تعزيز دورك القيادي في صناعة الإسمنت للوصول إلى معدل خالي من الانبعاثات الكربونية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لقد أصبح التقليل من انبعاثات الكربون في قطاع الأسمنت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى. فعلى المستوى العالمي، يساهم الأسمنت بما يقارب الـ 7% من مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يجعله واحدًا من أكبر القطاعات ذات البصمة الكربونية على وجه الأرض1. وتُظهر دراساتنا أنه من المتوقع أن يظل حجم إنتاج الأسمنت العالمي ثابتًا حتى عام 2050، وهو ما يفرض على هذا القطاع ضرورة الشروع فورًا في بذل الجهود الجادة والفعالة لتقليل الانبعاثات بما يتناسب مع الأهداف المحلية والعالمية.

ولا سيما، لأن عملية خفض مستويات الكربون في صناعة الأسمنت تمثل تحديًا غير عاديًا، إذ إنها تنطوي على إطلاق ثاني أكسيد الكربون مباشرةً خلال العمليات الكيميائية الخاصة بإنتاجه2. بالرغم من ذلك، بدأنا نشهد ظهور حلول جديدة للتقليل من انبعاثات الكربون، تتراوح بين استخدام تقنيات حديثة لاحتجاز واستغلال وتخزين الكربون (CCUS) في مرحلة إنتاج الكلنكر، إلى تطوير حلول ومواد أسمنتية أخرى مبتكرة وبديلة. ولكن، يتوقع أن تحدث هذه الحلول تحولاً كبيرًا في هيكل القيمة داخل الصناعة. ومع تبلور نماذج أعمال جديدة، يتوقع أن يشهد السوق منافسة محتدمة بين اللاعبين المختلفين ومقدمي الحلول للظفر بحصص السوق.

وبالنسبة للشركات العاملة في مجال الأسمنت والتي تسعى إلى تحقيق مكانة لها في مستقبل خالي من الانبعاثات الكربونية، ستكون العروض التي تتميز بانخفاض الانبعاثات الكربونية هي مفتاح تحقيق النجاح. ولكن، يتوجب على تلك الشركات التحرك بحكمة ووفق استراتيجية محكمة لكي تتبوأ مكانة رائدة في هذا السوق الذي يتسم بالتغير المستمر3. ويسلط هذه المقال الضوء على بعض الحلول الواعدة في مجال خفض الانبعاثات الكربونية، ومنها استخدام الكلنكر قليل الكربون، والإضافات، والمواد الأسمنتية المبتكرة، بالإضافة إلى إعادة تدوير المواد. كما يتناول المقال العوامل التي ينبغي أخذها في الاعتبار عند القيام باستثمارات صديقة للبيئة، وبناء نماذج أعمال تعتمد على هذه الحلول. وفي الواقع، إن الطريقة التي تدير بها الشركات المختلفة في هذا القطاع استخدام هذه الحلول وكيفية تحقيق التوازن بينها ستحدد مسار الصناعة نحو خفض الانبعاثات الكربونية، وكذلك تحديد الشركات التي ستكتسب ميزة تنافسية مع مرور الوقت.

الطريق إلى صناعة أسمنت أكثر استدامة

حددت صناعة الأسمنت والخرسانة أهدافًا طموحة ومحددة لتقليص والحد من انبعاثات الكربون، وذلك في إطار المعايير التي وضعتها الجمعية العالمية للأسمنت والخرسانة (GCCA). تتضمن هذه الأهداف التزامًا بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل 20% لكل طن متري من الأسمنت و25% لكل متر مكعب من الخرسانة بحلول العام 2030، مقارنةً بالمستويات المُسجلة في عام 2020. وتشدد اتفاقية الجمعية على الوصول للهدف النهائي والمنشود وهو صناعة خالية من الكربون بحلول عام 2050.4

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

على مدار العقود السابقة، اتجهت الشركات المصنعة للأسمنت نحو استراتيجيات تقليدية لتخفيض انبعاثاتها الكربونية، مثل تحسين فعالية استخدام الطاقة وتبني بدائل للكلنكر وأنواع الوقود الأقل تلويثًا. رغم ذلك، ولتحقيق الهدف الطموح ببلوغ صافي صفري من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، يجب رفع الإنفاق الرأسمالي السنوي إلى نحو الضعف، وصولاً إلى متوسط يبلغ 60 مليار دولار من الآن وحتى عام 52050. تثير هذه التكاليف الإضافية، إلى جانب النفقات المتعلقة بتطوير تكنولوجيات وعمليات إزالة الكربون الجديدة، قلق أصحاب الصناعة في هذا القطاع وتجعلهم أكثر تحفظاً عند النظر في تبني الحلول الابتكارية الأحدث.

هناك العديد من العوامل التي قد تسهم في التقليل من الأعباء المالية المرتبطة بعملية التحول البيئي في صناعة الأسمنت. على سبيل المثال، يمكن للشركات استغلال المكافآت المالية الخضراء لتعزيز جهودها. وتشير تحليلاتنا إلى أنه على المدى القصير، من المستبعد أن يكون التوريد الحالي من الأسمنت منخفض الكربون كافيًا لتلبية الطلب المتزايد من المستهلكين النهائيين الذين يسعون إلى تحقيق أهداف طموحة في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وخاصة في الدول الأوروبية. إذ نتوقع أن يؤدي هذا إلى زيادة في المزايا المتعلقة بالتحول الأخضر فيما يتعلق بالأسمنت على المدى القصير. وقد لاحظنا بالفعل زيادة في الطلب في عدد من الأسواق، فعلى سبيل المثال، تحصل شركة "هوفمان" لتكنولوجيا الأسمنت الأخضر وشركة "سيمكس" على مزايا عالية مقابل منتجاتهما الصديقة للبيئة. ومع زيادة توافر المنتجات منخفضة الكربون للمستهلكين النهائيين، وخاصة في أوروبا، نتوقع انخفاض هذا المقابل تدريجيًا.

إضافةً إلى ذلك، يمكن للتشريعات الداعمة أن تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز مسيرة الحد من الكربون في الصناعات. على سبيل المثال، يوفر الخصم الضريبي (Q45) بموجب قانون خفض التضخم الأمريكي (IRA) حوافز ضريبية للمشروعات التي تتبنى تقنيات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، التي تنطلق قبل يناير 2033 6. كما يسعى صندوق الاتحاد الأوروبي للابتكار إلى دعم مساعي الحد من الكربون في القطاع الصناعي بأوروبا، من خلال تمويل ودعم التقنيات الرائدة والمبتكرة.

مسارات مبتكرة للوصول إلى معدل صفري من الانبعاثات

هناك أربع استراتيجيات واعدة تبشر بإمكانيات قوية في مجال التعامل بفعالية مع المكونات ذات الكثافة الكربونية العالية في الإسمنت، وكذلك تقليل الحاجة إلى استخدامه في الخرسانة. رغم أن بعض هذه الأساليب ما زالت بحاجة إلى المزيد من التطوير لتصبح قابلة للتطبيق على نطاق واسع، فإن كلاً منها يتمتع بإمكانات هائلة للمساهمة في التخفيف من هذه القضية الملحة.

الاستفادة من تقنيات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون لإنتاج الكلنكر قليل الكربون

يُعد الكلنكر، الذي يُستخدم كمادة أساسية في تركيب الأسمنت، من المكونات الرئيسية في صناعة الأسمنت، لكنه يتسبب في انبعاثات كربونية مرتفعة خلال عملية الإنتاج. لتقليل هذه الانبعاثات، يُستخدم الكلنكر الذي يتميز بانخفاض نسبة الكربون فيه ويستفيد من تقنيات احتجاز وتخزين الكربون للحيلولة دون وصول هذه الانبعاثات إلى الغلاف الجوي7. على الرغم من أن التخلي التام عن استخدام الكلنكر قد يبدو حلاً مثاليًا، إلا أن تقنيات احتجاز وتخزين الكربون تُعتبر حاليًا الحل الوحيد المعروف للتعامل مع انبعاثات عملية إنتاج الكلنكر. ونظريًا، يُمكن لهذه التقنيات أن تُسهم في إنتاج الكلنكر بانبعاثات كربونية صافية تعادل الصفر8. وعلى الرغم من أن العديد من الشركات الكبرى بدأت بالفعل في تطبيق هذه التقنيات، إلا أنها تتطلب تكاليف عالية ولم يتم بعد إثبات فعاليتها على نطاق واسع في الصناعة، الأمر الذي يحد من استخدامها. إضافةً إلى ذلك، يظل احتجاز وتخزين الكربون غير مجدي اقتصاديًا إلا في مناطق محددة تتوفر فيها سعة تخزين كافية، وتوجد بها طرق لاستخدام الكربون المُحتجز، بالإضافة إلى الحصول على دعم حكومي وتوافر الطاقة المتجددة بأسعار معقولة، وهي عوامل ضرورية بشكل خاص في مجال إنتاج الكلنكر.

في بعض المواقع، يقوم المسؤولون بدراسة إمكانية إجراء تحديثات على المرافق القائمة، وهذا الأمر قد يكون مُجديًا ولاسيما إذا كانت هناك إمكانيات كافية للنقل والتخزين، وكذلك توافر المساحة الكافية داخل المصانع الحالية. بالإضافة إلى ذلك، قد يزداد انتشار الكلنكر منخفض الكربون، الذي يستخدم تكنولوجيا احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، من خلال إنشاء مصانع جديدة ضخمة تستهدف تحقيق إنتاج بانبعاثات صفرية في الأسواق المرغوبة. تتضمن هذه الأسواق مناطق في الولايات المتحدة بها طاقة متجددة بتكلفة منخفضة ودعم من الوكالة الدولية للطاقة، إلى جانب مناطق في أوروبا تحظى بموارد متجددة، وخيارات لتخزين ثاني أكسيد الكربون، وتشريعات داعمة، بالإضافة إلى إمكانية التصدير إلى مختلف أنحاء أوروبا. وقد يحتاج اللاعبون في هذا المجال إلى إعادة النظر في استراتيجيات إدارة أصولهم لكي يتمكنوا من استغلال فرص هذه الأسواق الجديدة مع الحفاظ على خدمة أسواقهم الحالية. وقد يشمل ذلك إنتاج الكلنكر المنخفض الكربون في مصانع كبيرة، ومن ثم نقله إلى الأسواق المحلية ليتم طحنه هناك. وبغض النظر عن الأسواق التي يختارون دخولها، يمكن لشركات الأسمنت أيضًا الاستفادة من مزايا الإنتاج على نطاق واسع بإستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العمليات اللوجستية وتحقيق الكفاءة من خلال المصانع الكبيرة التي تنتج (بين أربعة وستة ملايين طن متري سنويًا). يمكن أن تساهم المصانع الضخمة، إذا تم بناؤها بشكل استراتيجي، في خفض تكاليف إنتاج الكلنكر منخفض الكربون بنسبة تصل إلى 60%، مما يجعلها خيارًا أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية. (الشكل 1).

الخلطات الإضافية

الخلطات الإضافية هي مواد يتم إضافتها إلى الخرسانة لتعزيز خواصها وتحسين أداءها، مثل تحسين متانتها وسهولة التعامل معها. بالإضافة إلى ذلك، تساهم تلك الخلطات في تقليل الكمية اللازمة من الأسمنت في الخرسانة، وهو ما يؤدي بدوره إلى خفض التكاليف المتعلقة بالأسمنت وتقليل الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالخرسانة. استنادًا إلى تحليلاتنا، يمكن لهذه الخلطات الإضافية أن تسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الخرسانة بنسبة تصل إلى 30% طبقًا للمعايير الحالية، وحتى 50% مع المعايير المحدثة. بفضل تقليل الحاجة إلى الأسمنت، تساعد الخلطات على استقرار تكلفة الخرسانة. كما تدعم استخدام مستويات أعلى من إعادة تدوير الخرسانة وتستخدم في تقوية الألياف.

ومع ذلك، هناك بعض العقبات التي تعيق حاليًا الاعتماد على الخلطات على نطاق واسع. تتطلب التطبيقات الخرسانية المختلفة أنواعًا مختلفة من الخلطات، كما أن دمج مخاليط خرسانية مختلفة يمكن أن يجعل البناء أكثر تعقيدًا من حيث التخطيط والتنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لدى أصحاب المصلحة الرئيسيين وعي محدود حول إمكانية إزالة الكربون من الخلطات. هناك أيضًا تحدي انتقالي للشركات المتكاملة، والتي ستحتاج إلى تغيير نماذج أعمالها الخاصة لزيادة الخلطات في الخرسانة الجاهزة (RMC) في الأسواق التي توفر فيها أصول الأسمنت عوائد كبيرة.

مواد أسمنتية مبتكرة

تواجه المواد الأسمنتية البديلة، مثل الأسمنت منخفض الكربون أو الخرسانة الجيوبوليمرية، صعوبات في توسيع نطاق استخدامها على مر التاريخ. ومع ذلك، فقد ساهمت الاتجاهات الاستثمارية الحديثة والتطور السريع في مجال التكنولوجيا في تمكين الشركات الناشئة من إحداث ثورة في مجال المواد الأسمنتية البديلة بحلول منخفضة الكربون. فعلى سبيل المثال، يتم استبدال الحجر الجيري، المستخدم تقليديًا في صناعة الأسمنت، بصخور سيليكات الكالسيوم، بينما تستخدم شركة "Sublime Systems" تقنية كهروكيميائية تُلغي الحاجة إلى استخدام الأفران. وعلى الرغم من حداثة هذه الأساليب، فإن البيانات الاستثمارية تظهر اهتمامًا متزايدًا بالمواد الأسمنتية البديلة؛ إذ أعلنت الشركة ذاتها عن جولة تمويل بقيمة 55 مليون دولار في عام 2022، وتمكنت من جمع أكثر من 40 مليون دولار في جولتي تمويل منذ عام 2021 9.

توفر المواد المكملة للأسمنت على نحو خاص فرصاً واعدة لتخفيض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الأسمنت والخرسانة التقليديين بشكل ملحوظ. ويمكن استغلال أساليب التخلص من النفايات الصلبة المعتادة - مثل الرماد المتطاير، وخبث الأفران العالية المحبب، ودخان السيليكا؛ لتعويض جزء من الكلنكر المستعمل في صناعة الأسمنت أو الأسمنت المستخدم في الخرسانة. وقد يترتب على ذلك فوائد تتعلق بالاستدامة والتكلفة، ولكن في الأغلب لا يتم استغلال نماذج إدارة سلسلة التوريد بشكل فعّال. وتفرض المعايير المحلية والإقليمية في العديد من الأسواق قيودًا على كمية المواد المكملة للأسمنت التقليدية التي يمكن استخدامها في الأسمنت، بناءً على خصائصها الهيدروليكية والإسمنتية. على سبيل المثال، يقتصر استخدام الرماد المتطاير في الاتحاد الأوروبي على نسبة 35% كحد أقصى، بينما تحدده الولايات المتحدة بنسبة 40 %.10 و قد تحتاج المواد المكملة للأسمنت الجديدة مثل الطين المكلس والحجر الجيري والخرسانة المُعاد تدويرها إلى إعادة تقييم هذه المعايير لتحقيق الاستفادة القصوى من الأداء وإمكانات تخفيض الكربون في الأسمنت والخرسانة، خاصةً في ظل نقص توافر المواد المكملة للأسمنت التقليدية (انظر الشريط الجانبي، "توقعات السوق للعروض الأسمنتية").

إعادة تدوير المواد

تسعى الاقتصادات الدائرية إلى خفض الآثار البيئية المرتبطة بالخرسانة، وذلك من خلال تقليص الكميات المستخدمة من الأسمنت الجديد، وبالتالي، تقليل الاستهلاك لمادة الكلنكر خلال عملية الإنتاج11. لتحقيق المزيد من الاستدامة والدورانية، يمكن لمُصنِّعي الأسمنت والخرسانة تبني استراتيجيات كإعادة استخدام نفايات الخرسانة ودمج المواد المُعاد تدويرها ضمن إنتاج الخرسانة الجديدة.

مع تنامي الاتجاه نحو إعادة تدوير المواد، تبرز الحاجة المتزايدة لإتقان تقنيات الهدم وإدارة مسارات التخلص من النفايات وفصلها، بالمقارنة مع الاعتماد التقليدي على امتلاك الأفران كنقطة تحكم رئيسية في العملية. هذا التحول يفتح الباب أمام اللاعبين الجدد في السوق، مثل الشركات الناشئة التي تركز على إدارة مسارات التخلص من النفايات وشركات البنية التحتية التي تتعامل مع النفايات الناتجة عن مشروعات البناء، لدخول المجال الأسمنتي. ومع ذلك، يُمثل نقل ومعالجة النفايات تحديات لوجستية، مما يقيّد القدرة على التوسع ويجعل سلاسل القيمة المتعلقة بالنفايات محدودة ومرتبطة بشكل كبير بالمنطقة المحلية.

على الرغم من أن هذه الطرق الأربعة تعتبر متكاملة مع بعضها البعض، إلا أنها ستتنافس فيما بينها على جذب الاستثمارات وتحقيق النمو، ومن المتوقع أن تظهر اختلافات كبيرة في سرعة تبنيها عبر الأسواق المختلفة. في أدنى سلم سلسلة القيمة، يمكن للمواد المضافة الجديدة وعمليات إعادة التدوير أن تسهم بشكل كبير في خلق القيمة، على الرغم من الصعوبات المرتبطة بتوسيع نطاق إعادة التدوير. أما بالنسبة للاعبين في القطاع الأسمنتي الواقعين في وسط السلم، فسيكون عليهم تحقيق التوازن المناسب بين استخدام الكلنكر منخفض الكربون، الذي يعتمد على تقنيات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وبين تبني الحلول الأسمنتية المبتكرة لضمان النجاح في المستقبل القريب والبعيد مع تطور التقنيات المختلفة. وسيتم توجيه قراراتهم بشكل أساسي بناءً على عامل التكلفة، وسيكون للهيئات التنظيمية والمنظمات الصناعية والجهات المحددة للمعايير دور فعّال في تسهيل هذا الانتقال نحو تحقيق هدف تخفيض الانبعاثات الكربونية.

نماذج عمل جديدة للاستفادة من تلك الفرص

في الأعوام القليلة القادمة، سيكون من الضروري لكل من مصنعي الأسمنت وموفري الحلول والخدمات اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الاستراتيجيات ونماذج الأعمال التي ينوون اتباعها لتحقيق هدف الوصول إلى الانبعاثات الصفرية للأسمنت. من خلال التحليل الذي أجريناه، تم تحديد تسعة نماذج لأعمال مستقبلية قد يتبناها منتجو الأسمنت وموفرو الحلول، تتراوح بين تلك التي تمثل تغييرًا جذريًا كاملاً وتلك التي تتطلب تعديلات طفيفة على الأوضاع الحالية. تعتمد غالبية هذه النماذج على حلول محددة تم تصميمها لتلبية احتياجات معينة. وفي الوقت ذاته، تُعد العديد من هذه النماذج متكاملة ويمكن الجمع بينها لتعزيز الجهود المبذولة لتقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق نتائج أفضل.

منتجو المواد الأسمنتية

مع توجه الصناعة نحو هدفها في الحد من الكربون، قد يظهر في الأفق مجموعة جديدة من منتجي الأسمنت للتنافس على حصة في السوق:

  • الشركات اللاعبة في مجال انتاج الأسمنت التقليدي منخفض التكلفة. بينما تصبح الحلول التي تنتج كميات أقل من الكربون أكثر شيوعًا وتحتل نسبة أكبر في السوق، يُتوقع أن تتبنى الشركات المتبقية التي تنتج الأسمنت بالطرق التقليدية استراتيجيات تركز على تقليل النفقات والتكاليف. ويُرجح أن تكون هذه الشركات ذات حجم صغير إلى متوسط، وتعمل في أسواق لا تتقدم بسرعة نحو تحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية. علمًا أن هذه الشركات ستسعى إلى البقاء في المنافسة والحفاظ على حصتها في السوق من خلال تجاوز الإجراءات التقليدية، مع التركيز بشكل خاص على تحسين استخدام الطاقة وتبني أنواع الوقود البديلة.
  • تهيئة منتجو الأسمنت منخفض الكربون . من الممكن إعادة تهيئة المنتجين الحاليين للأسمنت ليصبحوا قادرين على إنتاج أسمنت بانبعاثات كربونية منخفضة أو معدومة، وذلك باستخدام تقنيات خفض الكربون كاحتجاز الكربون وتخزينه. هذه العملية يمكن تعزيزها أيضاً بتطبيق حلول أسمنتية متطورة، مثل زيادة النسبة المئوية للمواد المكملة للاسمنت بالمقارنة مع الكلنكر.
  • رواد استخدام الكلنكر والأسمنت منخفض التكلفة. من المتوقع أن يسهم رواد انتاج الكلنكر والأسمنت منخفض الكربون بعروض قوية. يُمكن للمصانع الكبيرة الجديدة المُتخصصة في إنتاج الكلنكر ومرافق طحن الأسمنت التي تمتلك تقنيات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، إنتاج أسمنت بانبعاثات صافية تكاد تكون صفرية. ومع ذلك، قد تتفاوت انبعاثات الكربون في منتجات الأسمنت التي تستخدم الكلنكر منخفض الكربون، بناءً على نوع المواد المُستخدمة وعملية الإنتاج المُتبعة. ويُمكن تحقيق ذلك من خلال إبرام اتفاقيات شراء وبناء تعاون مباشر مع المُطورين العقاريين والمُقاولين المُبدعين.
  • الشركات المتخصصة في تسييل ثاني أكسيد الكربون (التمعدن). تشكل عملية تسييل ثاني أكسيد الكربون من خلال التّمعدن أحد المجالات الواعدة والناشئة في الصناعة. يُمكن للشركات التي تتخصص في هذا المجال استغلال ثاني أكسيد الكربون أو النفايات الكربونية التي تم إعادة تدويرها بحيث يتم دمج هذه المواد في الركام والمواد المُكمِّلة للأسمنت، أو يمكن استخدامها مباشرة في إنتاج الخرسانة خلال عمليات التصنيع والمعالجة.
  • منتجو المواد المكملة للأسمنت. الكيانات التي تولي اهتمامًا خاصًا لتطوير مواد وعمليات جديدة تمتلك القدرة على تقديم أنظمة تصنيع للمواد الصلبة كخيارات بديلة، سواء كان ذلك بشكل كلي أو جزئي، فيما يتعلق بالكلنكر. يُمكن أن يكون هؤلاء الفاعلون إما منافسين جُدد في الساحة أو موردين موجودين يسعون لتعزيز مجال عملهم، كما أن لديهم الفرصة لترخيص تقنياتهم الخاصة.

مقدمو الحلول والخدمات

في الوقت الذي يسير فيه منتجو الأسمنت نحو تحويل موادهم، سيجد الفاعلون الآخرون الذين يتطلعون إلى المستقبل فرصًا لدعم هذه العملية. ويمكن لمزودي الحلول أن يقدموا مجموعة متنوعة من المنتجات مثل الكلنكر منخفض الكربون، ومواد الحشو، والأسمنت الخاص الذي يحمل أهمية كبرى بالنسبة للمنتجين الذين يتجهون نحو إنتاج الأسمنت منخفض الكربون. إذ تسهم هذه المنتجات في خفض تكاليف إزالة الكربون في عملية تصنيع الأسمنت والخرسانة، كما تُتيح تحقيق أعلى أداء ممكن للمواد مع الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى أقل حد ممكن.

أثناء تطوير اللاعبين لحلول مُعدة خصيصًا لتلبية متطلبات العملاء، من المتوقع أن يبرز عدد من مزودي الحلول الأسمنتية كما يلي:-

  • شركات إعادة تدوير مواد البناء. سيكون لدى هؤلاء الفاعلين في السوق السيطرة على نفايات البناء والهدم، وبالتالي، سيتمكنون من التحكم في مصدر رئيسي للمواد الأولية اللازمة للإنشاءات الجديدة.
  • مقدمو الخدمات ( خدمة احتجاز وتخزين الكربون). يمتلك الفاعلون الجدد في السوق القدرة على توفير حلول متكاملة لعملية احتجاز وتخزين الكربون، تتراوح من تطوير التكنولوجيا وتشغيل الوحدات المخصصة لاحتجاز الكربون، وصولًا إلى نقل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في أماكن آمنة.
  • مقدمو حلول المواد الكيميائية المستخدمة في البناء. يمكن للفاعلين الجدد والحاليين في السوق العمل على تطوير مواد كيميائية وإضافات مبتكرة، تتيح استخدام نسبة أعلى من المواد الأسمنتية في الأسمنت، وتخفيض الكمية المستخدمة من الأسمنت في الخرسانة، مما يعزز إمكانية إعادة تدوير الخرسانة. على سبيل المثال، شركة "سيكا"، وهي الشركة الرائدة في هذا المجال، قد أطلقت "مشروع LC3" بالتعاون مع المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان، بهدف تقليل الحاجة إلى الكلنكر التقليدي في الأسمنت.
  • الشركات المتخصصة في منصات تطوير وتحسين خليط الخرسانة الجاهزة. تستطيع المنصات الحديثة تقديم نماذج خدمات قائمة على البيانات لتطوير وتحسين خليط الخرسانة الجاهزة للاستخدام، مما قد يؤدي إلى خفض اعتماد الشركات المصنعة على أنواع معينة من الأسمنت. إضافةً إلى ذلك، يمكن للفاعلين في قطاع التكنولوجيا الذين يستغلون هذه النماذج البرمجية أن يؤسسوا لأعمال تتطلب رأس مال أقل بالمقارنة.

دروس يمكن الاستفادة منها مستقبلاً

ما زالت ساحة الصناعة في حالة من عدم اليقين بشأن أي من هذه المسارات التنافسية أو نماذج الأعمال ستحقق النجاح الأكبر. ومع ذلك، بدأت تظهر عدة رسائل واضحة للفاعلين في صناعة الأسمنت ولمزودي الحلول الخاصة بالقطاع.

في عملية التحول نحو استخدام طاقة أكثر استدامة، يجب على الشركات الحالية أن تجد الطريقة المثلى للجمع بين استراتيجيات احتجاز وتخزين الكربون والاعتماد على الأسمنت. هذا يعني استخدام مجموعة متنوعة من التكنولوجيا لتحقيق أهداف تقليل الانبعاثات الكربونية، مع الحفاظ على مرونة الاستراتيجيات لضمان النجاح على المدى الطويل. بناءً على الاستراتيجية التي تتبعها الشركة، يمكن اتخاذ خطوات مختلفة. قد يشمل ذلك تعزيز العلاقات مع موردي نظم إدارة سلسلة التوريد التقليدية والبحث عن مواد بناء أكثر صداقة للبيئة. أو قد يشمل ذلك الابتكار واعتماد نماذج جديدة لإدارة سلسلة التوريد. الشركات الحالية لديها أيضًا ميزة في القدرة على الاستثمار في مصانع الكلنكر الكبيرة التي تنتج انبعاثات كربونية أقل. هذا النوع من الاستثمار يمكن أن يكون عنصرًا حاسمًا في تعزيز مكانتهم التنافسية في المستقبل.

في الوقت نفسه، يمكن للرواد مثل مقدمي الحلول والخدمات استغلال البيانات والتحليلات لدعم عملاءهم في عملية التحول المتعلقة بالمواد12. ويمكنهم أيضًا الاستفادة من شراكات تكنولوجية لتطوير نظم إدارة سلاسل الإمداد المستحدثة، بالإضافة إلى استحداث مواد مضافة جديدة للأسمنت والخرسانة. وقد تؤدي هذه النماذج الجديدة لإدارة سلاسل الإمداد إلى زيادة في الأرباح والهوامش، وقد تفتح الباب أمام ترتيبات التسعير القائمة على الأداء، حيث يمكن للكميات الأقل تحقيق قيمة مماثلة. وسيكون الوضع التنظيمي وعمليات إصدار الشهادات عناصر حاسمة في هذه العملية.


ولتحقيق هدف يتمثل بالوصول إلى معدل خالي من الانبعاثات، يتطلب الأمر من صناعة الأسمنت بذل جهود فعّالة ومستمرة. هذا يعني تحولًا جذريًا عن الأساليب التقليدية والعتيقة في العمل، وقد آن الأوان لبدء تعزيز هذه القدرات. بمقدور الشركات التقليدية والناشئة الاستثمار بحكمة في التكنولوجيا المتقدمة ونماذج الأعمال الابتكارية، وبذلك قد يضعون أنفسهم في موقع استراتيجي يمكنهم من قيادة المجال الصناعي في المستقبل.

Explore a career with us