بات توافر الخدمات العامة الرقمية ضرورة ملحة بعد أن أسهم القطاع الخاص في الارتقاء بمستوى تجربة العملاء، وبات متوقعاً من الحكومات مواكبة هذا التطور، إلا أن هذه المسألة ترتبط في كثير من الأحيان بثقة الأفراد في حكوماتهم، وقد تبين أن المواطنين الذين يشعرون بالرضا عن الخدمات العامة أكثر ميلاً إلى الثقة في أداء الحكومات إجمالاً بمقدار 9 أضعاف مقارنة بغيرهم.1 وبالحديث عن الفوائد الأخرى التي يمكننا إدراك أهميتها (شكل 1)، يُلاحَظ أن المكاتب الرقمية مفتوحة للجمهور على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتستمر في تقديم خدماتها حتى في أثناء أزمات الصحة العامة، مثل جائحة ”كوفيد - 19 “،على عكس المكاتب التقليدية، كما أن المعاملات الرقمية لا تستهلك وقتاً طويلاً وتقلل من العبء الإداري على الشركات، ما يسهم في دعم قطاع الأعمال في ظل تعافي الاقتصادات من تداعيات جائحة “كوفيد - 19 ”.2 علاوة على ذلك، فإن أتمتة معالجة الحالات تعمل على تعزيز الإنتاجية بدرجة كبيرة، وتقليل الأعمال المتراكمة وتحرير الموارد وتوجيهها للأولويات الأخرى، وهي ميزة أخرى شهدناها في أعقاب جائحة ”كوفيد - 19 “ حينما كانت السرعة والمرونة لتقديم الخدمات الحيوية (مثل إعانات البطالة والخدمات الطبية) أمراً بالغ الأهمية.3 كما يستفيد موظفو القطاع العام من الرقمنة، حيث تقل المهمات المتكررة الموكلة إليهم ويزداد رضا المواطنين، وهو ما يفسح المجال لمستويات أعلى من الرضا الوظيفي.
وعلى الرغم من تجلي مزايا الرقمنة، يظل الحديث عن إحراز تقدم ملموس أسهل من تطبيقه على أرض الواقع، فمن أجل توفير تجربة سلسة للعملاء، يتعين على الحكومات إجراء تحول شامل في الإدارة العامة، وإن كان ذلك يمثل تحدياً هائلاً، ولكنهم قادرون على تخطيه لا محالة.
الرقمنة باعتبارها تحدياً لكافة القطاعات الحكومية
ربما يكون إتمام الخدمات العامة أمراً محيراً، وفي أغلب الأحيان تُعرَض المعلومات الخاصة بكيفية الوصول إلى الخدمات بلغة بيروقراطية يصعب فهمها، ويجب على المستخدمين زيارة العديد من المكاتب أو المواقع الإلكترونية المختلفة الخاصة بكل خدمة. وعادة ما تقتضي الطلبات المقدمة أيضاً إرفاق نسخ من الوثائق الثبوتية المطبوعة والممهورة بعدد من التوقيعات، والعديد من النماذج عبر الإنترنت لا تقل تعقيداً عن النسخ الورقية. هذا بالإضافة إلى تفاوت تجربة المستخدم عبر المواقع الإلكترونية الحكومية، وغالباً ما يحتاج المستخدمون إلى حسابات وهويات رقمية متعددة لإتمام طلباتهم.
يقف كل ذلك في تناقض صارخ مع التوقعات، ففي كثير من الأحيان، يعجز الأفراد عن إدراك سبب زيادة تعقيد الخدمات العامة مقارنة بالتسوق عبر الإنترنت، ويطمحون للوصول للخدمات المطلوبة على وجه السرعة، ويرغبون في توافر المعلومات بلغة واضحة وبسيطة ويتوقعون إتمام جميع المعاملات عبر القنوات الرقمية بصورة مثالية من خلال خوض جولة رقمية واحدة. فعلى سبيل المثال، يستطيع الوالدان اللذان رُزقا بمولود للتو استخراج شهادة ميلاد، والتقدم للحصول على استحقاقات الطفل، والتسجيل للحصول على إجازة الرعاية، والوصول إلى الخدمات الأخرى ذات الصلة من خلال إجراء واحد بسيط بدلاً من عملية التواصل مع جهات متعددة، ولجوء الفرد لإنجازها بنفسه، واضطراره لمشاركة المعلومات ذاتها عدة مرات.
تستطيع الحكومات توفير تجربة سلسة للمستخدم من خلال دمج القنوات الرقمية، فبدلاً من اضطرار المستخدمين إلى زيارة العديد من التطبيقات أو المواقع الإلكترونية، يمكنهم التنقل والوصول إلى المعلومات والخدمات الحياتية أو الخاصة بالعمل في مكان واحد (ما يجعل عمليات البحث على الإنترنت أيسر). ويسهم تكرار استخدام الحل ذاته في معاملات الخدمة، مثل إثبات الهوية أو إتمام الدفع، في مساعدة المستخدمين في التعرف على العملية وتعزيز استخدام الأجهزة أو التطبيقات المطلوبة على نطاق واسع. علاوة على ذلك، يمكن أن يسهم الشكل والمظهر المترابط لعرض الخدمات العامة في زيادة ثقة المستخدم في العلامة التجارية الرقمية للحكومة (شكل 2).
ولكن يظل تنفيذ هذه الرؤية أمراً شاقاً، فعادةً ما تتولى مؤسسات القطاع الخاص إدارة عدد محدود من الجولات الرقمية لعملائها، وعلى النقيض من ذلك، فإن الحكومات تتحمل مسؤولية ما يتراوح بين 50 إلى 100 جولة رقمية تمثل آلاف الخدمات المقدمة للأفراد. ويتضح الأمر بالنظر إلى الجهود المتواصلة لرقمنة الخدمات العامة في ألمانيا، فقد تمكنت الحكومة من دمج 5,900 معاملة وحصرها في 575 خدمة متميزة من منظور المستخدم، وحصرت بدورها الجولات الرقمية للمستخدم في 55 جولة فقط.4
هذا بالإضافة إلى خضوع الخدمات الحكومية لإدارات وهيئات ووحدات جغرافية مختلفة تتمتع كلها باستقلالية قانونية راسخة. وقد اتجهت العديد من الوحدات الفردية للبدء في برامج الرقمنة الخاصة بها وخصصت موارد هائلة لتنفيذ هذه الفكرة، وليس من السهل دفع تلك الجهات الفاعلة إلى المساهمة في إطلاق جولات رقمية متكاملة وتقديم خدماتها عبر قناة رقمية مشتركة.
ثمة تحدٍّ آخر يكمن في طبيعة بيئة العمل بالقطاع الحكومي، حيث يخضع موظفو الخدمة المدنية لتدريبات مكثفة على الالتزام التام بالإجراءات القانونية الرسمية، سعياً لتعزيز العدل والمساواة. إلا أن هذه العقلية لا تحقق النفع المنشود عند التعامل مع المنتجات الرقمية، فالأمر يتطلب المزيد من التعاون غير الرسمي عبر السلطات الحكومية وفيما بينها. وبالنظر إلى ميل الموظفين ذوي المهارات الرقمية الفائقة إلى تفضيل العمل بالقطاع الخاص على العمل بالقطاع الحكومي في أغلب الأحيان، فقد تواجه الحكومات صعوبة في توظيف كفاءات جديدة.
وقد أثبت عدد من الدول إمكانية إعادة النظر في الخدمات العامة، على الرغم من هذه العقبات، ويتزايد عدد الحكومات التي تحذو حذوها (انظر العنوان الجانبي ”خطوة عالمية لرقمنة الخدمات العامة “). ويكمن سبيل النجاح في توفير نهج منسق للحكومة بأكملها.
الرقمنة الحكومية الناجحة في تطبيق الأسلوب الصحيح والمجرَّب
بالنظر إلى تلك التحديات، قد يستغرق الأمر سنوات عديدة لإتمام رقمنة الخدمات العامة بشكل كامل، ولكن بإمكان الحكومات تخفيف وطأة هذا التعقيد إذا لجأت إلى تقسيم عملية التنفيذ إلى خطوات صغيرة، ويبدأ الأمر بتحقيق مكاسب سريعة لتوليد القوة الدافعة اللازمة لاستكمال المسيرة. ولضمان تحقيق هذه المكاسب، يمكن أن تبدأ الحكومات بالتركيز على الواجهة الأمامية الرقمية، حيث يسهم توفير الخدمات عبر الإنترنت وتبسيط النماذج (مع تقديم إرشادات حول كيفية ملئها) في تعزيز شعور المستخدمين بالرضا. بالإضافة إلى أن تنفيذ هذه التغييرات سريع وغير مكلف نسبياً. وفي المقابل، تتطلب أتمتة البنية التحتية مزيداً من الوقت والموارد، وبالتالي فهي أكثر ملاءمة لخطة طويلة المدى.
وفي ظل جائحة كوفيد - 19 أصبح اتخاذ إجراء حاسم أمراً حتمياً عقب زيادة الطلبات المقدمة للحصول على إعانات البطالة وغيرها، وتحتاج الحكومات إلى ضمان توفير إجراءات سريعة وفاعلة وجداول زمنية مضغوطة للتنفيذ، لا سيما لتخفيف وطأة الأعمال المتراكمة طوال فترة الجائحة، وسيسهم ذلك في تحسين تجربة المواطنين، والأهم من ذلك أن الأفراد والموظفين سيتمكّنون من تطبيق إجراءات التباعد الجسدي بسهولة أكبر، بصفته الاحتراز الأهم للسيطرة على الفيروس.
وفي سبيل توفير الخدمات الإلكترونية سريعاً وبناء محركات التغيير المستمر والمستدام، يجب على الحكومات تنفيذ ثلاثة أمور بصورة متقنة. أولاً: يجب عليها إعادة وضع تصور للجولات الخدمية بالتعاون مع السلطات العامة والمستخدمين المعنيين (مختبرات أجايل). وبالتوازي، عليها السماح بتطبيقها سريعاً وتيسير عملية الدمج مع أنظمة البنية التحتية (بنية تكنولوجيا المعلومات القابلة للتوسعة). وأخيراً، لا بد من تمكين وحدة تنسيق مركزية تضم جميع السلطات العامة، وتحديد الحوافز مقابل النتائج التي تتوافر للمستخدمين، وتشجيع التواصل (إدارة البرامج الذكية).
’مختبرات أجايل‘ لإدارة شبكة أصحاب المصلحة
بالنسبة لمعظم الخدمات العامة، يمكن تعزيز تجربة المستخدم بقدر كبير من خلال إعادة وضع تصور للخدمات الرقمية. فعلى سبيل المثال: يمكن تقليل البيانات المطلوبة لملء النماذج واستخلاص المعلومات مباشرة من قواعد البيانات الحكومية، ويمكن استخدام لغة أبسط في النصوص أو الإشعارات الفورية، ويمكن للمستخدمين تحميل الوثائق على هيئة صور ممسوحة ضوئياً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للهيئات ربط نقاط الاتصال خلال جولة واحدة للمستخدم وتقديم إشعارات الحالة الرقمية. ولا شك أن تنفيذ كل هذه التغييرات ليس بالأمر الهين ويتطلب تعاون العديد من الجهات الفاعلة، وعادة ما تتضمن جولة المستخدم نقاط اتصال مختلفة تنتمي للعديد من السلطات العامة. ويزداد عدد الجهات الفاعلة زيادة كبيرة عندما تكون الحكومات المحلية هي المسؤولة عن تقديم الخدمات. وفي كثير من الأحيان، يجب تعديل الأطر القانونية لتمكين الرقمنة، وهو ما يعني ضرورة إشراك الجهات ذات الصلة.
ولكن قد تستغرق الرقمنة وقتاً طويلاً عند لجوء الحكومات لنهج التسلسل المتبع في إدارة المشروعات (حيث تعتمد كل خطوة على نتائج الخطوة السابقة) وغالباً ما تكون النتائج منقوصة. وفي كثير من الحالات، تخفق المشاريع الطويلة المدى باهظة التكلفة في تقديم حلول مقبولة لدى المستخدمين.
هل ترغب في معرفة المزيد عن منهجيتنا في إدارة القطاع العام؟
ويُعد تشكيل ”المختبرات “ هو النهج الأفضل لتحقيق التوافق مع أصحاب المصلحة، بحيث يكون كل مختبر مسؤولاً عن جولة محددة. وينتج عن اتباع هذا النهج في العمل، التعاون المباشر بين موظفي الخدمة المدنية، من جميع السلطات العامة ذات الصلة والمستخدمين لإعادة صياغة التجربة وتخطيط إصدار مرحلي، بدءاً من الحد الأدنى من المنتجات القابلة للإطلاق، وصولاً إلى معاملات الخدمات المؤتمتة بالكامل. من خلال تكثيف التصميم وتوافق أصحاب المصلحة على سلسلة من المراحل قصيرة الأجل لمنهجية أجايل، فبإمكان المختبرات تحقيق نتائج رائعة في إطار زمني قصير جداً. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، شكلت العديد من حكومات الولايات، في غضون أسابيع قليلة، مختبرات لدعم الطلبات الرقمية والأدوات اللازمة للتعامل مع دعم إعانات البطالة في ظل الجائحة.
ويتمثل دور برنامج الرقمنة الحكومي إجمالاً في توفير المنهجيات والموارد اللازمة لتشغيل المختبرات، وقد لجأت الحكومة الألمانية إلى تجهيز 30 مختبراً وخصصتها لجولات الخدمة ذات الأولوية، مدعومة بتوفير دليل إرشادي موحد، ومُيسري أعمال مدربين، وخصصت لها التمويل اللازم. وبالتالي أصبح بإمكان السلطات العامة المشاركة دون تخصيص موارد تتجاوز وقت موظفيها. وعلى المنوال نفسه، أنشأت حكومة دبي الذكية المكتب الحكومي المسؤول عن التحول الرقمي، ”قبائل أجايل “ داخلية، تركز فيها فرقة واحدة فقط على مساعدة السلطات العامة في إدارة تصميم مراحل قصيرة الأجل لجولات الخدمة الرقمية.
توفير بنية تكنولوجيا معلومات قابلة للتوسعة لتحقيق نتائج سريعة ومنخفضة التكلفة للمستخدمين
يجب على الحكومات تيسير عملية دمج الواجهات الخلفية لتكنولوجيا المعلومات في المؤسسات عبر القطاع العام (شكل 3) حتى يحظى المستخدم بتجربة ممتعة، ولتسريع وتيرة تقديم تكنولوجيا المعلومات، وتبسيط دمج البنية التحتية.
تطوير القنوات مع وضع المستخدم بعين الاعتبار.يستطيع المستخدم التنقل بين الخدمات العامة بسهولة أكبر إذا أتيحت له ”بوابة وحيدة.“ وتخطط دبي، على سبيل المثال، لدمج جميع المعاملات الرقمية الحكومية عبر تطبيق واحد للهاتف المحمول. ولكن في كثير من الأحيان، يصعب تبرير الانتقال إلى قناة واحدة بالنظر إلى امتلاك السلطات العامة الفردية أو الوحدات الجغرافية لمواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها الخاصة بها بالفعل. ورغم ذلك، تقتضي الأولوية تجنب إطلاق نقاط وصول رقمية غير منضبطة. فلا بد من إتاحة الوصول السريع للخدمات ذات الصلة للأفراد، سواء الخاصة بأمورهم الحياتية أو الخاصة بالعمل. ولتلبية هذه الحاجة، يجب على الحكومات تحديد طرق ربط القنوات المختلفة معاً، وإعداد إرشادات موحدة لتجربة المستخدم، وتحسين عمليات البحث عن الخدمات عبر الإنترنت.
تسريع وتوفير التكاليف بالاستعانة بالمكونات الأساسية المعيارية والتطوير ”منخفض الترميز“ تمتاز العديد من معاملات الخدمة العامة ببنية متماثلة، حيث يحتاج المستخدمون إلى ملء نموذج ثم تقديم وثائق الثبوتية، مروراً بالتحقق من هويتهم، ويتضمن الأمر، في بعض الأحيان، دفع رسوم الخدمة المقدمة. قد تتولي السلطات العامة بعد ذلك إبلاغ المستخدمين بحالة الطلبات المقدمة بإرسال رسائل مؤمَّنة إليهم. في بعض الحالات، قد يفيد توافر محتوى فيديو، عند حاجة المواطنين إلى برنامج تعليمي لاستخراج أحد التراخيص. وعند الحاجة لتقديم معلومات مرجعية جغرافية للحصول على رخصة بناء، على سبيل المثال، يكون من المفيد توفير خريطة ليستعين بها المستخدم.
وتستطيع الحكومات تطوير مكونات تكنولوجيا المعلومات المعيارية لهذه العناصر المتكررة خلال معاملات الخدمات. ففي الدنمارك، على سبيل المثال، تدمج جميع السلطات العامة نظام الهوية الرقمية الوطنية (المعروف باسم NemID) وصندوق البريد الآمن (البريد الرقمي) في خدماتها الإلكترونية المقدمة عبر الإنترنت. وتتوسع الحكومات الأكثر تقدماً في استخدام هذا المبدأ، فقد لجأت دبي إلى تشييد منصة تطوير تعرض الشاشات عبر تطبيقات الهاتف الجوال لعرض سير مراحل المعاملة المطلوب إجراؤها. وبإمكان موظفي الخدمة المدنية تخصيص تجربة الواجهة الأمامية لكل خطوة من خطوات العملية باستخدام مجموعة من التصاميم والخصائص الوظيفية. وباتباع هذا النهج منخفض الترميز، لم تعد موارد تكنولوجيا المعلومات تمثل عقبة في إنشاء الخدمات الرقمية، وبدلاً من ذلك، أصبح بإمكان السلطات العامة التركيز على إنشاء تجربة ممتعة للمستخدم وزيادة كفاءة سير العمل الداخلي. فالمشاريع التي كانت تستغرق في السابق أشهراً أو سنوات وتتطلب ميزانيات ضخمة، لم تعد تستغرق سوى أسابيع ولا يتطلب تطوير البرامج سوى تكاليف إضافية قليلة. وبالنظر إلى العدد الكبير من الخدمات التي تحتاج الحكومات إلى رقمنتها، فإن الاستثمار في التصميم المعياري وقدرات التطوير منخفضة الترميز ستؤتي ثمارها سريعاً.
تطبيق منهجيات أجايل في مجال تقنية المعلومات لتحسين تجارب المواطنين
توحيد عمليات دمج بنية الواجهات الخلفية. يُعد إتاحة خيار إرسال نموذج عبر الإنترنت ميزة في حد ذاته، إلا أن التجربة الممتعة بالفعل تتطلب التكامل مع أنظمة معالجة الحالات والسجلات. ولتقليل الجهد المطلوب لتطوير الواجهة، يجب على الحكومات وضع معايير لتوجيه مسار البيانات بين الخدمات المتاحة عبر الإنترنت وأنظمة معالجة الحالات، كما يجب على الحكومات السعي لإنشاء نظام متكامل لإدارة البيانات عبر القطاع العام إذا كانت تهدف إلى تطبيق مبدأ ”مرة واحدة فقط “، عن طريق الملء المسبق للنماذج أو التحقق تلقائياً من بيانات الثبوتية، بحيث لا يحتاج المستخدم إلى إدخال بياناته سوى مرة واحدة فقط. وتُعد إستونيا أبرز الدول الرائدة في هذا المجال، حيث تقرر هيئة مركزية ماهية البيانات المخزنة ومكانها وصيغتها. وفي ظل توافر حقوق الوصول السليمة، تتيح منصة الدمج "إكس-روود" (X-Road) لأنظمة تكنولوجيا المعلومات في القطاعين العام والخاص بربط البيانات وتبادلها.
خمس خطوات رئيسية لإدارة البرامج الذكية
يمثل التحول الرقمي الشامل للخدمات العامة جهداً شاقاً وربما يتضمن الآلاف من موظفي الخدمة المدنية. ومن المحتمل أن يلقى اهتماماً كبيراً على الصعيدين السياسي والإعلامي. وتواجه الوحدات المكلفة بتنظيم هذه المبادرات البارزة تحديات غير مسبوقة (شكل 4). وهناك خمس خطوات رئيسية بإمكانها مساعدتها على النجاح في أداء المهمة، وهي كالآتي:
- وضع رؤية مشتركة والحفاظ على فاعليتها بمرور الوقت. يتطلب التحول الرقمي لتجربة المواطنين والشركات توفير مدخلات من مجموعة واسعة من السلطات العامة، إلا أن وحدات إدارة البرنامج تخفق عادة في فرض سيطرتها على تلك المؤسسات بالنظر إلى موضعها في التسلسل الهرمي. ولتعزيز التغيير المستدام، يجب عليها إثارة الحماس في النفوس للالتفاف حول رؤية مشتركة وإشراك أصحاب المصلحة باستمرار بصورة هادفة. وتتمثل أحد الأمثلة الملهمة في الجهود المثمرة التي بذلتها الدنمارك لتقديم جميع الخدمات العامة إلكترونياً عبر الإنترنت بحلول عام 2015. فقد لجأت الهيئة المسؤولة عن عملية الرقمنة بالترويج لشعار: ”لا للنماذج والخطابات المطبوعة بعد الآن “، وشارك موظفو الخدمة المدنية بمختلف هيئات الحكومة في وضع هذه الرؤية. وتعاونت الحكومة المركزية والأقاليم والبلديات لوضع استراتيجية مشتركة لتحقيق الهدف وتعاونوا لتشكيل مجلس توجيهي مشترك لمحفظة المشروع لتعزيز التنفيذ.
- تقسيم العمل بكفاءة. ربما تبدو رقمنة المئات بل والآلاف من الخدمات وكأنها مهمة مستحيلة، لا سيما إذا كان هناك العديد من نقاط الوصول المحلية للمعاملة نفسها. وفي عام 2017، واجهت الحكومة الألمانية هذا التحدي عقب إطلاق جهودها لتقديم جميع الخدمات العامة عبر الإنترنت في غضون خمس سنوات. واليوم، لا تزال معظم معاملات الخدمة جارية في 16 ولاية اتحادية وأكثر من 11,000 بلدية. ومن الناحية النظرية، يحتاج كل منها إلى تصميم عرض رقمي خاص بها لخدمات مثل تسجيل عنوان جديد أو التقدم بطلب للحصول على استحقاقات إعانة السكن. وجاء الحل بتقسيم خارطة الخدمات إلى 14 مجالاً محورياً (مثل الخدمات المقدمة للعائلات والأطفال). وفي كل مجال، تنقسم مسؤولية إدارة المبادرة بين ولاية اتحادية واحدة والوزارة الوطنية الأكثر صلة بالخدمة المقدمة. وتُعرض الآن النتائج على جميع الولايات والبلديات عبر البرمجيات الخدمية، وهو ما يقلل بصورة هائلة من الحجم الإجمالي للعمل المطلوب إنجازه. ولدعم الولايات التي تستثمر في مثل هذه الحلول التي يسهل مشاركتها، أعطت الحكومة الفيدرالية الأولوية لتمويل المشاريع التي تلبي معايير قابلية الاستخدام الموسع.
- تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الكفاءات الرقمية، والتدريب على مهارات العمل. تتنافس السلطات العامة مع القطاع الخاص على الكفاءات الشحيحة أساساً في مجال تكنولوجيا المعلومات؛ لذلك من المهم أن تحشد الحكومات الموظفين المتاحين وتركيز جهودها نحو بناء حلول قابلة للتكرار على نطاق واسع وأدوات تطوير منخفضة الترميز، وهذا من شأنه تقليل الطلب على القدرة الاستيعابية لقطاع تكنولوجيا المعلومات. وبالنسبة للجانب المتعلق بالأعمال، يحتاج موظفو الخدمة المدنية إلى تعلم طرق لتصميم خدمات أجايل، وتُعد الخبرة العملية الطريقة المثلى لتحقيق ذلك. ويضم المختبر النموذجي لإعادة ابتكار الجولة الخدمية ما يتراوح بين 30 إلى 50 موظفاً من مؤسسات مختلفة. ويتولى فريق صغير من المنسقين ذوي الخبرة توجيه العملية وتدريب المشاركين. وتستطيع الحكومات الإسراع ببناء الكفاءات وإعداد سفراء لطريقة العمل الجديدة بتوفير تلك المختبرات في مختلف مؤسسات القطاع العام.
- الحرص على الشفافية في إظهار نتائج المستخدمين ووضع حوافز مناظرة. يأتي استخدام الأفراد للقنوات الرقمية بصفته الاختبار النهائي لقياس مدى التقدم المحرز في الرقمنة الحكومية. ولكن لا تتوافر معلومات حول معدلات قبول الأفراد في كثير من الأحيان. وتضع الحكومات حافزاً قوياً للسلطات العامة لتحسين تجربة المستخدم، بصفتها الجهة التي تتولى جمع ونشر هذه المعلومات. و تنشر المملكة المتحدة أرقام الاستخدام عبر الإنترنت ل 777 خدمة فردية.5 وفي دبي، يجمع مؤشر السعادة تعليقات المستخدمين عبر القنوات الرقمية والفعلية لكل دائرة حكومية وينشر النتائج بانتظام، وتُلزم الدوائر التي تحقق أداءً منخفضاً في رضا المستخدمين بوضع خطط للتحسين.6
- الإعلان عن التقدم المحرز باستمرار وبصورة ملموسة. يتولى برنامج رقمنة الخدمات العامة إدارة الشبكة المعقدة لأصحاب المصلحة، بمن في ذلك موظفو الخدمة المدنية عبر القطاع الحكومي، ومقدمو خدمات تكنولوجيا المعلومات والسياسيون والقاعدة الأوسع التي يُشكلها من الجمهور. ومن المهم إيجاد صيغ جذابة ممتعة للإعلان عن التقدم المحرز والتي توفر الدعم للجهد المبذول، لا سيما ونحن في مرحلة مبكرة لم تشهد أي انتصارات حافلة بعد. فعلى سبيل المثال، أنشأت الحكومة الألمانية عرضاً رقمياً للمختبر يعرض الأنشطة العامة، وبذلك أصبح بإمكان المواطنين والصحفيين وموظفي الخدمة المدنية تجربة النهج الجديد. كما دعت السياسيين للمشاركة في اختبارات المستخدمين للنماذج الرقمية. وعند إطلاق خدمة عبر الإنترنت، ينعقد مؤتمر صحفي للتأكد من تعرف الأفراد على الحل الجديد عبر وسائل الإعلام.
وفي ظل جائحة ”كوفيد - 19“ أصبحت الحاجة إلى رقمنة الخدمات الحكومية أشد إلحاحاً أكثر من أي وقت مضى. ويجب على الحكومات إظهار مرونة وكفاءة أكبر بالتزامن مع الجائحة حتى تتمكن من توجيه الموارد المتاحة لإعادة بناء اقتصاداتها، هذا بالإضافة إلى أنها مطالبة بتلبية توقعات المستخدمين المتزايدة. ونظراً لأن هناك أسلوباً متبعاً ومجرَّباً لإنجاز المهمة، فقد حان الآن وقت العمل.