يسعى المديريون التنفيذيون في الشركات لفهم تأثيرات تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي والتجاوب معها. وعلى الرغم من حداثة هذه التكنولوجيا ، إلا أن القليل من الذين خاضوا تجربتها، صرحوا بقدرتها المذهلة على إعادة صياغة نماذج العمل عبر مختلف القطاعات.
قدمنا مؤخراً رؤية حول استعداد الرؤساء التنفيذيين للتحديات المقبلة 1. ولكن، ما هو الدور المنتظر من مجلس الإدارة؟ العديد من أعضاء المجلس أبدوا شعورهم بالحيرة حول كيفية تقديم الدعم الفعّال لرؤسائهم التنفيذيين، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة التغييرات العملاقة التي أشعلها الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولاسيما في ضوء السرعة الخاطفة التي تتطور وتنتشر بها هذه التكنولوجيا ويتم استخدامها.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إن التجارب الأولية في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أمرُ مثيرُ للدهشة. يستطيع البرمجيون الآن استخدام هذه التكنولوجيا لكتابة كود برمجي كامل، بينما يمكن للشركات القانونية أن تجيب على استفسارات معقدة تحويها الوثائق. كما بإمكان العلماء أيضاً أن يستخدمونها لتكوين سلاسل بروتينية جديدة لتسريع عملية اكتشاف الأدوية. ومع ذلك، تبقى هناك مخاطر مرتبطة بهذه التكنولوجيا، مما يعرض الشركات لحالة من التأرجح بين خوف التخلف عن التقدم التكنولوجي - الأمر الذي يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأعمال الخاصة بهم بسرعة، وبين القلق من قراءة الواقع بشكل غير صحيح. لذلك يصبح السؤال الملح هو: كيف يمكن الاستفادة القصوى من القيمة التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي وفي الوقت نفسه إدارة المخاطر المترتبة عليه.
لدى أعضاء مجلس الإدارة الفرصة الذهبية لتوجيه فرق عملهم نحو النجاح عبر معرفة إجابات لأسئلة محورية في هذه الرحلة. في سياق هذه المقالة، نبرز أربعة آفاق رئيسية يجب على أعضاء المجلس تأملها وتوجيه الأسئلة المناسبة لقادة الشركة بناءً عليها. ونطرح كذلك سؤالًا يتعين على الأعضاء التأمل فيه وطرحه على أنفسهم.
أسئلة موجهة للإدارة
تمتاز نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المُدربة بشكل عميق على استخدام مجموعات هائلة من البيانات غير المهيكلة، بقدرتها المذهلة علىى تعزيز الكفاءة، وزيادة الإنتاجية، وخفض التكاليف وتحقيق نمو جديد. وما يميزها حقًا هو قدرتها على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام، وليس فقط مهمة واحدة، على سبيل المثال، يمكن لهذه التقنية أن تقوم بمهام التصنيف، والتحرير، والتلخيص، والإجابة على الأسئلة، بل وأكثر من ذلك، فهي تستطيع إنشاء محتوى جديد. الأمر الذي من شأنه أن يتيح للشركات فرصة الاستفادة من هذه النماذج في تنفيذ العديد من الوظائف بفعالية وكفاءة عالية وبكل سهولة، حتى بدون وجود خبرة عميقة في الذكاء الاصطناعي أو علوم البيانات.
أمام أعضاء مجلس الإدارة الآن مهمة تهيئة الإدارة التنفيذية للاستفادة القصوى من هذه القوة الهائلة بطريقة مدروسة ولكن حازمة، وذلك من خلال طرح الأسئلة الأربعة الشاملة التالية.
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي التوليدي على مستقبل صناعتنا وشركتنا في المدى القريب والبعيد؟
إن وضع استراتيجية ذكية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب فهمًا للتأثيرات المحتملة لهذه التكنولوجيا على الأعمال والصناعة، سواء في المستقبل القريب أو البعيد. يشير البحث إلى أن التطبيقات الأولى ستظهر بشكل كبير وعميق في مجالات البرمجة، والتسويق، والمبيعات، وخدمة العملاء وتطوير المنتجات 2. نتيجة لذلك، من المتوقع أن التطبيقات الأولى للذكاء الاصطناعي التوليدي ستجد طريقها بكثافة في مجالات مثل الإعلام والترفيه، والبنوك، والسلع الاستهلاكية، والاتصالات، وعلوم الحياة ،والتكنولوجيا.
في الوقت نفسه، لا ينبغي للشركات في القطاعات الأخرى أن تتوانى في تقييم القيمة المحتملة التي قد تترتب على أعمالها. حيث أن سرعة التطور التكنولوجي وانتشاره تتسارع بشكل ملحوظ. فمثلاً، حققت النسخة العامة من ChatGPT أكثر من 100 مليون مستخدم في غضون شهرين فقط، مما جعلها الأسرع نمواً على الإطلاق. كما تشير نتائج أبحاثنا إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يعزز من إنتاجية العمالة عبر مختلف القطاعات، ليضيف قيمة تصل إلى 7.9 تريليون دولار على المستوى العالمي من خلال تطبيقات واستخدامات محددة، ومن خلال الطرق المتعددة التي يمكن أن يتبناها العاملون في نشاطاتهم اليومية 3. ستكون كل شركة متشوقة لاستخدام الفرص المتاحة لتحسين كفاءتها وفعاليتها. أما الشركات التي لا تتبنى هذه التكنولوجيا بسرعة قد تجد نفسها متخلفة عن منافسيها ممن يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي للرد على استفسارات العملاء بشكل أكثر دقة وأسرع، أو الذين يتمكنون من طرح منتجات رقمية جديدة في وقت أقل، بفضل الدعم الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات. وبالتالي، قد يتعرضون لخطر التأخر عن التقدم المستمر في تعلم وتطبيق هذه التكنولوجيا.
بينما تسعى الشركات للاستفادة مما هو قائم حاليًا، ستكون أيضاً متطلعة لاستكشاف المزيد. لا يمكن لأحد أن يتوقع بالضبط كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي التوليدي ولكنه موضوع يستحق التأمل وكيف ستتغير البيئة التنافسية ؟ أي الفرص يمكن أن تكون في انتظار الشركة، وما هي المخاطر التي قد تواجهها؟ هل يمكننا تعديل استراتيجياتنا وأنماط أعمالنا لنكون على استعداد لما هو قادم؟
كيف يمكننا تحقيق التوازن بين خلق قيمة مضافة مع إدارة المخاطر المحتملة بشكل مُحكم؟
في ظل التوسعات الجديدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي التوليدي، سوف تسعى فرق الإدارة للبحث وراء المزيد من الابتكارات وتحقيق القيمة المتاحة. ومع ذلك، يتطلب هذا مستوى من الحذر، فإذا لم يتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي بدقة وإحكام، قد ينشأ ضرر يماثل، أو يتجاوز، الذي يمكن أن يسببه الذكاء الاصطناعي التقليدي، وقد يؤدي ذلك إلى تدمير القيمة وإلحاق الضرر بالسمعة.
لدى الذكاء الاصطناعي التوليدي – كما الذكاء الاصطناعي التقليدي- مشاكل تتعلق بالخصوصية والمخاطر الأخلاقية، كالخطر الناشئ عن أن البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي قد تحمل بعض الانحيازات أو التفضيلات غير المقصودة، كما أنه يزيد من خطر الاختراقات الأمنية، عن طريق فتح العديد من المجالات المستهدفة وإحداث أشكال جديدة من الهجمات. فمثلاً، تسهل تقنيات "التزييف العميق والمقصود بها "صناعة فيديوهات مزيفة" من انتحال شخصية قادة الشركات، مما يعرض سمعتها للخطر. كما ينطوي الذكاء الاصطناعي التوليدي على مخاطر جديدة، كخطر انتهاك حقوق الطبع والنشر، أو العلامات التجارية ،أو البراءات، أو استخدام المواد التي يحميها القانون بطريقة غير قانونية، وذلك عبر البيانات التي تم جمعها بواسطة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.
من الجدير بالذكر أيضاً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي معرض للتشويش، وذلك عبر توليد معلومات غير صحيحة فيه بطريقة تبدو طبيعية وموثوقة بما يجعل اكتشاف الأخطاء صعبة. وقد يكون هذا الجانب خطيراً ليس فقط على الشركات، ولكن على المجتمع ككل. هناك مخاوف متصاعدة بشأن القدرة المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي على تسريع انتشار المعلومات الغير صحيحة أو المضللة. بعض خبراء الصناعة حذروا من أنه إذا لم يتم تنظيم وإدارة هذه التقنية بدقة، فإن الأذى الناجم عنها قد يعادل أو يتجاوز تأثير الأوبئة العالمية أو الحروب النووية على مستوى المجتمع 4.
يتطلب الأمر من الشركات البحث العميق والفهم الدقيق للقيمة والمخاطر المرتبطة بكل حالة استخدام، يجب أن تقوم الشركة بالتوازن بين القيمة التي يمكن أن تحققها كل حالة استخدام والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، وذلك في إطار الأهداف العامة للشركة، وقدرتها على تحمل المخاطر، سواء كانت مالية أو تشغيلية أو غيرها. على سبيل المثال، في سياق الأهداف المتعلقة بالاستدامة، يمكن النظر في الأثار البيئية للذكاء الاصطناعي التوليدي في ظل احتياج هذه التقنية لقدرات حاسوبية هائلة.
من هذا المنطلق، يجب أن تكون مجالس الإدارة على ثقة أن الشركة قد وضعت أُطر قانونية وتنظيمية لمواجهة المخاطر المعروفة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، والمنتشرة في الشركة، وأن جميع النشاطات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي تخضع للمراجعة والتقييم والتدقيق الدوري. كما ينبغي لهم ضمان وجود آليات للكشف المستمر وتقييم المخاطر والقضايا الأخلاقية التي لم يتم استيعابها بعد، أو التي لم تظهر بعد. مثلاً، كيف ستتعامل الشركات مع المعلومات المخادعة، وكيف يمكنها الحد من المخاطر المرتبطة بالمعلومات المضللة التي قد تؤدي إلى اتخاذ إجراءات خاطئة أو حتى ضارة؟ كيف ستؤثر التكنولوجيا على الوظائف؟ وماذا عن المخاطر التي يمكن أن تنشأ من الأطراف الثالثة التي تستخدم هذه التكنولوجيا؟ إن القدرة على رصد المشاكل المحتملة في مراحلها الأولية من أسباب النجاح، فتلك الرؤية الاستباقية تتيح لنا التصدى للمشكلات قبل أن تكبر وتتحول إلى عقبات حقيقية.
في النهاية، يجب أن يتم الإشراف المستمر والفعال على الذكاء الاصطناعي من قبل أولئك الذين يصممونه ويستخدمونه. قد يتضمن هذا بذل الجهود في سبيل وضع الأطر التنظيمية الحكومية والإرشادات التي يتم تطويرها حول كيفية استخدام وتطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي. وسيكون من الأهمية بمكان للشركات أن تكون على معرفة جيدة بهذه المسائل.
"ما هي الاستراتيجية المثلى لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
اعتمدت الشركات بشكل عام على النهج التجريبي في استكشاف التكنولوجيا الناشئة من الذكاء الاصطناعي، حيث ركزوا على استكشاف الفرص المتاحة من خلال تشغيل برامج تجريبية على نطاق صغير ضمن المؤسسة. ولكن، نظرًا للتطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي والمخاطر المرتبطة به، ستكون الشركات بحاجة إلى إعادة التفكير في منهجياتها. فالاكتفاء بالتجربة والخطأ في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس خيارًا مقبولًا الآن. أحد الرؤساء التنفيذيين لشركة عالمية رائدة أكد أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيقود بسرعة نحو ميزة تنافسية، وشدد على أهمية العمل السريع والحاسم من قبل كل من القادة الذين يعملون تحت رعايته ويطالب بالتنفيذ الفعال والكامل لحالتين مختلفتين من الاستخدام، من دون أي تأخير أو تردد .
قد يكون من الحكمة لقيادات الشركات أن تدرس فكرة تعيين مدير تنفيذي رئيسي يكون على عاتقه مهمة الإشراف والتحكم في جميع أوجه نشاط الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتتجسد الخطوة الثانية المُدروسة بعناية في تأسيس فريق متعدد التخصصات مكون من الكوادر العليا الذين يمثلون مجالات مثل علوم البيانات، الهندسة، القانون، الأمن السيبراني، التسويق، التصميم ووظائف الأعمال الأخرى. ويمكن لهذا الفريق القوي والمتنوع أن يتعاون لوضع وتنفيذ استراتيجية على نطاق واسع وبسرعة تتجاوز الحدود الطبيعية للمؤسسة.
بالنظر إلى القدرات الفائقة للذكاء الاصطناعي التوليدي التي تدعم تطبيقات متعددة على مستوى الشركة، يصبح من الأهمية بمكان أن يشجع مجلس الإدارة الشخص المسؤول عن الذكاء الاصطناعي التوليدي على تطبيق استراتيجية موحدة على مستوى الشركة بأكملها. ستعمل هذه الاستراتيجية الموحدة على تنظيم الأولويات بطريقة تحقق النتائج السريعة والمؤثرة. وبالنسبة للحالات الأكثر تعقيدًا، يمكن التعامل معها في وقت لاحق. أما القيمة الرئيسية لهذه الاستراتيجية الموحدة، فهي تقديم نظرة شاملة وعميقة حول المخاطر المحتملة، مما يساعد في التعامل مع التحديات المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بطريقة أكثر فعالية وسلاسة.
كما سيرغب مجلس الإدارة في التأكد من وجود استراتيجية لتشكيل شبكة واسعة من الشراكات والتحالفات، مثل الشراكات مع مزودي الخدمة الذين يتخصصون في نماذج محددة لقطاع معين، أو مع مزودي البنية التحتية الذين يقدمون إمكانيات مثل الحوسبة السحابية. ستمكن الشراكات الصحيحة مع الخبراء المناسبين الشركات من التحرك بسرعة لاستخلاص القيمة والاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتجنب الاعتماد الزائد على البائعين ومراقبة المخاطر المحتملة للغير.
هل نمتلك الكفاءات اللازمة؟
لتجاوز تحديات الذكاء الاصطناعي التوليدي، قد تتطلب الشركات إعادة تقييم وهيكلة قدراتها التنظيمية عبر الاستناد على ثلاثة محاور رئيسية.
التكنولوجيا
تشكل التكنولوجيا الجبهة الأولى في هذا التحدي. وتُعد البيانات الحديثة والهيكل التكنولوجي المتقدم هما عمود النجاح في تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي. وعلى الرغم من أن النماذج الأساسية تستطيع دعم مجموعة متنوعة من السيناريوهات، إلا أن النماذج الأكثر تأثيراً هي تلك التي تتكون من مجموعات بيانات إضافية وأحيانًا بيانات تتمتع بحقوق ملكية. في هذا السياق، لن تتمكن الشركات التي لم تستطع تنظيم وتسهيل الوصول إلى بياناتها من الاستفادة الكاملة من الثورة المحتملة للذكاء الاصطناعي. هناك أمر آخر مهم بنفس القدر؛ ألا وهو القدرة على خلق هيكل بيانات قابل للتوسيع والتطوير ويشمل ذلك الرقابة على البيانات والتدابير الأمنية. بناءً على السيناريو المطلوب، قد تحتاج البنية التحتية الحالية للحوسبة والأدوات المستخدمة إلى ترقية وتحديث. فهل الفريق التنفيذي لديكم لديه وعي كامل حول الموارد والأدوات والنماذج اللازمة للحوسبة وأنظمة البيانات؟ وهل توجد لديكم استراتيجية مدروسة للحصول عليها؟"
المواهب
مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على المؤسسات إعادة النظر في مواهبها. حيث تعترف الشركات بضرورة تطوير مهارات فريق عملها لتواكب المنافسة في عالم تسيطر عليه البيانات والذكاء الاصطناعي، ولكن الكثير منها يجد صعوبة في استقطاب الكفاءات المطلوبة والمحافظة عليها. تتصاعد صعوبة هذا التحدي مع تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد تزول بعض الوظائف، وقد تتطور أخرى بشكل جذري، وقد تظهر وظائف جديدة تماما. يُتوقع أن يكون تأثير هذه التغييرات أكبر وأسرع، وأن يشمل مجالات أوسع مما كان الذكاء الاصطناعي قد أثر فيها حتى الآن.
تختلف المهارات الجديدة الدقيقة المطلوبة حسب الحالة والسياق. فعلى سبيل المثال، إذا كانت حالة الاستخدام واضحة ويمكن دعمها بنموذج أساسي، قد يكون الخبير قادرًا على قيادة الجهد بمساعدة مهندسي البيانات والبرمجة. ولكن في حالات مثل تطوير الأدوية حيث تكون البيانات ذات طابع خاص، قد تضطر الشركة لبناء نموذج ذكاء اصطناعي توليدي من الأساس. وفي هذه الحالة، قد يكون من الضروري جذب خبراء التعلم الآلي من ذوي الدرجات العليا.
ومن هنا، ستحتاج إدارة الشركة للتأكد من وجود استراتيجية واضحة لمواكبة الاحتياجات المتغيرة للتوظيف في مجال الذكاء الاصطناعي. كما ستحتاج القوى العاملة الحالية إلى تدريب من أجل تضمين الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالهم اليومية والاستعداد للتحول إلى أدوار جديدة. ولكن البعد التقني ليس العامل الوحيد المهم، حيث يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يزيد من أهمية القدرات التحليلية والإبداعية لتواكب التكنولوجيا المتقدمة. لذا، قد يكون هناك حاجة لتغيير نموذج المواهب، ومع ذلك، لا ينبغي أن نغفل عن التنبيه الذي أطلقه المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً أن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي كبديل للمهام الأولية قد يعرض نمو وتطور الجيل القادم من المبدعين والقادة والمديرين للخطر.5
الثقافة التنظيمية
وأخيرًا، تلعب ثقافة الشركة دوراً حاسماً في تحقيق النجاح عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي. قد تواجه الشركات التي تجد صعوبة في التجديد والتغيير تحديات في مواكبة مزايا هذه التقنية الرائدة. وهنا يأتي سؤال مهم: هل يمتاز فريقك بثقافة التعلم التي قد تكون العنصر الأساسي لتحقيق النجاح؟ هل يوجد في الشركة شعور عميق بالمسؤولية والمحاسبة؟ بدون هذا التوجه الثقافي المشترك، من المحتمل أن تواجه الشركة التحديات الأخلاقية المرتبطة بالتكنولوجيا.
يلقي هذين السؤالين الضوء على قضايا ثقافية معقدة، يتعين على أعضاء مجلس الإدارة البحث فيها بعمق والحث على فحصها بمنتهى الدقة من قبل فرق الإدارة. استناداً إلى ما يوضحه هذا البحث، قد يصبح التعديل والبناء من جديد على ثقافة الشركة مهمة بالغة الأهمية والضرورة.
تساؤل يتعلق بمجلس الإدارة
عندما يتعلق الأمر بمساعدة الرؤساء التنفيذيين على استخلاص القيمة من الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعامل مع مخاطره، يجب على أعضاء مجلس الإدارة أن يتوجهوا بطرح هذا التساؤل الرئيسي الأولي وهو هل نحن مهيؤون بشكل كافٍ لنقدم الدعم المطلوب؟
إذا كان الأعضاء لا يمتلكون فهمًا دقيقًا وعميقًا للذكاء الاصطناعي التوليدي وتأثيراته، فلن يكونوا قادرين على تقييم الأثر المتوقع لاستراتيجية الذكاء الاصطناعي التوليدي للشركة، والقرارات المرتبطة بالاستثمارات، والمخاطر، والمواهب، والتكنولوجيا، وأمور أخرى على الشركة وجميع أصحاب المصلحة. ولكن، ما يكشفه حوارانا مع أعضاء مجالس الإدارة هو أن العديد منهم يعترف بأنهم يفتقرون إلى هذا الفهم. وفي هذا السياق، يمكن للمجلس التأمل في ثلاث طرق لتحسين هذا الوضع.
يقتضي الحل الأول أن يعيد مجلس الإدارة النظر في تركيبته ويجري التعديلات اللازمة لضمان امتلاك الخبرة التقنية الملائمة. فيما سبق، عندما كانت الشركات تسعى لتحقيق التوازن بين خبراء التكنولوجيا الحاصلين على خبرة تجارية واسعة النطاق والمتطلبات الأساسية لعضوية مجلس الإدارة، كان بعضها يتوسع لتحقيق دعم إضافي عبر تشكيل لجان استشارية تقنية تضم خبراء في الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، ونظرًا للتأثير المحتمل الشامل للذكاء الاصطناعي التوليدي على كل جانب من جوانب العمليات التجارية مثل الخطورة، الأجور، المواهب، الأمن السيبراني، التمويل، والاستراتيجية - فإنه من المنطقي القول بأن الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن تتواجد بشكل متساو في جميع أقسام المجلس، حتى يكون لديهم القدرة على التعامل مع تأثيراته بالطريقة الأمثل.
وكخطوة بديلة، يمكن لمجلس الإدارة العمل على تعزيز فهمهم للذكاء الاصطناعي التوليدي. تعتبر الدورات التدريبية التي تقدمها النخبة من الخبراء الداخليين للشركة أو المتخصصين من خراج المؤسسة في هذا المجال، منصة ثرية لتعميق معرفة أعضاء مجلس الإدارة بشأن الطبيعة الأساسية للذكاء الاصطناعي التوليدي، وطريقة تفعيله في سياق الأعمال، تلك القيمة التي قد تكون معرضة للخطر، والمخاطر المحتملة، بالإضافة إلى التطورات المستمرة في مجال التكنولوجيا.
وكخطوة ثالثة، يمكن للمجلس دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في عملياته الداخلية. فتجربة الاستخدام العملي في غرفة الاجتماعات ليست فقط تثقيفية، ولكنها تساعد أيضًا على فهم التكنولوجيا بطريقة عميقة، بينما تقيم قيمتها وتتعرف على مخاطرها المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، بالنظر في قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على تعزيز عملية صنع القرار، سيكون من الحكمة للمجلس استغلال هذا الجانب من التكنولوجيا لتحسين الأداء. على سبيل المثال، يمكنهم استخدام الذكاء الاصطناعي في وضع أسئلة هامة حول المسائل الاستراتيجية أو تقديم زوايا رؤية جديدة لأخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرارات.
تواجه الشركات اليوم مهمة مواكبة التطور السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحقيق التوازن بين الإسراع في ذلك وأخذ الحذر. يكمن الدور الأساسي لمجلس الإدارة في توجيه الفريق الإداري، حيث يجب ضمان مواكبة هذا التطور التكنولوجي دون غض الطرف عن المخاطر. إن الأسئلة التي نطرحها اليوم ليست شاملة بالضرورة، وسنتعرض للمزيد مع تقدم التكنولوجيا. بغض النظر عن ذلك، الأمر يعود إلى أعضاء مجلس الإدارة في النهاية، حيث يحملون المسؤولية الكبرى بشأن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في الشركات التي يديرونها. الإجابات التي يتوصلون إليها ستكون الدليل الذي يساعدهم على القيام بهذه المهمة بحكمة.