تسهم التقنيات الرقمية في تعزيز سهولة تنفيذ المهام اليومية بالنسبة للكثيرين، بدءًا من إيداع الشيكات ووصولًا إلى شراء طعام العشاء. ولكن تجربة العملاء المميزة التي يوفرها التحول الرقمي لم تشمل جميع المستهلكين، حيث يعجز أكثر من ملياري شخص من المكفوفين وضعاف البصر عن مواكبة هذا الركب في معظم الأحيان.1
ويشير استبيان ماكنزي العالمي للمعنويات تجاه الخدمات الرقمية لعام 2022 إلى نمو مستويات استخدام المستهلكين للتقنيات الرقمية في الكثير من القطاعات بمقدار الضعف عما كانت عليه قبل انتشار جائحة كوفيد-19. وأجرينا بالتعاون مع شركة "تليتينج ذا لينز"، المتخصصة باستشارات الوصول، دراسةً بحثية نوعية حول المستخدمين في ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة لفهم السلوكيات والتجارب الرقمية المحددة للأشخاص الذين يعانون من ضعف أو فقدان البصر (لمزيد من المعلومات حول المصطلحات المستخدمة في هذه المقالة، يرجى الاطلاع على الشريط الجانبي "لغة الإعاقة البصرية"؛ ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول الدراسة البحثية النوعية، يرجى الرجوع إلى فقرة "لمحة عن هذا البحث" في نهاية هذه المقالة). وأشار الأشخاص الذين تواصلنا معهم إلى ظهور بعض التطورات التقنية المفيدة خلال الأعوام القليلة الماضية، والتي ساهمت في تعزيز تجاربهم الرقمية. وشمل ذلك على سبيل المثال إتاحة برامج قراءة الشاشة على معظم الأجهزة، والتي تشكل الطريقة الأساسية التي يستخدمها معظم المشاركون في الدراسة البحثية للتفاعل مع التقنيات الرقمية. 2 كما أشار المشاركون في البحث إلى التحسينات الكثيرة التي أجرتها بعض الشركات لتعزيز الوصول إلى مواقعها الإلكترونية ومحتواها الرقمي، ولكنهم أشاروا بالمقابل إلى أنهم غالبًا ما يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات والمحتوى الرقمي.
ويفضي تحسين التجارب الرقمية للمستخدمين من المكفوفين أو ضعاف البصر إلى تأثيرات إيجابية واضحة على الصعيد الاجتماعي، إذ يمكن لهذه التحسينات أن تزوّدهم بوصول متساوٍ إلى المنتجات والخدمات الرقمية، فضلًا عن تعزيز شعورهم بالاستقلالية. وتمتد هذه التأثيرات الإيجابية لتشمل قطاع الأعمال أيضًا، حيث يمكن للشركات بناء علاقات قوية وقائمة على الولاء مع عملائها. وتشير التقديرات إلى أن الشركات الاستهلاكية ذات المواقع الإلكترونية والاستراتيجيات الرقمية التي يتعذر على أصحاب هذه الإعاقة الوصول إليها تخسر سنويًا 6.9 مليار دولار أمريكي نتيجة توجه هؤلاء العملاء إلى الشركات المنافسة. 3 ونتوقع بأن تزداد هذه التكاليف على الشركات بحلول العام 2030، نظرًا لزيادة الطلب على المنتجات والخدمات التي تمتاز بقابلية الوصول، بالتوازي مع الزيادة المتسارعة لأعمار سكان العالم.
ونسلّط في هذه المقالة الضوء على التجارب الرقمية وآراء المشاركين في دراستنا البحثية، بهدف مساعدة المؤسسات على فهم التأثيرات السلبية غير المتعمّدة للتصميم التقليدي للمنتجات على مستويات الثقة وقرارات الشراء لدى المستهلكين. كما نقدّم عددًا من المبادئ التي يمكن للمؤسسات اتباعها لتحسين تجارب العملاء بما يعود بالنفع على الجميع.
تعريف الوصول الرقمي
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ترتكز تجارب المستهلكين على الإنترنت - بدءًا من طلب الوجبات ومرورًا بالوصول إلى الحساب المصرفي ووصولًا إلى تسوّق الملابس - بشكل أساسي على عنصرين اثنين هما العناصر البصرية واستخدام الفأرة أو الأصبع للضغط على شاشة اللمس. ولا تقتصر تأثيرات الصور والفيديوهات والأنماط الدقيقة المرتبطة بتجربة المستخدم (مثل حجم الخط، والتدرجات اللونية، والمربعات النصية، والأيقونات) على إثراء تجارب الاستخدام وتعزيزها فحسب، وإنما تسهم في توجيه المستهلكين ضمن المحتوى الرقمي، وتشجيعهم على اتخاذ إجراءات مثل طلب المزيد من المعلومات أو تسجيل الطلبات.
ونتيجةً لذلك، فقد يواجه أصحاب البصر الضعيف على سبيل المثال صعوبات في التفاعل مع المحتوى الرقمي عندما تستخدم الشركات عناصر لونيّة منخفضة التباين. بينما يتعين على المكفوفين الاعتماد على التقنيات المساعدة، مثل برامج قراءة المحتوى على الشاشة، للوصول إلى هذا المحتوى. وعلى الرغم من ذلك، تبقى فعالية هذه التقنيات مرهونةً بقيام الشركات بدمج العناصر على مواقعها الإلكترونية مع الرموز البرمجية الأساسية التي تتيح لها العمل بشكل ملائم. وعلى سبيل المثال، إذا لم يوضّح الرمز البرمجي الأساسي في الموقع الإلكتروني إمكانية الضغط على أحد الأزرار أو الروابط الإلكترونية، فقد يغفل المستهلك عن معلومات مهمة أو قد يعجز عن مواصلة التجربة الرقمية. ويوضح أحد المشاركين في الاستبيان من ألمانيا هذه الفكرة بالقول: "يحدث ذلك غالبًا عندما نسعى للحصول على أحد المنتجات، حيث نمضي حوالي 30 دقيقة في إنجاز عملية الطلب، ثم ندرك فجأةً وعند الوصول إلى الزر الأخير بأننا غير قادرين على إتمام العملية. وهذه تجربة استخدام محبطة جدًا".
بالتالي، كيف يمكن تقديم تعريف واضح لمصطلح الوصول الرقمي؟ عندما طلبنا من المشاركين في البحث تقديم تعاريفهم لهذا المصطلح، أشاروا إلى رغبتهم بالحصول على تجارب استخدام سلسة عند التفاعل مع المحتوى عبر الإنترنت. وأفاد المشاركون بأنهم يتطلعون للحصول على هذا المحتوى دون معوقات، أي أن يكون بمقدورهم - على سبيل المثال - الاطلاع عليه والتفاعل معه باستخدام أي تقنية أو أداة يفضلونها لقراءة الشاشة وتعزيز سهولة الوصول. ويعتقد المشاركون بأنه ينبغي ألا يكونوا مضطرين لاستخدام حلول بديلة مثل طلب المساعدة من الأصدقاء أو أفراد العائلة. كما أشاروا إلى أنهم يتطلعون للحصول على تجارب استخدام مشابهة لتلك التجارب التي يتمتع بها الأشخاص غير المصابين بالإعاقة. وتُبيّن تعليقاتهم أيضًا أن المواقع التي يمكن الوصول إليها بشكل منفصل، أو العناصر الإضافية في المواقع الإلكترونية، تكون غير كافية في معظم الأحيان لأنها قد تكون غير متسقة أو غير فعالة.

"يشير مصطلح الوصول الرقمي إلى حرية الاستخدام في جميع جوانب الحياة اليومية للفرد، بدءًا من العمل والتسوّق، ووصولًا إلى الترفيه".
مشارك من المجموعة البحثية في إيطاليا
ولكن، ماذا يعني إنشاء تجربة ووصول رقمي متكاملة من المنظور التقني؟ لا يوجد تعريف عالمي واضح للوصول الرقمي، ولكن ثمة الكثير من المصادر المرجعية المتعلقة به. ويتمثل أحد أهم هذه المصادر في إرشادات الوصول إلى محتوى الويب (WCAG) التي طورتها مبادرة الوصول إلى الويب التابعة إلى رابطة الشبكة العالمية، والتي تتعاون مع أعضاء مجتمعات ذوي الإعاقة لتحديد معايير الوصول. وتحدد هذه الإرشادات أربعة جوانب أساسية للوصول تشمل: 4
- إتاحة جميع المعلومات.
- . إمكانية تشغيل واجهات الاستخدام.
- إمكانية فهم المحتوى.
- توافر قدرات فعالة.
وأشار معظم المشاركين في البحث إلى أنهم يرغبون بتحقيق مستويات معيّنة من الحوكمة لتحسين إمكانية الوصول إلى المواقع الرقمية، سواء كان ذلك على المستوى العالمي أو المحلي. ولكن تُبيّن حواراتنا مع هؤلاء الأشخاص ذوي التجارب الحياتية المختلفة بأن توفير الوصول الرقمي يتطلب أكثر من ذلك. إذ يتعين على المصممين العثور على حلول إبداعية، واتباع أنماط تفكير جديدة تركز على منح جميع المستخدمين وصولًا متساويًا إلى التطبيقات والمحتوى.
تأثيرات سهولة الوصول على مستويات الثقة وقرارات الشراء في العالم الرقمي
يتخلى مستخدمو الإنترنت من المكفوفين عن حوالي ثلثي مشترياتهم في مجال التجارة الإلكترونية بسبب عدم إمكانية وصولهم إليها، ما يضطرهم للبحث على خيارات وصول أفضل في مجالات أخرى. 5 ونتيجة لذلك، يتجه المستهلكون من أصحاب الإعاقة إلى الشركات التي يثقون بقدرتها على توفير أنشطة رقمية تخلو من المتاعب. ويتماشى ذلك مع نتائج الاستبيان الذي أجريناه مؤخرًا حول مستويات الثقة الرقمية. وعند اتخاذ قرارات الشراء، يولي المستهلكون بشكل عام أهمية مماثلةً تقريبًا لمستويات الثقة الرقمية والجوانب المتعلقة بالتكلفة وزمن التوصيل، حيث أشاروا إلى أنهم يتوجهون إلى شركات أخرى للشراء عند تراجع مستويات الثقة.

"يتسبب عدم الوصول بشعور شديد بالإحباط وينجم عنه إضاعة الكثير من الوقت. ولهذا السبب، من الطبيعي التركيز على الشركات التي تحظى بثقة أكبر وتضمن تفادي مثل هذه التجارب السلبية".
أحد المشاركين في مجموعة النقاش الألمانية
وتُبيّن دراستنا البحثية بأن التأثير على العلامات التجارية قد يكون أكبر بكثير. إذ لا يبتعد مستخدمو الإنترنت من المكفوفين عن التعاملات فحسب، وإنما تدفعهم عدم القدرة على الوصول إلى تجنّب قطاعات السوق والشركات بشكل كامل. ويصنّف الكثير من المشاركين في الدراسة البحثية تفاعلاتهم الرقمية ضمن مرتبة منخفضة في القطاعات التي يصنفها المستهلكون عادة ضمن القطاعات ذات التفاعل المرتفع، مثل قطاعات الاتصالات والخدمات والتأمين.
كما تُبيّن إجابات المشاركين في الدراسة عند سؤالهم عن 12 قطاعًا 6 بأنه يمكن، ويجب، على تلك القطاعات بذل جهود أكبر لبناء الثقة مع مجتمعات أصحاب الإعاقة. وبالنظر إلى القطاع المصرفي، الذي يحتل المرتبة الأولى في مستويات التفاعل الرقمي بين المشاركين في الدراسة البحثية من المناطق الجغرافية الثلاث، فقد أشار 90% من المشاركين في ألمانيا والولايات المتحدة وجميع المشاركين في إيطاليا إلى قيامهم باستخدام الخدمات المصرفية الرقمية خلال الأشهر الستة الماضية. وأشاد الكثير من المشاركين بتطبيقات الخدمات المصرفية على الهواتف الذكية نظرًا لبساطة وسهولة استخدامها، حيث توفر، على سبيل المثال، الكثير من التقنيات المساعدة التي تُقدّم للمستخدم قراءة دقيقة للمحتوى على الشاشة بصوت عالٍ، أو تتيح له إمكانية زيادة حجم الخطوط في المحتوى. وعلى الرغم من ذلك، فقد صنّف حوالي نصف المشاركين في الدراسة التجارب الرقمية بشكل عام على أنها "قابلة للاستخدام ولكن بصعوبة" أو أنها "تتيح إمكانية الوصول مع الكثير من المشكلات".
ولكن كيف يمكن لقادة الأعمال تحسين إمكانية الوصول إلى منتجاتهم وخدماتهم الرقمية على نحو يوفر تجارب أفضل للعملاء، ويسهم في بناء الثقة الرقمية؟ تشير آراء المشاركين في البحث إلى أن الإجابة تكمن في عدم التركيز على إمكانية الوصول بحد ذاتها، وإنما على تحسين تجربة العملاء بالنسبة إلى أصحاب الإعاقة.
تعزيز إمكانية الوصول من خلال تقديم تصاميم أكثر شمولية
تشير أبحاثنا إلى أن تجارب المستخدم المتكاملة وممارسات التصميم التعاونية وعمليات التحسين المستمرة تمثل بمجموعها الركيزة الأساسية للتصميم الجيّد. وأشار المشاركون في دراستنا البحثية إلى أهمية هذه الممارسات في فهم احتياجات مجتمعاتهم ومواكبتها. ويمكن القول بعبارة أخرى إن التصميم الجيد والتصميم الشامل يرتبطان مع بعضهما ارتباطًا وثيقًا.

"تتمثل أبرز معوقات الوصول في قيام المطورين بتصميم مواقع و/أو تطبيقات إلكترونية ذات مؤثرات بصرية جميلة ولكن يصعب الوصول إليها؛ لذا ينبغي التركيز على ناحيتي جمالية الشكل وسهولة الوصول".
أحد المشاركين في البحث من الولايات المتحدة
وقد يكون اتباع هذه المنهجية الاستباقية التي تتمحور حول العملاء أكثر فعالية من ناحية التكلفة في التعامل مع مشكلات الوصول بالمقارنة مع معالجتها بعد وقوعها. وتوصّل بنك "باركليز"، على سبيل المثال، إلى أن تكلفة إعادة تصميم تطبيقه الخاص بالهواتف المحمولة لتعزيز سهولة الوصول تعادل عُشر المبلغ الذي يتم إنفاقه على إصلاح تحديات الوصول في تطبيقه الحالي.7
كما يوفر التصميم القائم على سهولة الوصول تجارب عملاء أكثر فاعلية وسهولة في الاستخدام. وبعد قيامه بإطلاق تطبيقه الجديد الذي يتيح سهولة أكبر في الوصول، توصّل بنك باركليز إلى أن تقييمات التطبيق قد زادت بأكثر من الضعف.
ضمان توفير تجارب متكاملة للعملاء
سعت الشركات خلال الأعوام القليلة الماضية للارتقاء بتجارب عملائها، حيث انتقلت من التركيز على نقاط الاتصال الفردية نحو التركيز على تجارب العملاء المتكاملة. وقامت الشركات بإنشاء تصاميم مخصصة ومفكرات رقمية لمساعدتها على بناء فهم أفضل حول كل واحد من عملائها، إلى جانب إعداد مخططات حول جميع تفاعلاتهم المحتملة. وتكتسب هذه الجهود أهمية مماثلة لجذب المستهلكين من أصحاب الإعاقة والحفاظ عليهم. ومن خلال دمج الجوانب الشخصية للأفراد ذوي التجارب المختلفة، يمكن لمطوري المنتجات الرقمية والمصممين إدراج قابلية الوصول ضمن تجربة العملاء منذ مراحل التصميم الأولى.
وفي مرحلة لاحقة، وعند الوصول إلى منتج أو خدمة رقمية قابلة للتطبيق بالحد الأدنى، فمن الممكن إجراء اختبار قابلية الوصول عليها لتحديد المشاكل المحتملة التي قد يواجهها المستهلكون. وينبغي أن تشمل هذه التقييمات كلًا من اختبارات المستخدم النهائي لأصحاب التجارب المختلفة واختبارات الرموز البرمجية، والتي تستفيد من أدوات أتمتة البرامج المصممة خصيصًا للبحث عن الأخطاء المحتملة في إرشادات الوصول إلى محتوى الويب. ويمكن أيضًا الاستفادة من خدمات الأطراف الثالثة وعقد الشراكات مع الباحثين لدعم هذه الجهود. وعلى سبيل المثال، تعاونت شركة "يونيليفر" مع جامعة كامبردج لتقييم مدى سهولة جمع المعلومات حول المنتجات، مثل الحجم أو النكهة، من خلال الاطلاع على صور المنتج المعروضة على شاشات الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية. وتسهم مجموعة الأدوات التي تم تطويرها استنادًا إلى هذه الجهود في مساعدة مصممي المواقع الإلكترونية على تقييم مدى الوضوح البصري للصور، واتخاذ الإجراءات في وقت مبكر لمساعدة المستخدمين الذين يعانون من ضعف البصر على تحديد المنتج الذي يبحثون عنه على شبكة الإنترنت بدقة وسهولة كبيرة. وتوصّلت "يونيليفر" إلى أن هذه الجهود ترتبط بشكل مباشر بزيادة المبيعات لمنتجات إحدى علاماتها التجارية العالمية، حيث أشار أحد اختبارات المقارنة إلى أن استخدام مجموعة من الصور الرئيسية التي تظهر على شاشات الهواتف المحمولة قد ساعد المستهلكين على بناء فهم واضح وسريع حول العروض المقدمة، ما أفضى إلى زيادة مبيعات المنتج بنسبة 24%. 8
وحتى أثناء مرحلة الاختبارات، يتعين على الشركات تخطيط وتتبع تجربة المستهلك المحتملة ضمن القنوات الرقمية وخارجها، لضمان توفير تجارب عملاء متكاملة وعالية الجودة. وتشمل قائمة النقاط التي يجب أخذها بعين الاعتبار ما يلي:
- ضمان قابلية الوصول في تجارب العملاء عبر تطبيقات الهواتف المحمولة والمواقع الإلكترونية. أشار أحد المشاركين في دراستنا البحثية من ألمانيا إلى أن تجربته في التعامل مع اثنين من البنوك تعتمد على القناة الرقمية التي يختارها؛ حيث نوّه إلى أن الموقع الإلكتروني لأحد هذين البنكين يمتاز بسهولة الوصول، ولكنه يواجه صعوبات في استخدام تطبيق الهواتف المحمولة لهذا البنك. بينما يمكنه استخدام تطبيق الهاتف المحمول للبنك الآخر (مع بعض المشكلات)، ولكن يصعب عليه تصفّح موقعه الإلكتروني باستخدام برنامج قارئ الشاشة.
-
إذا قام أحد الأشخاص بالتواصل مع خدمة العملاء للحصول على مساعدة تتعلق بالوصول الرقمي، فهل يمتلك فريق خدمة العملاء الموارد اللازمة لحل هذه المشكلة؟ أفاد أحد المشاركين في الدراسة البحثية من إيطاليا إلى أنه عند الاتصال بمراكز خدمة العملاء للحصول على المساعدة، لم يكن لدى الموظفين في معظم الأحيان مسارات واضحة لرفع الشكاوى حول المشكلات المتعلقة بقابلية الوصول، ولذلك لم تتم معالجة هذه المشكلات.
وأشار مشارك آخر من إيطاليا إلى تجربة استلامه لطلب خاطئ من إحدى الشركات المتخصصة بخدمات توصيل المأكولات عبر الإنترنت لأن النص حدد بشكل خاطئ لفافة السجق على أنها وجبة برجر. وعند قيام المستخدم بالتواصل مع خدمة توصيل الطعام، رفضت الشركة تصحيح الخطأ لأن نظامها يتطابق مع النص المعروض على الشاشة، حيث أشارت الشركة إلى أن المستخدم قد حصل على الوجبة التي طلبها.
الاعتماد على التصميم المشترك وعقد الشراكات
لطالما شكل التركيز على العملاء بالدرجة الأولى أحد المبادئ الأساسية لأفكار التصميم عند تطوير المنتجات والخدمات. ولكن تشير تجارب المشاركين في دراستنا البحثية إلى أنه غالبًا ما يتم تجاهل أصحاب التجارب الحياتية المختلفة عند القيام بتصميم وتطوير المنتجات والخدمات الرقمية التي يستخدمونها. وقال أحد المشاركين في البحث من ألمانيا: "إذا كانت هذه المنتجات والخدمات مصممة خصيصًا لنقوم باستخدامها، فيجب أن تكون مستوحاةً من واقعنا".
وقدمت مجموعة "إي إن جي" الهولندية متعددة الجنسيات، والمتخصصة بالخدمات المصرفية، مثالًا يُحتذى منذ عقد من الزمن عن النتائج الإيجابية التي يمكن تحقيقها من خلال مشاركة أصحاب الإعاقة في عمليات اتخاذ القرار. فقد أصبحت المجموعة أول شركة في القطاع تقوم بدمج ميزة المساعد الصوتي ضمن تطبيقها الخاص بالهواتف المحمولة وأجهزة الصراف الآلي التابعة لها، وذلك بفضل توجيهات الرئيس التنفيذي لشؤون المعلومات في المجموعة آنذاك، والذي كان يعاني من إعاقة بصرية. واستحوذت المجموعة بعد ذلك على ميزة المساعد الصوتي لتقوم بتشغيلها في جميع أجهزة الصراف الآلي التابعة للبنوك الكبرى في هولندا.
وبينما تعمل الفرق على تطوير منتجات وخدمات رقمية جديدة، فإن ضمان تحقيق المساواة في مشاركة أصحاب التجارب الحياتية المختلفة في عمليات التطوير يمكن أن يساعد المؤسسات على تقديم تجارب أفضل للعملاء، من خلال مشاركتهم كمصممين ومطورين واستشاريين. وعلى سبيل المثال، يعمل معهد علوم مراصد الفضاء (STScI) على إتاحة الصور المذهلة التي يلتقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي أمام الجميع. وبيّنت جهود التصميم المشترك أنه يتعين على المعهد إضافة المزيد من التفاصيل على وصف الصور لإضفاء مزيد من الحيوية عليها. ودفع ذلك فريق العمل لتوسيع نطاق أنظمة المعهد لتقديم توصيفات يبلغ عدد حروفها حوالي ألف حرف (بعد أن كانت 125 حرفًا فقط)، ما يتيح لهم تقديم معلومات تحدد على سبيل المثال الموقع النسبي والشكل والألوان المميزة لكل مجرة يتم رصدها.9
بناء ثقافة التحسين المستمر
تشهد المنصات الإلكترونية تغييرات كثيرة، ويتم تحديث محتوى المواقع الإلكترونية بشكل دائم. كما يتم تطوير القنوات الإلكترونية وابتكار طرق جديدة للوصول إلى المحتوى الرقمي. ولكن قد تؤدي هذه الأنشطة إلى الحد من القدرة على الوصول إلى التجارب الرقمية التي كان الوصول إليها ممكنًا في السابق. ويعلّق أحد المشاركين في البحث من ألمانيا هذه الفكرة بالقول: "تشابه إمكانية الوصول حالة القلاع الرملية التي يتعين علينا إعادة بنائها بشكل مستمر، وإلا ستجرفها أمواج البحر".
ويسهم بناء ثقافة التحسين المستمر في تطوير قدرات المطورين والمصممين، حتى يتمكنوا تلقائيًا من الكشف عن أي تغييرات في قابلية الوصول عند إجراء التحديثات. وبينما يمكن للفرق المتخصصة بقابلية الوصول تقديم إرشادات مهمة والمساهمة في دعم هذه الجهود، فإن معدلات التكرار العالية للتحديثات الرقمية تتطلب من المؤسسات العمل على تطوير مهارات الكوادر المتخصصة بالمنتجات بشكل منتظم.
وتتيح جهود صقل المهارات للمطورين والمصممين إمكانية بناء فهم واضح حول أهمية قابلية الوصول، واتباع أفضل الممارسات لتحقيقها. وتوفر أدوات المحاكاة البصرية في عمليات تدريب وتطوير مهارات المطورين والمصممين القدرة على تصوّر شكل التصاميم بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضعف في الرؤية أو المصابين بعمى الألوان. ويسهم توظيف المطورين والمصممين من أصحاب الإعاقة في دمج مفهوم الشمولية في التصميم وثقافة العمل ضمن الأسس التي تقوم عليها الشركة.
كما يساعد تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية المتعلقة بإمكانية الوصول في ضمان اتساق واستمرارية إمكانية الوصول في المنتجات والخدمات الرقمية بمرور الوقت.
ويمكن للمؤسسات توفير إرشادات لزيادة احتمالات تقديم تجارب رقمية شاملة من خلال الاستعانة بالأطراف الخارجية لتطوير قدرات رقمية جديدة. وعلى سبيل المثال، قامت "مايكروسوفت" بتطوير مجموعة أدوات للموردين (بما في ذلك المصممين، ومنشئي المحتوى، والمطورين، والمهندسين، ومدراء الفعاليات) تتضمن مقاطع فيديو، وكتيّبات إرشادية، وأنواع أخرى من المحتوى لمساعدتهم على تحقيق توقعاتهم. ومنذ قيامها بإطلاق مجموعة الأدوات الأصلية المخصصة للموردين، نجحت الشركة بتوسيع نطاق المحتوى، ونشر المواد الإرشادية على نطاق خارجي بما يتيح للجميع إمكانية الاستفادة منها.10
تتجلى القدرات الهائلة للتقنيات الرقمية في جميع المجالات. وقد ساعدت على جعل تنفيذ المهام اليومية أكثر سهولة بالنسبة للكثيرين، وتعزيز وصولهم إلى التعليم والسلع والخدمات وفرص العمل التي لم تكن متاحةً لهم في السابق. ولكن تُبيّن دراستنا البحثية بأنه ينبغي بذل المزيد من الجهد لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من التفاعل والتواصل بشكل كامل مع عالمنا الرقمي المعاصر. ولا تمثل هذه الجهود خطوة في الاتجاه الصحيح فحسب، وإنما تتيح للشركات التي تمنح الأولوية لتعزيز قدرات الوصول الرقمي إمكانية تحقيق مكاسب اقتصادية مهمة من خلال زيادة الثقة لدى العملاء، فضلًا عن توسيع قاعدة عملائها. وعلى الرغم من أن هذه الدراسة البحثية لا تقدّم جميع الحلول، إلا أنها توضح أن الأسس التي يقوم عليها التصميم الجيد - والتي تشمل التطوير المتكامل، والتصميم التعاوني، والتحسين المستمر - تشكل الركيزة التي يستند إليها التصميم الذي يمتاز بقابلية الوصول.