التحول الرقمي بلمسة إنسانية: عصر جديد من الخدمات المصرفية للشركات الصغيرة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تشكل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة حجر الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد العالمي، إذ تسهم بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، وتمثل ما يزيد عن 90% من إجمالي الشركات حول العالم، وتوفر فرص العمل لأكثر من ثلثي القوة العاملة. ورغم حجمها الصغير، فإن تأثيرها الاقتصادي ضخم وممتد في مختلف القطاعات. ومن هذا المنطلق، لا يُنظر إلى هذه المشروعات ككيانات ثانوية، بل كفرص ذهبية للنمو المصرفي. فهي تستحوذ على نحو 21% من إجمالي عائدات القطاع المصرفي، وتحقق معدل نمو سنوي يصل إلى 7%، متفوقة بذلك على قطاعي الأفراد والشركات الكُبرى. وهذا النمو المتسارع يجعلها من أكثر الشرائح جذبًا للمؤسسات المالية الباحثة عن توسيع حصتها السوقية وتعزيز مصادر دخلها. (الشكل 1).

إلا أن المشهد التنافسي يشهد تحوّلًا متسارعًا يفرض على البنوك التحرك العاجل، إذ لم تعد ريادتها في هذا القطاع مضمونة. خلال السنوات القليلة الماضية، نجحت المؤسسات الرقمية الصاعدة في جذب شرائح واسعة من أصحاب المشروعات الصغيرة من خلال تجربة مصرفية مريحة تركز على الهاتف المحمول، وتُقدَّم بتكاليف أقل بكثير من الخدمات التقليدية. وفي المملكة المتحدة مثلًا، استطاعت منصات مثل "Monzo" و"Revolut Business" و"Starling Bank" و"Tide" أن تستحوذ على ما يقارب ثلث قاعدة عملاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بعد أن كانت حصتها من السوق شبه معدومة قبل خمس سنوات فقط. وهذا التغير السريع يعكس مدى تعطّش هذا القطاع لحلول مصرفية ذكية وسلسة تُلبي احتياجاته المتطورة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

تتفاوت المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من حيث الحجم، إذ تضم الأولى عادة ما بين موظف واحد إلى تسعة موظفين، بينما تشمل الثانية حتى خمسين موظفًا، أما المشروعات المتوسطة فقد يصل عدد العاملين فيها إلى 250 شخصًا. وتُعد هذه الفئة من العملاء فرصة مهمة للبنوك، لأنها غالبًا ما تحقق عوائد أعلى من الأفراد، نظرًا لأن أصحابها يحتفظون برصيد أكبر في الحسابات، ويطلبون قروضًا أكبر، ويُجرون عددًا أكبر من المعاملات. إلى جانب ذلك، فإن الكثير من مالكي هذه المشروعات هم أشخاص ميسورو الحال أو من أصحاب الثروات، ما يمنح البنوك فرصة لتقديم خدمات مصرفية شخصية متكاملة وبناء علاقات أعمق وأكثر قيمة معهم.

ورُغم ما تمثّله المشروعات الصغيرة والمتوسطة من فرصة واعدة، إلا أن البنوك غالبًا ما تصطدم بجملة من التحديات التي تعيق قدرتها على خدمتها بكفاءة. ومن أبرز هذه العوائق اعتمادها على نماذج توزيع تقليدية لم تعد تواكب العصر، إلى جانب الاعتماد على إجراءات يدوية بطيئة وغير فعّالة، في وقتٍ تتغير فيه توقعات العملاء بوتيرة متسارعة. وتزداد حدة هذه التحديات عندما يتعلق الأمر بالمشروعات متناهية الصغر، والتي غالبًا ما تُعاني من ضعف في البيانات المالية، أو غيابها تمامًا، فضلًا عن ارتفاع معدلات المخاطر الائتمانية المرتبطة بها. كل ذلك يجعل من الضروري إعادة النظر في طريقة تعامل البنوك مع هذه الشريحة، والبحث عن حلول أكثر مرونة وابتكارًا.

في المقابل، تملك البنوك اليوم فرصة غير مسبوقة لتجاوز التحديات، من خلال توظيف التكنولوجيا المتطورة لخدمة قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بكفاءة أعلى، ومنافسة المنصات الرقمية الصاعدة بقوة. ومع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء التوليدي ووكلاء الذكاء الاصطناعي، بات بإمكان المؤسسات المالية تحسين كفاءة التكاليف بشكل جذري، دون المساس بجودة تجربة العميل، بل وتعزيزها. وتكمن قوة هذه التقنيات في قدرتها على تحليل احتياجات كل عميل بدقة، واقتراح المنتجات أو الحلول الأنسب له في اللحظة المناسبة، وهو ما يعيد تعريف دور مديري العلاقات مع العملاء. فبدلًا من التشتت في المهام الروتينية، يمكنهم الآن التركيز على الفرص ذات القيمة العالية، وتقديم خدمات أكثر تخصيصًا وفعالية. والأهم من ذلك، أن الذكاء الاصطناعي يتيح للبنوك التقليدية فرصة أتمتة العديد من العمليات اليدوية المعقدة، مثل طلبات الائتمان وإجراءات التعرف على هوية العميل(KYC)، مما يقلل من التكاليف ويرفع من كفاءة التشغيل بشكل ملحوظ.

في ظل التنافس المتصاعد، تدرك البنوك جيدًا أن تجاهل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد يكلّفها خسائر كبيرة لصالح منافسين أكثر سرعة وابتكارًا. فهذه الفئة من العملاء لا تمثّل فقط فرصة واعدة للنمو، بل أصبحت نقطة ارتكاز لا يمكن التفريط بها. انطلاقًا من ذلك، يستعرض هذا المقال أبرز العقبات التي تعيق تقديم خدمات فعالة لهذا القطاع، ويطرح نموذجًا متوازنًا يجمع بين الحلول الرقمية المتطورة والتواصل الإنساني المباشر، كمدخل أساسي لبناء علاقات قوية ومستدامة مع العملاء. كما يتناول كيفية تطوير البنوك لقدراتها الرقمية بالشكل الذي يواكب متطلبات السوق، ويعرض خطوات عملية تساعد المؤسسات المالية على البدء في هذا المسار بثقة ووضوح.

تحديات لا تزال تعرقل المسار

ورغم ما يحمله هذا القطاع من فرص ضخمة لجني الإيرادات، إلا أن البنوك ما تزال تواجه صعوبات حقيقية في خدمته بفعالية، خصوصًا لدى المشروعات متناهية الصغر، ما يتطلب حلولًا مرنة تتجاوز الأساليب المصرفية المعتادة:

  • تتبع البنوك حول العالم أساليب مختلفة في خدمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكن حتى الآن لا يوجد نموذج واحد يمكن اعتباره الأفضل. ففي أوروبا وبعض مناطق أمريكا الشمالية، تعتمد العديد من البنوك على النموذج التقليدي القائم على مديري العلاقات المباشرين، وهو ما يؤدي غالبًا إلى ارتفاع التكاليف. في المقابل، بدأت بعض البنوك الأمريكية تجربة نماذج رقمية تستخدم فرقًا افتراضية من مديري العلاقات، لكن لم تظهر حتى الآن نتائج حاسمة تؤكد فاعلية هذا الأسلوب. أما في آسيا، فتميل البنوك إلى تقديم الخدمات من خلال فروع التجزئة، باستخدام مزيج متنوع من النماذج حسب طبيعة السوق المحلي.
  • في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي لدى المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لا تزال العديد من البنوك عاجزة عن مجاراة هذا التطور. ففي الأسواق الآسيوية الناشئة مثلًا، شهدت هذه المشروعات قفزة رقمية كبيرة بعد جائحة كوفيد-19، وأصبحت تعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي في إدارة أعمالها. ومع ذلك، فضّلت العديد من البنوك تركيز جهودها الرقمية على قطاع الأفراد، في حين تم تجاهل احتياجات هذه الفئة من الشركات، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين تطلعات العملاء وقدرة البنوك على مواكبتها.

    لم تعد الخدمات المصرفية التقليدية كافية لكسب ثقة أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة؛ فقد أصبحت التجربة الرقمية المتكاملة عاملًا مهمًا في اختيار البنك الرئيسي. وبحسب نتائج استبيان أجرته ماكنزي عام 2024 شمل نحو 2,500 من أصحاب المشروعات في سبع دول أوروبية وشرق أوسطية، جاءت جودة الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وتطبيقات الهاتف المحمول كأهم سبب يدفعهم لاختيار البنك الذي يتعاملون معه. وهذا يعكس تحوّلًا جذريًا في أولويات هذه الفئة، التي باتت تبحث عن السرعة والسهولة قبل أي شيء آخر. (الشكل 2).

    يُظهر أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة نشاطًا قويًا على المنصات المصرفية الرقمية. فبحسب بيانات "Finalta" التابعة لماكنزي، استخدم 80% من هؤلاء العملاء في أوروبا الخدمات المصرفية الرقمية مرة واحدة على الأقل خلال فترة 30 يومًا في عام 2024. وهذه النسبة أعلى بـ 17 نقطة مئوية من نسبة استخدام العملاء الأفراد. وتُظهر التجربة أن العملاء الأكثر تفاعلًا رقميًا يحققون إيرادات أعلى للبنوك، لأنهم غالبًا ما يستخدمون عددًا أكبر من المنتجات والخدمات، ويظلون أكثر ارتباطًا بالمؤسسة المصرفية.

    وحين تتفوق البنوك في تقديم تجربة رقمية متطورة، فإنها تجني ثمارًا ملموسة على مستوى الأداء المالي والنمو في السوق. فقد أظهرت بيانات "Finalta" أن أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الذين يستخدمون الخدمات الرقمية بانتظام، يحتفظون برصيد أكبر في الحسابات، ويُجرون معاملات أكثر بكثير، كما يتمسكون بالبنك لفترات أطول مقارنةً بمن لا يعتمدون على القنوات الرقمية. وهذا يعني أن العميل الرقمي النشط لا يمثل فقط علاقة ناجحة، بل يُعد مصدرًا مستقرًا ومربحًا على المدى الطويل.

    وفقًا لبيانات "Finalta"، تتابع البنوك أكثر من 200 ميزة رقمية تشمل مجالات متعددة مثل المبيعات، وفتح الحسابات، وإدارة العمليات والمعاملات. ومع ذلك، لا يقدم معظم البنوك حول العالم سوى أقل من نصف هذه الميزات في المتوسط، بينما تصل البنوك الرائدة إلى نحو 85% منها. ومن هنا، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في الوصول إلى قائمة مكتملة من المزايا الرقمية، بل في تحديد ما يهم العملاء فعلًا، والتميّز في تقديمه بجودة عالية وسرعة استجابة. فالفوز في السباق الرقمي لا يتطلب الكمال، بل يتطلب التركيز الذكي.

  • ما زالت الكثير من البنوك تعتمد على إجراءات يدوية معقدة في التعامل مع طلبات القروض وإدارة الحسابات وغيرها من الخدمات، وهو ما يستهلك وقتًا طويلًا ويزيد من احتمالية حدوث الأخطاء. هذه الأساليب لم تعد مقبولة لدى أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الذين يفضّلون السرعة والسهولة. ومن هنا يأتي دور الأتمتة والذكاء الاصطناعي، حيث يمكنهما تبسيط عملية التقييم الائتماني وتسريع الإجراءات بشكل كبير. والنتيجة هي خفض التكاليف التشغيلية، وإتاحة وقت أكبر لموظفي البنوك للتعامل المباشر مع العملاء وتقديم خدمة أفضل، الأمر الذي يعزز رضا العملاء ويقوي موقف البنوك في المنافسة.

على مدار السنوات الخمس الماضية ظهرت اتجاهات واضحة في قطاع الخدمات المصرفية، لكن مؤخرًا برز تهديد جديد للبنوك التقليدية. ففي أسواق كثيرة، بدأت الشركات المالية الرقمية تستحوذ بسرعة على حصة متزايدة من العملاء، بفضل التجربة الرقمية المريحة التي تقدّمها. وفي الولايات المتحدة مثلًا، أصبحت المشروعات الصغيرة تعتمد بشكل متزايد على مزوّدي البرمجيات المتكاملة مثل "Clover" و"Square " و"Toast" في خدمات الدفع. هذا التحول يمثّل تحديًا للبنوك التي ما زالت تستخدم الأساليب التقليدية. وتشير أبحاث ماكنزي إلى أن 49 في المئة من هذه المشروعات تستخدم مزوّدين تقليديين كنقطة البيع الرئيسية، بينما ارتفعت نسبة اعتمادها على الشركات المالية الرقمية إلى 42 في المئة، وهو ما يعكس شدة المنافسة وتغيّر قواعد السوق.1

في السنوات الأخيرة، نما حجم الإنفاق في المطاعم التي تعتمد على مزوّدي البرمجيات المتكاملة بمعدل يساوي ضعف النمو لدى مقدمي الخدمات التقليديين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك منصة "Toast"، التي سجّلت زيادة في الإيرادات بلغت 42 في المئة عام 2023 و28 في المئة عام 2024. هذا التوجه لا يقتصر على قطاع المطاعم وحده، بل بدأ يظهر بوضوح في أسواق أخرى أيضًا. ومع توسع هذه الموجة، تزداد قوة شركات التكنولوجيا المالية بين أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مثل "Mercury" في الولايات المتحدة، و "Knab" في هولندا، بالإضافة إلى "Qonto" و"Revolut Business" في الأسواق الأوروبية.

نموذج رقمي مدعوم بالتفاعل البشري

إن التحديات الحالية تجعل من الضروري أن تعيد البنوك التقليدية النظر في طريقة خدمتها للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال تحسين التجربة الرقمية بشكل جذري. فالاعتماد على نهج رقمي في المقام الأول يمكن أن يحقق للبنوك قيمة كبيرة. وتُظهر بيانات "Finalta" أن أفضل البنوك في أوروبا الغربية تكسب ضعف الإيرادات من كل عميل نشط من هذه الفئة مقارنةً بالبنوك الأضعف أداءً، كما تحقق ما يقارب أربعة أضعاف العائد عند قياسه مقابل الأصول المعرضة للمخاطر. تثبت هذه الأرقام أن الاستثمار في الرقمنة لم يعد خيارًا ثانويًا، بل أصبح السبيل الأساسي لتحقيق النمو والتفوق.

لكي تصل البنوك إلى مستوى البنوك الرائدة، عليها إعادة النظر في أسلوب البيع والخدمات الذي تتبعه، بما يشمل خطوات فتح الحسابات وتقييم طلبات القروض. وفي الواقع، المطلوب هو نموذج يجمع بين كفاءة القنوات الرقمية وأهمية التواصل البشري. في هذا النموذج، تُنفّذ أغلب المعاملات عبر التطبيقات والمواقع الإلكترونية بخدمة ذاتية سهلة، بينما تتم رقمنة معظم عمليات بيع المنتجات الجديدة. وتوضح بيانات "Finalta" أن البنوك الأوروبية الأكثر نجاحًا تحقق 75 في المئة من مبيعات منتجاتها للمشروعات الصغيرة عبر القنوات الرقمية، أي ضعف ما تحققه البنوك العادية.

إن اعتماد النهج الرقمي لا يعني الاستغناء عن اللمسة البشرية، بل يحدد الدور الإضافي الذي يمكن أن يقدمه العاملون في البنوك. فالقيمة الحقيقية تظهر عند التعامل مع العملاء الذين لديهم احتياجات معقدة أو منتجات متخصصة تحتاج إلى استشارات وخبرة مباشرة. في هذا النموذج، يتولى موظفون غير مخصصين خدمة أغلب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، سواء عن بُعد أو من خلال الفروع عند الحاجة، بينما يركز مديرو العلاقات المتخصصون على العملاء الأهم من حيث الإيرادات، لتقديم استشارات شخصية وعروض مصممة خصيصًا لهم. وعلى سبيل المثال، عملت ماكنزي مؤخرًا مع أحد البنوك الكُبرى في أوروبا الغربية على إعادة تصميم نموذج تقسيم العملاء وتغطيتهم، بحيث يشمل إنشاء وحدة استشارات عن بُعد يمكنها خدمة العملاء بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الاعتماد الكامل على مديري العلاقات المتفرغين.

ويعتمد النجاح في خدمة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على إدارة رحلتهم المصرفية بسلاسة، بحيث ينتقل العميل بسهولة بين القنوات الرقمية والفروع دون أي تعقيد. ويقوم النموذج الحديث أيضًا على بناء شراكات مع منصات التجارة الإلكترونية وغيرها، للوصول إلى العملاء في أماكن تواجدهم وتقديم خدمات تُلبي احتياجاتهم المباشرة. وتشمل هذه الخدمات حلول الدفع للمعاملات عبر الإنترنت، وتقديم استشارات مالية مصممة خصيصًا، إضافة إلى تعزيز الحماية من الاحتيال. بهذه الطريقة يصبح البنك جزءًا من رحلة العميل اليومية، بدلًا من أن يكون مجرد مزود خدمة تقليدية.

مقومات النجاح في خدمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة

لكي تتمكن البنوك من أن تصبح في صدارة السوق في مجال خدمة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، فلا بد لها من تطوير مقومات أساسية تمكّنها من المنافسة ومواكبة تطلعات العملاء المتغيرة باستمرار. ومن واقع خبراتنا، هناك مجموعة من القدرات تمثل أولوية قصوى وتشكل حجر الأساس لأي بنك يسعى إلى التميز في هذا القطاع:

  • التفاعل الرقمي: يشكل التفاعل الرقمي الركيزة الأولى في خدمة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. فبالنسبة للشركات المتناهية الصغر، يُعد تطبيق الهاتف المحمول الواجهة الأساسية للتعامل مع البنك، مما يستلزم توفير مجموعة واسعة من خدمات المعاملات والمبيعات عبر التطبيق. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة، فغالبًا ما تحتاج إلى مزيج متكامل من تطبيق الهاتف والمنصات الإلكترونية على الويب، مع تصميم خصائص مميزة تُلبي احتياجاتها الأكثر تعقيدًا وتنوعًا.
  • عرض قيمة مبسّط ومصمم خصيصًا: تعمل البنوك الرائدة على إعادة التفكير في منتجاتها الموجهة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بحيث تصبح سهلة الفهم وسهلة الوصول. ويشمل ذلك تبسيط هياكل التسعير، مثل تقديم باقات على شكل مستويات اشتراك تُصمَّم بما يتناسب مع احتياجات العملاء المختلفة. وقد طوّرت بعض البنوك وشركات التكنولوجيا المالية عروضًا خاصة تستهدف شرائح بعينها ذات احتياجات مميزة، مثل قطاع الضيافة أو الزراعة. ومن خلال فهم احتياجات هذه الشرائح المتنوعة وتكييف المنتجات والخدمات وفقًا لها، يمكن للبنوك ابتكار عروض أكثر جاذبية، ما يعزز فرص جذب عملاء جدد وبناء علاقات أعمق وأكثر استدامة مع العملاء الحاليين.
  • تعزيز قيمة العميل وتقديم خدمات مخصصة: لخدمة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بكفاءة، تحتاج البنوك إلى تطوير قدرات شبيهة بما هو مطبق في قطاعات مثل الاتصالات. الفكرة تقوم على استخدام البيانات لفهم سلوك العميل واقتراح ما يناسبه في الوقت المناسب، مثل تقديم عروض تمويل تلقائية عند ظهور حاجة واضحة. ومع توظيف الذكاء الاصطناعي، يمكن تصميم منتجات وخدمات مخصّصة لكل عميل حسب طبيعته واحتياجاته الفعلية، وهو ما يزيد من رضا العملاء ويجعلهم أكثر ارتباطًا بالبنك.
  • تجربة رقمية سلسة للبيع والخدمات. تسعى البنوك اليوم إلى جعل رحلة العميل في شراء المنتجات أو الحصول على الخدمات أكثر بساطة وسلاسة. على سبيل المثال، تعمل العديد من البنوك على تطوير خدمات الإقراض الموجهة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بحيث تتم بشكل كامل عبر الأتمتة والخدمة الذاتية، مع قرارات ائتمانية جاهزة مسبقًا. كما بدأت بعض البنوك في استخدام مصادر بيانات جديدة، مثل منصات التجارة الإلكترونية، لبناء نماذج أدق لتقييم الجدارة الائتمانية. هذا التطوير يساعد البنوك على خدمة عملائها بسرعة أكبر وكفاءة أعلى.
  • المبيعات الرقمية. تعتمد المبيعات الرقمية الناجحة على التسويق الذكي، الذي يقدّم العرض المناسب بالرسالة المناسبة وفي التوقيت الصحيح عبر القناة الأنسب. وتتفوق البنوك الرائدة في جذب العملاء من خلال قنواتها الخاصة مثل المواقع والتطبيقات، وكذلك عبر القنوات المدفوعة مثل الإعلانات الرقمية وتسويق محركات البحث. على سبيل المثال، بدأ أحد البنوك الأوروبية الكُبرى في تطوير قدراته الخاصة بتحسين معدلات التحويل، ونجح بالفعل في مضاعفة نسبة العملاء الرقميين من أصحاب المشروعات الذين انضموا إليه. كما تعمل البنوك المتقدمة باستمرار على رفع معدلات التحويل في رحلات المبيعات الرقمية من خلال متابعة نقاط تراجع العملاء المحتملين، وتجربة تحسينات مختلفة على المواقع والإعلانات والرسائل باستخدام اختبارات "A/B"، وهي طريقة تعتمد على مقارنة نسختين من نفس العنصر (مثل صفحة أو إعلان) لقياس أيهما يحقق أفضل نتائج.
  • خدمات تتجاوز العمل المصرفي: لم تعد البنوك تكتفي بتقديم الخدمات المصرفية التقليدية للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بل بدأت في تقديم خدمات إضافية تضيف قيمة حقيقية وتُميز عروضها عن غيرها. وتشمل هذه الخدمات دعم الخزانة للشركات، والمحاسبة الرقمية، وإصدار الفواتير الإلكترونية (الشكل 3). على سبيل المثال، قام أحد البنوك الرائدة في الهند بدمج حل مبسّط لإدارة موارد المؤسسات داخل تطبيقه، بحيث يوفر وظائف أساسية تساعد هذه الفئة من المشروعات على إدارة أعمالها بسهولة أكبر، وهو ما يعزز مكانة البنك كشريك أساسي في نجاح العملاء لا كمجرد مقدم خدمات مالية.
  • قدرات فرق المبيعات وخدمة العملاء: تركز البنوك الرائدة على رفع كفاءة فرق المبيعات وخدمة العملاء من خلال تطوير مهاراتهم، وتزويدهم بأدوات حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة. كما تعمل على ترسيخ ثقافة قائمة على الأداء، مدعومة بمؤشرات واضحة للحوافز والمكافآت. وفي بعض الحالات، تلجأ البنوك إلى بناء نموذج للاستشارات عن بُعد، يتيح خدمة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بتكلفة أقل وبكفاءة أعلى مقارنة بالاعتماد الكامل على مديري العلاقات المخصصين.
  • استخدام الذكاء الاصطناعي لرفع الكفاءة: أصبح الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي والوكلاء الذكيين، عنصرًا أساسيًا في تعزيز الأتمتة وتحقيق الكفاءة داخل البنوك. ويشمل ذلك عددًا من العمليات الرئيسية، من بينها: -
    • التفاعل مع العملاء وخدمتهم: يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يدعم مديري العلاقات عبر تمكينهم من التواصل مع العملاء برسائل فائقة التخصيص، مع تقديم اقتراحات فورية أثناء المحادثات تستند إلى تاريخ العميل وتعاملاته السابقة. كما يمكن لتقنيات الدردشة الذكية (Chatbots) تشجيع العملاء على استخدام الخدمة الذاتية للطلبات البسيطة والمتكررة، وهو ما يتيح للمستشارين البشريين التفرغ للتعامل مع القضايا الأكثر تعقيدًا وتقديم قيمة مضافة حقيقية.
    • قرارات الائتمان وتقييم الجدارة: بدأت بعض البنوك في آسيا بتوظيف أنظمة ذكاء اصطناعي توليدي تعمل كوكلاء مستقلين، قادرة على جمع المعلومات تلقائيًا من مصادر متعددة، ثم حساب النسب المالية المهمة لتقييم الجدارة الائتمانية. بعد ذلك تقوم هذه الأنظمة بمقارنة النتائج بالمعايير المعتادة، وتلخيصها في مذكرات ائتمانية أولية ليقوم موظفو الائتمان بمراجعتها واعتمادها. هذا التطور يقلل الوقت والجهد، ويمنح البنوك قدرة أكبر على اتخاذ قرارات ائتمانية دقيقة وسريعة.
    • إعداد العقود: يمكن لإصدار العقود بشكل فوري أن يسرّع عملية الموافقة على القروض، مما يقلل من مدة إنجاز المعاملة بشكل كبير ويزيد من رضا العملاء. فبدلًا من الإجراءات المطوّلة المعتادة، تتيح الأتمتة إصدار العقود بسرعة ودقة، الأمر الذي ينعكس مباشرة على تجربة العميل.
    • اعرف عميلك (KYC). تعمل العديد من البنوك على إعادة تصميم إجراءات "اعرف عميلك"، مثل تحديث بيانات العملاء والتحقق منها بشكل دوري، وذلك بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويساعد هذا النهج على جمع المعلومات الضرورية وتحليلها بسرعة ودقة، مما يقلل من الأعباء اليدوية ويضمن الامتثال للمتطلبات التنظيمية بكفاءة أعلى.

عندما تتقن البنوك هذه القدرات، فإنها تستطيع بناء نموذج خدمة أكثر كفاءة، يضع العميل في قلب التجربة، ويمنحها ميزة تنافسية واضحة في سوق المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. والنتيجة هي تحقيق قيمة كبيرة ونمو ملموس في واحد من أهم القطاعات وأكثرها تأثيرًا على الاقتصاد.

خطوات عملية للبدء

لا توجد وصفة واحدة تناسب جميع البنوك، فالأولويات تتحدد وفقًا لوضع كل بنك ونقطة انطلاقه. لكن التجربة أثبتت أن أفضل نهج للبنوك التقليدية هو اتباع خطة متكاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، تمكّنها من تحسين قدراتها تدريجيًا وبطريقة أكثر فاعلية كما يلي: -

  • التميّز التجاري لفرق المبيعات: الخطوة الأولى تتمثل في تحسين أداء فرق المبيعات من أجل رفع مستوى النتائج. ويشمل ذلك إتاحة وقت أكبر لمديري العلاقات للقاء عدد أكبر من العملاء عبر تبسيط الإجراءات وتقليل التعقيدات، إلى جانب تطوير مهارات البيع بسرعة وتزويد الموظفين بأدوات حديثة تساعدهم على العمل بكفاءة أعلى. كما يمكن دعم مديري العلاقات بشكل إضافي على سبيل المثال، من خلال توفير خبراء منتجات متخصصين لمساندتهم في تلبية احتياجات العملاء بفعالية أكبر.
  • تجربة رقمية متكاملة وسهلة: الخطوة الثانية تركز على تطوير الخدمات الرقمية للبنك وجعلها أكثر سلاسة ومرونة. ويبدأ ذلك برقمنة المزيد من مسارات الخدمة والبيع، مثل تمكين العميل من فتح حساب جديد بالكامل عبر القنوات الرقمية دون الحاجة لزيارة الفرع. ومن الأفضل في البداية التركيز على المسارات الأكثر أهمية والتي يقبل عليها العملاء بكثافة، إذ يسهُل تنفيذها بسرعة وتقديمها للسوق خلال أشهر قليلة. ومع كل خطوة جديدة، يزداد تفاعل العملاء مع القنوات الرقمية، ويتعزز ارتباطهم بالبنك بشكل مستمر.
  • تجربة شخصية قائمة على البيانات: الخطوة الثالثة تكمل ما سبقها من خلال بناء قدرات إضافية تتيح للبنك تقديم تجربة أكثر تخصيصًا. فالبنوك الرائدة تطور أنظمة لإدارة قيمة العملاء (CVM) تمكّنها من تقديم توصيات دقيقة مستندة إلى البيانات، مثل إطلاق عروض في اللحظة المناسبة اعتمادًا على سلوك العميل أو الأحداث المرتبطة به. كما أن تبسيط المنتجات وتجديدها باستمرار لتتماشى مع احتياجات المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة يضمن بقاء البنك قريبًا من عملائه. وإلى جانب ذلك، يساهم توسيع نطاق التغطية الافتراضية في تحسين تجربة العملاء، خاصة أولئك الذين نادرًا ما يزورون الفروع التقليدية.

بإمكان البنوك أن تجني بعض ثمار النهج الرقمي الموجه للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في وقت قصير. فعلى سبيل المثال، يمكن لاستخدام البيانات والتحليلات لدعم فرق المبيعات وخدمة العملاء أن يحقق نتائج ملموسة خلال ثلاثة إلى ستة أشهر فقط. وعندما تنجح البنوك في تطوير نموذج متكامل لخدمة هذه الفئة، فإنها لا تضمن موقع الريادة في السوق فحسب، بل تقدم أيضًا خدمات مميزة لعملائها، وتتمكن في الوقت نفسه من التصدي لمنافسة البنوك الرقمية الجديدة.


يشكّل قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة أحد أهم محركات النمو للبنوك اليوم، فهو يفتح المجال أمام إيرادات كبيرة وفرص لبناء علاقات طويلة الأمد وقيمة مع العملاء. لكن في المقابل، يواجه هذا القطاع تحديًا متصاعدًا من المنافسين الرقميين الذين يغيرون قواعد اللعبة بسرعة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى تحرك عاجل من جانب البنوك التقليدية. فالرهان على نموذج رقمي متكامل تدعمه اللمسة البشرية لا يمنح البنوك ميزة مالية وتنافسية فحسب، بل يرسخ أيضًا دورها كشريك رئيسي في نجاح هذه المشروعات، التي تُعد ركيزة أساسية للاقتصاد.

Explore a career with us