ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
تخيّل قاعة اجتماعاتٍ كبرى يجتمع فيها كبار التنفيذيين لمناقشة خطة التوسّع العالمي للمؤسسة. تتنوّع الخيارات أمامهم بين الاستحواذ، أو بناء الشراكات الاستراتيجية، أو التوسّع التدريجي في أسواقٍ جديدة، ولكل خيارٍ منها فرصٌ واعدة لا تخلو من المخاطر. ومع انتهاء الرئيس التنفيذي من عرضه، يعمّ الصمت القاعة، ثم يُبدي رأيه الحاسم، فتتوالى الإيماءات بالموافقة في مشهدٍ يبدو متناغمًا ظاهريًا، لكنه يخفي خلفه غياب الحوار الحقيقي وتبادل الرأي البنّاء.
قد يبدو للوهلة الأولى أن الرئيس التنفيذي قد اختار المسار الأمثل للمضيّ قُدمًا، غير أن الصورة الظاهرة لا تكشف سوى جزءٍ من الحقيقة. فعندما تقتصر النقاشات في القضايا المصيرية على المجاملات المهذّبة والموافقات الضمنية، دون حوارٍ حقيقي أو اختلافٍ بنّاء في وجهات النظر، فذلك يُشير إلى خللٍ أعمق في أداء الفريق التنفيذي. فكثيرًا ما يُخفي الانسجام الظاهري غياب الأمان النفسي الذي يمنع القادة من التعبير بحرية، أو تردّدهم في مناقشة البدائل المطروحة، أو غموض أدوارهم في عملية صنع القرار. ومهما اختلفت الأسباب، يبقى ضعف التفاعل داخل الفريق عائقًا جوهريًا يستدعي تدخّل الرئيس التنفيذي لإعادة التوازن واستعادة الحيوية التنظيمية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إنّ بناء فريقٍ قياديٍّ متماسكٍ وفعّال يُعدّ من أعقد المهام التي تواجه الرؤساء التنفيذيين وأكثرها تأثيرًا في نجاح المؤسسة. ففي بيئة أعمالٍ تتّسم بالتعقيد والتغيّر السريع، تمثّل الفِرق النواة المحرّكة لعمليات التحوّل المؤسسي. وتشير دراسات ماكنزي إلى أن الشركات التي تتبنّى نهجًا يُركّز على فاعلية الفِرق قادرة على تحقيق نتائج مستدامة وتحسين كفاءتها التشغيلية بنسبةٍ تصل إلى 30 في المائة.1 بينما تزداد أهمية هذا العامل على مستوى القيادة العليا؛ إذ تُظهر البيانات أن المؤسسات التي تعمل فِرقها التنفيذية بتناغمٍ وفعاليةٍ أكبر تمتلك فرصًا أعلى – بما يقارب الضعف – لتحقيق أداءٍ ماليٍّ يتجاوز المتوسط.2
وقد تعاونت ماكنزي من خلال مركزها لتميّز القادة التنفيذيين مع نحو 200 من الرؤساء التنفيذيين الحاليين والسابقين حول العالم (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ: "حول مركز ماكنزي لتميّز القادة التنفيذيين، وشركة "أبيركين"، وممارسة أداء الأفراد والمنظمات"). وقد أجمع معظم هؤلاء القادة على أن بناء الفِرق القيادية يُمثّل أولويةً محوريةً وعاجلة ضمن مسار تطوّرهم القيادي؛ إذ أشار أكثر من 70 في المائة من المشاركين في برنامج "تميّز القادة التنفيذيين" إلى أن تشكيل فرقٍ متماسكةٍ وفعّالة، والارتقاء بقدراتها يُعدّ المحور الأهم في مسيرتهم نحو تطوير مهاراتهم القيادية والمهنية.
ومع ذلك، ما زالت هناك أسئلةٌ جوهرية تفرض نفسها: ما العوامل التي تجعل من فريق القيادة فريقًا استثنائيًا؟ وما الخطوات العملية التي تمكّن الرؤساء التنفيذيين من بلوغ هذا المستوى من التميّز؟ في محاولةٍ للإجابة عن هذه التساؤلات، تستند هذه المقالة إلى بياناتٍ حديثة تغطي نحو 30 شركةٍ عالمية، مع التركيز بشكلٍ خاص على تجارب الشركات الآسيوية3 كما تستعرض نماذج واقعية لتحوّلاتٍ ناجحة خاضتها مجموعةٌ من الفِرق القيادية، وما ترتّب عليها من تعزيزٍ لروح الفريق وتماسكه المعنوي، وتوحيدٍ للرؤية والأهداف الاستراتيجية بين أعضائه، فضلًا عن تحقيق تحسّنٍ ملموس على مستوى الأداء والنتائج المؤسسية.
بناء فريقٍ قياديٍ متكامل: أولويةٌ لا يمكن تجاهلها
ربما لم يكن لِيو تولستوي يفكر في بيئة الأعمال حين كتب مقولته الشهيرة: "كل العائلات السعيدة متشابهة، أما العائلات التعيسة فلكلٍّ منها طريقته الخاصة في التعاسة",4 إلا أن هذا التشبيه ينسجم تمامًا مع واقع فِرق القيادة في المؤسسات. فالفِرق المنسجمة تشترك غالبًا في السمات ذاتها، بينما تتنوّع أسباب إخفاق الفِرق الأخرى. وتشير دراسةٌ نُشِرت في "مراجعة هارفارد للأعمال" إلى أن نحو 75 في المائة من الفِرق متعددة التخصّصات تواجه صعوباتٍ تنظيمية وضعفًا في الأداء، وهو ما يؤكد أن اختلال التعاون بين القيادات ليس استثناءً، بل هو ظاهرةٌ متكررة حتى في كبرى المؤسسات.5
وفي دراسةٍ سابقةٍ لماكنزي، استند الباحثون إلى بياناتٍ جُمعت من أكثر من 100 فريقٍ إداري على مستوياتٍ تنظيميةٍ مختلفة داخل عددٍ من المؤسسات العالمية، بهدف تفنيد أبرز التصوّرات الخاطئة حول أداء الفِرق التنفيذية.6 وتأتي هذه المقالة استكمالًا لتلك الجهود البحثية، إلا أنها تقتصر على تحليل أداء الفريق المقرّب من الرئيس التنفيذي تحديدًا، باعتباره حجر الزاوية في توجيه الأداء المؤسسي وصنع القرارات الحاسمة. فحين يتولى الرئيس التنفيذي مهامه، يجد نفسه بحاجةٍ إلى إعادة النظر في قناعاتٍ وأساليبٍ قياديةٍ راسخة، وربما التخلّي عن بعضها، من أجل تحقيق أداءٍ أكثر تناغمًا وفاعلية.
من أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعًا ما يتعلّق بطبيعة الدور الذي ينبغي أن تؤديه فِرق القيادة. ففي العديد من المؤسسات التي تتبع نموذجًا هرميًا تقليديًا – والذي غالبًا ما يسود في بيئات العمل الآسيوية – يعتمد القادة أسلوب "المركز والأطراف"، حيث يحتكر الرئيس التنفيذي القرارات الجوهرية، بينما يتولّى الأعضاء تنفيذ المهام الموكلة إليهم كلٌّ على حدة. ورغم أن هذا النموذج قد ينجح في المستويات الإدارية الدُنيا، إلا أنه يفقد فعاليته كلما ازداد تعقيد المنظمة وتشعّبت تحدياتها. ففي عالمٍ سريع التغيّر، يصبح من الضروري أن تعمل فِرق القيادة كوحدةٍ منسجمةٍ ومتكاملة قادرةٍ على التكيّف السريع واتخاذ القرارات بثقةٍ ومرونة.
كما تسود فكرةٌ مغلوطةٌ أخرى حول ملامح الفريق القيادي عالي الأداء وما يجب أن يبدو عليه؛ فالفريق الذي لا يشهد أي اختلافٍ في الآراء أو نقاشاتٍ حادة ليس بالضرورة أن يكون فريقًا صحيًا. بل على العكس، فإن أفضل الفِرق القيادية هي التي تتقبّل النقاش البنّاء، وتواجه الحقائق الصعبة بشجاعةٍ، ولا تتردّد في طرح القضايا الجوهرية بصراحةٍ وموضوعية.
أما عن المفهوم الخاطئ الثالث، فيتعلّق بفنّ بناء فِرق القيادة؛ إذ يُنظر إلى هذا الجانب في أغلب الأحيان على أنه نشاطٌ جانبي يتم خلال الاجتماعات السنوية، رغم أنه في جوهره عمليةٌ مستمرة تتطلّب تدريبًا وتطويرًا متواصلًا. فكما تكرّس الفِرق الرياضية أو الأوركسترا الموسيقية أو الوحدات العسكرية النخبوية معظم وقتها للتدريب من أجل العمل معًا كوحدةٍ متماسكة، فإن فِرق القيادة في الشركات تحتاج إلى التدريب المستمر على العمل الجماعي لضمان جاهزيتها في اللحظات الحاسمة. فعلى سبيل المثال، في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم – أحد أفضل الدوريات في العالم –7 تخوض الفِرق 38 مباراةً فقط خلال العام، بينما تقضي معظم وقتها في التدريب. وهو ما ينطبق بالمثل على فِرق الإدارة العليا في المؤسسات، والتي لا تصل إلى الانسجام الحقيقي إلا من خلال الممارسة المنتظمة والعمل الجماعي المستمر.
نهجٌ علمي لفهم ديناميكيات فِرق القيادة
حتى يتمكّن الرؤساء التنفيذيون من بناء فِرقٍ قياديةٍ تتميز بالكفاءة والانسجام، عليهم تبنّي أسلوبٍ تحليليٍّ ومنهجيٍّ يساعدهم على فهم ما يجري داخل الفريق؛ ما ينجح فعليًا وما يحتاج إلى تطوير. وانطلاقًا من أبحاثٍ عالميةٍ موسّعة (يُرجى الاطلاع على العمود الجانبيّ: "حول البحث")، توصّلت ماكنزي إلى مجموعةٍ محددةٍ من العوامل المؤثرة على صحة الفريق، وهي السّمات والسّلوكيات التنظيمية التي تُسهم مباشرةً في رفع مستوى الأداء الجماعي لأعضاء الفريق (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ: "العوامل المؤثرة في صحة الفريق").
وتنقسم العوامل المؤثرة في أداء الفِرق القيادية إلى أربعة محاور رئيسية (الشكل 1): أولها الهيكل التنظيمي للفريق، ويتناول مدى وضوح الأدوار داخل المنظومة القيادية وتنوّع وجهات النظر بين أعضائها. أما المحور الثاني، وهو الانسجام، فيركّز على درجة توافق القادة حول التوجّه الاستراتيجي للمؤسسة ومستوى التزامهم الجماعي بتحقيقه. ويختص المحور الثالث بقدرة الفريق على التنفيذ، أي مدى فعاليته في تحويل الخطط إلى نتائج ملموسة تحقق الأهداف المؤسسية. في حين يتمحور المحور الرابع حول تجديد الطاقة التنظيمية، من خلال بناء علاقاتٍ إيجابية بين الأعضاء تعزّز روح الفريق وتدعم استمراريته على المدى الطويل. ومن خلال تحليل هذه المحاور الأربعة مجتمعة، يستطيع الرؤساء التنفيذيون تكوين رؤيةٍ شاملةٍ ومتوازنة لأداء فِرقهم القيادية، وفهم مدى كفاءتها في قيادة المؤسسة وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
أبرز التحديات المشتركة بين الفِرق القيادية
كشفت دراسات ماكنزي أن العديد من الفِرق القيادية تواجه تحدياتٍ مستمرة تتعلق بكيفية تفاعل أعضائها فيما بينهم، خاصةً في مجالات الأمان النفسي، وإدارة الخلافات، وتعزيز الابتكار، وتبادل الملاحظات البنّاءة بين القادة (الشكل 2). وغالبًا ما تبقى هذه القضايا خارج دائرة النقاش المباشر، لأنها ترتبط بعلاقاتٍ عميقة الجذور يصعب التعامل معها من السطح. ورغم أن نطاق العيّنة البحثية لا يسمح بإجراء مقارنةٍ دقيقة بين المناطق الجغرافية، فإن انخفاض مؤشرات إدارة الخلافات وتبادل الملاحظات قد يُشير إلى ميلٍ ثقافيٍّ لتجنّب الصراع، وهو سلوكٌ شائع في البيئات المؤسسية الآسيوية.8 في المقابل، حقّقت هذه الفِرق أداءً أعلى في مجالات الانسجام والتوافق الداخلي، خصوصًا فيما يتعلّق بالالتزام الجماعي، ووضوح الغاية المشتركة، واتساق الأهداف مع رؤية المؤسسة.
كيف تنعكس صحة الفريق القيادي على قوة الأداء المؤسسي؟
تؤكد نتائج دراسات ماكنزي أن الأداء المؤسسي القوي يبدأ من صحة الفريق القيادي ذاته. فقد أظهر التحليل وجود ارتباطٍ وثيقٍ بين عوامل صحة الفريق ومستوى أدائه العام.9 وتشير النتائج أيضًا إلى أن أبرز السمات التي تميّز الفِرق القيادية عالية الأداء10 هي: وضوح الأدوار، ووحدة الغاية، والتفكير الابتكاري، والتواصل الفعّال، إلى جانب التقدير المتبادل والأمان النفسي (الشكل 3). ورغم أن بعض هذه الجوانب – مثل الغاية المشتركة والتواصل – تُعد من نقاط القوة لدى كثيرٍ من الفِرق، فإن الابتكار والأمان النفسي لا يزالان من أضعف الجوانب، وهو ما يستدعي اهتمامًا أكبر من الرؤساء التنفيذيين السّاعين إلى رفع كفاءة فِرقهم القيادية.
وقد أظهرت النتائج اختلافاتٍ محدودة لكنها ذات دلالةٍ واضحة بين أبرز العوامل المؤثرة في الأداء التي رصدتها هذه الدراسة وتلك التي وردت في الدراسة السابقة لماكنزي.11 ويرجع هذا التباين إلى تنوّع طبيعة الفِرق القيادية المشاركة في التحليل من ناحية، وإلى اختلاف التوزيع الجغرافي للعَيّنات البحثية من ناحيةٍ أخرى، وهو ما يعكس تنوّع البيئات التنظيمية والثقافية التي أُجريَت فيها الدراستان (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ: "الاختلافات الرئيسية بين بيانات الفِرق القيادية وبيانات بقية الفِرق على مستوى المؤسسة").
كما يبيّن التحليل أن أولويات الأداء داخل الفِرق التنفيذية تتغيّر بطبيعة الحال مع مرور الوقت واستقرار القائد في موقعه (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ: "كيف تتغيّر عوامل أداء الفريق القيادي عبر مراحل ولاية الرئيس التنفيذي؟"). ففي البداية، يكون وضوح الأدوار والقدرة على الاستفادة من الخبرات المتنوعة أهم عناصر النجاح لبناء فريقٍ متماسكٍ وفعّال. ولكن مع مرور الوقت واستقرار القائد في موقعه، يتحوّل التركيز نحو تعزيز التفكير الابتكاري، وزيادة التواصل، وترسيخ بيئةٍ يسودها الأمان النفسي بين أعضاء الفريق، لتصبح العوامل الرئيسية للحفاظ على أداءٍ قويٍ ومستدام.
تحوّل العقليّة القيادية: كيف تُغيّر رحلة الفريق التنفيذي قواعد الأداء؟
عندما يمتلك الرؤساء التنفيذيون فهمًا دقيقًا لمستوى أداء فريقهم القيادي، تبدأ المرحلة الحقيقية من القيادة الفاعلة؛ إذ يصبح لزامًا عليهم الانخراط المباشر في العمل الميداني جنبًا إلى جنب مع أعضاء الفريق، لقيادة عملية التحوّل من الداخل لا من الأعلى. وفي هذه الجزئية من المقالة، نسلّط الضوء على نماذج واقعية متنوّعة توضّح كيف يمكن لعملية تحوّلٍ منظّمةٍ داخل الفريق التنفيذي أن تُحدث فارقًا ملموسًا في الأداء المؤسسي (الشكل 4). وتُظهر هذه التجارب أن النجاح لا يتحقق بالقرارات الفردية فحسب، بل من خلال سلوكياتٍ قياديةٍ ممنهجة وعناصر تنظيمية مدروسة أثبتت الدراسات السابقة أنها تمثّل الركائز الأساسية لرفع كفاءة الفِرق التنفيذية وتحسين أدائها التشغيلي.
المثال 1: إعادة تشكيل الفريق القيادي
واجهت إحدى الشركات الآسيوية الكبرى العاملة في قطاع الأدوية تحديًا تنظيميًا جوهريًا تمثّل في غياب هيكلٍ واضحٍ للفريق القيادي التابع للرئيس التنفيذي. فقد كان عددٌ محدود من المديرين يرفعون تقاريرهم إليه مباشرةً، دون تحديدٍ دقيقٍ للمسؤوليات، مما أضعف المساءلة وأثّر سلبًا على فاعلية الفريق.
ولمعالجة هذا الخلل، قرّر الرئيس التنفيذي إعادة تعريف مفهوم الفريق القيادي من الأساس. فطرح سلسلةً من الأسئلة المحورية: ما الدور الحقيقي لهذا الفريق؟ وما القرارات التي ينبغي اتخاذها جماعيًا أو فرديًا؟ وهل يشغل كل عضوٍ الموقع الأنسب لمهاراته ومسؤولياته؟
ولضمان استمرارية الوضوح والتوافق الاستراتيجي، اعتمد الرئيس التنفيذي نهج الاجتماعات السنوية المغلقة، التي يلتقي خلالها القادة لمراجعة الأولويات الاستراتيجية وتوضيح مسؤوليات كل عضوٍ بما يتماشى مع الأهداف المؤسسية الكبرى.
كما طوّر أداةً تحليلية مبتكرة تُعرف بـ "مصفوفة التعاون"، وهي خريطةٌ تشغيليةٌ تفاعلية تُحدّد نقاط الاتصال الأكثر أهمية بين أعضاء الفريق وتوضّح مسارات العمل المشترك. وقد ساعدت هذه الأداة على بناء رؤيةٍ تنظيميةٍ أدق لكيفية تكامل الأدوار وتبادل المسؤوليات، فباتت مرجعًا عمليًا يُستخدم لتحسين التواصل وتعزيز التعاون داخل الفريق. ومع تطبيق "مصفوفة التعاون" بانتظام، بدأ القادة بتبادل الملاحظات البنّاءة بصورةٍ أكثر انفتاحًا، مما أسهم في رفع كفاءة الأداء الجماعي.
وأثناء متابعته لنتائج التقييم، أدرك الرئيس التنفيذي أن إسهامات الأعضاء لم تكن متكافئة في دعم نجاح الفريق. فقد برز ثلاثةٌ من القادة كمحرّكٍ أساسيٍّ لروح الفريق وأدائه، فاختار الاستثمار في تنمية قدراتهم وتعزيز أدوارهم القيادية. وفي المقابل، اتخذ قراراتٍ حاسمة بإعادة هيكلة الفريق، شملت استبعاد العناصر الأقل تأثيرًا أو التي لم تَعُد أدوارها تتوافق مع متطلبات المرحلة المقبلة، حفاظًا على ديناميكية الفريق وفعاليته.
وقد أكدت التجربة أن وضوح الأدوار وتحديد الغاية المشتركة للفريق يشكّلان الخطوة الأولى – وغالبًا الأهم – في مسار التحوّل القيادي. ومع تبنّي هذا النهج القائم على الوضوح والمساءلة، أصبح الفريق التنفيذي أكثر تماسكًا وتكاملًا، وارتفعت روح الالتزام والمسؤولية الفردية والجماعية، مما انعكس مباشرةً على أداء المؤسسة وقدرتها على تحقيق نتائج ملموسة ومستدامة.
المثال 2: توحيد الأولويات حول القضايا الجوهرية
في مثالٍ آخر لإحدى الشركات الإقليمية العاملة في قطاع التأمين، واجه الفريق القيادي مشكلةً شائعة بين فِرق الإدارة العليا؛ إذ كان القادة يتعاملون مع أجنداتٍ متعارضة وقوائم طويلة من الأولويات المتنافسة، مما تجاوز قدرتهم على التنفيذ وأدّى إلى غياب التنسيق بين الإدارات وظهور فجواتٍ في التواصل والتنفيذ داخل المؤسسة.
وكجزءٍ من خطةٍ شاملةٍ لتحسين أداء الفريق القيادي ومعالجة هذا التحدي، قرّر الرئيس التنفيذي إطلاق تمرينٍ صارمٍ لتحديد الأولويات الجوهرية للفريق. اجتمع القادة خلال هذا التمرين ليضع كلٌّ منهم تعريفًا واضحًا لمفهوم النجاح في مجاله خلال السنوات الثلاث المقبلة، ثم يختار من ثلاث إلى خمس معارك أساسية ينبغي الفوز بها لتحقيق ذلك النجاح. وقد أجبر هذا التمرين كل قائدٍ على اختصار قائمته الطويلة من الأهداف إلى عددٍ محدودٍ من الأولويات القادرة على إحداث فارقٍ ملموس. وبعد عرض الأولويات الفردية، دخل الفريق في نقاشٍ صريحٍ وبنّاء، تبادل خلاله الأعضاء وجهات النظر والتحديات، وراجعوا افتراضاتهم ووازنوا بين البدائل، إلى أن توصّلوا بشكلٍ جماعي إلى خمس أولوياتٍ استراتيجية مشتركة تمثّل المعارك الحاسمة للمؤسسة في رحلتها نحو تحقيق أهدافها.
ولم تكن النتيجة مجرّد إعداد قائمةٍ جديدة من الأولويات؛ بل أثمرت هذه الحوارات العميقة عن رؤيةٍ موحّدةٍ لما هو جوهريٌ وحيويٌ بالنسبة للمؤسسة، ورسّخت التزامًا جماعيًا صادقًا بتنفيذها. فقد أصبح الفريق يتحدث لغةً واحدة، ويوجّه جهوده نحو القضايا الأكثر تأثيرًا، ويُحمِّل كلّ عضوٍ نفسه وزملاءه المسؤولية عن الأداء والنتائج.
المثال 3: التعامل مع البُعد النفسي للفريق
لا تنبع مشكلات الأداء في كثيرٍ من المؤسسات من ضعف الكفاءة أو غموض الأدوار، بل من غياب الثقة وضعف التفاعل الإنساني بين القادة. وقد أدرك الرئيس التنفيذي لأحد البنوك الإقليمية الكبرى هذه الحقيقة، فبادر إلى معالجة البعد النفسي لفريقه القيادي وإعادة بناء ثقافة العمل الجماعي. حيث كان البنك يعمل وفق نموذجٍ إداريٍّ تقليديٍّ شديد المركزية، يحتكر فيه الرئيس التنفيذي معظم القرارات الجوهرية، بينما يعمل أعضاء الفريق التنفيذي في جزرٍ منفصلة، دون مساءلةٍ مشتركة أو تنسيقٍ فعّال.
ولكسر هذا النمط، قرّر الرئيس التنفيذي إعادة تنظيم الاجتماع السنوي للتخطيط بطريقةٍ تُشرك جميع القيادات التنفيذية في عملية اتخاذ القرار. فخصّص 20 دقيقة لكل رئيس وحدة أعمال لعرض خطته الاستراتيجية دون أي مقاطعات، تليها فترةٌ قصيرةٌ تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق مخصّصةٌ لطرح الأسئلة التوضيحية من قِبل الزملاء، دون مقاطعة أو إصدار أحكام، للتأكد من فهم السياق بدقّة. وبعدها، انقسم الفريق إلى مجموعاتٍ أصغر لمراجعة هذه الخطط بشكلٍ أعمق وتبادل الملاحظات البنّاءة حولها.
وخلال كل عرضٍ يتم تقديمه، يطرح القادة على أنفسهم مجموعةً من التساؤلات الجوهرية مثل: ما الجوانب التي تثير إعجابي أو تحفظي في هذه الخطة؟ وكيف يمكنني المساهمة في إنجاحها؟
ومن هنا، تحوّل التمرين من مجرّد عملية تقييمٍ داخلية إلى نقطة انطلاقٍ لتحوّلٍ جذري في العقلية القيادية، حيث انتقلت ثقافة الفريق من "القيادة المنعزلة" إلى "المسؤولية الجماعية". فبدلًا من الاكتفاء بتبادل النقد، التزم القادة بدعم بعضهم البعض لتحقيق النجاح المشترك. فعلى سبيل المثال، عندما قدّم رئيس قطاع التجزئة خطةً لتوسيع الحصة السوقية في منطقةٍ استراتيجية، بادر المدير المالي بتخصيص الموارد اللازمة، فيما عرض مدير التسويق التعاون لعقد شراكةٍ تسويقيةٍ رئيسية تُعزّز الحضور في تلك المنطقة.
وبذلك لم يعد دور الرئيس التنفيذي مقتصرًا على إدارة الاجتماعات أو إصدار التوجيهات، بل أصبح يتمحور حول تمكين الفريق من القيادة الذاتية. فبدلًا من اتخاذ القرارات بمفرده، بات يركّز على دمج وجهات النظر المختلفة وتوحيدها في رؤيةٍ مشتركة تُعبّر عن إجماع الفريق.
ومع مرور الوقت، أسهم هذا النهج في ترسيخ ثقافةٍ قائمةٍ على الثقة المتبادلة، والأمان النفسي، وتبادل الملاحظات والآراء، والمسؤولية المشتركة. فقد أصبح القادة يقدّرون مساهمات بعضهم البعض حتى عند الاختلاف، فيما تحوّل الحوار الصريح إلى ممارسةٍ يومية، وانكسر حاجز العزلة بين الوحدات، ليعمل الفريق التنفيذي أخيرًا كوحدةٍ واحدة تجمعها رؤيةٌ مشتركة وأولوياتٌ استراتيجية موحّدة.
المثال 4: بناء الثقة والروابط الحقيقية
في أوقات التحوّل العميق، قد لا تكمن التحديات الكبرى في الهياكل أو الاستراتيجيات، بل في العلاقات التي تربط القادة ببعضهم البعض. وهذا ما أدركه الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التأمين الكبرى في جنوب شرق آسيا، عندما اكتشف أن الثقة داخل فريقه كانت أضعف مما تبدو عليه. فمع انطلاق مرحلة إعادة هيكلةٍ معقّدةٍ وحسّاسة، تبيّن أن غياب الأمان النفسي حال دون قدرة القادة على طرح مخاوفهم بوضوح ومعالجة القضايا الجوهرية التي تُبطّئ التقدّم الجماعي.
ولإعادة بناء جسور الثقة داخل الفريق، أطلق الرئيس التنفيذي سلسلةً من المبادرات المدروسة تستهدف تحسين التفاعل بين الأعضاء وتعزيز التواصل الإنساني فيما بينهم. وكان من أبرزها منتدى دوري أُطلق عليه اسم "اللحظات الحاسمة"، يجتمع خلاله القادة لتبادل تجاربهم الشخصية التي شكّلت ملامحهم المهنية والإنسانية على حدٍّ سواء. ولم تقتصر هذه اللقاءات على محطات النجاح المهني، بل فتحت المجال لسرد قصصٍ أكثر عمقًا عن التحديات والمواقف التي بلورت قيم كل عضوٍ في الفريق ودوافعه ونظرته للحياة والقيادة. وقد ساعد هذا الانفتاح في بناء روابط حقيقيةٍ تتجاوز الألقاب والمناصب، وتُعيد تعريف العلاقة بين القادة على أساسٍ من الفهم والثقة المتبادلة.
كما عزّزت هذا المسار خطواتٌ أخرى صغيرة، لكنها مؤثرة، مثل تخصيص أيامٍ محددةٍ للعمل من المكتب لتشجيع التفاعل المباشر، وتنظيم لقاءات غداءٍ ثنائية تتيح تبادل الحديث بعيدًا عن جداول الأعمال الرسمية.
لقد أثبتت التجربة أن أداء الفريق التنفيذي لا يبلغ ذروته إلا عندما تكون الثقة عميقةً والعلاقات صادقةً تمتدّ إلى ما وراء حدود المهام الوظيفية. ومن خلال الإصرار على بناء هذه الروابط وتعميقها، لمس الرئيس التنفيذي تحوّلًا حقيقيًا في ثقافة الفريق؛ حيث انتقل أعضاؤه من مجرّد توافقٍ شكلي إلى التزامٍ صادقٍ بتحقيق رؤيةٍ مشتركة. ومع ترسيخ بيئةٍ قائمةٍ على الأمان النفسي، بدأت جوانبٌ أخرى، مثل التواصل، والشعور بالانتماء، وتبادل الملاحظات، والتفكير الابتكاري، في التطوّر بصورةٍ طبيعية، لتثمر في النهاية عن فريقٍ قياديٍ أكثر تماسكًا، وتعاونًا، وثقة.
الأسس العملية لنجاح القيادة التنفيذية
لا تُولد الفِرق المتميّزة صدفةً، بل تُبنى خطوةً بخطوة عبر رؤيةٍ واضحة وتخطيطٍ منهجي. وقد أكدت دراسةٌ حديثة أجرتها ماكنزي على مجموعةٍ من أبرز المدربين الرياضيين في الولايات المتحدة وجود عاملٍ مشترك يجمع بينهم: ففي البيئات التي لا تحتمل هامشًا للخطأ، يعتمد الفوز على قدرة القادة على تطوير فِرقهم باستمرار وإعادة تشكيلها كلما دعت الحاجة. فالنجاح في الرياضة لا يقوم على الموهبة وحدها، بل على القائد الذي يضع أهدافًا دقيقة، ويحدّد معايير أداءٍ واضحة، ويختار عناصر تمتلك مهاراتٍ متكاملة، ليغرس فيهم روح الفريق التي تتجاوز المصالح الفردية.12
وبالمثل، فإن الرؤساء التنفيذيين الذين يسعون إلى بناء فِرقٍ قياديةٍ قوية يحتاجون إلى تبنّي نهجٍ يقوم على اختياراتٍ واعية واستثمارٍ مستمر في تطوير الفريق. إذ يتطلب الحفاظ على تماسك القيادة وفاعليتها العمل وفق مبادئ أساسية واضحة تشكّل الأساس لأي منظومةٍ قيادية ناجحة، مبادئٌ ترتكز على وضوح الاتجاه، وتكامل الأدوار، والتزامٍ متبادل بتحقيق نتائج مؤسسية مستدامة، وهي:
- لا تتهاون في مرحلة التشخيص: يتطلّب بناء فريقٍ قياديٍّ صحيٍّ وعالي الأداء توافر مجموعةٍ من المقوّمات المتكاملة التي لا يمكن تحقيقها دون فهمٍ دقيقٍ للواقع الحالي. لذا، ينبغي على الرؤساء التنفيذيين تخصيص الوقت الكافي لتحليل أداء فِرقهم بعمق، وتحديد مكامن القوة ومواطن الضعف على حدٍّ سواء. إذ غالبًا ما يصعب على القادة تكوين رؤيةٍ موضوعيةٍ شاملة تكشف الصورة الحقيقية للأداء. فقد أظهرت أبحاث ماكنزي أن قادة الفِرق يميلون عادةً إلى تقييم أداء فِرقهم بصورةٍ أكثر إيجابيةً مقارنةً بتقييم الأعضاء أنفسهم.13 ويؤكد هذا التباين في الرؤى ضرورة تبنّي نهجٍ علميٍّ موضوعيّ يستند إلى البيانات، ويُشرك جميع أعضاء الفريق، مع الاستعانة بخبرةٍ خارجية إذا لزِم الأمر، لضمان الحياد والموضوعية.
- الالتزام طويل الأمد: ينبغي على الرؤساء التنفيذيين النظر إلى تطوير الفريق التنفيذي كأولويةٍ استراتيجيةٍ دائمة، وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيقها. فهذه العملية ليست عملية إصلاحٍ مؤقتة، بل هي رحلةٌ تتطلّب متابعةً وتطويرًا متواصلين. وتشير تجارب ماكنزي إلى أن المرحلة الأولى من أي عملية تطويرٍ فعّالة للفريق القيادي تستغرق عادةً عدة أشهر، تليها برامج صيانةٍ دورية أو تدخّلاتٍ تطويرية إضافية، أو كليهما معًا، بما يضمن استدامة التقدّم.
- التدريب الدائم أساس الأداء المتكامل. قد تتضمّن رحلة التحوّل القيادي مبادراتٍ محددة لمعالجة مشكلاتٍ بعينها، إلا أن جوهر النجاح يكمن في الممارسة المستمرة لبناء الانسجام والتعاون داخل الفريق. فجميع الفِرق الأعلى أداءً في مختلف المجالات تشترك في سمةٍ واحدة: التدريب المتواصل على العمل كوحدةٍ واحدة متماسكة. فالممارسة المنتظمة هي التي تصنع الفارق بين فريقٍ جيّدٍ وآخر استثنائيٍّ قادرٍ على تحقيق نتائج مستدامة.
يُعدّ منصب الرئيس التنفيذي موقعًا فريدًا في طبيعته، إذ يجمع بين القدرة على تحديد مصير المؤسسة وتحمُّل المسؤولية الكاملة عن نتائجها. غير أن أيّ قائدٍ، مهما بلغت خبرته أو كفاءته، لا يستطيع تحقيق أهدافه بمفرده. فبناء فريقٍ قياديٍّ متكامل يُعدّ تحديًا حقيقيًا حتى لأكثر القادة خبرة، خاصةً وأن تحديد السمات والسلوكيات، واتخاذ الإجراءات التي تُحدث الفارق الأكبر في أداء الفريق التنفيذي كان دائمًا من أصعب المهام القيادية.
أما اليوم، فقد أصبحت البيانات والمعطيات التحليلية متاحةً بشكلٍ أوسع، مما يُمكّن القادة من أداء دورهم بفاعليةٍ أكبر. فالرؤساء التنفيذيون الذين يستثمرون في فهم أداء فِرقهم، وينطلقون في رحلةٍ مدروسةٍ لتطويرها، قادرون على تحقيق نتائج تحوّلية تعيد رسم مستقبل مؤسساتهم، ليصبح الفريق التنفيذي القوة الحقيقية الدافعة نحو النجاح.