وهنا لا بد من طرح السؤال الآتي: ما الذي تحتاجه الشركات الكبيرة لتتمكن من تسجيل نموٍ كبير يفوق إجمالي عائد المساهمين في السوق على مدار عشر سنوات؟ حتى نتمكن من تحليل قصص النجاح التي سطرتها أفضل الشركات أداءً، أجرينا دراسة شملت ألف شركة من أضخم الشركات من حيث رأس المال السوقي في الولايات المتحدة. ووجدنا عمومًا أن الشركات التي تربعت على عرش الصدارة من حيث إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد اتبعت أحد المسارات الخمسة البارزة وهي: (1) تأسيس الأعمال في أسواق ذات نمو مرتفع أو الانتقال إليها، (2) طرح منتجات جديدة أو مطوّرة، (3) تجديد محفظة الأعمال، (4) إحداث تحول ناجح في الأعمال، أو (5) إدارة الأعمال بطريقة تتفرد فيها عن الأقران. وترافقت بعض هذه المسارات باحتمالٍ أكبر لتسجيل أداء أفضل على صعيد إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد، وكان مسار تأسيس الأعمال في الأسواق ذات النمو المرتفع أو الانتقال إليها هو المسار الأكثر شمولية. ولكن النمو لم يتجسد فقط في تعزيز إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد في السوق. ومن اللافت للنظر أن هذه المسارات الخمسة تجلّت بوضوح خلال الفترات الزمنية الثلاث المشمولة في التحليل والممتدة على مدار عشر سنوات.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
المنهجية: أهمية التوقعات المستندة إلى أرض الواقع
أجرينا اثنين من التحليلات بغرض قياس الأداء المتفوق لإجمالي عائد المساهمين طويل الأمد وتأطيره بشكل أكثر وضوحًا. وبدأنا أولاً بإلقاء نظرة فاحصة على ألف شركة من أضخم الشركات في الولايات المتحدة من حيث قيمتها السوقية، ثم تحققنا من عدد الشركات التي وصلت إلى أعلى شريحة عشرية على صعيد أداء إجمالي عائد المساهمين خلال أي فترة من الفترات الزمنية الثلاث المختلفة الممتدة على عشر سنوات1. وبوصولها إلى هذه الشريحة تكون الشركات قد تفوقت على إجمالي عائد المساهمين السائد في السوق بنسبة تقارب 20 في المائة. وكانت الشركات المُدرجة ضمن الشريحة العشرية الأعلى خلال هذه الفترات الزمنية من الشركات "الكبيرة جدًا"، أي من بين أضخم 250 شركة من حيث قيمتها السوقية، إذ تخطت إجمالي عائد المساهمين بنسبة 11 في المائة و15 في المائة و18 في المائة، على التوالي.
وبالنظر إلى العدد المحدود للغاية من الشركات الكبرى المدرجة ضمن الشركات ذات الأداء الأعلى على صعيد إجمالي عائد المساهمين، أجرينا تحليلاً ثانيًا، مماثلاً للتحليل الأول الخاص بأكبر ألف شركة، وذلك بهدف التركيز فقط على أكبر 250 شركة أمريكية متداولة علنًا. ولأننا ندرك مسبقاً أنه بوسع شركات قليلة فقط التفوق على إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد في السوق بنسبة تقارب 20 في المائة، حددنا سقف أقل يتمثل في تخطي إجمالي عائد المساهمين في السوق لمدة عشر سنوات بنسبة 5 في المائة أو أكثر. ووجدنا أن عدد قليل جداً من الشركات الكبيرة نجحت في بلوغ هذا السقف.
وهذا ما يجعلنا نستنتج الدرس الأول المتمثل في تحديد التوقعات. فلو نظرنا إلى الشركات الضخمة، نجد أن كبار المسؤولين التنفيذيين عموماً، والمديرين الجدد على وجه التحديد، يميلون إلى رفع سقف توقعاتهم من خلال الإدلاء بتصريحات مثل "ستتفوق شركتنا هذه على إجمالي عائد المساهمين في السوق بنسبة 10 في المائة"، حتى أن البعض منهم يرفع الهامش أحياناً بشكل مبالغ فيه. وإذا عدنا إلى أرض الواقع، نجد أن هذا الهدف نادراً ما يكون قابلاً للتطبيق. ففي نهاية المطاف هناك سقف محدد لحصة السوق التي تتمكن شركة ما من الاستحواذ عليها، ما يمنح الشركات الصغيرة مساحة أكبر للنمو. فعندما لا يسجل السوق أو القطاع الذي تتنافس فيه الشركة أي نمو ملحوظ، تلوح أمام الشركات الأصغر حجماً فرص أفضل بكثير لتخطي إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد: فكلما كانت حصة الشركة من السوق أصغر، ازدادت فرصها في تخطي توقعات المستثمرين على نحو مطرد.
المسارات الخمس لأداءٍ متفوق
إن مجرد التغلب على المعدل الوسطي لإجمالي عائد المساهمين في السوق بنسبة تزيد عن 5 في المائة على مدار عشر سنوات يفرض على الشركات قائمة استثنائية من المهام: وقد نجحت 23 و28 و37 شركة، على التوالي، من أكبر 250 شركة في بلوغ هذا الهدف خلال فترات زمنية ممتدة على عشر سنوات تنتهي في الأعوام 2012 و2017 و2022. فلو نظرنا إلى العقد الماضي، نجد أن حوالي 10 في المائة من كبرى الشركات التي نجحت في تخطي إجمالي عائد المساهمين في السوق بنسبة 5 في المائة أو أكثر تنتمي إلى الصناعات المتأثرة بدورة الأعمال التجارية مثل النفط والغاز أو الطيران والدفاع؛ إذ تؤكد نتائج الأبحاث التي أُجريت على مدار عشرات السنين أن الشركات المتأثرة بعجلة الاقتصاد قد لا تتمكن من الوصول إلى الأسواق الأكبر عند تراجع دورة أعمالها التجارية.
وسواء أخذنا بعين الاعتبار ما تشهده دورة الأعمال التجارية من تقلبات أم لا (فقد أجرينا كلا التحليلين)، وبقيت النتائج واضحة لا لبث فيها: هناك خمسة مسارات بارزة أمام كل من يود تخطي إجمالي عائد المساهمين في السوق (المخطط التوضيحي).
1. تأسيس الأعمال في أسواق ذات نمو مرتفع أو الانتقال إليها
يمهّد النمو الطريق أمام تسجيل أداء متفوق على صعيد إجمالي عائد المساهمين. وقد استفادت شركات عديدة سلكت هذا المسار من الرياح المواتية، لا سيما تلك التي تمحورت أنشطتها الأساسية حول صناعات مثل التكنولوجيا المتقدمة أو التي نافست ضمن قطاعاتٍ أخرى تُحدث فيها التكنولوجيا الفارق كله (كما كان الحال بالنسبة لنُظم الدفع المعتمدة في المؤسسات المالية). ومع ذلك فإن الحظ لا يرسم دائمًا مصير الأعمال؛ فعلى سبيل المثال لم تتمكن جميع الشركات المتخصصة في أشباه الموصلات من احتلال مرتبة الصدارة على صعيد أداء إجمالي عائد المساهمين. وإذا نظرنا إلى مختلف الصناعات، نجد أن الشركات التي تفوقت في الأداء من خلال الاستفادة من الرياح المواتية حققت أداءً جيدًا في أعمالها الأساسية من جهة وواصلت رصد الاستثمارات لدفع عجلة الابتكار وتحسين عملياتها التجارية، من جهة أخرى. والأهم من ذلك كله، أن هذه الشركات لم تألُ جهدًا لترسيخ "مكانة متخصصة" تعود عليها بأرقام نمو مرتفعة ضمن القطاع ذاته. وهنا نجد على سبيل المثال أنه بدلاً من الاكتفاء بتقديم الدعم التكنولوجي، استفادت إحدى الشركات الخدمية من الطلب المتزايد على الأمن السيبراني. وفي الوقت الذي حقق فيه قطاع العقاقير الدوائية عوائد قوية على مدار عقود عدة، تحوّل موردو الأدوية مؤخرًا إلى محرك دافع لعجلة النمو ضمن كامل قطاع علوم الحياة.
2. طرح منتجات جديدة أو مطوّرة
ضمت ثاني أكبر فئة من الشركات الكبرى التي نجحت في تخطي إجمالي عائد المساهمين في السوق الشركات التي طرحت منتجات جديدة أو مطوّرة. ولعل أهم ما يميز هذه الفئة عن الفئة الأولى المتمثلة في "التواجد في أسواق عالية النمو أو الانتقال إليها" هو المحرك الدافع أو الدوافع الرئيسية للأداء المتفوق والذي تجسد في عدد قليل من المنتجات المحددة (أحيانًا منتج واحد فقط) بدلاً من تطوير عمل معين لمواكبة التوجهات الناشئة على مستوى القطاع. ونجد مرة أخرى أن الشركات الناشطة في صناعة العقاقير الدوائية قدمت جنبًا إلى جنب مع قطاع التكنولوجيا الحيوية أفضل الأمثلة التي يمكن الاقتداء بها، إذ طرحت العديد من الشركات الدوائية عقاقير مبتكرة (مثل أدوية أمراض المناعة الذاتية أو مرض السكري) كانت الأسواق متعطشة لها. وبفضل ابتكار مثل هذه المنتجات الجديدة، نجحت هذه الشركات الكبيرة في تخطي إجمالي عائد المساهمين السائد في السوق.
3. تجديد محفظة الأعمال
أما المسار الثالث لتحقيق أداء متفوق على صعيد إجمالي عائد المساهمين، فهو يتمثل في الارتقاء بمحفظة أعمال الشركة والتوجه نحو الأعمال التي تطرح قيمة إضافية دون التحول بعيدًا عن جوهر نشاطاتها. وتسعى الشركات المصنفة ضمن هذه الفئة للبحث بشكل استباقي عن أسواقٍ ذات نمو أسرع تتيح لها فرصة تطوير أو اكتساب ميزة تنافسية. وهذا مسار ضيق لا يتسع لكثير من الشركات. فخلال فترة السنوات العشر المشمولة في دراستنا، تمكنت تسع شركات فقط من أصل 250 شركة كبرى من تجاوز سقف إجمالي عائد المساهمين في السوق بنسبة 5 في المائة أو أكثر من خلال تحديث محافظ أعمالها. ولطالما كان امتلاك سجل حافل بالأعمال التجارية أو الأعمال الأساسية شرطًا جوهريًا للتوسع ضمن مجالات جديدة والاستحواذ على مكاسب جديدة مجزية من النمو. وهنا نجد أن إحدى الشركات ذات الأداء المتفوق كانت على سبيل المثال ناشطة في أعمال النشر والتعليم، وكانت متخصصة في الوقت ذاته بإجراء أبحاث مالية. وبعد إدراكها للتوجهات الناشئة ونوعية الأعمال الأفضل لها، لجأت الشركة إلى إيقاف أعمال النشر والتعليم التابعة لها، وخصصت المزيد من الموارد لدعم مجال الأبحاث والتحليلات المالية، الأمر الذي لعب دورًا كبيرًا في منحها قيمة إضافية. كما نجد مثالاً يُقتدى به أيضًا في شركة "مايكروسوفت". ففي العام 2007، كانت ثالث أكبر شركة أمريكية من حيث قيمتها السوقية ونجحت من خلال العديد من منتجاتها الأساسية، بما فيها "أوفيس" و"ويندوز" و"إكس بوكس" في دخول كل منزل. ومع ذلك، لا تزال الشركة مواظبة على تحديث محفظة أعمالها، وبحلول العام 2008، اتجهت "مايكروسوفت" نحو تطوير أعمالها السحابية. وفي العام 2014، أوضح رئيسها التنفيذي الجديد ساتيا ناديلا أن السحابة تتصدر قائمة أولويات الشركة. وبحلول العام 2022، جاءت "السحابة الذكية" المطورة من "مايكروسوفت" في مقدمة أعمالها وصُنفت ضمن أهم أقسامها وأكثرها ربحية، وأسرعها نموًا حتى الآن، بالتزامن مع احتلال الشركة لمكانة رائدة كثاني أكبر شركة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.
4. إحداث تحول ناجح في الأعمال
تنجح شركات كبرى تُعد على الأصابع لا تتجاوز نسبتها 20 في المائة خلال فترة زمنية ممتدة على عشر سنوات (لم تتجاوز نسبتها خلال الفترة الأخيرة الخاضعة للدراسة 5 في المائة) في تجاوز إجمالي عائد المساهمين بنسبة تزيد عن 5 في المائة من خلال تحقيق تحول ناجح في أعمالها. وهذه الشركات تنتمي إلى قطاعات متنوعة، وقد نجح عدد منها في إدخال تحسينات كبيرة على العائد على رأس المال المستثمر من خلال رفع مستوى الكفاءة والاعتماد على اقتصادات وفورات الحجم. وعادة ما كانت عمليات التحول تتم بشكل صارم للغاية، تتخطى المعايير السطحية لتحسّن العمليات الأساسية بشكل جوهري. فعلى سبيل المثال، أنهت شركة "بست باي" عملياتها في أوروبا وأغلقت متاجر "بست باي موبايل" لتصب نطاق تركيزها على رفد إيراداتها عبر متاجرها وعملياتها في الولايات المتحدة. كما أطلقت مبادرات مثل "جيك سكواد" للحصول على الدعم وخدمة الإصلاح في المنزل، ناهيك عن إضفائها المزيد من التناغم بين عروضها المطروحة عبر الإنترنت والعروض المقدمة بشكل مباشر عبر متاجرها. وعلى صعيد تصنيع المنتجات التكنولوجيا، أدخلت الشركة تحسينات كبيرة على عملية التصنيع، إذ انتقلت من نموذج العمل القائم على اليد العاملة إلى نموذج أعمال آلي أسرع قائم على الحلول الرقمية. وفي نهاية العام 2022، تجاوزت الشركة إجمالي عائد المساهمين في السوق خلال عشر سنوات بنسبة تفوق 6 في المائة.
5. إدارة أعمالك بطريقة تتفرد فيها عن أقرانك
أما المسار الأخير فقد فرض نفسه بقوة على الشركات الكبيرة وجعلها تسعى نحو الأداء المُتقن. وبقدر حجم الصعوبات التي تواجهها شركة ناشطة في صناعة تقليدية مستقرة للسيطرة على حصة لها في السوق، ليس من السهل الاستمرار في التفوق على الشركات المنافسة وتخطي إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد بنسبة 5 في المائة أو أكثر. لذا، لم تتمكن سوى قلة قليلة من الشركات الكبرى في بلوغ هذا الهدف. وخير مثال على ذلك نجد في كل من شركة التجزئة "كوستكو" وشركة التأمين "بروغريسيف"، إذ لم تتمكن هاتين الشركتين من ركوب موجة النمو، ولم تدخلان أي تغييرات ملحوظة على محفظة الأعمال. لكنهما أدارتا أعمالهما بطريقة متقنة بالفعل، الأمر الذي أدى إلى إحياء استراتيجية متفردة واستنهاض القدرات الاستثنائية، وانعكس إيجابًا على أداء إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد. وخلال فترة العشر سنوات المنتهية في 31 ديسمبر 2022، حققت هاتين الشركتين فائضًا في إجمالي عائد المساهمين بنحو 6 في المائة و11 في المائة على التوالي. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، سجلت شركة "كوستكو" نموًا بواقع أربع نقاط مئوية متفوقةً بذلك على المعدل الوسطي لشركات البيع بالتجزئة ذات رأس المال الكبير. وبدورها، تجاوزت شركة "بروغريسيف" المعدل الوسطي لقطاع التأمين بنحو 5.5 نقطة مئوية، وواصلت رصد استثماراتها لدعم القدرات المؤسساتية المتقدمة مثل التحليلات وتجربة المستهلك وغيرها. كما وسعت الشركتان أيضًا من نطاق امتدادهما على المستوى الدولي واستفادتا من الولاء القوي لعملائها. وفي الواقع، ضم مسار "إدارة أعمالك بطريقة تتفرد فيها عن أقرانك " ثاني أو ثالث أكبر فئة من الشركات التي حققت أداءً متفوقًا على صعيد إجمالي عائد المساهمين خلال كل فترة زمنية من السنوات العشر. ومع ذلك، حقق المسار المتعلق بالقطاع ذي النمو المرتفع ضعف عدد الشركات ذات الأداء المتفوق في إجمالي عائد المساهمين في كل فترة من الفترات الزمنية المشمولة في التحليل.
ويمكننا أن نستنتج من خلال دراسة ثلاث فترات زمنية تمتد على مدار عشر سنوات أن هناك خمسة مسارات لتجاوز إجمالي عائد المساهمين طويل الأمد في السوق. ويبدو أن النمو يوفر المسار الأكثر اتساعًا للشركات، رغم أن النجاح ليس مضمونًا في أي من هذه المسارات، بل تبقى الاستراتيجية الراسخة والإدارة الاستثنائية شرطان أساسيان لبلوغ النجاح. في الواقع، حتى عندما تسير كل الأمور على خير ما يرام، ينبغي على الشركات أن تستند إلى أرض الواقع عند تحديد مستوى الأداء المتفوق من إجمالي عائد المساهمين الذي يمكن تحقيقه. وبالنسبة للشركات الكبرى، فإن تجاوز إجمالي عائد المساهمين في السوق خلال إطار زمني مدته عشر سنوات بنسبة تزيد على 5 في المائة يعد إنجازاً كبيراً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.