يحظى التغيير الثقافي بأهمية كبيرة ضمن أولويات معظم الرؤساء التنفيذيين، ويشكل في الوقت ذاته أحد أصعب جوانب التحول المؤسسي من حيث التنفيذ والاستدامة. هذا هو التحدي الذي واجهته شركة ويبرو الهندية العملاقة المتخصصة في البرمجيات، والتي يعمل لديها أكثر من 220 ألف موظف يتوزعون عبر ست قارات، حيث قررت إعادة صياغة ثقافتها المؤسسية عام 2020. وبدأت الشركة، والتي تتخذ من مدينة بنغالور مقرًا لها، نشاطها في مجال تصنيع الزيوت النباتية، لتصبح اليوم ثالث أضخم مزود لخدمات تكنولوجيا المعلومات في الهند من حيث قيمة الشركة في السوق.
وقد تسلم رشاد بريمجي رئاسة مجلس إدارة ويبرو في يوليو من عام 2019، ليكوّن انطباعًا بأن أداء الشركة لا يعكس إمكانياتها الحقيقية، مستندًا إلى قناعة راسخة بأن العنصرين البشري والثقافي في أي شركة يضاهيان الاستراتيجية، بل ربما يفوقانها أهمية، من حيث دورهما في تحقيق النجاح. ومن هنا انطلق بريمجي في مسعاه ليجعل من ويبرو "مؤسسة عالية الأداء، وتحافظ في الوقت ذاته على طابعها الإنساني وقيمها الأخلاقية، وتتسم بالتعاطف والتعاون والحساسية". وبدلًا من اللجوء إلى مفاهيم وكلمات معقدة لتوضيح وتطبيق هذه "الثقافة"، التي تعد مفهومًا مجردًا يصعب تحديده بشكل ملموس، عمد بريمجي إلى اختيار خمس عادات بسيطة لتحقيق التغيير الذي يطمح إليه.
أنوج كاديان، الشريك لدى ماكنزي، التقى بريمجي في مقر ويبرو في بنغالور للتعمق في هذه العادات، وللخوض في الحديث عن برنامج الشركة لتحقيق التحول الثقافي، إلى جانب الأسباب التي دفعت بريمجي إلى تخصيص وقته وطاقته شخصيًا لتحقيق هذه المبادرة، وإمكانية قياس التأثير الذي يحققه هذا النوع من التغييرات الثقافية بشكل ملموس. فيما يلي نسخة منقّحة من المقابلة.
ماكنزي: تتميز ويبرو كمؤسسة بتاريخها العريق وثقافتها وقيمها الراسخة، فما الذي دفعكم إلى السعي لإحداث هذا التحول الثقافي؟
رشاد بريمجي: لطالما كنت من أشد المقتنعين بأن الناس من حولك يرون تصرفاتك وليس القيم المجردة التي تحملها، ولذا فإن ما يحدد تجربتهم مع أي مؤسسة هو طريقتها في تنفيذ مختلف المهام والأهداف، بشكل معلَن أو ضمني على حد سواء؛ فهذا هو المعيار الحقيقي لتحديد ثقافة المؤسسة.
ولطالما كنت من أكبر المؤمنين بأهمية الثقافة، فهي تشكل بالنسبة لي روح المؤسسة وجوهرها الأساسي. وعندما تسلمت رئاسة مجلس الإدارة في يوليو 2019، أدركت أننا، ورغم توصلنا فعلًا إلى المكونات المميزة التي تساعد الشركة على تحقيق النجاح، مثل الاستراتيجية والموظفين والاستثمارات والأهداف، إلا أننا لم نكن موفقين في تحويل هذه "المقادير" إلى "طبق مميز"، وهو الأداء؛ وانعكس ذلك في المتاعب الكبيرة التي واجهتها الشركة بين عامي 2010 و2020.
ولذا، أمضيت الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الأولى في منصبي الجديد محاولًا أن أدرس مجريات الأمور من حولي، لاكتشاف السبب الذي يمنع شركتنا من تقديم أداء مميز يتوافق مع إمكانياتها الكبيرة. واكتشفتُ من خلال هذه المحادثات، أننا نعيق أنفسنا إلى حد ما، سواء من خلال الأساليب التي نتبعها في العمل والتعاون، أو من خلال تكتلات منفصلة ضمن المؤسسة، وتراجع الثقة بين أقسامها، وعدم استعدادها للعمل سوية؛ واتضح لي ضرورة إحداث تحول في الطريقة التي نتبعها في العمل والتعاون، لنتمكن من إطلاق إمكانياتنا الكامنة، وهكذا بدأت رحلتنا في التحول الثقافي.
ماكنزي: يولّي برنامج ويبرو للتحول الثقافي أهمية كبيرة لإرساء خمس عادات رئيسية في مكان العمل. هلا حدثتنا أكثر عن هذه العادات، ولماذا وقع الاختيار على هذه العادات دون غيرها؟
رشاد بريمجي: لقد جاء اكتشاف العادات الخمس بالصدفة، حيث اجتمع القادة الخمسة عشر الأعلى مستوى في الشركة، بعد محادثاتي الفردية معهم، ليشكلوا أربع فرق مهام تتخصص في التعاون، والسلوكيات غير القابلة للتفاوض، وحسن الإدارة، ومعايير الأداء. وأمضت هذه الفرق وقتًا طويلًا للغاية في الاجتماع فيما بينها، واللقاء مع موظفين حاليين وسابقين من مختلف مستويات المؤسسة، وحتى الحديث مع العملاء في بعض الأحيان لتحديد ما ينبغي علينا القيام به لتحسين أدائنا.
ولدى اللقاء مع القادة الخمسة عشر مجددًا للاطلاع على ما توصلوا إليه، وجدنا أن الفرق كانت تسمع الملاحظات نفسها من حيث المضمون ولكن بأساليب مختلفة، فقررنا أن نصوغ هذه الملاحظات ونقدمها على شكل خلاصة مفهومة.
وكنا واضحين تمامًا في رغبتنا في التركيز على السلوكيات، التي يمكن للموظفين التحكم بها على المستوى الفردي. وكانت هذه العادات بديهية وبسيطة للغاية، لكن قوة تأثيرها كانت تكمن في بساطتها. كما حرصنا على أن تكون هذه العادات مناسبة لمختلف الدول والثقافات، دون وجود عوائق تتصل باللغة أو الثقافة والتفاصيل والحساسيات المحلية، أي أن تكون ابنتي ذات الـ 14 عامًا قادرة على فهمها وتطبيقها تمامًا كأي شخص يعيش في حيدر أباد أو مانيلا أو سينسيناتي أو لندن.
العادة الأولى هي التحلي بالاحترام، والذي يتضمن تقبل الآخرين وتحفيز مشاركتهم في النقاش، والتواصل بصدق وشفافية حتى عندما يتعلق الأمر بالنقد أو المراجعة. والعادة الثانية هي سرعة الاستجابة، سواء لدى التعامل مع العملاء أو ضمن المؤسسة، واتخاذ القرارات بشكل سريع والإقبال على المخاطرة. وبالنسبة للعادة الثالثة، فهي الحرص على التواصل الدائم سواء مع الأطراف المعنية ضمن المؤسسة ومع العملاء، والحرص على نقل الأخبار السلبية بشكل أسرع. وتتمحور العادة الرابعة، وهي حسن الإدارة، حول التحلي بعقلية قوية، وتبنّي نظرة إيجابية تنطوي على الثقة بالنفس وسعة الحيلة، بدلًا من اتخاذ مواقف سلبية، إلى جانب الاستعداد لمشاركة قدرات أفضل موظفيك مع بقية أقسام المؤسسة لمساعدتها، حتى وإن لم يكن ذلك يعود عليك بنفع مباشر. أما العادة الخامسة فهي مد جسور الثقة بين مختلف الأطراف، وهي تحمل أهمية خاصة، حيث انضم إلى شركتنا خلال السنتين والنصف الماضية مئة ألف موظف جديد، ولذا فبالنسبة لنا فإن القدرة على الثقة بالآخرين قبل التعرف عليهم تعد أمرًا لا غنى عنه في سبيل التعاون معهم لتحقيق المهمات والأهداف المشتركة.
ماكنزي: هل اضطرتكم الجائحة لإعادة تصميم مكونات البرنامج، خاصة وأنها غيرت جذريًا أساليب التواصل والتفاعل مع الموظفين؟
رشاد بريمجي: في البداية، توقفنا بشكل مؤقت، ظنًا منا أن الجائحة ستمر بسرعة، ثم أدركنا أنه يجب علينا التكيف مع العمل في ظل الظروف الجديدة. ولم يكن علينا تغيير صيغة البرنامج بشكل كبير، لكننا افتقدنا إلى التواصل الذي يمكن بناؤه في الجلسات التي تتم بحضور شخصي مباشر، وهو ما يصعب تحقيقه في لقاء افتراضي عبر الإنترنت، خاصة وأن المشاركين لا يتحدثون مع بعضهم البعض في هذه اللقاءات، بل يقتصر تفاعلهم على مدير الجلسة.
ماكنزي: يشكل التغيير الثقافي أحد أكبر التحديات التي تواجه القيادة، إذ تشير أبحاثنا، إلى أن 70 في المئة من عمليات التحول لا تنجح لأسباب تتعلق بالثقافة. فما الذي حفزك شخصيًا لخوض تحدٍّ من هذا النوع؟
رشاد بريمجي: أؤمن بشدة بدور الثقافة كأحد أهم عناصر المؤسسة، فهي في رأيي حجر الأساس الذي يحدد كيفية حضورها ويحافظ على هويتها رغم التغيرات الدائمة في الاستراتيجيات والاستثمارات والأفكار. وشعرت أن مسؤوليتي تُملي عليّ قيادة التحول الثقافي ابتداءً من رأس الهرم، وبصراحة فإنني لم أدخل في تعقيدات وتفاصيل كثيرة، بل تركتُ العملية تأخذ مجراها الطبيعي، وقلنا منذ البداية وبمنتهى الصراحة، إننا كنا نستكشف هذه السلوكيات بأنفسنا، كما أدركنا منذ المراحل الباكرة ضرورة تغيير أساليب عملنا، والتي بدأت تشكل عائقًا يحول دون نجاحنا.
وأوضحت هذه النقاط في 89 جلسة عقدتها مع الموظفين، بمدة إجمالية تبلغ 300 ساعة، حيث التقيت خلالها 28 ألفًا من موظفينا ضمن مجموعات صغيرة وكبيرة في مختلف أنحاء العالم. وكانت تُشعرني هذه الجلسات بطاقة وحيوية مذهلة، فهي تقوم على طرح الأفكار بأسلوب سردي يعتمد على القصص، حيث تبلغ مدة الجلسة عادة ساعتين، نخصص الدقائق الثلاثين الأولى منها لإجراء عرض تقديمي، أما بقية الجلسة فتدور حول سرد القصص الواقعية من داخل المؤسسة وخارجها، فهذه هي الطريقة الأنسب للتأثير في الأشخاص ومساعدتهم على التعلم.
وخلال إحدى الجلسات في مدينة بونا، كان أحد المشاركين يوضح العادات الخمس مستعينًا بإشارات المرور على الطرق الهندية. وبصراحة، فحتى ما قبل سنتين ونصف، كنت أنا شخصيًا أفكر ما إذا كان عليّ التوقف عندما تكون إشارة المرور حمراء في وقت متأخر من الليل إذا كان أمامي طريق طويل، ولم يكن غيري متواجدًا في الشارع، ولكني أتذكر بوضوح أنه إذا توقفت سيارة أخرى عند الإشارة الحمراء، فإن احتمال وقوفي عندها يصل إلى مئة في المئة، لأن سائق تلك السيارة يلعب دور البوصلة الأخلاقية بالنسبة لي، مما سيشعرني بالسوء لو خالفت القانون. ولذا، أنصح الموظفين بأن ينظروا إلى رحلة تطبيق العادات الخمس من خلال هذا المثال، فأنت تدرك أن عليك التوقف عند الإشارة الحمراء لأنه التصرف الصحيح، وبذلك فأنت بكل تأكيد ستجعل الآخرين أيضًا يتوقفون عند الإشارة الحمراء، لأنك تصبح قدوة لهم. وهنا تكمن قوة القيادة، حيث يلاحظ الناس من حولك أفعالك وليس أقوالك.
ماكنزي: ما الذي تطمح إلى تحقيقه من خلال هذه المبادرة بشكل عام؟
رشاد بريمجي: تشكل هذه العادات الخمس حجر الأساس الذي نريد أن نبني عليه مستقبلنا، أي أننا ننتظر من موظفينا جميعًا أن يلتزموا بها، بغض النظر عن مستوى أدائهم.
وانطلقنا في مسيرتنا لتطبيق ثقافة الأداء العالي، والتي تقوم على الأهداف والنتائج، أي أننا نريد التوصل إلى ثقافة تركز على النتائج أكثر من تركيزها على المدخلات والمجهود، ثقافة تتسم بالجرأة لتحقيق النمو والتطور. وهنا يأتي السؤال: كيف يمكن بناء هذه الثقافة المؤسسية للأداء العالي؟ ولدى الإجابة على هذا السؤال، يربط الكثيرون بين التميز في الأداء وبين القسوة والخشونة، أما أنا فمن أشد المؤمنين بإمكانية بناء مؤسسة عالية الأداء، وتحافظ في الوقت ذاته على طابعها الإنساني وقيمها الأخلاقية، وتتسم بالتعاطف والتعاون والحساسية؛ وهنا يأتي دور العادات الخمس التي تحدثنا عنها، فهي توفر أساسًا متينًا يمكننا أن نستند إليه في سعينا إلى بناء مؤسسة عالية الأداء.
ماكنزي: كيف يمكن أن نقيس نجاح هذه الجهود لتحقيق التحول الثقافي؟ ما هي المعايير المستخدمة لقياس النجاح؟
رشاد بريمجي: لقد فكرت كثيرًا في هذا الموضوع، وخضنا العديد من النقاشات حوله داخل المؤسسة. ونحن حريصون على الالتزام بالحساسية اللازمة لدى قياس هذه السلوكيات والعادات، ونريد أن نجعل منها جزءًا رئيسيًا من ثقافتنا وطريقة تفكيرنا في المؤسسة، ولذا فهي تدخل في الكثير من عملياتنا المتعلقة بإدارة العنصر البشري، مثل عمليات تقييم الموظفين وعمليات زيادة الرواتب، ولكن دون أن نتبع أسلوب الإنذار والفرص الأخيرة.
وفي السابق، كانت دورة التخطيط والمراجعة لدينا تتألف من عنصرين رئيسيين، وهما الأداء، وإمكانية الأداء (القدرة على الأداء)، لكننا الآن قمنا بإضافة عنصر جديد، وهو القيم. وإلى جانب ذلك، فإن عملية التقييم الشامل، التي يقيّم من خلالها الموظفون الأعلى درجة في الشركة أعضاء فرقهم وزملائهم ومديريهم، كانت تقوم على تقييم القيادة بمعناها العريض، ولكنها أصبحت الآن تركز بشكل واضح على تقييم الالتزام بالعادات الخمس.
أما فيما يخص الآليات غير الرسمية، فإننا نعتمد فلسفة قوية للغاية للمكافأة والتكريم، والتي أصبحت بدورها تركز بشكل نوعي على هذه العادات، في إطار سعينا لإرساء مفهوم التعزيز الإيجابي، حيث عمدنا إلى صياغة ذلك بشكل رسمي منذ حوالي ثمانية أشهر، ولمسنا زيادة هائلة في تكريم السلوكيات الإيجابية بشكل مادي ومعنوي.
ولدينا في الشركة مجلس متخصص في الثقافة، يضم 15 قائدًا من خلفيات متنوعة، كما أصبح لدينا الآن مديرة مسؤولة عن ثقافة المؤسسة، وهي نائب رئيسي لرئيس مجلس الإدارة، والتي تقضي حوالي 60 في المئة من وقتها في قيادة هذه المبادرة. إلى جانب ذلك، يوجد لدينا 75 من "أبطال العادات الحسنة" في مختلف أنحاء العالم، والذين يحملون شغفًا كبيرًا بهذه المبادرة، ليكونوا بذلك رمزًا ومحركًا رئيسيًا لها.
ماكنزي: احتفلت ويبرو بالذكرى الـ 75 على تأسيسها في عام 2020، أين ترى ويبرو في الذكرى المئوية لتأسيسها؟
رشاد بريمجي: يصعب التنبؤ بالوضع الذي سيكون عليه العالم بعد 25 سنة من الآن، وخاصة لشركة تشهد تغييرات جذرية وتحدث تحولات ثورية في مجالها، ولكني سأشعر بالفخر إذا نجحنا طيلة هذه السنوات المقبلة في الحفاظ على هويتنا الجوهرية، أي قيمنا وأساليب عملنا. والرائع بالنسبة لويبرو خلال السنوات العشرة الأخيرة كان زيادة أهمية الأهداف السامية بالنسبة لها كمؤسسة، حيث أصبحت 67 في المئة من ملكيتها تعود لمؤسسة خيرية، أي أن نشاطنا التجاري كشركة بات مرتبطًا بشكل وثيق بالعمل الخيري.
ولا يمكننا كمؤسسة تجاهل المشاكل التي تؤثر على المجتمعات التي نعيش وننشط فيها، بما في ذلك التغير المناخي، والمشاكل المتعلقة بالتنوع والتقبل والمساواة الاجتماعية، إذ ينبغي علينا أخذ هذه المشاكل على محمل الجد، وإيجاد سبل تتيح لمؤسستنا المساعدة على حلها، ومن الأمثلة على ذلك، التزامنا بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2040.
وآمل أن تبقى هذه المبادرات والجهود جزءًا من صميم عملنا خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، بالتوازي مع التركيز على الارتقاء بأدائنا وقدرتنا التنافسية لتحقيق الازدهار لأعمالنا في قطاع التكنولوجيا.