عصر جديد من التغيرات المؤسسية المتتابعة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

حصد فيلم "كل شيء.. كل مكان وفي نفس الوقت"، جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، هذا العام. ويعبر اسم هذا الفيلم عن حالة الارتباك التي يشعر بها الرؤساء التنفيذين حيال التغييرات الهائلة التي عصفت بمؤسساتهم، بدأ من العام الماضي ومرورا بالعام الحالي، وعلى الأرجح سوف تمتد إلى العام المقبل أيضًا.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

إن العالم يشهد تغييرات ذات تداعيات واسعة النطاق، طالت كافة الأنحاء والمنظومات وما يزيد الأمر تعقيداً هو أنها تحدث جميعها في نفس التوقيت. وكما هو الحال في فكرة الفيلم، أصبحت التغيرات سريعة الوتيرة ومربكة مما يتطلب إيجاد حلول مناسبة وإجابات لعدة أسئلة متعلقة بتنظيم الأعمال. وتتضمن هذه الأسئلة اختيارات مرتبطة بتحقيق التوازن الصحيح بين العمل من المكتب والعمل عن بُعد، في حقبة ما بعد الجائحة. كما يجب أيضاً الحفاظ على التوازن بين الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة والإنتاجية مع التركيز على إدارة المخاطر. كما أن هناك أيضاً تغيرات جديدة تستوجب تحديد استراتيجيات للتعامل مع الموظفين الفاقدين للشغف والموظفين الذين يميلون إلى فكرة العمل بشكل مستقل. كما يجب العمل على تطوير مهارات وثقافة الموظفين بنظم مؤسسية جديدة من شأنها أن تضيف ميزة تنافسية لمواكبة تلك التغيرات المتسارعة. وتعد هذه بعض الأمثلة للتغيرات التي نعرفها في الوقت الحاضر، ولكن ماذا عن تلك التغيرات التي يحملها لنا المستقبل؟

باختصار، نحن نعيش حقبة جديدة يمكن وصفها بعصر التغيرات المؤسسية المتلاحقة التي تتطلب اتباع استراتيجيات ومناهج جديدة للإدارة والتخلي عن المنهجيات القديمة، التي لا تتماشى مع الوضع الراهن بما يشهده من تعقيدات وحالة من عدم الاستقرار. فقد حان الوقت للمؤسسات للتحول من التنظيمات الهيكلية النمطية والأساليب الروتينية المعتادة إلى الاستراتيجيات الأكثر ديناميكية ومرونة لمواكبة التغيرات المتسارعة.

وتحدد الطريقة التي تختارها الشركات للتعامل مع التحولات المتسارعة مدى النجاح الذي يمكن تحقيقه. فبإمكانها اغتنام الفرص التي تحملها تلك التحولات في طياتها أو أن تثقل كاهلها بسبب التحديات الناتجة عن تلك التغيرات المتلاحقة. وتعد مثل هذه الأسئلة والخيارات محور اهتمام العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين يبحثون عن حلول فعالة.

وبهدف دعم الشركات لمواكبة التغيرات أصدرت ماكنزي تقريرها الأول بعنوان "بيان حالة الشركات "، والذي نُشر في أبريل 2023. واستعرض التقرير التحولات العشرة الأكثر أهمية لقادة الأعمال. وفي هذا المقال نسلط الضوء على تلك التحولات والمفاتيح الأربعة لتحيقي النجاح، التي يمكن أن تساعد الرؤساء التنفيذيين في تحديد الاستراتيجيات المناسبة. 1

المؤسسات تعرقل دورالرؤساء التنفيذيين

قمنا في ماكنزي بإجراء دراسة بحثية حول الاضطرابات التنظيمية الراهنة من خلال استطلاع للرأي شمل 2500 مشارك من قادة الأعمال في عدد من الدول عبر آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وكشف البحث أن ثلثي القادة يعتقدوا أن مؤسساتهم تتسم بالتعقيد الشديد وعدم الكفاءة، بينما أعرب نصف المشاركين فقط عن أن مؤسساتهم على أتم استعداد لمواكبة التغيير المطلوب. وأن الهياكل التنظيمية أصبحت تمثل عائق يحول دون تنفيذ الاستراتيجيات بدلاً من أن تساهم في إتمام المهام.

وفي إطار الاضطرابات المتلاحقة من مختلف الاتجاهات – سواء كانت متعلقة بسلاسل التوريد، أو ارتفاع معدلات التضخم، أو طفرات في أسعار الفائدة وأسعار الطاقة – تحتاج الشركات إلى أن تكون على أتم الاستعداد للعمل في ظل كافة السيناريوهات والاستفادة القصوى من تلك الازمات لتحقيق النمو والمضي قدماً بخطى ثابتة وطاقة متجددة ومستدامة وليس مجرد الخروج من الأزمات.

أدى تفشي جائحة فيروس كورونا إلى ظهور عدد من آليات العمل الجديدة التي تبنتها الشركات ومن أهمها اتباع سياسة "العمل عن بُعد" بما يحمل هذا النهج من فرص وتحديات. فمنذ تفشي الوباء، تبنت حوالي 90 في المئة من المؤسسات مجموعة من "نماذج العمل الهجينة" التي تجمع بين نظم العمل عن بُعد لفترات والعمل من داخل مقرالشركة لفترات أخرى، اعتمادًا على طبيعة عمل الموظفين. ولكن يثير هذا النهج أسئلة هامة حول كيفية توفير الدعم اللازم من قبل الشركات لكافة الموظفين بغض النظر عن أماكن تواجدهم وكيفية التعامل مع المخاطر المحتملة التي تهدد ثقافة الشركة والشعور بالانتماء، فضلاً عن إمكانية تعزيزالتعاون والابتكار في ظل "العمل عن بُعد".

كما ساهم وباء كورونا في تفاقم عدد من التحديات من بينها مشكلة عدم تطابق المهارات في سوق العمل، خاصة في ظل التحول التكنولوجي الذي يتطلب موظفين ذوي مهارات تقنية عالية. كما سلطت تداعيات الوباء الضوء على تحدي تحفيز الموظفين لتجنت مشكلة " التسريب الوظيفي الكبير" للمواهب الذي شهدته الكثير من الشركات، حيث يترك الموظفين وظائفهم أو يفقدوا الشغف، مما ينعكس سلباً على الجهد المبذول في العمل. كما ساهمت تداعيات الوباء في تأزم مشاكل الصحة العقلية للموظفين. ويعد أيضاً بناء القدرات المؤسسية، أمر بالغ الأهمية في ظل الزخم التكنولوجي، حيث تعلن العديد من الشركات عن رقمنة استراتيجياتها دون أن تمتلك بالضرورة القدرات المؤسسية المناسبة لدمج التقنيات المتطورة في آليات العمل.

4 مفاتيح للنجاح لدعم الرؤساء التنفيذيون

تؤثر التحولات المتداخلة التي تحدث في الوقت الراهن على عالم الأعمال بشكل كبير، مما يتطلب استجابة استراتيجية وعالية المستوى لتحديد آليات تنظيم العمل بما يتماشى مع المتغيرات المتلاحقة. لذلك، يجب على المديرين التنفيذيين التدخل بشكل سريع وفعال لضمان نجاح وتطور شركاتهم. وكشفت أبحاث "ماكنزي" أن استثمار الشركات في تعزيز بيئة العمل الصحية ودعم الموظفين وتطوير قدراتهم يؤتي بثماره على الأداء المالي للشركة.

في هذا المقال نسلط الضوء على أربعة مفاتيح رئيسية لدعم الرؤساء التنفيذيين للاستجابة إلى الاضطرابات التنظيمية من حولهم. وهذه المفاتيح تتمثل في الميزة التنافسية لعامل السرعة، وأهمية الاستفادة من التقنيات التكنولوجية لتعزيز القدرات البشرية، والتركيز على المواهب "المهمشة". بالإضافة إلى ضرورة التحول إلى أسلوب جديد للقيادة بما يتوافق مع متطلبات العصر الراهن.

الحاجة الملحة لتسريع وتيرة العمل

يعد عامل السرعة مفتاح رئيسي لتحقيق النجاح والنهج الأمثل للاستجابة إلى التغيرات المتسارعة. 2 ولقد قامت "ماكنزي" بإجراء مقارنة بين أداء الشركات التي تعمل بوتيرة سريعة مع نظيراتها من الشركات التي تفتقد لعنصر السرعة. وكشفت الدراسة أن الشركات التي تتبع منهجية العمل بوتيرة أسرع تتميز بمرونة تشغيلية أعلى بمعدل 2.1 مرة، وأداء مالي أفضل بمعدل 2.5 مرة. كما تسجل معدلات نمو أعلى بمعدل 3.0 مرة، ومستويات ابتكار أعلى بمعدل 4.8 مرة. 3وتعتبر "أمازون" خير مثال للشركات التي تنتهج السرعة كأحد الدعائم الرئيسية لتحقيق النجاح، حيث تعتمد على سرعة اتخاذ القرارات وفقاً للتقارير الوجيزة التي تستعرض المعلومات المطلوبة بشكل فعال. كما تستند الشركة إلى فرق عمل صغيرة تتمتع باستقلالية كبيرة لتعزيز استراتيجية السرعة لتحقيق النمو.

ويتطلب العمل بوتيرة سريعة ضرورة تمكين العاملين على الخطوط الأمامية في الشركة من اتخاذ القرارات، والحد من التعقيد الناتج عن الأشكال النمطية من التسلسلات الهرمية بهدف دعم التفاعل وإزلة الحواجز بين الإدارة العليا والموظفين. ويمكن اتباع هذا النهج من خلال عدد من الآليات منها تشكيل فرق عمل صغيرة متعددة التخصصات تسعى إلى تحقيق مهامهم الخاصة بكفاءة (والحصول على ميزانية لها). كما يجب أيضاً تعزيز الشفافية بشأن السلطات المتعلقة باتخاذ القرارات والاعتماد على أمثلة ونماذج ملهمة تجسد الأفكار البناءة بطريقة هادفة وواضحة. بالإضافة إلى تطبيق استراتيجية تتماشى مع سياسة التغيير وتتجنب إهدار الوقت من خلال تقليص عدد الاجتماعات والفعاليات والسفر غير الضرورية للسماح للموظفين بالتركيز على الأمور الأساسية والفارقة فقط. وتعمل الشركات الرائدة، مثل "أليانز" و"هاير" و"مايكروسوفت" و" نوكور"، على هيكلة نظام العمل لتتميز بشبكات تعاونية من فرق الإدارة الذاتية، التي تعمل في دورات سريعة وتركز على خلق قيمة مضافة للأطراف المعنية وأصحاب المصلحة. 4

والسرعة في اتخاذ القرارات وإدارة الشركات بشكل عام، ليست هي الغاية في حد ذاتها، ولكنها أحد أهم الركائز الأساسية لتحقيق النتائج النهائية المرجوة. والسؤال الرئيسي الذي يجب طرحه هو ما هي الفرص المتاحة للنمو والتحديات التي يجب تحديدها لتحقيق القيمة المضافة المرجوة؟ فقد يكمن التحدي في مشكلة غياب روح التعاون بين الأقسام الوظيفية المختلفة الذين يعملون بمعزل عن الآخرين. ويمكن أن تكمن المشكلة في اتباع أنظمة سحابية غير متوافقة، أو وجود إجراءات روتينية معقدة لعمليات الإدارة، وغيرها من التحديات المحتملة الأخرى. ويعتمد إصلاح هذه المشكلات على ما إذا كان نموذج العمل الحالي يحتاج إلى بعض التعديلات البسيطة لضبط المنظومة أو إعادة هيكلة شاملة. ويجب أن يستند الرؤساء التنفيذيون إلى منهجية أكثر شمولاً لضمان توافق كافة عناصر المنظمة، والتي تشمل - الاستراتيجية، والهياكل الوظيفية، بالإضافة إلى الإجراءات الإدارية، والموارد البشرية، والتكنولوجيا المتطورة. بعبارة أخرى، يجب أن يبتكروا استراتيجية تنظيمية جديدة وبسرعة. ومن خلال خبراتنا، يحتاج التحول الأكثر نجاحاً لنماذج العمل التشغيلية أقل من 18 شهرًا لإكمال مراحله الرئيسية.

الموارد البشرية والأتمتة: دور التكنولوجيا في صقل القدرات البشرية

منذ أن أحدثت شركة "أوبن إيه آي" مؤخراً ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي بإطلاق منصة " تشات جي بي تي"، جذب هذا المجال اهتمام عالم الأعمال في كافة الاجتماعات ومخططات العمل. حيث يتمتع " تشات جي بي تي" وبرامج المحادثات المشابهة -المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التوليدي – بقدراتها الهائلة على البحث في كميات ضخمة من البيانات لتوليد المحتوى المطلوب استجابةً لطلب المستخدم. أما بالنسبة للشركات فمن الممكن أن تستعين بهذه التطبيقات في مجال التسويق عن طريق كتابة محتوى متخصص، هذا بالإضافة إلى المحتوى الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي، والمبيعات في مجالات تقنية مختلفة. كما يمكن الاعتماد على هذه البرامج في إنشاء قوائم مهام فعالة للوصول إلى أهداف محددة. ويمكن أيضاً الاستعانة بهذه المنصات في الأمور المتعلقة بالشئون القانونية وإدارة المخاطر حيث يمكنها الرد على الأسئلة المتخصصة من خلال الاستعانة بكميات هائلة من الوثائق القانونية. 5

ويمكن أن يستحوذ -الذكاء الاصطناعي التوليدي- على بعض الوظائف عن طريق محاكاة السلوك البشري، حيث يمكنه أن يتولى العديد من المهام التي يقوم بها البشر. ولكن، يمكن تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي عندما يندمج مع المدخلات البشرية، مما يساهم في صقل قدرات الأشخاص وتمكينهم من إنجاز العمل بشكل أسرع وأفضل. وبات هذا الاندماج بين الذكاء الاصطناعي والمجهود البشري هو الغاية الأهم والسبيل الأمثل لتحقيق النجاح على مدى مئات السنين الماضية، منذ اختراع المحرك البخاري وصولاً إلى تطوير الحاسوب الشخصي.

وفي ظل هذا التطور التكنولوجي أصبح التغيير في إدارة المنظمات ضرورة ملحة للاستفادة من إمكانات التكنولوجيا ومواكبة التغيرات المتسارعة. ولطالما لعب الذكاء الاصطناعي دور فعال لتعزيز مؤسسات العمل، وذلك حتى قبل ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي. لقد قامت بعض الشركات بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي للعثور على المواهب المناسبة للشركة على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بمقارنة مهارات وخبرات الموظفين المرشحين مع متطلبات الوظائف الشاغرة لضمان توظيف الأشخاص أصحاب المهارات المناسبة. كما يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين طرق وآليات العمل بشكل فعال، حيث تستطيع النظم الرقمية المتكاملة أن تقوم بإدارة وإعداد الميزانيات، والفواتير، وتتبع الوقت، وجدولة الاجتماعات - أو حتى طلب وجبة غداء للموظفين عند استخدامهم لنظام البصمة فور الوصول إلى مقر العمل.

ومع كافة هذه الجهود يبقى السؤال الرئيسي الذي يحتاج إلى إجابة: ما الذي نحتاجه لتضمين الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة في ثقافة الشركات والاستفادة منها؟ والإجابة أن الأمر يتطلب تعزيز ثقافة التعلم والتطوير المستدامة، حيث تحتاج المنظمات إلى الاعتماد على استراتيجيات مرنة تسمح بإعادة تصميم الأدوار وتعديل مهام القوى العاملة بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من تطور التقنيات التكنولوجية. وخير دليل على ذلك هو أن الشركات التي سجلت أعلى عائدات جراء استخدام الذكاء الاصطناعي، هي التي اعتمدت على مجموعة متنوعة من برامج بناء القدرات مثل برامج التعليم العملية، والدورات التدريبية عبر الإنترنت وبرامج تنمية المهارات التقنية لموظفين الفنيين بمعدل ثلاث مرات أكثر من الشركات الأخرى.

التركيز على المواهب "المُهمشة"

سلط تقرير "بيان حالة الشركات في العام 2023" الضوء على عدد من التحولات التي طرأت على المؤسسات، من أهمها التغيرات المتعلقة بمواهب وقدرات العاملين، والتي استحوذت على حوالي ثلثي التقرير. ويؤكد هذا الأهمية القصوى لأصحاب المهارات المتميزة، حيث يمثل غياب الكفاءات المطلوبة والمحفزات المناسبة عبء كبير على كاهل الشركة، وقد يتسبب في فشل الأطر التنظيمية الحديثة التي تتبعها المؤسسة. ويعد التركيز المستمر على جذب أصحاب المهارات وتنمية قدراتهم بشكل مستمر، هو السبيل الوحيد لرأب الفجوة الهائلة بين القدرات البشرية وما تتطلبه الطفرات الهائلة في التكنولوجيا الحديثة، وتأكيداً على ذلك، أعرب 5 في المائة فقط من المشاركين في استطلاع الرأي الذي أجرته ماكنزي أن مؤسساتهم تمتلك موظفين لديهم القدرات المطلوبة لتحقيق النجاح.

وتتمحور الكثير من المؤلفات حول تنمية قدرات الموظفين ذوي الإمكانات العالية وموظفي الخطوط الأمامية. ولكن يجب الانتباه وعدم تهميش الموظفين أصحاب الرغبة في تطوير مهاراتهم الضعيفة، وخاصة في الإدارة الوسطى، حيث يحتاجون إلى التحفيز الدائم.

ولتعزيز المحفزات في الشركة بوجه عام، لا يجب أن ينصب تركيز الرؤساء التنفيذيين والإدارة على دعم وتحفيز الموظفين أصحاب المهارات العالية فقط؛ بل سيحتاجون إلى توسيع نطاق اهتمامهم ليشمل جميع الموظفين، مما يستوجب إعادة تقييم المحفزات وتعزيز آليات الدعم المختلفة، التي توفرها الشركة لتتماشى مع متطلبات وقدرات كل موظف في كافة أقسام الشركة ومختلف المراكز الوظيفية، وخاصة مدراء الإدارة الوسطى. وتشمل المحفزات وآليات الدعم، تبني الشركة قيم محددة وثقافة متميزة وتأثيرها الإيجابي على المجتمع. هذا بالإضافة إلى أهمية الرؤية والقيادة الناجحة. حيث يهتم كافة الموظفين بالحصول على وظيفة جيدة تضمن توفير فرص للتعلم وتطوير مهاراتهم، وتحقق مكاسب مجدية وتقدم المحفزات اللازمة للاحتفاء بالإنجازات المحققة أو الأداء المتميز. وعلى سبيل المثال تسمح شركة "ليجو" الدنماركية للألعاب لكافة العاملين بها، بدأً من عمال المصنع وصولاً إلى المديرين التنفيذيين بالحصول على "إجازة أبوة" مدتها 26 أسبوعًا. ويمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز أنظمة المحفزات الفعالة، حيث تمكن قادة الأعمال من التعرف على سلوك موظفيهم لتحديد الموظفين الراغبين في المغادرة عن طريق استخدام أدوات التحليل المتقدمة والبيانات المنتظمة، ومن ثَم، تصميم استراتيجيات مخصصة بهدف الحفاظ على هذه الكفاءات.

نمط جديد لقيادة الأعمال

توجد تعريفات مختلفة لمفهوم "القائد". فعادةً ما تطلق الشركات الكبرى مثل شركة "ديكاتلون" العالمية لمستلزمات الألعاب الرياضية أو شركة "مارس" الأمريكية لإنتاج السلع الاستهلاكية لقب القائد على من يقوم بتنفيذ المبادرات الفعالة. بينما تتغير معايير القيادة في الشركات الأخرى التي اعتادت على تبنى المفاهيم التقليدية للقائد حيث أصبحت أكثر مرونة حالياً. فيحتاج القادة في عصرنا هذا إلى التطور لما هو أبعد من كونهم مديرين يسعون إلى تحسن تدريجي ليصبحوا أصحاب رؤى يتمتعون بالشجاعة لصياغة أهداف طموحة وتخيل المستقبل بجرأة والسعي لتحقيق هذه الرؤية.أصبحت المصداقية والسمات الشخصية الجيدة جزأ رئيسياً للإدارة في ظل عصرنا الحالي. وبات ضرورياً أن يتجاوز قادة العمل هويتهم الوظيفية وأن يقوموا بالتعامل مع الموظفين وفقا لصفاتهم البشرية. كما تراجع نمط الهياكل الهرمية المنعزلة لتحل محلها شبكات من الفرق المستقلة التي تعمل معًا بشفافية وثقة وتعاون، بما يوفر للشركات بنية تنظيمية أكثر قدرة على التكيف. وأصبح التفكير الاستراتيجي والتواصل الاجتماعي أهم أسباب النجاح وكلمات السر الجديدة للإدارة الرشيدة في عصر التحولات. 6 فعلى سبيل المثال، استعانت شركة مارس بالمديرين المبتدئين من الشباب لتجديد قسم رعاية الحيوانات الأليفة، حيث طلبت منهم المساعدة من خلال تقديم رؤيتهم لتطوير مستقبل المنظمة. وفي هذا السياق قال الرئيس التنفيذي للشركة "بول ويهراوخ": "لم يعد المخطط التنظيمي لخمسينيات القرن التاسع عشر مناسباً في الوقت الراهن فلقد كان يتمحور حول الهيكل الهرمي للمؤسسات بينما نحن بحاجة في الوقت الراهن للتركيز على بناء المجتمعات بدلاً من اتباع الأنماط التقليدية لقيادة الشركات"

يجب أن تتسم القيادة المتميزة بالمرونة لتتناسب مع كافة الأنماط الشخصية للموظفين. ويستوجب على المؤسسات أن تقوم بتمكين القادة والموظفين على حد سواء من خلال توفير فرص متساوية لاستكشاف التغييرات المقترحة ودراسة نتائجها المرجوة وتأثيرها على سلوكهم. وعلى سبيل المثال، تمتلك شركة "ليجو" نموذج محاكاة للقيادة يسمي ب"ساحة القيادة" لضمان إتاحة الفرصة لكافة العاملين للتعبير عن آرائهم والمساهمة بمقترحاتهم، مما يعزز من شعورهم بالتقدير والانتماء. وفي ظل هذه التوجهات يمكن لأي شخص التطوع لقيادة المجموعات بهدف تحقيق أهداف متعلقة بصحة الموظفين، ورفاهيتهم، وتعزيز الابتكار، والإبداع. أخيرًا، يعد التقييم الذاتي أداة مهمة جداً حيث يحتاج القادة إلى إجراء استطلاع رأي العاملين حول "ماذا فعلنا - وماذا يجب فعله - لخلق بيئة العمل المناسبة، وما هو دورنا في تغييرها؟"

ومازال هناك الكثير من الأمور التي علينا توقعها وتحليلها في ظل هذا العصر من التغيرات المتلاحقة تحت شعار "كل شيء.. كل مكان وفي نفس الوقت". ولن يحصد الرؤساء التنفيذيون أي جوائز للأوسكار لإدارة هذه التحولات، ولكن بإمكانهم تطوير شركتهم عن طريق تسريع وتيرة العمل، وتعظيم دور التكنولوجيا وتنمية القدرات البشرية وتعزيز القيادة لضمان تحقيق المرونة ومواكبة كافة التحولات المُحتملة التي يحملها لنا المستقبل.

Explore a career with us