التعرف على خصائص جيل الألفية من أماكن تسوقهم: تحديد معالم مستقبل مراكز التسوّق

| مقالة

أصبحت التكنولوجيا الرقمية تسهم في تحول أساليب الحياة حول العالم وتغيير أسلوب حياتنا وعملنا وطرق تسوّقنا وتناولنا للطعام ولعبنا وتعلمنا. وبالتالي، يجب على مطوري العقارات توفير وسائل جديدة لتلبية هذه الاحتياجات.

يعتبر مركز التسوّق أحد الأمثلة على هذا التغيير، إذ أنها تشكل جزءًا جوهريًا من المجتمعات في الكثير من المدن سواءً في العالم المتقدم أو النامي. لكن تبني المستهلكين للتقنيات الرقمية يفرض على المطورين تغيير آلية عمل مركز التسوق التقليدي للتكيف مع هذا التوجه الرقمي في سلوكهم.

نطرح في هذه المقالة خمسة اتجاهات للمستهلكين التي ستحدد ملامح مستقبل مراكز التسوق.

وسائل الترفيه

يعطي العديد ممن ينتمون إلى جيل الألفية، الذي يتألف من الأشخاص البالغين المولودين في بداية الثمانينات من القرن الماضي وما بعد، الأولوية للإنفاق على التجارب متعددة الحواس أكثر من ملكية المنتج. فهم يفضلون الحصول على المتعة الفورية من وسائل الترفيه وينجذبون إلى الإعلام والألعاب والتجارب التي يشتركون فيها اجتماعيًا. ويستخدم نصف جيل الألفية ألعاب الفيديو عبر الإنترنت بانتظام (مقابل 30 بالمائة من الجيل السابق)؛ وأربعة من بين كل عشر أشخاص يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية لتسجيل تجربتهم بعد استخدام أي منتج. وبالمقابل، ينظر الجيل السابق من المستهلكين، وهم أولئك الذين ولدوا من منتصف الستينات إلى أوائل الثمانينات، إلى التجارب الرقمية من زاوية مختلفة، إذ تستخدم هذه الشريحة مثلًا المحتوى الرقمي الترفيهي على نحو متزايد كأداة تعليمية مدعومة بتكنولوجيا ذكية وشبكة إنترنت متنامية ومتصلة عالميًا.

وسيكون تلبية احتياجات هذه الفئات في إطار الاستجابة للتقنيات سريعة التطور، مثل الواقع الافتراضي وتجارب المشاركة، مفتاحًا لتوفير وسائل ترفيه ناجحة.

يفرض هذا التحول الجذري في العروض الترفيهية التقليدية تداعيات خطيرةً على قطاع العقارات، وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن استخدامها للتعامل مع هذا التحوّل:

  • إعادة تخطيط الأماكن العامة كمساحة للترفيه. وقد يعني ذلك دمج التجربة المجتمعية في المجال العام عبر المحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي وعرض نماذج جديدة لمشاركة المحتوى المقدم من المستخدم.وبالتالي، ستُتيح التكنولوجيا الفرصة للفعاليات العامة بأن تصبح تجارب تشاركية ذات جاذبية متعددة الحواس، ما يُسهم في زيادة عدد الزوار وربط المساحة الفعلية مع العالم الافتراضي. فيتحول الاشتراك في مثل هذه التجارب ومشاركتها إلى عملة اجتماعية لجيل الألفية، ما يشجعهم على تكرار هذه التجارب.
  • العمل مع التربويين لتوفير فرص تعلّم جديدة عن طريق ”التعليم الترفيهي“. وتشمل الأماكن المحتملة لتقديم هذا النوع من الفرص التعلمية المتاحف والمسارح، والتي يمكن إعادة تصميمها لتجمع بين أنشطة التعليم والاستكشاف والترفيه، علمًا أن بعض المراكز الرئيسية بدأت بالنظر في تصميم مناطق كاملة يُمكن ”تعديلها واللعب فيها“.
  • إعادة تصميم المراكز الترفيهية، مثل صالات السينما والحدائق ومدن الملاهي وصالات الألعاب لتكون تجارب تفاعلية مع محتوى الواقع الافتراضي وتجارب غامرة يصبح العميل فيها جزءًا من القصة.

المأكولات والمشروبات

”طعام هو الصرعة الجديدة“ هو الشعار الذي يزداد تأثيره في توجيه عملية تطوير هذا القطاع. ويعكس هذا التعبير مفهوم اعتبار الطعام صرعة سائدة لها قوتها في مجال بيع التجزئة والسفر، ومن الأمثلة على هذا، التوجه سريع النمو نحو الطعام الصحي، وذلك بسبب الخيارات التي يفضلها جيل الألفية والسياسات الحكومية الهادفة للحد من السمنة. وهناك ازدياد كبير في المنصات الرقمية التي تركز على المواد الغذائية التي ترصد قراءة المستهلكين بشكل روتيني لتعليقات الزوار عبر الإنترنت قبل اختيار المطاعم أو طلب الوجبات من خلال منصات توصيل الطعام الإلكترونية.

هل ترغب بمعرفة المزيد حول ممارسات ماكنزي في مجال المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية?

فمن ناحية، تُحسّن مطاعم الخدمة السريعة مستوى خدماتها من خلال التغييرات التي تحدثها في الأثاث والتكنولوجيا، بينما تتحول مطاعم الوجبات معتدلة التكلفة إلى شكلين: مطاعم الوجبات السريعة التقليدية، ومطاعم الوجبات السريعة الفاخرة. ومن ناحية أخرى، أصبحت المطاعم الراقية تتبنى مفاهيم جديدة ومتخصصة، مثل التجارب متعددة الحواس، ويُكيف هذا القطاع نفسه لتوفير أنواع منخفضة التكلفة من الطعام.

واستجابة لذلك، يحرص مطورو العقارات على إنشاء المزيد من المطاعم ضمن مناطق متاجر التجزئة، والفكرة هنا هي إيجاد ”نقاط توقف“ من أجل جذب المتسوقين على تذوق وجبات هذه المطاعم. ويشير خبراء العقارات إلى أن إجمالي مساحة المنطقة القابلة للتأجير والمخصصة للمطاعم والمقاهي في مراكز التسوق قد ترتفع إلى نحو 25 بالمائة بحلول عام 2020 مقارنة بنسبة 10 بالمائة الحالية. ومن الاستراتيجيات الممكن تطبيقها ما يلي:

  • استخدام التكنولوجيا، مثل الطلب الذاتي، وتوفير خيارات صحية أكثر للأكل بما يعيد تحديد مفهوم مطاعم الوجبات السريعة التقليدية والمطاعم معتدلة التكلفة.
  • توفير خيارات جديدة ”للمطاعم التجريبية“ التي توفر المزيد من الترفيه للمستهلكين. ومن الأمثلة على ذلك المساحات المخصصة للمطاعم التي تقدم أطباقًا ذات منتجات طازجة (من المزرعة إلى المائدة)، وقاعات المأكولات الراقية، والمرافق المخصصة لتناول الطعام وفق مفهوم ”اطّبخ طعامك بنفسك“.
  • مشاهدة الطعام كصالة عرض، وذلك باستخدام المساحات القابلة لإعادة التشكيل ومفاهيم تناوب الطهاة في المطاعم مثلا تقديم فرص لقاءات المستهلكين مع المشاهير من الطهاة.

قطاع التجزئة

يرغب مستهلكو جيل الألفية أن يستمتعوا بتجربة تسوق متكاملة إلى جانب شراء المنتجات. ويأتي ارتفاع الطلب على دروس الطبخ ودورات الصحة واللياقة ودروس الماكياج كدليل أن تجار التجزئة وصناع الملابس الرياضية وشركات الإلكترونيات باتوا يغيرون منتجاتهم وطريقة عرضهم لها. ويتساءل مسؤولو مراكز التسوق ومتاجر التجزئة الكبرى التقليدية على وجه التحديد عن إمكانية وكيفية تبني التسوق الإلكتروني.

فالخيار التقليدي للمتجر متعدد الأقسام يقلّل من عدد زوار المراكز التجارية نظرًا لتوجه المستهلكين للتسوّق عبر الإنترنت. وفي ظل توفير التسوّق الإلكتروني لعددٍ كبير من السلع، بدأ المستهلكون يفضّلون المحلات ذات المنتجات المختارة، بينما شكّلت المتاجر المؤقتة (Pop up) التي تعرض منتجات مميزة لفترة قصيرة استجابة كبيرة لهذا التغيير في طريقة التسوّق، علمًا أن عدد هذه المتاجر يتزايد في مجموعة متنوعة من الأسواق. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، سجلت هذه المتاجر ما يُقدَر بـ 2.3 مليار جنيه استرليني من المبيعات في عام 2015، أي بزيادة 12 بالمائة مقارنة مع العام السابق.

  • ولتلبية احتياجات هذه البيئة المتغيرة، على مطوري العقارات مراعاة ما يلي:
  • تجربة مفاهيم جديدة من تجارة التجزئة المتخصصة مثل واجهات المحلات الدوارة، والمتاجر المؤقتة (pop-up)، ومساحة مخصصة للعلامات التجارية ”العالمية التي أصبحت محلية“، وأماكن عرض المنتجات للمتسوقين عبر الإنترنت، وهذا يوفر خليطًا مميزًا من المستأجرين في المركز التجاري. وربما لا يحقق ذلك أقصى حد من عوائد التأجير لكل قدم مربع، لكنه سيزيد من الحماس حول المنتج وسيحقق زيادة في عدد الزوار.
  • تحويل مساحات التجزئة الثابتة إلى مناطق عمل تشاركية تتسم بالمرونة ويُمكن إعادة تشكيلها حسب حاجة تجار التجزئة الآخرين وأن تكون أكثر جاذبية للشركات الناشئة ومستهلكي جيل الألفية. ومن الأمثلة على ذلك، إنشاء مركز سان فرانسيسكو التجاري مساحة عمل تشاركية استقبلت أكثر من 20 مليون متسوّق في المركز.
  • تخصيص مساحات قابلة لإعادة التشكيل في أروقة مركز التسوق وساحات لاستضافة المتاجر المؤقتة (pop-up) لإطلاق المنتجات والعروض الموسمية.

مستقبل مراكز التسوق

وسائل النقل

يعتبر الدخول والخروج من المركز التجاري جزء مهم من تجربة التسوق- إذ كثيرًا ما تكون هذه العملية مزعجة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمواقف السيارات والسلامة والراحة. وفيما يلي بعض التدابير التي يُمكن لمطوري العقارات اتخاذها لتحسين هذا الجزء من تجربة التسوّق:

  • مواقف السيارات القائمة على التكنولوجيا، بما في ذلك استخدام مواقف السيارات الآلية لتقديم خدمة ”الميل الأخير“ التي تساهم في تأمين نقل أصحاب السيارات من موقف السيارات إلى وجهاتهم، وزيادة عدد المواقف المتاحة للسيارات.
  • إعادة تصميم مواقف السيارات لتشمل مناطق مخصصة لطلب سيارة الأجرة عبر الإنترنت، ومواقف اقتصادية مشتركة، ومحطات الشحن السريع للسيارات الكهربائية.
  • تجهيز أماكن لمواقف السيارات تحت الأرض بحيث يمكن تحويلها إلى مساحات لمتاجر التجزئة أو مساحات تجارية في المستقبل، إذ أن المركبات ذاتية القيادة سوف تُقلل تدريجيًا الحاجة لركن السيارات الخاصة.

التكنولوجيا

بحلول عام 2017، سيُشكل جيل الألفية أكبر نسبة من المتسوقين عبر الإنترنت، وسيكون لديهم قوة شرائية أكبر من أي جيل آخر على الإطلاق. ويقول سبعة تقريبًا من بين كل عشر أشخاص من هذا الجيل بأنهم يتأثرون بما ينشره أصدقاؤهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما يقول 83 بالمائة منهم أنهم يثقون بالتوصيات التي يقدمها الأصدقاء وأفراد العائلة حول المنتجات، كما أنهم يعتمدون على توصيات أقرانهم، ويبحثون بشكل متزايد عن المنتجات على الإنترنت قبل الخروج للتسوق. لكنهم بنفس الوقت أعربوا عن رغبتهم المستمرة في لمس المنتجات وإحساسها والاطلاع عليها قبل شرائها. وبالتالي هناك حاجة لإيجاد رابط سلس بين التسوق الإلكتروني والتسوق من المتاجر. وهناك العديد من الابتكارات القائمة على التكنولوجيا التي يمكن أخذها بعين الاعتبار:

  • توفير نماذج تسوّق ”افتراضية- حقيقية“ لتقديم تجربة شراء أكثر تفاعلية للمستهلكين، على سبيل المثال، من خلال استخدام لوحات التصفح عن طريق اللمس، وغرف القياس الافتراضية، والمرايا السحرية، ومناطق تعزيز الواقع.
  • دمج تجارة التجزئة عن طريق الإنترنت والمتاجر باستخدام تكنولوجيا ”التسوق الاجتماعي“ مع شاشات رقمية في مناطق وصول وسائل النقل، والساحات، وواجهات المتاجر، والتقاطعات الرئيسية من منطقة التسوق. ويمكن أن تساعد هذه التكنولوجيا المستهلكين في العثور على المنتجات التي يبحثون عنها وقراءة التعليقات حولها ومن ثم توجيههم إلى أماكن الشراء.
  • استخدام الهواتف الذكية للدفع الإلكتروني وخدمات النقر والتحصيل للمساعدة في الدمج بين تجربة التسوق الإلكتروني والتسوق من المتاجر، بينما تعمل مجموعة من أكبر مشغلي مراكز التسوق في الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا مع شركاء لتقدم خدمة التوصيل في نفس اليوم إلى المتسوقين.

تشكل التقنيات الرقمية وتغيير عادات التسوق تهديدًا واضحًا لنماذج الأعمال التجارية التقليدية في مجال بيع التجزئة، لكن هناك طرق إيجابية لمواكبة هذه الاتجاهات. ولتقبل هذه الفرص والاستفادة منها، يجب على مطوري العقارات فهم طريقة تفكير المستهلكين ومعرفة كيفية تلبية رغباتهم وحاجاتهم المتطورة، وهذا يعني إعادة النظر في دور مركز التسوق، وتكييف نقاط قوته مع تلك الخاصة بالعالم الافتراضي.

Explore a career with us