كيفية إتقان فن رحيل الرئيس التنفيذي عن منصبه وتسليم دوره ومقاليد القيادة بسلاسة

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

كيف تعرف أن الوقت قد حان وأن اللحظة باتت مناسبةً للرحيل؟ وكيف تقوم بإعداد وتطوير جيلٍ جديد من القادة يمكنهم الاستمرار من بعدك ليخلفونك في استكمال مسيرة نجاح المؤسسة؟ في هذه الحلقة من برنامج "داخل غرفة الاستراتيجية" - وهي الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة رحلة الرئيس التنفيذي ، يُحدّثنا ثلاثةٌ من الخبراء عن العناصر الرئيسية التي تُسهم في عملية الرحيل الناجح للرئيس التنفيذي وهم: كارولين ديوار، المشاركة في تأليف كتابنا الأكثر مبيعًا مؤخرًا والذي يحمل عنوان "تميُّز الرؤساء التنفيذيين"، وهي الشريك المؤسس في قيادة ممارسة تميُّز الرؤساء التنفيذيين بشركة ماكنزي. بلير إبستين، وهو أحد المساهمين بشكلٍ كبير في هذا الكتاب، ويعتبر قائدًا في ممارسة تميُّز الرؤساء التنفيذيين، وكيرت ستروفينك قائد مبادرتنا العالمية للرؤساء التنفيذيين. وفيما يلي نَص الحوار الذي دار معهم. وللحصول على المزيد من المعلومات الهامة حول أهم القضايا الاستراتيجية الخاصة بالأعمال، ندعوك لمتابعة هذه السلسلة على منصة البودكاست "داخل غرفة الاستراتيجية".

شون براون: في المرحلة الأخيرة من فترة تولي الرئيس التنفيذي لمنصبه، ما هي التحديات الفريدة التي يواجهُها القادة؟

كيرت ستروفينك: غالبًا ما تتسم هذه المرحلة بالاستقرار الداخلي، حيث يكون فريق العمل قد حقق الكثير، وأصبح الوقت سانحًا للتفكير في مرحلةٍ جديدة من النمو والتطوير. وعادةً ما يُدرك كبار الرؤساء التنفيذيين، وبدافعٍ من حدسهم الخاص أن بناء جيلٍ جديدٍ من القادة سيكون أمرًا حيويًا لإرثهم الخاص وللمؤسسة التي يعملون بها بشكلٍ عام. ولكن دائمًا ما تظل عملية الانتقال أو الرحيل الفعلي معقدةً لعدة أسباب.

أحد هذه الأسباب هو أن فكرة الرحيل أو الانتقال في حد ذاتها غالبًا لم تطرأ من قبل على ذهن الرئيس التنفيذي وتكون الأولى من نوعها في مساره المهني. حتى الرؤساء التنفيذيين الأسطوريين - إن جاز التعبير - قد لا يكونوا مرّوا بتحولٍ من هذا القبيل من قبل. أيضًا، يعد عنصر تحديد الوقت المناسب للانتقال والالتزام به أمرًا غير سهل. وكما قال لنا "لويد بلانكفاين"، الرئيس التنفيذي السابق لبنك "Goldman Sachs" ، "عندما تكون الأمور صعبة، لا يمكنك المغادرة، وعندما تكون الأمور رائعة، لا ترغب في المغادرة. لذا يتعين عليك التفكير بشكل متعمق للوصول إلى قرار صائب ليس فقط من جانبك الشخصي، ولكن أيضًا من جانب خليفتك المحتمل. وأخيرًا، يجب عليك أن تحدد ما ستقوم به لاحقًا. فهناك حياةٌ أخرى بعد أن تترك منصبك كرئيس تنفيذي، غير أن كثيرٌ من القادة وأغلب الأحيان يفضلون الاستمرار في مناصبهم لعدم ثقتهم فيما قد يحدث بعد ذلك. والبعض الآخر يعتبر التفكير في الخطوات التالية ومدى قدرتهم على تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات الجديدة جزءًا هامًا من عملية اتخاذ القرار بالرحيل عن دور الرئيس التنفيذي.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

شون براون: وكيف تعرف أن الوقت قد حان للبدء في التحضير لخروجٍ لائق؟

كيرت ستروفينك: من الطبيعي أن يتردد الشخص في تحديد التوقيت المناسب للانتقال، خاصةً إذا لم يكن قد فكر من قبل في تلك الخطوة. ولكن بالتأكيد هناك إشارات تشير لضرورة البدء في التفكير، كأن تشعر مثلًا بأن العالم قد بدأ في التغير من حولك بشكلٍ لا ترغب فيه، أو أن تكون هناك مرحلة نموٍ لست من يقودها. كذلك يمكنك اتخاذ قرارك بالانتقال إذا كنت تعتقد بأن الجيل الجديد جاهزٌ لتحمل المسؤولية بالفعل، وأنه من الممكن أن تستفيد المؤسسة من هذه الطاقة الجديدة. ويمكن أيضًا أن يكون قرارك بالانتقال نابعًا من قناعتك بأن عدم خروجك سيُجبر هؤلاء الكوادر من القادة المحتملين على ترك المؤسسة، وذلك على عكس ما قد يرغب فيه أي رئيسٍ تنفيذي حريص على الاستثمار الناجح في الأجيال القادمة. كما أن هناك أيضًا عاملٌ آخر قد يدفع إلى ضرورة الانتقال، وهو اقتناعك التام بأنك قدمت كل ما في وسعك للمؤسسة وليس هناك من جديدٍ تضيفه. فإذا كنت تعرف ما سيقوله الناس قبل أن يفعلوا، فتلك دلالةٌ دامغة على أنك لن تتعلم شيئًا جديدًا.

شون براون: وإذا لم تكن متأكدًا من جاهزية الجيل القادم لتولي المسؤولية، فهل تفضل حينها أن تغادر منصبك مبكرًا أم متأخرًا؟

كيرت ستروفينك: في هذه الحالة ننصح بأن تستعد للرحيل المبكر. لأن الأمر لا يعتمد فقط على جاهزية الجيل القادم للقيادة، وإنما يعتمد أيضًا على مدى النضج في الحوار حول عملية انتقال المسؤولية مع المعنيين، فضلاً عن تأثير الأحداث الخارجية في اتخاذ القرار. وهنا ستحظى بإعجاب واحترام الجميع عندما يرونك تغادر كرسيّك وأنت في قمة عطائك. وهنا يحضرني حديثٌ لأحد الرؤساء التنفيذيين، والذي شعر بأن بعض الأشخاص في محيطه قد غادروا متأخرين جدًا، فأدرك وقتها مدى صعوبة اتخاذ قرار الرحيل المبكر.

شون براون: إلى أي مدى قد تؤثر العوامل الخارجية في تحديد الرؤساء التنفيذيين للتوقيت المناسب في اتخاذهم لقرار الرحيل؟

كيرت ستروفينك: كما ذكرتُ في السابق، أن التأثيرات الخارجية لها دورٌ كبير في اتخاذ الرئيس التنفيذي قراره بالرحيل، فمن الممكن لهذه العوامل أن تكون دافعًا لتعيين رئيس تنفيذي جديد للمؤسسة، فمنها مثلًا أن تطرأ متغيراتٌ كبيرة على الصناعة أو السوق تحتاج لشخصٍ آخر أكثر قدرة على القيادة يمتلك مهاراتٍ وخبرات مختلفة. وأكبر مثال على ذلك "غيل كيلي"، التي قادت بنك "Westpac" في أستراليا حيث أسست منظومةً ناجحة للتركيز على العملاء. ومع ذلك، فعندما بدأ البنك في التّوجه نحو المستقبل الرقمي، شعرت "كيلي" بأن الحاجة أصبحت مُلحّةً إلى قائد يمتلك خبراتٍ أكبر في هذا المجال ليقود البنك في تلك المرحلة التحوّلية.

كارولين ديوار: ومن الممكن أن تؤثر العوامل الخارجية في اتخاذ القرار بشكلٍ عكسي. وهذا ما حدث بالفعل خلال جائحة كوفيد – 19، حيث شاهدنا العديد من الرؤساء التنفيذيين يقررون البقاء في مناصبهم بدافع الاستمرارية، بعد أن استعدّوا بالفعل للرحيل. الأمر الذي نجم عنه زيادةً في عدد الرؤساء التنفيذيين الراغبين في الرحيل عن مناصبهم. كنت أنا وكيرت على تواصلٍ مع أحد الرؤساء التنفيذيين في آسيا مؤخرًا، وكان يرغب بالفعل في الرحيل ولكن الإدارة العليا لمؤسسته طالبته بالبقاء. قد يحدث هذا كثيرًا؛ فبعض الإدارات العليا لا تميل إلى إحداث تغيير في القيادة كما يفعل الرؤساء التنفيذيين.

شون براون: وما هي الطريقة المُثلى التي تقترح أن يطرح بها الرئيس التنفيذي قرار الرحيل على الإدارة العُليا للمؤسسة، ولكن من دون أن يُحدث ذلك نوعٌ من الشك في التزامه أو التزامها بتنفيذ دوره؟

كيرت ستروفينك: لتجنب حدوث أي التباسٍ في فهم الأمر، لابد أن تؤكد للإدارة العُليا للمؤسسة من البداية بأنك ترغب في التركيز على إعداد كوادر قيادية تصلح لخلافتك عند الرحيل، ليس لأنك ترغب في الرحيل أو تخطط له، وإنما لأنك تسعى بشكلٍ جاد لتطوير مهارات عدد من المرشحين ليصبحوا مستعدين لتولي المسؤولية فيما بعد. أما بالنسبة للفريق القيادي فأنصح بإرجاء ابلاغهم بقرار الرحيل حتى تكون قريبًا من وقت الانتقال بالفعل، فلا يجب أن تتسبب في تشتيت انتباه الموظفين، الذين بالتأكيد سيبدؤون في طرح الأسئلة محاولين التكهن بإسم الرئيس التنفيذي القادم.

بلير إبستين: هذا بالفعل سؤال كثيرًا ما نتلقاه من العملاء. من الضروري أن تبدأ في وضع خطة من سيخلفك في منصبك منذ اليوم الأول لتوليك المسؤولية. براد سميث من شركة " Intuit" قال لنا أنه ومن اليوم الأول له في منصب الرئيس التنفيذي تم توجيهه بضرورة التخطيط لمن سيخلفه عند مغادرته. حتى أنه تحدث عن هذا الأمر في اجتماعه الأول بمجلس الإدارة، ثم ظل يقدم مجموعة من التقارير الشفهية كل ثلاثة أشهر، وتقارير أخرى رسمية بشكلٍ سنوي لمدة 11 عامًا كاملة تولى فيها منصب الرئيس التنفيذي، حتى أنه ناقش هذا الموضوع مع مجلس الإدارة 44 مرة.

قد يكون أمرًا غريبًا وغير مألوف وأنت تبدأ مهامك كرئيسٍ تنفيذيّ أن تلتقي بفريقك المساعد وتقول لهم، "مرحبًا، أنا رئيسكم التنفيذي الجديد، ولكن دعونا الآن نتحدث عن خليفتي" ولكنك إذا فعلت ذلك، فإنك ستتجنب واحدًا من أهم التوترات التي ألمح إليها "كيرت". فلا يجب أن تتحول فكرة اختيار من يخلفك إلى سباقٍ سياسيٍ مدمر يُهدد وحدة الفريق، مما يلقي بظلالٍ سلبية على المؤسسة ككُل. وهذا هو النّهج الذي اتبعته "جيل كيلي"، و هو أن تكون مباشرًا مع المرشحين لخلافتك قائلًا: "لنعمل سويًا على تطوير مهاراتكم القيادية ، وهذه هي المسارات المحتملة التي يمكن أن تسلكوها ،والتي من الممكن أن تقودكم لمنصب الرئيس التنفيذيّ". وهذا النّهج الواضح الذي اتبعته يُجنّب المؤسسة الدخول في صراعاتٍ من غير المقبول حدوثها.

من الأهمية بما كان أن تُفكر في خليفتك، ليس فقط ليسهُل عليك الرحيل، ولكن أيضًا بهدف تطوير مهارات أشخاصٍ يمكنهم تحمل مسؤولية قيادة الفريق من بعدك. عليك أن تتخذ الخطوات اللازمة لمساعدة خلفائك المحتملين حتى يصبحوا مستعدين ومؤهلين حقًا لشغل منصب الرئيس التنفيذي خلفًا لك. لقد قام بيوش غوبتا من بنك "DBS" بالتعاون مع رئيس الموارد البشرية في البنك بالعمل معًا على وضع قائمة للمرشحين، ثم قاموا بعد ذلك باختيار أفضل 100 مرشح من بينهم ممن يتمتعون بقدراتٍ عالية للقيادة، ليتم العمل والتركيز على إدارة مسيراتهم المهنية، وتقديم التوجيه اللازم لهم، لمساعدتهم على فهم الدور المنوط بهم في المستقبل. كما يتم وضعهم أيضًا وعن عمدٍ في مواقف يمكنهم من خلالها التعلم والتفوق. كالتنقل بين مناصب القادة الوظيفيين بهدف الحصول على أكبر قدرٍ من الخبرة التشغيلية، أو تكليفهم بالعمل على مشاريعٍ محددة بفترة زمنية ولكن يُشترط تنفيذها بأعلى مواصفات الجودة، حيث يمكنهم من خلال تلك التحديات إبراز قدراتهم في القيادة.

شون براون: وما رأيك لو تم اختيار نائبًا للرئيس التنفيذي، لتسهيل عملية رحيل الرئيس التنفيذي، ولتجنب حدوث مثل تلك الصراعات السياسية؟

بلير إبستين: بالفعل هناك حاجةٌ لهذا المنصب، فهناك أدوارٌ مختلفة يؤديها نائب الرئيس التنفيذي، و اللقب وحده لا يعني بالضرورة أنه سيخلُفك، ففي بعض الأحيان، يقوم القادة باستحداث مناصب لأشخاصٍ من المحتمل أن يخلفوهم، أو مناصب تُحاكي الأدوار التي يقوم بها رئيس الشركة وذلك للارتقاء بالمسيرة المهنية لشخصٍ معين والسماح له باكتساب خبراتٍ أكبر، بما في ذلك بناء علاقاتٍ مع أطرافٍ خارجية.

أما بالنسبة لسؤالك، فيتوجب عليّ أن أعطيك الإجابة المخيفة والمألوفة لدى الاستشاريين "إن ذلك يختلف باختلاف الواقع"، فمن الممكن أن تكون فكرة الاستعانة بنائبٍ للرئيس التنفيذي فكرةٌ خلّاقة بالفعل، حيث تمنح الشخص تجربةً إضافية، بينما أنت هنا لتقدم الإرشاد والدعم اللازمين لهم جميعًا عند الحاجة، وبالتالي من الممكن أن يصبحوا رؤساء تنفيذيين تحت التدريب. ومن هنا قد تظهر المشكلة، حيث من المُحتمل أن تؤدي هذه الفكرة إلى بطءٍ في دولاب العمل، ويأتي ذلك نتيجة عدم وضوح الرؤية لدى الجميع فيما يتعلق بمهام الدور ومن هو صاحب القرار النهائي. فإذا لم تظهر كرئيس تنفيذي مع نائبك كوحدةٍ واحدة، فمن الممكن أن يستغل البعض هذا الأمر ضدّكما، إما بشكلٍ متعمَّد أو غير متعمَّد. كما أنه من الممكن أن يساء فهم نظامٍ كهذا حيث أنك تضع نائبك تحت الاختبار فيُفسر هذا الأمر على أنك لست واثقًا بشكلٍ كامل من استعداده وجاهزيته لتولي المنصب.

ومع استقرارك على نائبك الذي سيخلفك، سيكون من السهل وقتها أن تتقبل فكرة رحيل الأشخاص الذين يتطلّعون لتولي المنصب القياديّ من بعدك، ويمكنك حينها أن تتعامل مع السلبيات التي أسلفنا ذكرها سابقًا بكل ثقةٍ وصدقٍ في أنك تقوم بذلك لتأهيل الجيل القادم وإعداده للقيادة.

كيرت ستروفينك: من الأفضل عند قيامك كرئيسٌ تنفيذيٌّ باختيار نائبٍ لك أن تُقدم على هذه الخطوة قبل ستة أشهرٍ أو 12 شهرًا كحدٍ أقصى قبل مغادرتك لمنصبك، ولا يجب أن تتجاوز هذه الفترة بأي حالٍ السنتين، لأنه في هذه الحالة سيبدو الأمر وقتها على أنه تأجيلٌ للقرار، مما يتطلب التفكير بشكلٍ مختلف في نموذج القيادة التشغيلي. وهناك أمرٌ آخر يجب الالتفات إليه، ألا وهو الّلقب نفسه؛ "نائب الرئيس التنفيذي" الذي في حد ذاته يُثير العديد من التساؤلات حول السبب الذي يمنع تعيينه كرئيس تنفيذي. وهنا يمكن اللجوء لألقابٍ أخرى، مثل رئيس أو مدير العمليات، والتي قد تكون ملائمةً بشكلٍ أكبر للمؤسسة، خاصةً بعد مرور عامين على فترة الانتقال.

شون براون: ما الذي ينبغي أن يفعله الرئيس التنفيذي عندما لا يكون لديه خلفاء من داخل المؤسسة؟

بلير إبستين: إن بعض الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثنا معهم بالفعل كانوا واضحين ومباشرين عند الإجابة على هذا السؤال، فإذا لم يكن لديك على الأقل ثلاثة مرشحين من داخل المؤسسة يمكنهم خلافتك في منصب الرئيس التنفيذي – حتى وإن كانوا جميعهم ليسوا على أعلى درجات الكفاءة، أو حتى غير جاهزين في نفس الوقت لتولي المنصب – فاعلم أنك لم تقم بعملك على الوجه الأكمل. حيث أنه وفي أغلب الحالات، إذا قمت باختيار الشخص الصحيح للقيام بالدور المناسب له، فسيتمكن واحدٌ منهم على الأرجح من الوصول لمقعد الرئيس التنفيذي في نهاية المطاف. كما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضًا وأنت تخطط لعملية الخلافة، أنها قد تتوسّع لتشمل أفرادًا من خارج المؤسسة، وهذا التوسع يعتمد بشكلٍ كبير على شبكة علاقاتك الخارجية مع أشخاصٍ قد ترى فيهم قدرات معينة تؤهلهم لخلافتك.

وإجمالًا، فإن خطة اختيار خليفتك تعتمد بدايةً على وضع رؤيةٍ واضحة يمكن من خلالها قياس مدى ملاءمة هذا الرئيس التنفيذي أو ذاك للمؤسسة، ومدى امتلاكه للخبرات والقدرات التي تؤهله لقيادة الشركة وفقًا لمنحنى تطورها وأهدافها التي تسعى إلى تحقيقها في المستقبل القريب. ويمكن لهذه الرؤية أن تقود عملية تطور القيادة داخل الشركة، من خلال مشاركتها مع مجلس الإدارة، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية، حيث أن اختيار من يخلفك ليس قرارك وحدك في النهاية.

شون براون: وبعد الاستقرار على اختيار الرئيس التنفيذي الجديد، ما هي الطريقة المُثلى للتحضير لعملية الانتقال؟

بلير إبستين: الخطوة الأولى التي يجب أن تسبق كل شيء هي بناء علاقة قوية و راسخة مع خليفتك، وذلك عن طريق إجراء محادثاتٍ صريحة ونقاشات مفتوحة معه حول كل ما يتعلق بتسليم المهام . وهنا يجب عليك أن توضح لخليفتك أمرًا هاما، وهو أن عمله ليس أن يصبح نسخةً منك، لذا عليك بالتفكير في الطريقة التي يمكن من خلالها توصيل هذا المعنى له، ومساعدته ليفهم ويدرك كيف يرى نفسه كرئيسٍ تنفيذي، خاصةً إذا كان من وقع عليه الاختيار من داخل المؤسسة، فمن المؤكد أنك تحظى باحترامه. لذا من الضروري أن تشرح له أهمية التطور والابتكار، وكيف يمكن لشخصيته ورؤيته الفريدة أن تُسهم في نجاح المؤسسة.

هناك اعتبارٌ آخر لا يقل أهمية، وهو ضرورة مراعاة القرارات المهمة والصعبة، والتي من الممكن أن تكون مستترة أو غير ظاهرةٍ على السطح. فقد أشار "مايكل فيشر"، الرئيس التنفيذي السابق. لمستشفى "Cincinnati" للأطفال، إلى أن الرئيس التنفيذي يمتلك ما يُطلق عليه "رأس المال السياسي"، والمقصود به هنا النفوذ والقوة التي يتمتع بها بحُكم موقعه أو دوره السابق في المؤسسة، وهو ما ينقُص الشخص الجديد. فكيف يمكنك استغلال تلك القوة لتتأكد من عدم تسلل أي مشكلةٍ قد تُحدث فوضى للشخص الجديد المنوط به تولي المسؤولية من بعدك؟

بالإضافة إلى ذلك، يجب التوصل إلى خطة انتقال واضحة، بحيث تكون الأدوار واضحة كُلياً خلال هذه المراحل، تماماً كما ناقشنا في السابق مسألة الوضوح في الأدوار بين الرئيس التنفيذي ونائبه. إذ يتوجب على الجميع أن يكونوا على دراية شاملة بمسؤولياتهم، ومعرفة من سيشغل المنصب القيادي ومن هو المسؤول الرئيسي، كما ينبغي تقديم الدعم الكامل للشخص الذي سيتولى المنصب الرئيس من بعدك. وفي الواقع نرى غالبًا في حالات الانتقالات والتحولات الداخلية على صعيد الهيكل التنظيمي للمؤسسة، وجود فترة انتقالية تمتد لمدة تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر، حيث تكون أنت صاحب القرار خلال الشهور الأولى، مما يتيح لمن سينوبك أو يكون الرئيس من بعدك، سواء كانت هويته معلنة بشكل رسمي أم لا، الفرصة للارتقاء والتعلم والتطور بشكل سلس، وكذلك الفرصة لتولي المسؤوليات تدريجيًا تحت توجيهك. بينما قد تشمل المرحلة التالية اتخاذ قرارات تتسم في كونها تعاونية أكثر بين الطرفين، تشبه ديناميكية مساعد الطيار، ولكن من المهم عدم إطالة هذه المرحلة بشكل مفرط. في حين تأتي المرحلة الأخيرة بمثابة المحطة النهائية لقرار انساحبك تدريجياً عن الجوانب التشغيلية والعمليات اليومية، ليتمحور دورك حول تقديم النصائح والدعم اللازم إلى حين موعدك النهائي في ترك المنظمة بشكل رسمي.

المرحلة الأخيرة تتضمن أن تبتعد عن الساحة وتتيح لمن سيخلف المنصب من بعدك أن يتولى الزمام. ويمكن أن تكون هذه المهمة صعبة، لذلك يجب عليك أن تفكر بعناية في كيفية التعامل مع بعض الحالات وكذلك مع التحديات التي قد تواجهك، على سبيل المثال، عندما يتصل بك عضو في مجلس الإدارة أو مستثمر أو عميل أو رئيس تنفيذي كبير ويقول: "لا أعرف إلى أي حد الرئيس التنفيذي الجديد يستطيع أن يتعامل مع التحديات، هل يمكنك مساعدتي في عملية الانتقال؟" بمعنى آخر عندما يطلب منك أي أحد من المذكورين سلفًا مساعدته في فهم أداء الرئيس التنفيذي الجديد. لذلك يتعين عليك منح الرئيس الجديد المساحة اللازمة لتحمل المسؤولية بشكل كامل وإظهار مهاراته وقدراته بشكل واضح.

شون براون: هل يمكنك تقديم أي نصائح تفيد في التعامل مع المرحلة النهائية؟

بلير إبستين: إحدى الأساليب الفعّالة التي وجدناها مفيدة هي وضع خطة محكمة للـ100 يوم الأخيرة. تتبع هذه الطريقة المنهجية المستخدمة عادةً من قبل الرؤساء التنفيذيين الجُدد الذين يقومون بتحضير خطط لأول 100 يوم في مناصبهم، فمن الضروري الحفاظ على نفس مستوى الانضباط الاستراتيجي أثناء استعدادك لمغادرة المؤسسة. فعلى سبيل المثال، عليك التفكير أولاً في كيفية اختتام هذه المرحلة على نحو جيد وبطريقة سلسة. لذلك قم بتحديد الخطوات اللازمة لإنهاء الفترة النهائية بالشكل المناسب، مع ضمان مشاركة خليفتك بشكل مناسب في القرارات التي ستؤثر على الأمور القيادية، كما يتوجب عليك أيضاً تجنب اتخاذ قرارات هامة بشكل متفرد من غير الرجوع إلى آراء تعاونية وتشاركية، مثل عمليات الاندماج والاستحواذ التي قد تُحدث تغييرات كبيرة. هناك جانب آخر لإتمام المرحلة الختامية على نحو رائع، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المنظمة. ألا وهو زيارة الزملاء، وتبادل التحية مع الجميع، وتقديم الشكر ، وترك الفرصة لهم أيضاً للتعبير عن الامتنان بالمثل.

فكر في كيفية تسهيل عملية التحول وجعل عملية الانتقال أكثر سلاسة لمن سينوب عنك ويخلف منصبك. هل هناك قرارات صعبة يمكنك التعامل معها قبل أن يبدأ الرئيس التنفيذي الجديد في مهامه؟ خاصة وأن هذه القرارات يمكن أن تتعلق بالموظفين، أو الجوانب المالية، أو تحسين تشكيلة الأعمال. كما يمكنك أيضًا دعم خليفتك من خلال تعزيز ثقته في كل حوار أمام بقية الموظفين والتحدث معهم بثقة وإيجابية وحماس حيال فترة الانتقال القادمة في القيادة.

هدفك ليس فقط نقل المسؤوليات، ولكن أيضًا حتى نقل الاتصالات المرتبطة بالمنصب. فالسؤال هنا: هل يمكنك مساعدة خليفتك في بناء علاقات فعّالة مع أصحاب المصلحة الداخلية والخارجية؟ بالإضافة إلى ذلك، يتوجب عليك تقديم الارشادات ومشاركة أفكارك وتوجهاتك في العمل، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبيرة الجارية. وناقش أيضاً الجوانب المرتبطة بالمواهب والرؤى الفريدة التي قد تنفعهم ولا يعلمها إلا أنت والقليل ممن هم حولك.

وأخيراً، تأكد من تحديد الدور الذي تنوي القيام به بوضوح بعد تنحيك. مع العلم يعتبر العمل كمستشار أحد الطرق الشائعة، حيث يمكنك أن تظل متاحًا للإرشاد والتدريب بحسب تقدير الرئيس التنفيذي الجديد. وهناك نموذج آخر كثيراً ما يتم استخدامه ألا وهو تولي دور رئيس مجلس الإدارة، وهو وسيلة لتقديم الدعم للرئيس التنفيذي الجديد مع الحفاظ على وضوح الأدوار. ومع ذلك، ينطوي هذا النهج على بعض التحديات، حيث يشعر بعض الرؤساء التنفيذيين بصعوبة تقديم ملاحظات بناءة وتحسينات بينما لا يزالون يعملون في الشركة. وعلى الرغم من أن دور رئيس مجلس الإدارة قد يكون مناسبًا في بعض الحالات التي تتطلب دعمًا إضافيًا، إلا أنه يجب الانتباه وتوخي الحذر في اختيار الدور الأمثل حسب الحاجة.

شون براون: يمكن أن يكون هناك تأثير من هيكل الشركة على تفاصيل تنفيذ عملية التحول القيادي. فالسؤال المطروح هنا: هل توجد أي اختلافات، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالشركات التي تملكها العائلة؟ وكيف يمكن تفادي سيناريوهات مثل تلك التي نشهدها في مسلسل التلفزيون "Succession"؟

كارولين ديوار: في السياق الذي شهدته، يكمن التحدي الرئيسي في قرار الرئيس حول اللحظة الملائمة لنقل المسؤولية إلى الجيل القادم أو الرئيس القادم، خاصة وأن الجيل القادم يشعر بأن المعايير والمتطلبات تتغير باستمرار. لذلك من المفيد تبني بعض الأساليب والإجراءات المتبعة في الشركات غير العائلية. ومن هذا المنطلق، ينبغي أن يكون التركيز على ما تحتاجه الشركة من رئيسها التنفيذي الحالي، وما هي العلامات المؤكدة التي تُظهر استعداد الرئيس القادم؟ وإذا كان هناك حاجة لتطوير المهارات، دعونا نكون مُستفيضين في ذلك ونحدد جدول زمني له.

كيرت ستروفينك: هناك جانب آخر في عمليات الانتقال الخاصة بالشركات ذات الملكية العائلية مثل أسباب تأسيسها، وقيمها، وكيفية تسويقها. في مثل هذه السيناريوهات، يتسنى للوارث التحدث عن هذه القضايا بسهولة أكبر عندما يكون جزءًا من العائلة.

شون براون: يواجه الرؤساء التنفيذيين العديد من التحديات عندما يحين الوقت لتسليم زمام الأمور. فكيف يمكن للقادة التعامل مع الجوانب النفسية لترك منصبهم؟

كارولين ديوار: بعض الرؤساء التنفيذيين يظلون في مناصبهم لفترات طويلة بسبب عدم تحديد الخطوة التالية. يُسَهِّل التنحي في الوقت المناسب عندما يكون لديك شغف آخر في الحياة. يتطلب ذلك التأمل فيما يهمك بعيدًا عن دور الرئيس التنفيذي. قد يكون هذا تحولًا جديدًا يركز على العلاقات أو الأصدقاء أو العائلة أو الهِوايات أو العمل الاجتماعي. بعض الأفراد يركزون بشكل كامل على دورهم الرئيسي، بينما يقوم آخرون بجهد متعمد لإعادة توجيه اهتماماتهم في المرحلة الأخيرة. لذلك قم بالتحدث مع الأصدقاء والعائلة لتذكير نفسك بأن دور الرئيس التنفيذي هو جزء صغير من هويتك وليس كل شيء بالنسبة لك.

بعض الرؤساء التنفيذيين يتبعون مسارًا يتضمن أخذ إجازة لمدة عام أو ستة أشهر. يعتبر ذلك خطوة مفيدة تساعدهم على تجنب القرارات الفورية وتعزيز صحتهم وجودتهم في النوم وتعزيز علاقاتهم. فغالبًا ما تكون القرارات التي يتخذونها في نهاية هذه الفترة مختلفة عن تلك التي كانوا يعتزمون اتخاذها خلال فترة الانتقال.

Explore a career with us