الذكاء الاصطناعي التوليدي ومستقبل الموارد البشرية

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل قوة هائلة ومتاحة للجميع، وهو على استعداد لتحويل طريقة عملنا. في هذه الحلقة المميزة من بودكاست "ماكينزي تالكس تالنت"، يتحدث قادة المواهب، "برايان هانكوك" و"بيل شانينجر"، مع رئيسة مجلس التكنولوجيا في ماكينزي، "لارينا يي"، ومديرة التحرير العالمية، "لوسيا رهيلي"، حول وعود وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي العام في مجال الموارد البشرية، بدءًا من عمليات التوظيف وصولاً إلى إدارة الأداء وحتى استخدام روبوتات الدردشة، لتمكين النمو المهني. فيما يلي نعرض لك نسخة منقحة ومحسنة من هذا الحوار المثير.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

الشيء المختلف يجلب دائمًا التغيير

لوسيا رهيلي: هناك كم هائل من التساؤلات والأحاديث التي تدور حول الذكاء الاصطناعي التوليدي وأدواته مثل شات (جي بي تي) في الأشهر الأخيرة. إذ يتأرجح الناس بين الدهشة من إمكانيات هذه الأدوات، وبين القلق من المخاطر التي قد تتربص بها. فهنا السؤال، بالنسبة لـــ "لارينا"، ما هو الفرق الجوهري في الذكاء الاصطناعي التوليدي وما هي الأسُس التي تدعم قدراته المبتكرة؟

لارينا يي: هناك نقطتان بارزتان تتعلقان بالذكاء الاصطناعي التوليدي. في نوفمبر 2022، أطلقت شركة "OpenAI" برنامج (ChatGPT 3.5) ، ولاحظنا تبنيه بواسطة مليون مستخدم خلال خمسة أيام فقط. وبالتالي، كانت سرعة اعتماد هذه التقنية مختلفة تمامًا عما شهدناه في السابق."

ووفقًا لرؤيتي الشخصية، لاحظت أن شيء مثي للغاية، وهو أن معظم الناس بغض النظر عن أعمارهم أو مستوى تعليمهم أو جنسياتهم قد تمكنوا من الانتقال إلى شات (جي بي تي) وطرح سؤال أو اثنين واكتشاف شيء جديد سواء كان عمليًا أو ممتعًا، مثل قصيدة أو مقالة. لقد كانت تجربة متاحة للجميع. لقد شهدنا تقدمًا هائلا في التكنولوجيا منذ ذلك الوقت، ولم يمضِ سوى شهران.

الشيء الثاني المثير للاهتمام للغاية، هو أنك لست بحاجة إلى أن تكون خبيرًا في مجال علوم الكمبيوتر للاستفادة من التكنولوجيا، إذ يمكن استخدامها في جميع أنواع الوظائف. ووفقًا لأبحاث "OpenAI" يُقدر أن 80٪ من الوظائف يمكن أن تدمج تقنيات وقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأنشطة اليومية لنطاق بيئة العمل. وهذا التطور له تأثير جدًا عميق على مستوى المواهب والوظائف، ويختلف بشكل كبير عن ما تم مناقشته سابقًا.

وفي بعض الأحيان، يكون الوضع صعبًا والحل غير واضح. لذلك لا يفضل العودة إلى الوراء بمحاولة إصلاح المشكلات عن طريق الوسائل التقليدية. فبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون الخيار الأفضل هو التقدم إلى الأمام واستكشاف طرق جديدة وإبداعية للاستفادة من الوضع وتحقيق نتائج إيجابية وآمنة.

لوسيا رهيلي: يبدو أن حالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي تظهر بسرعة وتعتبر جديدة جدًا. لذا، دعيني أوضح ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي ونعمل معًا على وضع تعريف مشترك لهذا المصطلح.

لارينا يي: الذكاء الاصطناعي التوليدي هو تقنية توفر إجابات متقدمة ومستندة على البيانات. وعلى سبيل المثال، يستخدم العديد من الأشخاص شات (جي بي تي) لتلخيص المعلومات وتوليد ردود على أسئلة مختلفة من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات العامة. ولكن هناك أيضًا إمكانيات رائعة أخرى، مثل إنشاء صور وصوتيات وفيديوهات ورموز. وتعتبر البرمجة مثالًا بارزًا لتلك الإمكانيات. ومن هنا نستنتج إن مجموعة الأشياء التي يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بها في العالم مدهشة حقًا، وحاليًا بدأت في الظهور.

بريان هانكوك: عندما سألت شات (جي بي تي) عن نفسي، قدم لي تفاصيل دقيقة حول العمل الذي أقوم به في مجال المواهب. ومع ذلك، لاحظت أن الرد كان غير دقيق عندما ذكروا أنني ذهبت إلى جامعة كورنيل، بينما في الواقع ذهبت إلى جامعة فيرجينيا. وفي الحقيقة، كان لدي اندهاش كبير لأنه لم يتم فهم الحقائق بشكل صحيح، وإنما تم التركيز على ما هو منطقي فقط.

لارينا يي: الذكاء الاصطناعي يقترب في بعض النواحي من كيفية تفكيرنا. ومع ذلك، فإنه لا يعمل بالضبط كطريقة تفكير البشر، بل يستخدم بدلاً من ذلك الاختصارات والإشارات للاستدلال على المعلومات والنتائج التي يتوصل إليها. هذا هو السبب الذي يجعل الناس يشعرون بالدهشة ويصفونه بأنه "ذكي حقًا". إلّا أنه من وجهة نظرك يا "بريان"، قد لا تكون تلك الاستدلالات دقيقة بنسبة 100٪. أو يمكن وصفها بمصطلح "العشوائية أو اللامنطقية".

ماذا يعني الذكاء الاصطناعي التوليدي بالنسبة للموظفين. . .

لوسيا رهيلي: بعد مناقشة بعض المخاطر، دعونا ننتقل إلى فهم مدى تأثير القدرات التوليدية للذكاء الاصطناعي على المواهب، وخاصة فيما يتعلق بعملية التوظيف. هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيقوم بتحويل أو تغيير عملية التوظيف بطريقة مفيدة؟

بريان هانكوك: أعتقد أن التكنولوجيا التوليدية ستؤدي إلى إعادة تشكيل عملية التوظيف بطرق مفيدة. هناك اثنين من الأساليب التي يمكن أن تكون مفيدة. الأولى هي مساعدة المدراء في كتابة متطلبات الوظائف بشكل أفضل. وهنا يمكن للتقنيات التوليدية أن تدمج بشكل فعال المهارات المطلوبة لتحقيق النجاح في الوظيفة. ومع ذلك، لا يعني هذا أن دور المدراء ليس ضروريًا في هذه العملية. بل يجب أن يكونوا هم الجزء البشري الحاسم للتأكد من جودة المنتج النهائي. رغم أن الذكاء الاصطناعي يستطيع بشكل عام تحسين السرعة والجودة بشكل كبير.

الاستخدام الآخر في عملية التوظيف هو تخصيص المرشحين. في الوقت الحالي، عندما تكون تمثل مؤسسة تستقبل عشرات الآلاف من طلبات التوظيف، قد تكون تفتقر إلى أدوات مخصصة تمكنك من تحديد الأشخاص المناسبين الذين قدموا طلباتهم. ولكن من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكنك تحقيق مستوى أعلى من التخصيص فيما يتعلق بالمرشح والمهام الوظيفية والفرص الأخرى المتاحة، حتى في حالة عدم تطابق ملف المتقدم مع المتطلبات الأساسية. فبفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت جميع هذه العمليات أسهل وأسرع بكثير.

بيل شانينجر: تتمثل أحد أفضل استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي في "تجمعات المهارات الكبيرة"، وهنا أشير إلى المجموعات أو المؤسسات التي تضم عددًا كبيرًا من الأشخاص ذوي المهارات والخبرات المتنوعة، لذلك نحن بحاجة إلى طريقة أكثر فعالية وإنتاجية للتعامل مع العديد من الملفات الشخصية التي ترد علينا. وفي الواقع ما يثير قلقي قليلاً، قضية الوقت الذي ننتقل فيه إلى وظيفة جديدة أو دور جديد أو حتى عندما يكون هذا الانتقال على مستوى النظام القانوني في الولايات المتحدة، عندما تتغير الوظيفة بنسبة تزيد عن 25٪ أو 33٪. في مثل هذه الحالات، هنا يتوجب علينا إعادة التحقق من المعايير التي تساعد في اختيار الموظفين داخل أو خارج تلك التجمعات.

ويكمن التحدي في مسألة التحقق من الصحة في الحاجة إلى معيار أداء يمكنك الاعتماد عليه، والسؤال المطروح هنا "ما هو الاختلاف؟" يعني ذلك أنه في بعض الأحيان أو الحالات نحن بحاجة إلى معرفة كيفية استخلاص هذا المعيار من كمية هائلة من البيانات مع الحفاظ التام على البيانات الخاصة بأداء الآخرين، ويعني ذلك أنه يتوجب علينا عند تحديد معيار الأداء أو التقييم لشخص ما، أن نفعل ذلك بطريقة تحافظ على سرية واستقلالية بيانات أداء الأشخاص الآخرين.

لذلك لا يعني ذلك أنه لا يمكننا استخدام التكنولوجيا. بل يشير فقط إلى أن هناك حاجة لمزيد من البحث والتطوير لتطبيق التكنولوجيا في وظائف جديدة وفتح فرص لتجمعات المهارات الكبيرة.

لوسيا رهيلي: قد ناقشنا بشكل مكثف قضية تضخيم أهمية الشهادات وتقليل أهمية تصنيف المهارات في عملية التوظيف. ف هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يلعب دورًا في تسريع هذا التحول من التركيز على الشهادات الجامعية إلى التركيز على المهارات التي يمكن للمرشحين بالفعل أن يسهموا بها في بيئة العمل؟

لارينا يي: أنا متفائلة بإمكانية ذلك. التكنولوجيا المتقدمة تمكّننا من تمييز وتحليل البيانات غير المهيكلة بشكل فعّال، وهذا أمر مهم جدًا. هناك العديد من الشركات التي تستفيد من هذه التقنية في مجال التجارة الإلكترونية وتجارب البيع بالتجزئة المختلفة. ولكن يمكن أيضًا تطبيقها في مجال اكتساب المواهب والبحث عن القدرات المطلوبة. الآن، بدلاً من الاعتماد على شهادات جامعية فقط، يمكننا البحث عن الكلمات الرئيسية المتعلقة بالقدرات والمهارات لتحقيق التوافق المثالي بين المرشحين والوظائف.

ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يستطيع الناس التعبير عن قدراتهم ومهاراتهم المختلفة. وعند دراسة الطرق التي يتحدث بها الأفراد عن تلك القدرات، قد يتبيَّن أن هناك كلمات أو تعبيرات أكثر دقة وملاءمة لوصفها. فمثلاً، في مجتمع معين، قد تظهر كلمات محددة ترتبط بالمهارات المطلوبة. وهذا الأمر يفتح الباب لفهم أعمق لمستوى قدرات الأشخاص وربطها بمهاراتهم الفعلية. فتخيل مثلاً أن هناك عالمًا يتيح لك البحث عن مرشحين يمتلكون خبرة ملموسة ومذهلة في اكتساب المهارات من خلال تجاربهم العملية، بغض النظر عن حاصلهم الأكاديمي أو الشهادات الرسمية التي يحملونها. إن ذلك يُعد مصدر تفاؤل بالنسبة للكثيرين، حيث يتيح لهم هذا النهج الجديد فرصاً أكثر تكافؤًا وتقديرًا لقدراتهم الفعلية، بغض النظر عن مؤهلاتهم التقليدية. فقد يجدون الفرص للمساهمة والتألق في مجالات متنوعة ومثيرة دون الحاجة إلى الاعتماد الحصري على الشهادات الجامعية كمؤشر وحيد لكفاءتهم.

بيل شانينجر: في عالم الأعمال، هناك فرصة مثيرة للاهتمام تتعلق بمجموعات البيانات الخاصة وجمع الملفات الشخصية. يعني ذلك أن هناك فوائد كبيرة في امتلاك مجموعة كبيرة من المعلومات الشخصية والبيانات الخاصة. ولكن السؤال هو: ما هو حجم المعلومات التي يمكنك الحصول عليها من المصادر العامة دون الحاجة إلى الاشتراك في خدمات مدفوعة؟

منذ فترة طويلة، عندما تم شراء منصة "لينكد إن"، كانت واجهات برمجة التطبيقات تقتصر على تقديم معلومات أساسية عن الوظائف فقط، دون الخوض في جميع التفاصيل والمواصفات المتعلقة بها. ومع ذلك، هناك فائدة كبيرة في هذه المجموعات، وخاصة في ملفات تعريف الوظائف، حيث يمكنك الحصول على نظرة شاملة على المهام والمهارات المطلوبة. وأتوقع في قادم الأيام سيكون هناك تنافس كبير لاكتشاف كيفية جمع هذه المعلومات معًا لإنشاء منصة سحابية مخصصة للمهارات، التي تصف مجموعة من المهارات المتعلقة بمسار وظيفي محدد. فالأمر يتعلق حقًا بالمهارات التي يمتلكها الأفراد وليس فقط بالشهادات التي يحملونها.

وماذا يعني ذلك على مستوى تطور الفرد في مساره المهني؟

بريان هانكوك: تساهم عملية الانتقال القائمة على المهارات في تطور الفرد في مجال عمله وحياته المهنية بشكل عام، وهذا النوع من الانتقال لا يؤثر فقط على صاحب العمل، ولكنه يؤثر أيضًا على المرشح أو الموظف. علمًا أنه في الوضع الحالي، إذا كان لديك بعض المهارات، ولكنك لا تمتلك رؤية واضحة لفرصك المهنية، فإنك تحتاج إلى الاعتماد بشكل كبير على مديرك أو شخص مهتم بك لمساعدتك وارشادك في استكشاف مسارات غير تقليدية لتحقيق تطور مهني مستدام ومثمر.

ولكن في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكنك الاستفادة من روبوتات المحادثة الذكية للحصول على معلومات حول فرص الوظائف المتاحة لك. ويمكنك ببساطة أن تقوم بمحادثة مع هذا الروبوت وأن تخبره بمهاراتك وخبراتك، ثم يمكن للروبوت أن يعود بالإجابة ويعطيك فكرة عن الوظائف التي يمكن أن تكون مناسبة لك. كما تستطيع أيضًا طلب مزيد من التوضيحات حول تلك الوظائف، والروبوت سيرد بإجابات واضحة ومفهومة. وإذا كنت مهتمًا أكثر بالتفاصيل، يمكنك أن تسأل الروبوت عن خبرات التعلم التي تحتاج إليها للوصول إلى تلك الوظائف، وسيقدم لك الروبوت المعلومات المتعلقة بذلك.

لذلك، إذا كان لدى شخص موهبة طبيعية ولكنه يفتقر إلى الرؤية الواضحة لمساره المهني، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يلقي الضوء على مجموعة متنوعة من المسارات الوظيفية ويساعد الأشخاص في فهم كيفية الوصول إلى تلك المسارات. ببساطة، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوجه الأفراد ويقدم لهم المعلومات والإرشادات اللازمة لتحقيق تطور مهني ناجح.

لارينا يي : تخيل أنني قضيت عشر سنوات في مسيرتي المهنية وأشعر بأنني عالقة قليلاً، ماذا لو كان لدي مساعد تطوير مهني يعتمد على الذكاء الاصطناعي في التفكير في بعض الأسئلة؟ مثل، "ما هي طبيعة ونوع الوظيفة التي يجب أن أبحث عنها؟ وما هي الأدوار المتاحة داخل شركتي وكيف يمكنني التفكير فيها؟" وأيضًا، "ما هي الدورات التي يجب أن أتابعها؟" بدلاً من الانتظار لشخص ما يقوم بتجديد مهاراتك. وكيف يمكنني أن أتخذ المبادرة بعد عشر سنوات في مسيرتي المهنية لتطوير مجموعة مهاراتي وفهم مجموعة الوظائف المتاحة التي تتناسب مع قدراتي؟ هذا يبدو مثيرًا للاهتمام جدًا.

بيل شانينجر: في بعض الأماكن، يكون غير مسموح لك باتخاذ قرارات الاختيار بدون تدخل بشري. هذا ينطبق بشكل خاص في الاتحاد الأوروبي. إن الذكاء الاصطناعي يعمل على تعزيز العمل البشري ولكنه لا يستبدل اتخاذ القرارات البشرية. أما بالنسبة للموظفين، يتيح الذكاء الاصطناعي المزيد من الشفافية، حيث يمكنك معرفة مدى اقترابك من العديد من الفرص. وأنا شخصيًا أحبذ هذا الجانب من تجربة الموظف. ومع ذلك، لدي بعض القلق حول عملية الاختيار لأننا لا نعرف بالضبط ما يتم تخزينه في قاعدة البيانات ومدى مهارة الأشخاص في استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.

لارينا يي: نعم، هذا صحيح. يسرنا أن نقدم لك بعض الخيارات، ولكنها ليست توجيهات قطعية أو توصيات. يبقى قرارك هو المهم.

بريان هانكوك: هناك شيء آخر يستحق الاهتمام، وهو أن شات (جي بي تي) والذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يساعدا في تسريع تكيف الموظفين الجُدد وزيادة كفاءتهم في العمل.

وقد تم إجراء بحث مثير للاهتمام حديثًا بواسطة "إريك برينجولفسون" من جامعة "ستانفورد" وفريق من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا يركز على موظفي مراكز الاتصال. والذين أظهروا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يكن مفيدًا للموظفين ذوي الخبرة العالية. ومع ذلك، كان يوفر فائدة كبيرة للموظفين الجُدد، حيث كانوا قادرين على الوصول بسرعة إلى المعرفة المؤسسية المهمة. ببساطة، كانت المعلومات بين يديهم، حيث يمكنهم طرح الأسئلة والحصول على الإجابات. وبالتالي، كانت إنتاجية الموظفين الجُدد أعلى بشكل كبير. كما يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي التوليدي نحو 80-90% من الأداء المتميز في العمل.

لرينا يي: أنا معك يا "بريان". أنا متفائلة وأشاركك الرأي في ذلك.

ما هي آخر التحديثات أو التغييرات في عملية مراجعة الأداء؟

بريان هانكوك: أحد الاستخدامات المفضلة لدي للذكاء الاصطناعي التوليدي فيما يتعلق بالأشخاص هو في عمليات مراجعة الأداء الشخصي. فلا أرغب في أن يقوم الذكاء الاصطناعي التوليدي بمراجعة أداء شخص ما بالكامل. فالمراجعة تحتاج أيضًا إلى وجود الإنسان في هذه العملية، كما أن هذه العملية تحتاج إلى تقدير بشري وتعاطف يدخل ضمن خطوات المراجعة.

لكن اسمحوا لي أن أشارككم مثالاً عن دوري كمقيِّم في ماكنزي: أتلقى تعليقات مكتوبة من حوالي 15 إلى 20 شخصًا، يقومون بإدخالها في نظام رقمي. تتضمن هذه التعليقات شروحات مفصلة. كما أقوم أيضًا بتقييم درجات التعليقات التي يتم استلامها من المشاركين في عملية المراجعة، والتي تشمل التعليقات المكتوبة والتقييمات الرقمية الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، أقوم بالنظر في عدد المرات التي تم تكليف الأشخاص بالمشاريع، والمؤشرات المرتبطة بالامتثال، وعوامل أخرى ذات الصلة. كمقيِّم، يعد الوصول إلى مسودة المراجعة مهمة مُرهِقة للغاية. وأنا شخصيًا أشعر بالفخر الشديد لتكريس الوقت والتأني في هذه العملية.

ولكن ماذا لو كان بإمكاني الحصول على مسودة بنقرة زر واحدة؟ مثلاً، عندما أتحدث مع 15 شخصاً يعرفون الشخص الذي أقوم بتقييمه بشكل أفضل، ماذا لو كانت لدي مسودة جاهزة أعمل من خلالها بالفعل؟ هذا ليس بديلاً لمراجعة جميع التفاصيل، ولكن هذا التقييم الأولي سيساعدني في الوصول بسرعة أكبر إلى ما أحتاجه حقًا لاستكشاف تطور ونمو هذا الشخص.

أشعر بحماسة تجاه هذه الفكرة لأنها تقلل الكثير من العبء العملي. في البداية، كان الكثيرون يعتقدون "لا أريد أبدًا استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم الأداء." ولكن من الشيق أن نفكر في ذلك على أنه مساعدة إنتاجية أو شيء يساعدنا على تحسين أدائنا وأن نكون أفضل.

لارينا يي: الآن، دعونا نركز على الموظف الذي يتم تقييمه. يتلقى الموظف التعليقات التي كتبها "بريان" بوضوح وبطريقة تعبّر عن التعاطف. وبفضل ذلك، قد يشعر الموظف بأن جهوده وإنجازاته قد تم احترامها، ويفهم أن لديه نقاط قوة ومجالات يمكن تطويرها.

ماذا لو كان بإمكاني كموظف أن أطرح بعض الأسئلة، مثل: "من هم الخمسة أشخاص الذين يشتركون معي في نقاط القوة والضعف؟ وما هي الإنجازات التي حققوها؟" كيف يمكنني تصور تطور حياتي المهنية؟ وكيف يمكنني العمل بنشاط لتحقيق ذلك؟ ستكون لدي مساعدة مفيدة لتحديد تطور مساري المهني. وعندما نستعرض التقدم الذي أحرزته بعد عام، سأكون قد أحرزت تحسينات كبيرة ورفعت من مستوى تطلعاتي.

تخيل لو أصبح "بيل" شخصًا يمكنني البحث عنه ومحاكاته. بدلاً من الاعتماد على "بريان" في تقديمي إلى "بيل"، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي مساعدتي في اكتشاف إمكاناتي لأصبح نسخة من "بيل شانينجر". ويمكن أن يكون هذا الاكتشاف ملهمًا حقًا،حيث يُظهِر لنا العديد من فرص التحسين التي يمكن أن تدعم جهودنا بشكل كبير والتي طالما كنا نسعى لتحقيقها على مر السنين.

بيل شانينجر: نحن نؤكد على أهمية مشاركة المدراء بشكل فعّال في عملية إدارة الأداء. لذلك يجب تسجيل كل محادثة قام بها المدير مع أي موظف، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لكي نتمكن من الرجوع إليها لاحقًا والاستفادة منها في المستقبل. هذا يسمح لنا بتجميع ومراجعة كافة المعلومات التي تم جمعها بنهاية العام، مما يضمن عدم وجود مفاجآت. ومع ذلك، يتطلب ذلك مشاركة مستمرة ومنتظمة من جميع المعنيين. بالإضافة إلى ذلك، نقدّر الدور التكنولوجي الذي يمكن أن يلعبه، لكن الالتزام الفردي بتسجيل المعلومات المشتركة واعتماد أساليب موحدة هو ما يجعلها عملية فعالة، لا تعتمد فقط على التكنولوجيا بذاتها.

بريان هانكوك: أفهم ما تقصده. وأنا بصفتي كمقيِّم، أعتمد على تقديري الشخصي في العمل.

بيل شانينجر: من المفيد أن نحصل على بيانات معيارية. في ماكنزي، عندما نحصل على بيانات حول الرعاية والتوجيه، يمكننا تقييم أدائنا مقارنةً بشركاء آخرين في نفس المجال. أما إذا كانت هذه العملية من دون نقاط مرجعية، والمقصود هنا عدم وجود معايير قياسية ونقاط مرجعية واضحة، حينها يكون من الصعب تحديد مستوى الأداء المرجو وما يعتبر مقبولاً أو جيداً. وأنا شخصيًا أقدر توافر هذه البيانات لأنها توفر توجيهات ورؤى قيمة تسمح لنا بجمع البيانات وتحليلها على نطاق واسع، وبالتالي تساهم البيانات المعيارية في تحديد وتقييم مستوى الأداء بشكل صحيح وموضوعي.

إذا توفرت لدينا معلومات وبيانات شاملة ودقيقة حول أداء الموظضف، فإن ذلك يجعل عملية إجراء محادثات الأداء أكثر سهولة. لاحظ أنه يجب تسهيل الأمر على المدراء ليقضوا وقتهم في الإدارة بدلاً من التركيز على التفاصيل الصغيرة مثل كتابة الجداول الزمنية أو تجميع البيانات. نحن بحاجة إلى وجود توازن يجعل عملية الإدارة أكثر سلاسة ويسمح للمدراء بالتركيز على المهام الأساسية لتحقيق النجاح.

معالجة مسألة التحيزات والمخاطر المرتبطة بها

لوسيا رهيلي: لنتحدث قليلًا عن المخاطر المحتملة بشكل أعمق. تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية البيانات التاريخية، وهذا يعني أنها قد تستمر في تعزيز التحيزات الموجودة في تلك البيانات. وهذا يطرح سؤالًا: ماذا يحدث إذا استمرت هذه التحيزات غير المقصودة عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية؟

لارينا يي: بالتأكيد! في الوقت الحالي، الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر على تضخيم أو تعزيز مسألة التحيزات في البيانات.

لنفترض أنني مشغولة في عملية التوظيف وأقوم بتحديد مجموعة مؤهلات محددة. وأنني أركز في عملية البحث على أشخاص موهوبين في المناطق الحضرية، وأنني كذلك مهتم بالقادة المميزين في رياضة كرة السلة. ومع ذلك، قد أنظر أيضًا إلى الفرص المتاحة لاختيار لاعبي لعبة اللاكروس. لأن كلا الرياضتين سواء كرة السلة واللاكروس، تتطلبان العمل الجماعي والقيادة، ولذلك يوجد منطق وأساس واضح وراء هذه التفضيلات في اختيار المرشحين.

عندما ننظر إلى توزيع السكان، نجد أن هناك فروقًا كبيرة بين الأشخاص الذين يلعبون كرة السلة في المناطق الحضرية وأولئك الذين يلعبون لعبة اللاكروس. فعندما نعطي الأولوية لللاكروس، عادة ما تجذب القادة الشباب من الرجال البيض، بينما قد تجذب كرة السلة المزيد من الأمريكيين الأفارقة أو اللاتينيين. وماذا عن الرياضات التي يبرز فيها دور المرأة ؟ وكيف يؤثر اختيار الرياضات في عملية التوظيف وتوسيع نطاق التحيز، لذلك أعتقد أن لدينا مسؤولية كبيرة في تجنب ذلك عندما نقوم بعمليات التوظيف.

بريان هانكوك: هناك بالطبع مخاوف تتعلق بالملكية الفكرية.

ويوجد قلق بشأن احتمال أن نفقد جاذبيتنا وإثارتنا نتيجة للتكنولوجيا. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما في مجال الإبداع يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لزيادة إنتاجه من ستة مقالات في الأسبوع إلى 12، فسيقضي وقتًا أقل في كل مقالة. على الرغم من أن ذلك قد يكون ضروريًا للوفاء بالمواعيد النهائية للنشر، إلا أنه يعني أيضًا أنه يملك وقتًا أقل للتفكير الإبداعي والتأمل. وهذا يعني أنه بزيادة الإنتاجية، قد يقللون بشكل غير مقصود من وقتهم في الاستراحة، أو أثناء الجري، أو حتى في السيارة، حيث غالبًا ما تظهر الأفكار المبتكرة. علمًا أن الأفكار الإبداعية تنشأ غالبًا خلال اللحظات الهادئة والتفكير الهادىء أثناء ممارسة أنشطة أخرى.

الخطر الذي يتمثل في أن نصبح أقل إثارة، فعلياً يعتبر أمرًا مهمًا للغاية، وهو خطر ربما لم نفكر فيه كليًا حتى الآن.

لارينا يي: يوجد العديد من المخاطر التي يجب أن نأخذها في الاعتبار. يجب علينا أيضًا أن نفكر جيدًا في قادة الشركات الذين يعتمدون على هذه التكنولوجيا. في الماضي، كان الناس يقومون عادةً بتقييم العائد المحتمل على الاستثمار في الأعمال التجارية، ثم ينظرون إلى المخاطر المرتبطة بها كفكرة ثانوية. لذلك أوصي بشدة بأن يتم تضمين تقييم المخاطر في المراحل المبكرة من تصميم عملية العمل. فمن الضروري جدًا أن ننظر بشكل استباقي إلى المخاطر ونتعامل معها منذ البداية.

هناك فرصة حقيقية لإدارة التغيير في هذا السياق. إذا لم تفكر في الطريقة التي تؤثر وتغير فيها التكنولوجيا على وظائفنا، أو سير العمل، أو طرق التعاون، فقد تجد أنك لا تستثمر ذلك الوقت الإضافي في شيء قيم. ومن هنا يتوجب عليك أن تفكر في كيفية تأثيرها على باقي يوم العمل وأسبوع العمل بشكل عام.

بيل شانينجر : في كثير من الأحيان، عندما نواجه مشاكل، نميل إلى اللوم على التكنولوجيا نفسها بدلاً من إدراك أننا قد يكون لدينا قصور في جهودنا لحل هذه المشكلات قبل تنفيذ وتطبيق التكنولوجيا. فقد يوفر استخدام أدوات متقدمة وتطورات التكنولوجيا سرعة وقدرات أكبر، ولكن ذلك لا يعني أننا نستغني عن التفكير الدقيق والتخطيط المدروس. فالاعتماد على أداة أفضل لا يغنينا عن مسؤوليتنا في التفكير وحل المشكلات بشكل جيد.

لارينا يي : هناك نقطة مهمة يجب علينا أن ندركها. بينما نركز على الجوانب الإيجابية والفوائد المحتملة لهذه التكنولوجيا، هناك أشخاص آخرين ربما يفكرون في كيفية استغلالها بأغراض ضارة. لهذا السبب، تلعب القوانين والسياسات والمعايير الحكومية دورًا حاسمًا في مجتمعنا. لا يكفي الاعتماد على التنظيم الذاتي داخل القطاع الخاص. إن المشاركة القوية من قبل الحكومة ضرورية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول وأخلاقي.

الاستعداد لمواجهة الأمور التي لا مفر منها

لوسيا رهيلي: في ظل وجود التكنولوجيا الذكية مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، يواجه الكثير من الأشخاص قلقًا حقيقيًا بشأن مستقبل وظائفهم وما إذا كانت ستحل محل البشر في صنع القرارات. لذا، ما هي الخطوات التي يمكن للأفراد اتخاذها اليوم للاستعداد لهذه التغييرات المتوقعة؟

بيل شانينجر: اقترح أن نتعلم ونجرب الذكاء الاصطناعي التوليدي بدلاً من مقاومته. يجب علينا أن نتبنى التكنولوجيا ونتعامل معها بإيجابية، بدلاً من السماح للخوف والقلق يسيطر علينا.

لوسيا رهيلي: في حال تطورت عمليات الموارد البشرية والمواهب بشكل آلي بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، كيف يمكن للقادة التأكد من عدم إعاقة دور الإنسان في التحكم؟ كيف يمكنهم ضمان استمرار وجود الإنسان في العملية بحسب ما يصفه "بريان"؟

لارينا يي: للقادة مسؤوليتان رئيسيتان. أولاً، يجب عليهم تعزيز وتطوير قدرات المواهب في إداراتهم أو فرق العمل التي يشرفون عليها. ثانيًا، إذا كان 80٪ من قوة عملهم قد تغيرت، فإن القادة يلعبون دورًا مهمًا في كيفية حدوث هذا التغيير وتأثيره على موظفيهم في شركاتهم. إذ يتمتع القادة بتأثير كبير وحضور قوي في تشكيل هذه التحولات، ويجب أن يشاركوا بنشاط في عملية صنع القرارات المتعلقة بها.

برايان هانكوك: هنا فرصة رائعة لقسم الموارد البشرية لتوسيع نطاق وصولهم لأجزاء كبيرة من قوتها العاملة. إنها فرصة لتعزيز أداء المدراء والوصول إلى مستويات الأداء التي تطمح إليها قادة الموارد البشرية، والتحرر من الأعباء الإدارية. آمل أن يستغل قسم الموارد البشرية هذه الفرصة لتبسيط المهام غير الضرورية والتخلص منها. سيتمكنون بإستخدام هذه التكنولوجيا من تسريع العمليات وتحقيق حلول أدق وأكثر دقة للمهام التي يحتاجون إلى التركيز عليها.

Explore a career with us