رغم الترابط الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده عالمنا المعاصر والآفاق الإيجابية التي تنتج عن ذلك، باتت الصراعات الجيوسياسية تتجلى بشكل كبير، حيث أصبحت من بين الثلاث قضايا الأهم التي تحظى باهتمام كبير من قبل الرؤساء التنفيذيين في عام 2023.1
للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وهناك تفاوت واضح في مستوى إدراك المخاطر الجيوسياسية في عالم الأعمال، فبينما يعتبرها الرؤساء التنفيذيون وقادة الأعمال ضرورة حتمية، لا يمتلك أعضاء مجالس الإدارة نفس مستوى الوعي حول أهمية هذه التطورات الجيوسياسية وتأثيرها على مسيرة أعمالهم. فما هو دور مجلس الإدارة والرؤساء التنفيذيون، في بناء وإدارة مؤسسة مرنة في خضم المشهد العالمي المحفوف بالتوترات والاضطرابات الجيوسياسية؟
تسلط هذه المقالة الضوء على إجابة هذا السؤال الهام، كما تقدم مقترحات وتوصيات بشأن المنهجيات وأطر العمل التي يتعين على قادة الأعمال اتباعها. ونستند في تقديم تلك التوصيات إلى تواصلنا مع أعضاء مجالس إدارة عدد من الشركات العالمية الرائدة، بجانب خبراتنا الواسعة كأعضاء مجلس إدارة فيما يتعلق بالمخاطر الجيوسياسية.
العالم بين الترابط والاضطراب
يشهد النظام العالمي في الوقت الراهن اتجاهات متباينة. فمن ناحية، تشير دراسات مركز ماكنزي العالمي للأبحاث حول التدفقات العالمية إلى الترابط القوي كأحد السمات الأساسية لعالمنا المعاصر2، حيث تضاعفت الصادرات، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، منذ عام 1990. كما لاحظنا نموًا مضاعفًا في تجارة الخدمات والمنتجات الرقمية وغير المادية، مثل تدفق البيانات والأصول غير السلعية وحقوق الملكية الفكرية، مقارنة بحجم تجارة السلع والأصول المادية. وبالإضافة إلى ذلك، قد بلغت تدفقات العاملين من أصحاب المواهب عبر الحدود أعلى مستوياتها على الإطلاق. ولكن على الصعيد الآخر، تتجلى في الوقت الراهن اضطرابات جيوسياسية عنيفة، فكما صرح المستشار الألماني "أولاف شولتس" قائلاً: يواجه المشهد العالمي حاليًا نقطة تحول تاريخية، حيث أسفرت الاضطرابات على الصعيد الدولي عن ظهور قوى جديدة، كما انتعشت بعض الدول التي كانت تمثل قوى عظمى في الماضي، وعادت لتلعب دورا محوريًا في الساحة الدولية. فيشهد عالمنا الجديد متعدد الأقطاب منافسة شرسة بين مختلف الدول والحكومات بهدف فرض سطوتها وتحقيق السلطة والنفوذ.3
ويمكننا تحديد ثلاثة مستويات للنظام العالمي من منظور جيوسياسي وذلك وفقًا لتحليل الدكتور "جوزيف ناي"، عالم السياسة الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفارد، بشأن مستقبل القوة في عالمنا المعاصر.4 فيتجلى النظام الأحادي القطب في الجانب العسكري، حيث تهيمن الولايات المتحدة على المشهد العسكري منفردة. أما على المستوى الاقتصادي، يتبلور النظام ثلاثي الأقطاب، حيث تتنافس الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الزعامة الاقتصادية. وينطوي المستوى الثالث على بُعدًا سياسيًا متعدد الأقطاب، حيث تنشط "القوى المتوسطة" مثل الهند والمملكة العربية السعودية، وتسعى لبناء مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات المستقلة الرامية إلى توسيع نطاق نفوذها العالمي.
وفي خضم هذه التحولات الجيوسياسية الفارقة، يواجه العالم اثنين من التحديات البارزة وهما الغزو الروسي لأوكرانيا في أوروبا، بالإضافة إلى تصاعد حدة التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيط الهندي -الهادئ. وتطرح تلك الأحداث سؤالاً مهماً يتبادر إلى أذهان العديد من قادة الشركات اليوم: فبعد تقليص نشاط روسيا كواحدة من أكبر اقتصادات العالم في العام الماضي، كيف ينبغي للشركات توجيه أعمالها نحو الصين، التي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟ وعندما يُنظر إلى الخيارات المتاحة، فيتعين على المؤسسات اختيار إذا ما ستتبنى الاستراتيجيات التي تحد من المخاطر، كما أشارت "أورسولا فون دير لاين"، رئيسة المفوضية الأوروبية، أم يجب عليها اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من الاعتمادية على العلاقات المشتركة مع الصين؟5
وقد يشعر معظم أعضاء مجالس الإدارات أنهم غير مستعدين لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن هذا التساؤل المحوري، علمًا بأنه ليس التساؤل الوحيد الذي يطرح نفسه في هذا السياق المعقد. فكيف ينبغي للمؤسسات أن تدير التخطيط الاستثماري طويل الأجل الذي قد يمتد لعقود متعددة، في ظل التغيرات الجيوسياسية المتلاحقة؟ وكيف يمكن للشركات أن تتجاوز العراقيل المعقدة لضوابط التصدير والقيود والعقوبات المتعلقة بالتجارة العالمية، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بتوطين البيانات، مما يشكل عائقًا للمؤسسات يحول دون ترسيخ مكانتهم على نطاق عالمي.
ووفقًا للدراسات الاستقصائية حول توجهات مجالس الإدارة العالمية، أعرب غالبية المدراء عن استعدادهم التام لمواجهة التحديات المحلية على نطاق محدود. ومع ذلك، أشاروا أنهم غير مؤهلين للتعامل مع التحديات واسعة النطاق، مثل الأزمات العالمية الكبرى والاضطرابات على مستوى الاقتصاد الكلي، هذا بالإضافة إلى قضية تغير المناخ، حيث يصعب عليهم فهم أبعاد هذه التحديات الكبيرة بشكل وافٍ.
ويتعين على مجالس الإدارة أن تتكيف بسرعة ومرونة لمواكبة هذا النظام العالمي المتغير. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر تكثيف الجهود الرامية إلى تعميق الفهم، وتعزيز عمليات الرصد والمراقبة، بالإضافة إلى تخفيف المخاطر الجيوسياسية التي تلقي بظلالها على تطور المؤسسات حيث قد تحول دون ترسيخ مكانتهم على النطاق العالمي. وفي هذه المقالة نستعرض هذه المحاور بشكل مفصل، كما نطرح مجموعة من الأسئلة الاسترشادية التي من شأنها أن تدعم أعضاء مجالس الإدارة للتعامل مع الاضرابات الجيوسياسية بطريقة أكثر فعالية.
تعميق الفهم لتعزيز الخبرات والكفاءات
إن تعزيز قدرات مجالس الإدارة في تناول واستيعاب المخاطر الجيوسياسية يُعَدُ أمرًا حاسمًا لاتخاذ قرارات واعية بشأن مواجهة الاضطرابات العالمية.
وقبل الشروع في تنفيذ الاستراتيجيات اللازمة، يجب التأكد من كفاءة الموارد البشرية وأعضاء مجلس الإدارة لضمان امتلاكهم للمهارات المطلوبة والخبرات المتعلقة بالحوكمة للتعامل مع تلك المخاطر الجيوسياسية الشائكة. ومن ثَمَّ، يتطلب الأمر إعادة تقييم معايير تشكيل المجلس وإعادة هيكلة اللجان المختلفة وتحديد نطاق عمل المجلس بشكل عام. وتشمل المحاور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ما يلي:
- مجلس إدارة يتسم بمزيج من التنوع والتناغم ليشمل مجموعة واسعة من مختلف الخبرات والمهارات التي من شأنها أن تساهم في تنفيذ الاستراتيجيات الطموحة وتنخرط بشكل فعال في حل المشكلات المعقدة: وقد تشمل استراتيجيات تشكيل مجلس الإدارة ومعايير اختيار أعضائه، التي تحددها لجان الترشيح أو الاختيار في العديد من الأحيان، متطلبات واضحة لضمان وجود مجموعة من الأعضاء ذوي الخبرة في المجال الجيوسياسي (سواء المتعلقة بالإعلام أو الشؤون التنظيمية أو العلاقات الحكومية). كما يجب أن يكون لديهم فهم عميق للقضايا الجيوسياسية في الأسواق الرئيسية. ويمكن لهؤلاء المدراء أن يلعبوا دورًا محوريًا في إدارة العلاقات الدبلوماسية والتواصل مع الجهات المعنية الرئيسية بشكل فعال عبر مختلف الأسواق، مما يعزز الأهداف الاستراتيجية الرئيسية للإدارة ويساهم في تطورها، كما يرتقي بمستوى إدارة المخاطر. ويصعب تحقيق هذه المعادلة الصعبة إلا من خلال المديرين الأكفاء.
- تشكيل لجان متخصصة ذات خبرة واسعة ووعي كافٍ بالمجال الجيوسياسي: يمكن لهذه اللجان أن تلعب دورًا فارقًا في دعم مجلس الإدارة للتعامل مع المخاطر الجيوسياسية على كافة الأصعدة. فعلى سبيل المثال، تتولى لجان المخاطر مهمة التأكد من تصدر القضايا الجوهرية المتعلقة بالسياسة العامة والشؤون التنظيمية قائمة أوليات أجندات الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه اللجان النظر في إنشاء فرق عمل مستقلة تضم أعضاء من ذوي الخبرة لإدارة المخاطر الجيوسياسية واتخاذ التدابير اللازمة في مواجهة تلك المخاطر. وبالمثل، يمكن للجان المتخصصة في الشؤون المالية والحوافز، أن تخصص جزءًا من المكافأت المالية للرؤساء التنفيذيين شريطة نجاحهم في تنفيذ الاستراتيجيات الفعالة الرامية إلى الحد من المخاطر، وذلك من خلال وضع معايير محددة. وعليه، يمكن للرؤساء التنفيذيين والقادة أن يحصلوا على حوافز إضافية تعكس قدرتهم على التعامل بمرونة مع التحديات الجيوسياسية. فيعد توفير هيكل الحوافز المناسب ضرورة ملحة لتعزيز الكفاءات في المؤسسة، بهدف ضمان وجود الكوادر المناسبة في مختلف مستويات وأقسام الشركة.
- • تحديد الأدوار والمسؤوليات التي تقع على عاتق كلاً من أعضاء مجلس الإدارة وقادة الشركة من المديرين بشكل واضح: يجب اتباع منهجية فعالة لتوزيع المهام والمسؤوليات المتعلقة بإدارة المخاطر الجيوسياسية بين مجلس الإدارة من ناحية، والإدارة التنفيذية من ناحية أخرى. فعادة ما يتمحور دور مجلس الإدارة في تحديد التوجهات الرئيسية والاستراتيجيات التي يجب اتباعها، ووضع السيناريوهات المتعلقة بإدارة المخاطر، وتقديم الأطر الاسترشادية والسياسات العامة للمؤسسة، ولا يتضمن دورهم تحديد وتنفيذ التدابير والإجراءات اللازمة بشكل مفصل.
بعد الإجابة عن التساؤل المتعلق بكفاءة الموارد البشرية والجهات المختصة لتنفيذ المهام المتعلقة بالمخاطر الجيوسياسية، ينبغي أن نتطرق إلى التساؤل المرتبط بماهية المعلومات التي يجب توافرها لأعضاء مجلس الإدارة بشكل دوري لثقل معرفتهم وتعميق فهمهم حول القضايا الجوهرية الراهنة.
إن بناء مركز شامل للمعلومات والبيانات المتعلقة بالمخاطر الجيوسياسية التي قد تواجه المؤسسة يعد أمرًا بالغ الأهمية، حتى في ظل وجود مجلس إدارة مؤهل وكفء. وعلى الرغم من أهمية تنوع وجهات النظر وتحفيز الاختلاف، خاصة في ظل امتداد عمل أعضاء مجلس الإدارة في أسواق مختلفة، إلا أنه يتعين على مجلس الإدارة أن يحرصوا على توحيد الرؤى واتساق المعلومات من خلال التعلم المستمر، وذلك عن طريق وجود مركز متخصص في المخاطر الجيوسياسية، من شأنه استعراض كافة المستجدات وأحدث التطورات المتعلقة بالقضايا الملحة بصفة مستمرة، و إلقاء الضوء على التداعيات الناجمة عن تلك التغيرات.
علاوة على ذلك، يتعين على مجالس الإدارة أن تُولي اهتمامًا كبيرًا بالتعاون مع مستشارين متخصصين بشكل مباشر، بهدف الاستفادة من رؤيتهم الفاحصة، سواءً عن طريق تشكيل مجلس استشاري يضم أفرادًا ذوي خبرة، أو من خلال الاستعانة بالمتحدثين المتميزين من خارج المؤسسة لمشاركة خبراتهم الواسعة والرؤى القيمة بصفة منتظمة على مدار العام. ويساهم اتباع هذا النهج سواءً عن طريق المجلس الاستشاري أو من خلال الاستعانة بمصادر خارجية، في تعزيز تنوع الخبرات والآراء، مما يعد ضرورة ملحة لمواكبة النظام العالمي متعدد الأقطاب وترسيخ الموثوقية في إطار الشركات العالمية.
وفيما يتعلق بالعنصر الزمني، فإن المباحثات والاجتماعات الربع سنوية تبقى عاجزة وحدها عن التعامل مع المخاطر الجيوسياسية المتغيرة. ولذلك، يتعين على مجالس الإدارة تسريع وتيرة الأعمال وتعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات الواعية، من خلال إجراء مراجعات شهرية على الأقل لمباحثة التطورات الجوهرية، هذا بالإضافة إلى ضرورة عقد اجتماعات طارئة إذا لزم الأمر لضمان سرعة الاستجابة للتحولات الجيوسياسية المتلاحقة.
ويعد عنصر المكان أحد المحاور التي لا تحظى بالاهتمام الكافي من مجالس إدارة الشركات، في إطار السعي نحو تعزيز قدرات شركاتهم. لذلك، يتعين على مجالس الإدارة أن تحرص على عقد اجتماعاتها في مجموعة متنوعة من الأسواق، بما في ذلك الأسواق الناشئة، وأن يكون لديها جدول أعمال منتظم للمشاركة في الفعاليات الخارجية والقيام بالزيارات الميدانية داخل هذه الأسواق. ولا يقتصر هذا النهج على المساهمة في تعميق فهم مجلس الإدارة للأسواق المختلفة، بل إنه يؤكد أيضًا التزام المؤسسة الراسخ نحو تعزيز تواجدها في مختلف الأسواق، مما ينعكس إيجابيًا على سمعة ومكانة المؤسسة على المستوى الداخلي والخارجي. وبطبيعة الحال، عندما يتعلق الأمر بعقد اجتماع لمجلس الإدارة في الأسوق ذات الحساسية الجيوسياسية العالية، فإن ذلك يتطلب دراسة دقيقة لعدة عوامل تشمل التوقيت، والتأمين، وسرية المناقشات، والرقابة الداخلية، والخارجية.
وأخيراً، يتعين علينا أن نطرح التساؤل المتعلق بكيفية دعم الإدارة لمركز المخاطر الجيوسياسية، بغرض تعزيز قدرات وإمكانات مجلس الإدارة ومختلف إدارات المؤسسة. ولا يوجد حل موحد يناسب جميع المؤسسات، حيث توجد خيارات متعددة للمنهجيات التي يمكن للشركات اتباعها لتحقيق النتائج المرجوة. فتفضل بعض المؤسسات أن يعمل مركز المخاطر ضمن إدارة الشؤون الحكومية والتنظيمية في الشركة (وخير مثال على ذلك هي الشركات التكنولوجية العالمية التي غالبًا ما تواجه المخاطر السياسية المتعلقة بالأطر التنظيمية). بينما أنشأت بعض الشركات الأخرى مراكز متخصصة للمخاطر الجيوسياسية كجزء من إدارة المخاطر في المؤسسة، ولا سيما المؤسسات المالية العالمية التي باتت تهتم وتركز بشكل أكبر على ما هو أبعد من مخاطر الائتمان والسوق. كما تفضل شركات أخرى أن تعمل تلك المراكز في إطار إدارة الأمن، مما يتناسب مع طبيعة عمل الشركات العالمية ذات الخبرة في سلاسل التوريد والبنى التحتية. وفي ظل تصاعد التحديات العالمية، أصبحت المخاطر الجيوسياسية جزءًا لا يتجزأ من كافة إدارات الشركة المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى الإدارات المختصة بالتواصل والشؤون المالية وتكنولوجيا المعلومات. ولعل الأهم من موقع وحدة المخاطر الجيوسياسية داخل الشركة، هو أن تتمتع بعدة خصائص، تشمل ما يلي:
- ينبغي تعزيز المركز أو الوحدة المختصة بالمخاطر الجيوسياسية وتوسيع نطاق صلاحياتها للتواصل لتحصيل البيانات والمعلومات اللازمة من الإدارات المختلفة، بهدف تقديم تحليلات متكاملة وضمان صياغة رؤى موحدة من قبل كافة أعضاء مجلس الإدارة ومختلف الإدارات.
- ينبغي وجود تنسيق تام بين المدخلات والإجراءات، مما يتطلب تكوين مجموعة عمل تضم أعضاء من مختلف فرق العمل لمثيل الإدارات المختلفة. ويتعين على هذه المجموعات الالتزام بعقد لقاءات منتظمة لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود.
- يتعين على أعضاء وحدة المخاطر الجيوسياسية أن يمتلكوا المهارات اللازمة لوضع الخطط والاستراتيجيات المنشودة، وأن يتمتعوا برؤية ثاقبة للقضايا الجيوسياسية الجوهرية من مختلف الزوايا تشمل وجهات نظر أقرانهم في الأسواق ذات الحساسية الجيوسياسية. ومن ثَمَّ، يجب اختيار أعضاء الفريق من كافة أقسام المؤسسة لضمان تنوع الخبرات وتعزيز الرؤى.
- يجب توفير الدعم المالي للوحدة لتمكينها من الانخراط مع الخبراء والمتحدثين واستخدام مصادر خارجية لضمان الحصول على رؤى شاملة لسيناريوهات المخاطر الجيوسياسية المختلفة.
- ينبغي تقديم توجيه استراتيجي من قبل مجلس الإدارة، عن طريق التعاون عن كثب مع الوحدة لتقديم الإرشاد اللازم بشأن الأطر المنظمة للعمل، ولضمان اتساق الإحاطات التي تقدمها وحدة المخاطر مع متطلبات واحتياجات مجلس الإدارة.
وينبغي أن تشتمل الأسئلة الرئيسية التي يجب طرحها على الإدارة على ما يلي:
- ما هي أهم المخاطر الجيوسياسية التي تواجه المؤسسة؟
- ما هي التداعيات الفعلية لهذه المخاطر على المؤسسة؟
- هل لدينا الإمكانات اللازمة والكفاءة المنشودة لفهم هذه المخاطر والتخفيف من حدتها؟
عمليات الرصد عن طريق استخدام أطر العمل الملائمة
إن ثقل معرفة أعضاء مجلس الإدارة وتعميق فهمهم للقضايا الجيوسياسية يعتبر ضرورة ملحة. ومن ثمَ، يتعين على الشركات الاستفادة القصوى من تلك المعرفة، وتخصيص أطر عمل منظمة لرصد وتقييم التطورات، من خلال تبادل الأفكار والمعرفة بين أعضاء مجلس الإدارة.
ويعد استخدام لوحة المعلومات لاستعراض كافة البيانات المتعلقة بالمخاطر واحدة من الأطر والأدوات الفعالة لتحليل مختلف الأسواق وتصنيفها لفئات متباينة وفقًا لمستوى تعرُّضها للمخاطر الجيوسياسية. ويتم تطوير هذه اللوحة وتحديثها بانتظام من قِبل وحدة المخاطر. وباستلهام تلك المعطيات تتخذ الشركة القرارات المناسبة للتعامل مع مختلف الأسواق. فالأسواق ذات التصنيف العالي تتطلب من المؤسسات التعامُل مع الاضطرابات واسعة النطاق، مثل التنافُس الاستراتيجي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، مما قد يؤثِّر على المؤسسة، ويتطلب اهتمام خاص وجهد دؤوب. أمَّا الأسواق ذات التصنيف المنخفِض، فتشمل الأسواق ذات الاضطرابات الداخِلية مثل عدم الاستقرار السياسي. وبالتالي، تتولى فِرق العمل الداخِلية مهمة التعامل مع تلك الأزمات فور حدوثها، كما يمكن الاستعانة بمجلس الإدارة لتقديم الاستشارات والإرشادات عند اللزوم.
ويمكن مشاركة مجلس الإدارة بمستجدات لوحة المعلومات بصفة شهرية، والتي بدورها تعكس التطورات الرئيسية في مختلف الأسواق على مستوى كافة الفئات (حسب التصنيف المذكور أعلاه). وتستعرض هذه التقارير الشهرية تداعيات تلك التطورات على المؤسسة، والتدابير والضوابط التي يجب تحديثها، كما توضح نطاق المسؤوليات وتحدد الأطر الزمنية المناسبة، بهدف إدارة المخاطر المحتملة بشكل فعال. فعلى سبيل المثال، يمكن للوحة المعلومات أن توضح القيود المستجدة المتعلقة بالعقوبات والصادرات في الأسوق ذات التصنيف الأعلى؛ وتسلط الضوء على تأثيرها المباشر على الشركة أو عملائها أو مورديها أو شركاءها، مما قد يتطلب تطوير ضوابط امتثال داخلي أكثر صرامة لمواكبة هذه التغيرات.
وعلى الرغم من أن بعض المداولات التي تتم داخل اجتماعات مجلس الإدارة حول أسواق معينة قد تكون قابلة للتنفيذ، مثل مناقشة قرار الانسحاب من سوق ذو حساسية جيوسياسية عالية ، إلا أنه ينبغي على أعضاء مجلس الإدارة إتاحة المجال للمراجعة والنقاش. فيمكن لوحدة المخاطر الجيوسياسية أن تساهم في وضع تصورات جديدة ومراجعة بعض القرارات، التي من شأنها تعزيز قدرات الشركة على التعامل مع معطيات هذه الأسواق، وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض المناطق التي تعمل فيها المؤسسة، ونادرًا ما يتم الالتفات إليها بعناية أو مراجعة تطوراتها عن كثب. ويساهم اتباع هذا النهج في دعم الرؤية الشاملة لمجلس الإدارة، مما يمكنهم من مشاركة التوجيهات الاستراتيجية القيمة والرؤى واسعة النطاق مع إدارة الشركة التنفيذية، بهدف اتخاذ التدابير اللازمة.
وبخلاف الاعتماد على لوحة المعلومات التي يمكن استخدامها لتحليل المخاطر محدودة النطاق، يمكن لمجلس الإدارة اتباع نهج أكثر شمولًا وفتح باب التوقعات والتنبؤات على مصراعيه، لتحليل وتقييم مختلف السيناريوهات الجيوسياسية الجوهرية. ويطلق على هذا النهج "نظرية البجعة السوداء ووحيد القرن الرمادي، والخطوط الفضية"، حيث تشير البجعات السوداء إلى المخاطر التي يصعب التنبؤ بها ذات التداعيات الضخمة، بينما يمثل وحيد القرن الرمادي المخاطر المعروفة ذات التأثير الكبير. ومن ناحية أخرى تشير "الخطوط الفضية" في تلك النظرية إلى الفرص التي يمكن اغتنامها في ظل التقلبات الجيوسياسية.
ويتعين على مجالس الإدارة العمل على تقييم تلك السيناريوهات التي يتم مشاركتها من قبل الإدارات المختلفة، وذلك بالتعاون مع وحدة المخاطر الجيوسياسية، بهدف الحصول على تحليل استراتيجي متكامل لتداعيات السيناريوهات المحتملة. ويتمكن مجلس الإدارة من خلال تلك المجهودات من تقديم التوجيهات المتعلقة بمحاور الرصد الرئيسية للمخاطر، وصياغة استراتيجيات الطوارئ الرامية إلى مواجهة السيناريوهات المحتملة التي قد تسفر عن تغيرات جذرية تطول كافة جوانب المؤسسة. وبهدف تحقيق النجاح المنشود لتلك المنهجيات، يجب طرح بعض الأسئلة الجوهرية، كما هو موضح أدناه:
- ما هي الأسواق الرئيسية التي يجب أن تحظى باهتمام فائق وتستحق المراقبة المستمرة على مستوى مجلس الإدارة، فيما يتعلق بتصاعد المخاطر الجيوسياسية؟
- هل يعتبر استخدام لوحة معلومات المخاطر الجيوسياسية لتحليل المعطيات، الأسلوب الأمثل لتحقيق الأهداف المنشودة؟
- هل لدينا نظام استباقي قوي للإنذارات، ومصادر موثوقة للتحليل والتنبؤ بالمخاطر في أسواقنا الرئيسية قبل حدوثها؟
- هل نولي اهتمامًا كافيًا للمخاطر الجيوسياسية طويلة المدى الناجمة عن تواجدنا في مجموعة من الأسواق الصغيرة والأكثر تقلبًا؟
الحد من المخاطر: تطوير أطر فعالة لإدارة المخاطر
ولمواجهه المخاطر الجيوسياسية بشكل فعال، يتعين على أعضاء مجالس الإدارة إجراء تقييمات مفصلة للتدابير والضوابط الخاصة بها. وقد وضعت أهم المؤسسات التي تعاملنا معها عدد من الضوابط والإجراءات التي تشمل ما يلي:
- تعزيز المرونة في سلاسل التوريد التابعة للإدارات المختلفة.
- مراجعة سياسات التأمين لضمان اتساقها مع المخاطر الجيوسياسية.
- إعادة تصور الهياكل المؤسسية والتقنيات التكنولوجية المستخدمة في ظل العمل بالمناطق ذات الحساسية الجيوسياسية.
- الاستثمار في الإمكانات المتعلقة بالشؤون القانونية والعلاقات الحكومية.
- ترسيخ الالتزام نحو رؤية الشركة الموحدة عن طريق تعزيز التفاعل الإيجابي، في ظل التحزبات القومية.
وتعد عملية رصد الأنشطة والكيانات التابعة للمؤسسة في الأسواق ذات الأوضاع المضطربة وتحديدها بشكل واضح، واحدة من أهم الأطر الحاكمة التي تشغل مجالس الإدارات. وتقع مسؤولية تطوير تلك الأطر أو ما يمكن أن نطلق عليه "الاتفاق المحدد" على عاتق الإدارات المختلفة للشركة، ويجب ألا نغفل الدور المحوري لمجلس الإدارة في تقديم المشورة والتوجيه. كما يمكن للمجلس أن يلزم الإدارات بعقد اتفاقيات جديدة إذا تطلب الأمر.
وتعد هذه الاتفاقيات بمثابة دليل استرشادي يوجه الاستثمارات والتعاملات في المناطق والقطاعات التي تشهد مخاطر تنظيمية عالية. كما تحدد هذه الأطر والاتفاقيات مستويات التعاون والتفاعل بين مختلف المناطق، استنادًا إلى تصنيفها لثلاث فئات وفقًا لمستوى المخاطر. فتضم الفئة الأولى المناطق أو الكيانات التي يتم إيقاف عمليات الشركة بها تمامًا، نظرًا لوجود قيود قانونية أو أزمات أمنية أو مخاطر متعلقة بالسمعة (ونشير لهذه الفئة باللون الأحمر). أما الفئة الثانية، فتشمل المناطق والكيانات التي تحمل آفاق إيجابية واعدة، وتعتبر بمنأى عن المخاطر، مما يدفع الشركة الي التعاون معها بشكل وثيق. (يمكن الإشارة لهذه الفئة باللون الأخضر). وبالنسبة للفئة الثالثة، فيتعين على المؤسسة التعامل معا بتأني، حيث تشمل المناطق او الكيانات ذات المخاطر المحتملة التي تطلب دراسة فاحصة لتحليل الفرص والمكاسب المحتملة من ناحية، والمخاطر المتعلقة بهذه المناطق التي يمكن أن نطلق عليها "مشروعة ولكن مروعة" من ناحية أخرى، وذلك بهدف اتخاذ القرارات الصائبة. وتساهم عملية تطوير الاتفاقيات والأطر الحاكمة في خلق توافق واتساق على مستوى المؤسسة، في ظل تباين وجهات النظر حول الرغبة في المخاطرة. ويعتبر هذا الاتساق والرؤية الموحد أحد الركائز الرئيسية المطلوبة لإدارة المخاطر الجيوسياسية بشكل فعال.
وتتضمن الأسئلة الرئيسية التي يجب طرحها ما يلي:
- ما هو حجم المخاطر التي نحن على استعداد لتحملها، لتحقيق التوازن المنشود بين اقتناص الفرص التنافسية وبين إدارة المخاطر المحتملة؟ وهل نمتلك الضوابط والأطر الحاكمة الفعالة لتحقيق النتائج المرجوة؟
- هل يجب أن تتمحور الضوابط والاستراتيجيات التي نتبعها على المخاطر الراهنة فقط، أم يجب ان نحرص على تطوير تلك الاستراتيجيات لتعمل بمنهج استباقي لإدارة المخاطر المحتملة؟
- هل نمتلك المستوى المنشود للتغطية والتدابير الأمنية ضد المخاطر السياسية؟
وفي خضم التحولات الراهنة في المشهد العالمي المتصدع، يتعين على أعضاء مجلس الإدارة أن يحرصوا على تطوير إمكاناتهم وتعزيز مهاراتهم لمواكبة التغيرات المتلاحقة، خاصة في ظل انتهاء حقبة "العولمة المفرطة". ويعد التعاون الوثيق مع الإدارات المختلفة بمثابة حجر الزاوية لتعزيز الرؤى الشاملة والتحليلات الاستباقية اللازمة لإدارة الأزمات المحتملة بشكل فعال.
وفي نهاية المقالة، لابد أن نؤكد على الدور المحوري الذي تلعبه مجالس الإدارة في توجيه الإدارات التنفيذية بغرض تعزيز إمكاناتهم وإطلاق العنان لطموحهم، مما يمكن الشركة من مواجهة مختلف التحديات الجيوسياسية الراهنة واكتشاف آفاق نمو جديدة. ولا يوجد نمط محدد للمنهجية التي يجب اتباعها من قبل مجالس الإدارة في الوقت الحاضر، ولكن الشركات الناجحة تحرص دائمًا على مواكبة المشهد العالمي المتقلب بكل شجاعة من خلال تعزيز قدرتها على التكيف بهدف تحقيق النمو المستدام في ظل عالم مضطرب.