التقدم السريع نحو تحقيق معدل صافي من الانبعاثات الكربونية والسعي لخلق قيمة اضافية في ظل عدم الاستقرار  

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لا شك أن التحول نحو اقتصاد صفري من الانبعاثات أصبح أكثر تعقيدًا على مدار الأشهر الاثني عشر الماضية، وذلك في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، والضغوط التي تواجه سلسلة التوريد، ورفع أسعار الفائدة، وارتفاع تكاليف المدخلات، والتباطؤ الاقتصادي. وفي ظل هذه الظروف، تجد الشركات نفسها أمام فترات انتظار طويلة ونقص في توفير السلع، مع ارتفاع في الأسعار بدءًا من المحولات وصولاً إلى المواد الأولية البيولوجية، وخدمات الهندسة والمشتريات والبناء، التي كانت من المتوقع أن تساعد في تسريع وتيرة تقليل الانبعاثات. ولقد أصبح تحديد المسار الذي يجب أن يتبعه الاقتصاد بالنسبة للكثير من القادة أمرًا صعبًا أكثر من أي وقت مضى، بينما تسببت تلك الضغوط في الشعور بالتوتر لدى الكثيرين ما بين تحقيق أداء مالي على المدى القريب وتلبية التزاماتهم نحو عالم خالي من الانبعاثات.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتشير أبحاثنا وخبراتنا إلى أن القادة يمكنهم اتخاذ خطوات جريئة لتحقيق قيمة من خلال الانتقال إلى اقتصاد صفري من الانبعاثات ، على الرغم من التحديات التي تواجههم. فعندما تتخذ الشركات إجراءات محددة وشجاعة في مجال الاستدامة والمرونة، يظهر لهم في الأفق فرصة مميزة تكمن في أنه سيكون بإمكان تلك الشركات أن تموضع نفسها وتثبت مكانتها بشكل أفضل عن تلك الشركات التي تركز فقط على مواجهة التحديات قصيرة الأمد أو الشركات التي قد تتراجع عن التزاماتها المستدامة. ونلاحظ أن بعض الشركات لازالت ثابتة في اقتناعها بمتابعة فرص النمو الأخضر، بينما يتساءل البعض الآخر حول ما إذا كان الوقت الحالي هو الوقت المناسب أم لا. بينما يسعى بعض القادة نحو تطبيق استراتيجية قوية تستعد لمجموعة من السيناريوهات المستقبلية1.

يشير البحث الذي نشرته مؤسسة ماكنزي حول الأزمة المالية 2007-2008 إلى أن الشركات الناجحة قد اتجهت بالفعل نحو استراتيجيات وأنماط عمل محددة لتعزيز إيراداتها، منها تقليل التكاليف بشكل فعّال ورصد فرص النمو. ومن أجل التعامل مع تلك اللحظة الحالية التي يشوبها الغموض مع التركيز على تحقيق أهداف اقتصاد خالي من الانبعاثات، قمنا بتحديد مجموعة من الأولويات التي تجمع بين استراتيجيات الشركات ذات الأداء الأفضل خلال أزمة 2007-2008 وبين الخطوات التي اتخذها القادة الأوائل في مجال الاستدامة. ومن ثم، يمكن تطبيق تلك الإجراءات بشكل واسع عبر مختلف الصناعات والمناطق حول العالم:

  • المُضي قُدمًا نحو خلق قيمة تتسم بالطموح والرؤية.
  • الجمع بين خفض التكاليف وتقليل انبعاثات الكربون.
  • تأسيس شراكات استراتيجية مع العملاء لتحقيق الانطلاق السريع في السوق.
  • تطوير مجموعة المنتجات والخدمات لضمان نمو مربح.
  • البدء والتوسع في مشروعات خضراء جديدة.
  • التنفيذ بكفاءة وسرعة رقمية لتحقيق التميز التنافسي.

في هذا المقال، نبرز الطرق التي تتيح للشركات استمرارية العمل بفعالية في الانتقال نحو تحقيق انبعاثات صفرية، وذلك رغم الأوضاع المتغيرة وظروف عدم الاستقرار. إن المزايا والآثار المتوقعة من التوجه نحو النمو الأخضر المستدام هامة للغاية، حيث يشير تحليلنا إلى أن الطلب المتزايد على العروض التي تلتزم بتحقيق صافي من الانبعاثات الكربونية قد يولد مبيعات سنوية بقيمة تتراوح ما بين 9 إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2030.

المُضي قُدمًا نحو خلق قيمة تتسم بالطموح والرؤية

في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة في العديد من المناطق، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى للشركات أن توجه أجنداتها واستراتيجياتها المستدامة نحو خلق قيمة في الأسواق الجديدة أو سريعة النمو. إن التواجد بين صفوف الشركات الرائدة في هذه الأسواق يمنح فرصة السَبق في تقديم منتجات منخفضة الكربون وزيادة القدرات الإنتاجية قبل منافسيك. غير أن الريادة في هذه الأسواق النامية غالبًا ما تحتاج إلى رؤية طموحة ووضوح استراتيجي.

فلنأخذ مثالًا على ذلك المورد الرئيسي في صناعة السيارات الذي سعى ليكون خيارًا أساسيًا لأبرز مصنعي السيارات الذين يهدفون إلى تقليل انبعاثات الكربون. ومن أجل تحقيق رؤيته، كان من الضروري للمورد توفير منتجات خالية من الكربون بتكلفة تنافسية. واستدعت هذه المهمة من الشركة أن تطور قدراتها في متابعة محتوى الكربون والتحقق منه في المواد والمكونات التي تشتريها، إلى جانب البحث عن موردين جُدد واعتبار الكربون عنصرًا جديدًا في تصميم المنتج. وبفضل استثماراتها في هذه المجالات، أصبحت الشركة اليوم تتمتع بقدرات رائدة في مراقبة وتقليل الانبعاثات غير المباشرة المتعلقة بسلسلة قيمتها، والمعروفة بالنطاق الثالث من الانبعاثات.

الجمع بين خفض التكاليف وتقليل انبعاثات الكربون

يؤكد بحثنا على أن الشركات التي نجحت في التعافي بقوة بعد الأزمة المالية في 2007-2008 ركزت بشكل منهجي على تعزيز جدوى التكلفة لمنتجاتها الرئيسية، وغالبًا ما يتمثل هذا في تقليل تكلفة المنتجات المباعة. في السابق، كان يُعتقد أن تخفيض هذه التكلفة يتعارض مع جهود تقليل الأثر البيئي للمنتج، أما اليوم، فمن خلال تجربتنا العملية مع شركات عديدة وبارزة، نلاحظ أن التوازن بين التكلفة والحد من الانبعاثات الكربونية أمر ممكن ولكن ليس مطلوبًا أحيانًا.

وتسعى الشركات العاملة في مجال الكيماويات، وصناعة الورق، والنفط والغاز، والمعادن والصناعات المعالجة الأخرى لتحقيق فوائد مزدوجة من تقليل التكلفة والانبعاثات الكربونية، ويقومون بذلك من خلال تحسين كفاءة الطاقة وعائدات العمليات، فضلًا عن التحول إلى مواد خام ذات انبعاثات كربونية أقل أينما كان ذلك ممكنًا. ومن ناحية أخرى، تتعامل شركات التصنيع مع هذا التحدي من خلال إجراء تغييرات في التصميم ومواصفات المواد واختيارات سلسلة التوريد. وعلى الرغم من أن تحسين كفاءة الطاقة وعائدات الإنتاج ليسا استراتيجيتين حديثتا عهد، إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة زاد من قيمة الاستثمار في هذه المجالات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أدوات التحليل الحديثة فتحت الباب لإمكانيات أكبر لتحقيق مدخرات مزدوجة.

فعلى سبيل المثال قامت شركة رائدة في مجال الورق والتغليف بتحديد هدف لخفض تكاليف الطاقة والانبعاثات المباشرة في أكبر مصانعها. ومن أجل تحقيق هذا، استعانت بحلول هندسية مثل دمج الحرارة وتحسين البخار لتقليل استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى التحليلات المتقدمة لمراقبته. واكتشفت الشركة بعد ذلك خلال هذه العملية أن هناك فرصة لتقليل تكاليف الطاقة بنسب تتراوح بين 10% و16%، ولتقليل الانبعاثات المباشرة بنسبة 12%. ومع التحديات المالية التي تواجهها الكثير من الشركات الصناعية بسبب أسعار الطاقة المرتفعة، فإن فرص تحسين كفاءة الطاقة تبدو واعدة. في أوروبا، تشير تقديراتنا أن الصناعات الكبرى المعتمدة على الطاقة قد تحقق قيمًة تتراوح من 3 مليار إلى 12 مليار يورو عن طريق تطبيق تدابير من شأنها تحسين كفاءة الطاقة، خاصة مع استخدام التحليلات المتقدمة. مثال آخر، شركة كيميائية متخصصة تضع نصب عينيها تحقيق توازن بين تخفيض التكلفة وانبعاثات الكربون من خلال برنامج استدامة للمواد الخام. وتتوقع هذه الشركة تقليل انبعاثاتها بأكثر من النصف بحلول عام 2050، موفرة في الوقت نفسه مئات الملايين سنويًا في التكاليف.

قد تؤتي مثل هذه التوجهات التي تضمن الحد من انبعاثات الكربون ثمارها بفوائد مضاعفة مستقبلًا، فقد تحصل الشركات التي تسعى لبناء الكفاءات في تقليل الكربون عبر كافة أقسامها، أو تتمكن من تأمين مصادر نادرة للمواد الخام ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، على تفوق استراتيجي في السوق لفترة أطول.

تأسيس شراكات استراتيجية مع العملاء لتحقيق الانطلاق السريع في السوق.

في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، تواجه الشركات في الأسواق التنافسية تقلصًا في سجلات طلباتها ومنافسة مكثفة للحصول على الصفقات. ونتيجة لذلك، تزداد أقسام المبيعات نشاطًا لتحقيق تدفق مستمر للطلبات، في حين يصبح اتخاذ قرارات التسعير أمرًا محيرًا.

وفي الوقت ذاته، تجد الشركات التي تقدم منتجات فريدة وخالية من انبعاثات الكربون فرصة ذهبية لزيادة حصتها في السوق، إذ تستطع تحقيق ذلك من خلال إبرام اتفاقيات الشراء المسبق مع الشركاء، والتي تضمن للعملاء شراء جميع أو جزء كبير من إنتاجها. مع العلم تسهم تلك الاتفاقيات في تعزيز حضورها وتقديمها في الأسواق الناشئة، فضلًا على أن هناك فرصة لاستثمار الدخل في زيادة القدرة الإنتاجية. ففي بعض الحالات، يمكن لهذه الشراكات أن تمنح الشركات فرصة تحديد أسعار أكثر تميزًا. ولضمان أقصى استفادة من هذه الخطوات، قد تحتاج الشركة لتشكيل استراتيجياتها وفقًا لتوجهات السوق.

ومن واقع التجارب التي مررنا بها، نلاحظ أن الدعوات لإبرام اتفاقيات الشراء المسبق تتم عادة على أعلى المستويات، وتحديدًا من خلال التواصل المباشر بين الرؤساء التنفيذيين للشركات المعنية. وإن هذه الاتفاقيات لا تُجدي نفعًا للشركات المُصنّعة فحسب، بل يمكن للعملاء أن يحققوا منها الاستفادة على المستوى الاستراتيجي، حيث يمكنهم ضمان الحصول على منتجات وخدمات تظهر حديثًا في السوق قبل الجميع. وبمجرد أن تتم الشراكات مع هؤلاء العملاء الملتزمين بالشراء، يصبح بالإمكان بناء منظومة متكاملة الأطراف تسهم في تطوير ونمو هذه الفئة من المنتجات (من خلال توحيد جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا موردين للمواد الخام أو شركاء تكنولوجيين أو حتى الجهات التنظيمية معًا على سبيل المثال). قد تجد الشركات التي تنجح في بناء علاقات قوية مع قاعدة عملائها وشركائها من البداية، نفسها في مكانة متقدمة تمكنها من الحصول على القيمة المُضافة من عروضها الصديقة للبيئة.

كما تناولنا في مقالاتنا سابقة، من الواضح أن الشركات التي تنتج سلعًا مستدامة يمكنها الحصول على هامش ربح أعلى من خلال تمييز المنتج2. واكتشفنا مؤخرًا أن الهامش الربحي للمنتجات الخضراء قد يختلف بناءً على القيم الكربونية للمنتج. أي أن المنتج الخالي من الكربون قد يحقق هامش ربح أعلى من منتج يحتوي على نسبة كربون أقل. وفي الحقيقة نرى ذلك جليًا في المعادن، فعلى سبيل المثال، يتوافر الألومنيوم منخفض الكربون في السوق منذ فترة، لكن الفرق السعري مقارنة بالألومنيوم التقليدي كان محدودًا. أما الفولاذ الأخضر أو الفولاذ خالي الكربون، فقد حقق فرقاً سعرياً واضحًا عند مقارنته بأنواع الفولاذ الأخرى3.

تطوير مجموعة المنتجات والخدمات لضمان نمو مربح

تواجه الشركات التي تحقق أرباحًا من أعمالها التقليدية ذات الانبعاثات العالية تحديًا معقدًا يتمثل في السؤال الآتي "هل يجب عليها الاحتفاظ بالأعمال التقليدية لتمويل استثمارات أكثر صداقة للبيئة، أم يجب عليها أن تبادر إلى وقف هذه الأعمال التقليدية منذ البداية؟

تشير تحليلاتنا إلى أن الشركات التي استطاعت تجاوز أزمة 2007-2008 المالية بشكل أقوى هي تلك الشركات التي اتخذت خطوات فعّالة من خلال بيع جزء من أصولها مبكرًا واستحواذها على أعمال جديدة قبل منافسيها4. ومع أخذ ذلك بالحسبان، نعتقد أنه قد حان الوقت للشركات لإعادة النظر في محفظتها التجارية، وأن تركز على التوقعات المستقبلية لكل قطاع داخلها. فإن كان هناك فرصة لزيادة نمو المحفظة وتحسينها من خلال الابتعاد عن الأعمال التي قد تشهد تراجعًا في العائد بسبب الانبعاثات، ودمج الأعمال التي تستفيد من التوجهات المستدامة، فربما يكون من الحكمة السير في هذا الاتجاه دون تردد.

على سبيل المثال، في غضون السنوات العشرين الماضية، قامت شركة "NextEra Energy" بتحويل اتجاه محفظتها لتوليد الطاقة الحرارية لتصبح رائدة في مجال الطاقة المتجددة (في عام 2020، قررت الشركة إغلاق آخر محطات الفحم الخاصة بها في ولاية فلوريدا). ليس هذا فقط، بل تتجه الشركة نحو الاستثمار في الوقود النظيف، والهيدروجين وحلول تخزين البطاريات، التي تعتبر مصادر طاقة يمكن طلبها عند الحاجة إليها، والتي تعمل كدعم لطاقة الرياح والشمسية التي لا يمكن استدعاؤها حسب الطلب5. ومن ناحية أخرى، تضع شركة Florida Power & Light، وهي الشركة التابعة لمؤسسة "NextEra"، خططًا لتحويل كل من محطاتها الحرارية، التي تبلغ قوتها 16 جيجا وات، إلى الوقود النظيف أو توليد الهيدروجين، بهدف تقديم قيمة مضافة للمستثمرين وتصدر السوق من حيث العوائد ورأس المال السوقي6.

تتكشف القيمة المحتملة لتركيز المحافظ الاستثمارية على الأعمال ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة عند التطلع عن كثب إلى مختلف القطاعات. فعلى سبيل المثال، عندما قامت ماكنزي بتقييم لشركات المواد الكيميائية، أتضح أن الشركات البارزة في المجال البيئي، وهي تلك التي تحمل مجموعة من المنتجات الصديقة للبيئة وتعمل ضمن الأسواق التي ترتكز على الاستدامة، كالسيارات الكهربائية ونظم تخزين الطاقة، ترصد عوائد تتجاوز بمعدل ضعفين أو ثلاثة مقارنة بالشركات التي تتخلف في هذا المجال7.

فضلًا عن ذلك، أصبحت تكلفة رأس المال في ظل ارتفاع أسعار الفائدة عنصرًا أساسيًا ومحوريًا. وقد توصلت دراسة قامت بها جامعة أكسفورد إلى أن شركات توليد الكهرباء الصديقة للبيئة في أوروبا تتحمل تكاليف أقل مقارنة بالشركات التي تعتمد على مصادر ذات انبعاثات كربونية عالية8. وفي هذا السياق، وفي ظل مواصلة الشركات نهج التحول لصافي صفري من الانبعاثات الكربونية، قد يكون لدى القادة التنفيذيين إمكانية استغلال الفرص المتاحة في القطاعات التي تشهد تغييرات في تكاليف رأس المال.

البدء والتوسع في مشروعات خضراء جديدة

تشير نتائج أبحاثنا إلى أن الشركات التي أسست أعمالًا جديدة خلال فترة الانكماش الاقتصادي الأخير حققت أداءً أفضل بنسبة 10% خلال فترة الأزمة، و30 % على مدى الدورة الاقتصادية9. حيث كانت تلك الشركات قادرة على رؤية الأمور بوضوح ومن ثم أتضح أمامها مجالات النمو وأعدت نفسها للاستفادة منها، كما أنها توقعت احتياجات السوق وقامت بتخصيص الأموال للإسراع من وتيرة الابتكار والنمو.

ليس من الغريب أن يؤدي السعي نحو التحول إلى معدل صفري من الانبعاثات الكربونية إلى ظهور مناطق نمو متعددة. وإن الطلب المتزايد على المنتجات التي تقلل من الانبعاثات والذي جاء نتيجة التزامات الشركات الكبيرة لتقليل انبعاثاتها10 قد أفضى إلى فتح آفاق واسعة للتطوير التجاري لتقنيات المناخ المتنوعة والخدمات المرتبطة بها. وقد حصل هذا الطلب على دعم إضافي من مبادرات تنظيمية كبرى. ففي العام الماضي على سبيل المثال، خصصت الولايات المتحدة الأمريكية بموجب قانون "خفض التضخم" مبلغًا يقارب 370 مليار دولار للإنفاق على مشروعات المناخ والطاقة. بينما تعِد عدة حزم سياسية تحت مظلة الاتفاق الأوروبي الخضراء، من بينها الخطة الصناعية الأخيرة للاتفاق الخضراء، بتسريع تحول المنطقة نحو اقتصاد صفري من الانبعاثات الكربونية، وذلك من خلال تيسير الوصول السريع إلى التمويل. وتتمثل هذه الحزم السياسية في برامج تنظيمية سابقة، مثل عروض طاقة الرياح الساحلية السابقة في المملكة المتحدة، وخطة التعاريف الألمانية للتشجيع على استخدام الطاقة المتجددة، ومعيار ولاية كاليفورنيا للوقود ذو الكربون المنخفض. وتمهد هذه الحزم الطريق للشركات التي تسعى لتوسيع نطاق تقنياتها التي تتسم في كونها خالية من الانبعاثات الكربونية والعمليات المرتبطة بها، بالإضافة إلى تقليل التكاليف.

وفي حين كان يُعرف مجال تكنولوجيا المناخ بهيمنة الشركات الناشئة، على غرار شركة "نورثفولت"، نحن الآن نرى أمثلة مشجعة على الشركات الموجودة منذ فترة طويلة والتي بدأت بالفعل في التوجه نحو الأعمال المستدامة. فقد أعلنت مجموعة تكنولوجية ألمانية ذات إيرادات تصل إلى مليارات الدولارات أنه بحلول عام 2030، سيتم التركيز على مجالات تكنولوجيا المناخ الجديدة، مثل أجهزة التحليل الكهربائي للهيدروجين، حيث ستمثل حوالي 70% من أعمالها. أما في آسيا، فتخطط شركة تعدين إندونيسية لخفض دخلها من الفحم بمقدار النصف، مع الاستثمار بمئات الملايين في مشاريع الطاقة المتجددة، وتطوير نظام للسيارات الكهربائية داخل البلاد.

وعندما تتجه الشركات الكبيرة والمستقرة نحو تطوير أعمال صديقة للبيئة، فإنها تواجه تحديات كبيرة من قبل الشركات الناشئة، التي تعتمد أساسًا على الابتكار والطموح. لكي تتمكن هذه الشركات المستقرة من التوسع بالسرعة المطلوبة والتي تتيح لها المنافسة بفعالية، وقد تحتاج إلى الخروج من نطاق راحتها المعتاد11. فعند البدء في هذا المجال، من الضروري توحيد الجهود والاستثمارات. ومن الهام أيضًا ألّا تسعى هذه الشركات فقط لتحقيق أقصى قدر من المزايا المترتبة على تقليل التكاليف بين أعمالها الرئيسية وأعمالها الجديدة المتنامية. لذا، فإن بعض هذه الشركات قد تقرر جلب المستثمرين من الخارج، حيث يمكن لهذه الخطوة أن توفر خبرات جديدة وأفكارًا جديدة تفتقر إليها الشركات المستقرة، وفي الوقت نفسه تسمح بمراقبة أكثر استقلالية للأعمال الجديدة بعيدًا عن التأثيرات التقليدية للشركة12.

التنفيذ بكفاءة وسرعة رقمية لتحقيق التميز التنافسي

كما ناقشنا أعلاه، هناك مزايا للشركات التي تقدم منتجات صديقة للبيئة في مراحلها الأولى في السوق. فالشركات التي تعمل بسرعة وبفعالية عالية قادرة على الحصول على أكبر قدر من الأرباح الناتجة عن الالتزام بالبيئة، كما أنها تستطيع خفض التكلفة بشكل أسرع، مما يعطيها هامش ربح أكبر. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد هذه الشركات من تقليل التكاليف الاستثمارية عند إنجاز المشروعات بسرعة.

وإن الشركات التي تعمل في المجال الرقمي عادة ما تسعى عن كثب نحو التقدم والعمل بسرعة عالية. ومن ناحية أخرى، يحتاج إطلاق التقنيات الصديقة للبيئة غالبًا إلى استثمارات كبيرة في المعدات والموارد المادية، وهذا مختلف تمامًا عن مجرد تطوير برمجيات أو خدمات رقمية. ولكن، رغم هذه الاختلافات، يمكن للشركات التي تسعى لتطوير أعمال خضراء أن تتعلم وتستفيد من التجارب الناجحة للشركات الرقمية التي توسعت ونمت بسرعة.

ولتنفيذ الخطوات التي تم مناقشتها في هذا المقال بسرعة تشبه سرعة العمليات الرقمية، تحتاج الشركات إلى تبني نوع من الفكر وكذلك تطوير قدرات معينة. وللقيام بذلك، هناك بعض الأساليب والطرق التي يمكن للشركات اعتمادها على النحو التالي:

  • لتخفيض التكاليف والانبعاثات بسرعة، يجب أولاً على الشركات أن تقوم بدراسة دقيقة وواقعية للجهود التي تبذلها حاليًا في تقليل الانبعاثات، ومقارنة هذه الجهود مع ما هو مطلوب لتلبية طلبات العملاء أو التزاماتها نحو الحد من الانبعاثات إلى الصفر. وبناءً على هذه الدراسة، يمكن للشركات أن تبدأ في التعاون بسرعة مع الجهات التي تستطيع مساعدتها، سواء كانوا موردين أو شركاء، لتحقيق هذه الأهداف وتقليل التكلفة والانبعاثات في الوقت نفسه.
  • لتحقيق السرعة في تطوير الشراكات وزيادة حصتك في السوق، من المهم أن تكون جزءًا من المناقشات الإدارية الرئيسية مع الشركاء المحتملين منذ البداية. كما تتيح الحوارات والنقاشات في المراحل المبكرة للشركة فرصة سانحة من أجل لتشكيل القيمة المقترحة قبل تحديد جميع التفاصيل المتعلقة بالمنتج.
  • تعتمد سرعة تبديل أو تغيير مكونات محفظة الأعمال على وجود أشخاص يرغبون في الشراء أو البيع واتفاقهم حول قيمة الأصول. ولكن، الشركات التي تملك خطة واضحة لمحفظتها ولديها خبرة في عمليات الاستحواذ والدمج ستجد الأمور أسهل في التنفيذ بسرعة. وبالنسبة لتلك الشركات، ستتمحور عملية اتخاذ القرار حول تفاصيل الصفقة المحددة التي أمامهم، دون الحاجة للدخول في مناقشات مُطوَلة حول مدى فائدة الدخول أو الخروج من نشاط تجاري معين أو تقديرهم لقيمة هذا النشاط في السوق.
  • من واقع تجاربنا، نجد أن الشركات التي قامت ببناء وتوسيع أعمالها المستدامة بنجاح وبسرعة تميل إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الرئيسية. إذ تبدأ هذه الشركات بطموحات كبيرة تغير قواعد اللعبة، وتضمن الطلب المبدئي أولًا قبل بدء التوسع، وغالباً ما تقوم ببناء القدرات مع التوسع بشكل متوازي13. أما بالنسبة للشركات الناشئة في المجال الرقمي، غالباً ما تجبر ظروف التمويل القادة على التحدي والتفكير خارج الصندوق حول سرعة تنفيذ مشروع استثماري، أو حول كيفية تحويل فكرة جديدة إلى منتج متاح للعملاء خلال وقت قصير. وبالنسبة لمن يقومون ببناء الأعمال الخضراء، سواء كانوا شركات ناشئة أو شركات موجودة من قبل، فيمكنهم اعتماد تلك العقلية.

وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي المتقلب، إلا أن هناك فرصًا أمام الشركات لتعزيز استراتيجيتها وسرعة تحقيق القيمة خلال عملية الانتقال إلى نظام صافي من الانبعاثات الكربونية. فإذا بدأت الشركات الآن بتطبيق خطط استراتيجية، فإنها قد تكون في الطليعة، حيث تحقق خفض في التكاليف والانبعاثات، وتؤسس مكانة قوية بالسوق، وتكتسب قدرات جديدة. ومن ناحية أخرى، قد تجد الشركات التي تقرر المماطلة نفسها في موقف غير مواتي خارج المنافسة.

Explore a career with us