح الهدف النتائج التي تسعى إليها الشركة، وألا يقتصر على النشاطات التي ستتخذها لتحقيق هذه النتائج. فعلى سبيل المثال، حددت شركة المستحضرات الدوائية "بريستول-مايرز سكويب" هدفها في مجال التنوع والمساواة والشمولية على النحو التالي: "نوفر من خلال إرساء ثقافة الشمولية بيئة عمل تتسم بالمرونة وسرعة الاستجابة، حيث يشارك فيها جميع الموظفين بتجاربهم وأفكارهم المتنوعة للدفع بعجلة الابتكار وتحقيق تحول في نتائج الأعمال."

كما يجب أن يقترن الهدف العام وغيره من الأهداف المستقبلية والقابلة للقياس والقائمة على البيانات (تمتد إلى عدة سنوات مقبلة). ومن الأمثلة على ذلك إحدى الشركات الزراعية التي سعت إلى تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام 2030، حيث أجرى قادتها تحليلًا شاملًا لتوجهات التقدم المهني والاحتفاظ بالموظفين، وتوصلوا إلى أن تحقيق هذا الطموح الجريء مرهون بوصول نسبة النساء إلى 80% من الموظفين الجدد لدى الشركة خلال السنوات القليلة المقبلة. ونظرًا للمشهد الديموغرافي الحالي والمتوقع على مستوى القطاع، أدرك القادة صعوبة تحقيق هذا الهدف، مما دفعهم لجعله أكثر واقعية رغم مصاعب تحقيقه في جميع الأحوال.

ويجب أن تتم صياغة واختبار الهدف بمشاركة مجموعة متنوعة من الجهات المعنية، وهو ما فعلته إحدى شركات الرعاية الصحية، حيث استطلعت آراء قادة الأعمال والأقسام المختلفة إلى جانب مجموعات موارد الموظفين بخصوص هدفها في مجال التنوع والمساواة والشمولية. وساعدت مساهمات هذه الأطراف وملاحظاتهم في صياغة لغة البيان، كما كان لها تأثير لاحق على أساليب تطبيق الشركة لمبادراتها على هذا الصعيد، خاصة وأن هذه المحادثات كشفت عن تفاصيل دقيقة مهمة وساعدت على تجنب عثرات معينة.

الخطوة الثانية: التحليل الكمي والنوعي للمشهد الحالي على مستوى التنوع والمساواة والشمولية

تقود العديد من الشركات مبادرات في مجال التنوع والمساواة والشمولية دون أن تكون لديها رؤية واضحة بشأن المشاكل التي تحاول معالجتها، أو التدخلات الأكثر فعالية أو المعايير التي ستعتمدها لقياس نجاح هذه المبادرات. وعلى سبيل المثال، احتفلت إحدى شركات البضائع الاستهلاكية المعبأة بأن 85% من موظفيها عبروا عن شعورهم "بانتماء قوي" إلى الشركة، وعند سؤالهم، أكد قادة هذه الشركة أنه "ما من وسيلة لمعرفة" التصورات والاحتياجات لدى مجموعة محددة من الموظفين، أمثال النساء من أصول غير أوروبية والموظفين ضمن شريحة التنوع العصبي والمحاربين القدامى.

ويتعين على القادة تحليل هذه الجوانب من الناحية النوعية والكمية للاطلاع بصورة واضحة على وضع الشركة واتجاهها على صعيد التنوع والمساواة والشمولية.

التحليل الكمي

يمكن للشركات أن تحدد مقدار تنوع قوتها العاملة من خلال الاطلاع على بياناتها الداخلية المتعلقة بالموارد البشرية، ومن ثم مقارنة هذه البيانات بالمعدلات الوسطية للقطاع، وبالبيانات المتعلقة بالكفاءات المحلية، لتحديد أبرز جوانب الاختلاف، 7 ومعرفة ما إذا كان تمثيل فئات ديموغرافية معينة ينخفض بشكل كبير مع ارتفاع المستويات الوظيفية. ويجب أن يتضمن هذا التحليل بيانات الموظفين المنضمين إلى الشركة أو المغادرين لها، مثل التوجهات السابقة في التوظيف، والاحتفاظ بالموظفين، والتقدم المهني لكل واحدة من الفئات الديموغرافية (الشكل).

It’s (past) time to get strategic about DEI

وتنصح "إنديرا آرينغتن"، الرئيس التنفيذي لشؤون التنوع والمساواة والشمولية لدى شركة الأسهم الخاصة "آريس مانجمنت"، بعدم تعقيد الأمور، إذ تقول: "أرى أن المسألة بسيطة للغاية، حيث تعتمد على حساب مجموع حالات التوظيف والترقية مطروحًا منها حالات المغادرة. ولدى فرز هذه المعادلة تبعًا للفئة الديموغرافية والمسمى الوظيفي، يمكن الوصول إلى رؤية واضحة حول المشهد التمثيلي في الشركة في أي وقت من الأوقات. وتُعتبر هذه طريقة فعالة للبدء في رسم تصور حول الأشخاص الذين يجب أن تلتقي بهم والعمليات التي يتعين تقييمها لفهم الخطوات التي أدت إلى النتيجة الحالية".8

التحليلات النوعية

يمكن للشركات أن تعتمد على مجموعات التركيز والمقابلات والإجابات الحرة على الاستبيانات السرية لتكشف عن رؤى جديدة تلعب دورًا مكملًا للتحليل الكمي، إذ إن فتح المجال أمام الموظفين لسرد قصصهم المؤثرة والتعبير عن وجهات نظرهم دون قيود، من شأنه إتاحة استفادة كبار المسؤولين التنفيذيين من البيانات وفهمها بشكل أفضل، شرط أن توفر الشركة بيئة آمنة وتتسم بالسلامة النفسية. وعلى سبيل المثال، أجرى قادة أحد البنوك الاستثمارية سلسلة من مجموعات التركيز والمقابلات مع الموظفين من أصول غير أوروبية، لتكوين فهم أوضح حول سبل تلبية احتياجاتهم. وبعد أن حققت الشركة تقدمًا على صعيد تمثيل الجنسين في مكان العمل، حيث جاءت هذه النقاشات لتكشف أن الموظفين من الفئات المذكورة يحتاجون دعمًا من نوع مختلف، وتحديدًا دعم قضيتهم بشكل أوضح، وتشديد المحاسبة، وتعزيز المساواة على مستوى إدارة الأداء.

الخطوة الثالثة: وضع خطة لطريقة وتوقيت إطلاق مبادرات التنوع والمساواة والشمولية

من خلال تحديد الهدف العام (والأهداف الجزئية المرتبطة به) بوضوح، وتحليل الواقع الحالي بصورة شاملة، فإن القادة والشركات سيكونون مؤهلين بشكل أفضل لصياغة خطة استراتيجية لتحقيق هذه الأهداف. ورغم أن وجود خطة كهذه يُعد عنصرًا حاسمًا لتحقيق النجاح، فإن العديد من الشركات تبادر إلى العمل أولًا ومن ثم التقييم لاحقًا. وقد أظهر استبيان شمل العاملين في مجال الموارد البشرية والتنوع والمساواة والشمولية عام 2022 أن أقل من نصف المشاركين لديهم خطة استراتيجية للتنوع والمساواة والشمولية.9

ويبدأ التخطيط بإعداد القادة لقائمة من المبادرات التي تدعم الهدف الجريء في مجال التنوع والمساواة والشمولية، حيث تهدف لمعالجة مختلف التحديات التي كشف عنها التحليل المبدئي. ولا يمكن إعطاء وصفة جاهزة لإعداد هذه القائمة، إذ إن لكل شركة وضعها الخاص، حيث يمكن للقادة الاستفادة من أفكار الآخرين، 10 إلا أن القائمة يجب أن تستند إلى الخصوصيات الفريدة للشركة من حيث وضعها الحالي والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.

تؤكد تجربتنا أن المنهجية الأفضل تتمثل في اعتماد عدد قليل من المبادرات الضخمة التي يدعم بعضها بعضًا، بدلًا من المبادرات العديدة صغيرة الحجم والمنفصلة عن بعضها، والتي ستؤدي إلى تضارب على مستوى الموارد واهتمام القادة. إضافة إلى ذلك، فإن على قادة الشركات العالمية الكبرى مراعاة تصميم مبادرات التنوع والمساواة والشمولية بحيث تكون قابلة للتعديل لتلائم مختلف الثقافات والسياقات التجارية والاجتماعية المحلية، إذ تختلف استجابة الموظفين لهذه المبادرات بين منطقة وأخرى. ويتعين على القادة مراعاة هذه العوامل وغيرها عند وضع خريطة طريق التنوع والمساواة والشمولية (يرجى الاطلاع على العمود الجانبي "رسم خريطة الطريق لمبادرات التنوع والمساواة والشمولية").

وهذا تمامًا ما فعله قادة شركة الألعاب الإلكترونية "آكتيفيجن بليزارد"، حيث حددوا المبادرات الضرورية لردم الفجوات الكبيرة في الكفاءات وتعزيز التنوع في الشركة (والقطاع ككل). ومع أن عدد الشواغر الوظيفية في قطاع الألعاب الإلكترونية قد يصل إلى 50 ألف شاغر، إلا أن النساء لا يشكلنَ سوى حوالي 25% من القوى العاملة في القطاع11، فيما لا تتجاوز نسبة الموظفين من أصول غير أوروبية 5%. 12

وقد اعتمد قادة الشركة على أدوات التحليل المتقدم والمقابلات مع الموظفين لتحديد أهم الأدوار والمهارات والخبرات الضرورية لسد احتياجاتهم على مستوى التوظيف، ليكتشفوا أن 14 من المهارات التي كان يشترط وجودها لدى المتقدمين للوظائف الهندسية لم تكن ضروريةً لتحقيق النجاح. ولهذه البيانات تداعيات هامة على قطاع الألعاب الإلكترونية، فهي تدل على أن الشركات التي تعتمد هذه المعايير قد تُقصي بالخطأ مرشحين مؤهلين لنيل الوظيفة، بل وقد تمنعهم من التقدم لها أساسًا. كما درست شركة "أكتيفيجن بليزارد" النتائج التي توصلت إليها من منظور مختلف، حيث تساءلت عن الجانب الأهم الذي يلعب الدور الأكبر في تقليص حجم سوق الكفاءات بالنسبة للشركة. وقد رأى قادة الشركة أن الخبرة في تطوير الألعاب كان ضرورية فعلًا لتحقيق النجاح، إلا أنها أدت إلى تقليص خزان الكفاءات بنسبة 99%، واستبعاد ما يقارب أربعة ملايين موظف محتمل يتمتعون بجميع المؤهلات الفنية الأخرى للنجاح في الشركة.

ونتيجةً لذلك، اعتمد فريق الشركة منهجية جديدة في التوظيف تركز على المهارات والخبرة بالقدر ذاته، وأطلقت برنامج ليفل أب يو، وهو برنامج تدريب هندسي تبلغ مدته ثلاثة أشهر، ويهدف إلى توظيف وتنمية مهارات مجموعة أكثر تنوعًا من الموظفين. وقد تألفت الدفعة الأولى المشاركة في البرنامج بنسبة %45 من النساء، و40% من الفئات العرقية الأقل تمثيلًا، و14% من الموظفين الحاليين للشركة والذين تم تزويدهم بمهارات جديدة من خلال البرنامج.13 ووفقًا لقادة الشركة، فإن البرنامج ساهم في زيادة عدد المستفيدين من التطوير المهني بنسبة 25% مقارنة بالعام السابق، كما أن الشركة تخطط لتوسيع البرنامج ليستهدف أدوارًا محددة في أقسام أخرى من الشركة.

وفي سياق تصميم وتنفيذ خطط التنوع والمساواة والشمولية، فإن القادة قد يجدون ضرورة لإيقاف مبادرات موجودة حاليًا، إما لأنها لم تثبت فعاليتها، أو لأنها لم تعد متلائمة مع أهداف الشركة في هذا المجال بعد أن تم تعديلها. ومن الأمثلة على ذلك إحدى المؤسسات التعليمية غير الربحية، والتي أوقف قادتها مبادرة تدريبية لمكافحة العنصرية بعد أن قال الموظفون إن هذه التدريبات لم تثمر عن تغيير ملموس في السلوكيات أو العقليات. وكانت المؤسسة تأمل أن تثري هذه التدريبات بمعلومات أعضاء مجلس إدارتها وموظفيها حول التحديات المنهجية التي تواجهها مجتمعاتهم، وتجعلهم أكثر قدرةً على تصميم برامج وأنظمة لتخديم الطلاب المحرومين من الموارد. ولكن اتضح في نهاية المطاف أنها كانت تهدر موارد محدودة على تدخلات غير فعالة. ولم تكن هذه الشكوك تجاه التدريبات محور حديث أي شخص في السابق، خشية أن يبدو معارضًا لجهود المؤسسة في مجال التنوع والمساواة والشمولية، ولكن القادة استجابوا للموظفين فور تحدثهم عن الموضوع، فعمدوا إلى التعاون مع شريك مختلف في مجال التدريبات لتسهيل إجراء حلقات النقاش الصغيرة ومبادرات المشاركة المجتمعية التي طلبها الموظفون.

الخطوة الرابعة: حشد الإمكانات والموارد المطلوبة لإنجاز مبادرات التنوع والمساواة والشمولية

إذا كانت الشركات تريد تحقيق تقدم حقيقي في مبادرات التنوع والمساواة والشمولية، فإن عليها أن تدعم هذه المبادرات بالموارد والقدرات المناسبة.

القدرات

وفقًا لتجربتنا، فإن الشركات تحتاج إلى فريق يجمع بين خبراء التنوع والمساواة والشمولية، وقادة الأعمال، ورواد التغيير الذين يحملون شغفًا بتحسين التنوع والمساواة والشمولية في أماكن عملهم. ولكن الشركات كثيرًا ما تبالغ باعتمادها على واحدة فقط من هذه المجموعات، فإما أن تنتظر من قادة الأعمال أن يديروا مبادرات التنوع والمساواة والشمولية إضافة إلى مهامهم الأساسية، رغم افتقارهم للخبرة في هذا المجال، أو أن تستعين بخبراء في مجال التنوع والمساواة والشمولية يفتقرون إلى الخلفية المناسبة في عالم الأعمال. ويؤدي كلا الخطأين إلى النتيجة نفسها، وهي عدم تطور مبادرات التنوع والمساواة والشمولية.

ومن الأمثلة على ذلك إحدى شركات التصنيع، والتي كان مجلس التنوع والمساواة والشمولية لديها يواجه صعوبات في الحفاظ على زخمه بعد عدة سنوات من البرامج المصممة لتحسين التنوع والمساواة والشمولية في الشركة. وتمثلت المشكلة في أن المجلس كان يضم العديد من قادة الأعمال المتحمسين لقضايا التنوع والمساواة والشمولية، مع عدم وجود أي شخص يتمتع بخبرة سابقة في تصميم وتطبيق الاستراتيجيات في هذا المجال بنجاح. وإضافة إلى ذلك، فإن المدراء التنفيذيين الذين ضمهم المجلس كانوا يؤدون هذه المهام إضافة إلى مسؤولياتهم الأساسية وبقدرات محدودة، ولذا فلم يستطيعوا تحقيق تقدم ملموس بين اجتماعاتهم الشهرية.

ونجحت شركة أخرى في تفادي هذه المشكلة، حيث ضمت إلى مجلس التنوع والمساواة والشمولية لديها عدة أشخاص يتمتعون بإلمام كافٍ حول استراتيجيات التنوع والمساواة والشمولية وحيثيات القطاع. وكان على أعضاء المجلس أن يقوموا بإجراء تقييم للنتائج، ومشاركة قصص النجاح، والترويج لمبادرات التنوع والمساواة والشمولية ضمن وحدات أعمالهم. وعمدت الشركة إلى إعادة تصميم أدوار الأشخاص المسؤولين عن إنجاز مبادرات التنوع والمساواة والشمولية بما يتيح لهم وقتًا أكبر للعمل على هذه المبادرات، كما أنها أخضعتهم لمحاسبة أدق من خلال إدخال عملهم في مجال التنوع والمساواة والشمولية ضمن مراجعات الأداء.

وكثيرًا ما يقضي الموظفون ساعات طويلة في العمل على مبادرات التنوع والمساواة والشمولية، ليتفاجؤوا خلال مناقشات الأداء بأن جهودهم لا تتجاوز كونها "مشروع شغف"، وأنه يتعين عليهم منح الأولوية لنشاطات الأعمال الرئيسية، وهو ما ينطبق بشكل خاص على النساء، واللواتي غالبًا ما يقع على عاتقهن النصيب الأكبر من العمل في مجال التنوع والمساواة والشمولية دون أن يحصلن على المكافآت والتقدير اللازم.14 والأجدى أن ينال هؤلاء الموظفون التقدير اللازم لدورهم القيادي في هذه المبادرات في إطار العمليات الرسمية لإدارة الأداء التي تتبعها الشركة ومن خلال المكافآت غير الرسمية والتكريمات العامة.

الموارد

كثيرًا ما يكلَّف الموظفون وقادة التنوع والمساواة والشمولية بإنجاز تحسينات واسعة في هذه المجالات دون أن يحظوا بفريق العمل أو الميزانية الكافية. وغالبًا ما تكون هذه الفجوة في الموارد غير مقصودة، إذ إن كبار القادة لا يدركون في كثير من الأوقات حجم الاستثمار المطلوب لمساعدة الموظفين على تغيير سلوكهم. ووفقًا لاستبيان شمل العاملين في مجالات الموارد البشرية والتنوع والمساواة والشمولية، فإن 34% من المشاركين فقط كانوا يرون أن شركاتهم لديها الموارد الكافية لتنفيذ مبادرات التنوع والمساواة والشمولية. 15 وهنا، تبرز مجددًا أهمية التحليل الكمي والنوعي من حيث مساعدة القادة على فهم درجة التغيرات التي يتوقعونها في مختلف أقسام الشركة، والموارد المطلوبة لتحقيق التحول في مجال التنوع والمساواة والشمولية بنجاح.

وكانت إحدى شركات الطاقة الإقليمية، والتي كانت تسعى إلى إرساء ثقافة أكثر شمولًا، تخطط لتحقيق هذا الهدف من خلال سلسلة من ثلاثة أجزاء من ورشات التدريب التي تركز على التنوع، والتي تبلغ مدة كل منها 60 دقيقة. وقد أظهر تحليل البيانات والنقاشات الصريحة بين قسم التنوع والمساواة والشمولية وقسم الموارد البشرية النطاقَ المحدود لهذه المنهجية، 16 ولذلك لجأت الشركة بدلًا منها إلى إطلاق تجربة بناء القدرات بمشاركة بضع مئات من المدراء، وذلك ضمن ورشات عمل تفاعلية، وحلقات نقاشات صغيرة، وتقييمات قبل وبعد البرنامج، وتجارب صغيرة يجريها المدراء مع فرق عملهم. ورغم أن هذا البرنامج احتاج إلى موارد أكبر بكثير من الخطة الأولى، إلا أنه تم دمجه ضمن برنامج أكبر لتغيير الثقافة ضمن الشركة، حيث كان يُنظر إليه بوصفه تطويرًا لمهارات القيادة أكثر من كونه "تدريبًا للتنوع والمساواة والشمولية".

ومن خلال هذا التعديل في الصياغة، نجح البرنامج في استقطاب مجموعة أوسع من القادة، والذين تمثلت أولويتهم جميعًا في التغيرات السلوكية التي من شأنها أن تساعدهم على أن يصبحوا أكثر شمولًا في ممارستهم للقيادة. وبدأ البرنامج بمرحلة تجريبية شارك فيها 100 قائد، وقبل أن تنتهي هذه المرحلة شرعت الشركة في توسيعه ليشمل 300 موظف آخر، حيث وجدت أن جميع المشاركين فيه نصحوا الآخرين به، وأن 84% منهم أفادوا بأنهم بدأوا بالفعل باستخدام المهارات التي تعلموها في البرنامج خلال عملهم الحالي.

الخطوة الخامسة: قياس ومراقبة التطور ومحاسبة المسؤولين عن النتائج

كما في أي عنصر آخر في استراتيجية الشركة، فإن قياس التقدم المحرز على صعيد مبادرات التنوع والمساواة والشمولية يجب أن يتم من خلال معايير واضحة، مع محاسبة المسؤولين على النتائج. ولتسهيل المحاسبة، تستخدم بعض الشركات بطاقات لتسجيل النقاط وتضع مراحل ترتبط بإنجاز أهداف محددة. ومن الأمثلة على ذلك إحدى العلامات الأوروبية للسلع الاستهلاكية، والتي أنشأت لوحة تحكم للرئيس التنفيذي وكبار المدراء لتعقب وضع التمثيل والتوظيف والترقيات وحالات المغادرة والشمولية، ما ساعدهم على التفاعل مع العمل بشكل أكبر. كما تعمد بعض الشركات إلى مراقبة كل من المؤشرات الأولية (مثل زيادة طلبات التقديم الوظيفي من الفئات الديموغرافية الأقل تمثيلًا) والمتأخرة (مثل الزيادة في تنوع التمثيل في مختلف مستويات الشركة)، فيما تلجأ مؤسسات أخرى إلى إدخال السلوكيات الداعمة للشمولية ضمن نماذج القيادة أو معايير إدارة الأداء.

ومن الأمثلة على ذلك شركة "نايكي"، والتي وضع قادتها أهدافًا محددة وقابلة للقياس في مجال التنوع والمساواة والشمولية لعام 2025، مع ربطها بالتعويضات التنفيذية للشركة، حيث وصف "جون داناهو"، رئيس مجلس إدارة الشركة ورئيسها التنفيذي، الأهداف بأنها "دعوة للعمل وفق أهداف واستراتيجيات وآليات محاسبة واضحة"، وذلك في تقرير الشركة لعام 2021.

ويمكن تعزيز المحاسبة من خلال الشفافية، حيث ينبغي على قادة الأعمال وقادة التنوع والمساواة والشمولية مشاركة التقدم المحرَز في الأهداف الجريئة التي وضعوها بشكل متكرر، ولا سيما في اجتماعات مجلس الإدارة والمؤتمرات السنوية واجتماعات الاتحادات المهنية وغيرها، لتشجيع المزيد من المشاركة والالتزام. ولا ينطبق هذا على المعلومات التفصيلية للموارد البشرية التي يجب المحافظة على سريتها، إذ ليس من الضروري إتاحة كل المعلومات للجميع، ولكن مشاركة الأهداف الطموحة والتقدم المحرز نحو تحقيقها وقصص النجاح من شأنه أن يساعد في تثقيف وتحفيز الموظفين.

خطوة بخطوة: تحقيق التقدم في مبادرات التنوع والمساواة والشمولية

يمكن للشركات أن تحقق تقدمًا هامًا نحو أهدافها في مجال التنوع والمساواة والشمولية من خلال التفكير المنهجي في استراتيجيتها واتخاذ الخطوات الخمسة التي استعرضناها في هذه المقالة. ولنأخذ على سبيل المثال التطور الذي مرت به إحدى شركات الضيافة الكبرى.

الخطوة الأولى: الطموح

أعرب قادة الشركة عن طموحهم بتحقيق "إنجازات كبيرة" على مستوى التنوع والمساواة والشمولية، فالتزموا بتعزيز هذه الجوانب في الشركة بما ينعكس إيجابًا على الموظفين والضيوف وغيرهم من الجهات المعنية في المجتمع. وحددوا أهدافًا طموحة وقابلة للتحقيق في الوقت ذاته، ومرتبطة بكل واحد من البنود الواردة في خطة التنوع والمساواة والشمولية. فمثلًا تشمل هذه الأهداف الالتزام برفع نسبة تمثيل النساء في مختلف المناصب الإدارية إلى 50% خلال خمس سنوات، ما يشكل قفزة نوعية قياسًا بالتمثيل الحالي في المناصب القيادية. كما ضمت الخطة أيضًا تعهدًا بتسليم 50% من الأدوار القيادية للأشخاص من أصول غير أوروبية، ولعب دور ريادي في مجال شمولية ذوي الإعاقة، وتوظيف المزيد من المحاربين القدامى من خلال برنامج ناجح لتطوير المهارات المهنية الجديدة.

الخطوة الثانية: التقييم

أجرى القادة تحليلًا كميًا ونوعيًا للكفاءات العاملة في الشركة، بهدف الاطلاع على مستوى التمثيل الإجمالي في مختلف المستويات الوظيفية، وتحديد العوامل الأكثر تأثيرًا على تنوع الكفاءات في الشركة، مثل التعاقد مع موظفين جدد أو مغادرة الموظفين للشركة بعد مدة قصيرة، واستخدموا هذا التحليل بمثابة لوحة تحكم لمراقبة التقدم.

الخطوة الثالثة: التصميم

استند قادة الشركة إلى البيانات التي جمعوها لرسم خريطة طريق واضحة لتحقيق أهدافهم خلال السنوات الخمسة المقبلة، والتي ضمت مبادرات التي تستهدف الشركة ككل (مثل تعزيز أدوات التحليل التي تتناول التنوع وإنشاء مجالس للمساواة بهدف تشديد المحاسبة وحشد قادة الأعمال) إلى جانب سلسلة من البرامج التجريبية الأصغر حجمًا التي أتيح لوحدات الأعمال أن تختار منها ما يناسب تحدياتها الخاصة (ومنها جلسات تدريبية لبناء القدرات بهدف تعزيز الشمولية على مستوى القيادة، والرعاية، والاستثمار في مجموعات موارد الموظفين، ودعم الرجال لحقوق المرأة).

الخطوة الرابعة: التنفيذ

أثبتت مجموعة المبادرات المذكورة نجاحها بعد أن حققت الشركة زيادة بنسبة تتجاوز 5% في عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب قيادية فيها خلال أقل من ثمانية أشهر، كما أفاد أكثر من 95% من أبرز 300 قائد في الشركة بأنهم اكتسبوا أدوات ومهارات جديدة تساعدهم على مكافحة التحيز غير المقصود. وبعد مرور ثلاث سنوات، اتضح أن الشركة كانت تسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافها على مستوى التمثيل، حيث قام القادة بتحديث الأهداف السابقة لتصبح أكثر طموحًا، كما وقع الاختيار على الشركة لتكون "أفضلَ بيئة عمل لذوي الإعاقة".

الخطوة الخامسة: التقدم

طورت الشركة لوحات تحكم لشؤون التنوع والمساواة والشمولية لتعزيز هذا الزخم ومتابعة التقدم المحرز قياسًا بالمؤشرات الأولية والمتأخرة، كما ربطت النتائج المحققة على هذا الصعيد بالحوافز المقدمة للقادة. ومن بين قائمة المبادرات، تم توسيع البرامج التجريبية التي حققت النجاح في السنة الأولى لتشمل أقسامًا أخرى من الشركة (مثلًا تقديم برنامج الشمولية في القيادة لعدد أكبر من مدراء الكفاءات البشرية من خلال منهجية تعتمد على تدريب المدربين). كما ساعدت مجالس المساواة وخطط إدارة التغيير التي تم إنشاؤها في السنة الأولى على إبقاء التركيز على مبادرات التنوع والمساواة والشمولية حتى مع ظهور أولويات منافِسة لها.


ولا شك أن تحسين التنوع والمساواة والشمولية في أي شركة يحتاج إلى فترة من الوقت، وقد يستغرق عدة سنوات قبل أن تشهد الشركة تغيرًا ملموسًا وواسعًا. كما يتطلب التعاون وتضافر الجهود، لذلك يتعين على القادة أن يحرصوا على توفير الفرص للموظفين من مختلف الفئات الاجتماعية والمستويات الوظيفية لتقديم آرائهم بصراحة، سواء من خلال مجموعات موارد الموظفين، أو حلقات التركيز أو المناقشات الثنائية أو والمؤتمرات السنوية للشركات. وبالطبع فلن يتم اعتماد جميع الآراء الواردة، إلا أنه من المهم للغاية أن يشعر الموظفون بأنهم جزء فعال من العملية، علمًا أنهم يشكلون العنصر الأهم فيها.

ويتطلب تحقيق التغيير الحقيقي والفعال الالتزام وتكريس الجهود، إذ ينبغي تنقيح استراتيجية التنوع والمساواة والشمولية باستمرار في ضوء النتائج التي تحققها البرامج التجريبية، والدروس المستفادة من التطبيق العملي، والوعي والمهارات الجديدة التي يكتسبها القادة والموظفون، والتطور الذي يطرأ على الاستراتيجية العامة للشركة. وتمثل هذه العوامل جوانب حاسمة لتحقيق طموحات التنوع والمساواة والشمولية على المدى الطويل.

Explore a career with us