كيف عملت الحكومة الإماراتية على تطوير خدمات المواطنين

| مقالة

تُركز أهداف الأداء الحكومي غالبًا على تحقيق إيرادات جديدة وتخفيض التكاليف، وذلك باستخدام جهات حكومية أخرى لإجراء مقارنة معيارية. ولكن الحكومة الإماراتية اتبعت نهجًا مختلفًا خلال السنوات الماضية، إذ ركّزت على توفير خدماتٍ تضاهي أفضل الخدمات العالمية المقدمة في القطاع الخاص، وتوفير تجربة مرضية للمتعاملين لدرجة تضاهي شعور النزول في فندق من فئة الخمس نجوم وكفاءة التعامل مع بنك رائد. وحثّت على استخدام التكنولوجيا في الخدمات الحكومية. وأكد على ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء، حاكم إمارة دبي في عام 2013، بقوله: ”نريد اليوم أن ننقل مراكز الخدمات واستقبال المعاملات الحكومية إلى كل هاتف وجهاز متحرك في يد أي متعامل، وبما يمكنه من تقديم طلبه للحكومة من هاتفه حيثما كان ودون أي انتظار، فالحكومة الناجحة هي التي تذهب للناس ولا تنتظرهم ليأتوا إليها“1

إن التحدي الذي يواجه دولة الإمارات والكثير من الدول الأخرى لتقديم الخدمات الحكومية يكمن في تركيبتها السكانية على وجه الخصوص، إذ يشكل سكان دولة الامارات مزيجًا من مختلف الجنسيات، وتبلغ نسبة السكان من غير المواطنين الذي يتنقلون بكثرة حوالي 88 بالمائة من إجمالي عدد السكان. ونظرًا لهذا التنوع والتنقل، يجب على الحكومة تقديم الخدمات التي تضاهي أفضل الخدمات المتاحة حول العالم والتي يسهل فهمها واستخدامها حتى على المقيمين حديثًا في الإمارات.

ومن ناحية أخرى، يمثل الشباب شريحة كبيرة من سكانها، الأمر الذي يتطلب المواظبة على الابتكار لتلبية الاحتياجات المتغيرة لهذه الشريحة، ومنها على سبيل المثال؛ توفير الخدمات عبر الويب والأجهزة المحمولة بالإضافة إلى المكاتب الميدانية ومراكز الاتصال.

وفي ضوء تلك التحديات والتغيرات وأهداف الدولة، استثمرت الحكومة الإماراتية في إجراء تحسينات جادة على خدماتها من أجل زيادة مستوى رضا المواطنين. وتضمنت بعض تلك الجهود تقديم أجهزة إلكترونية للتصويت، وبطاقات قابلة للشحن لتسهيل دفع الرسوم الحكومية، إلى جانب استحداث جائزة حكومية لأفضل حلول للخدمات القائمة على التكنولوجيا. ولضمان سرعة وكفاءة تنفيذ تلك التغييرات على أرض الواقع، شرع القادة بالتخلص من القيود الحكومية وتوحيد هيئات مختلفة وطلبوا من المجموعات أن تعمل بشكل جماعي.

يلقي هذا المقال نظرة أوضح على تلك الجهود التحولية.

الحشد الجماعي ومكافأة الابتكار في تصميم التطبيقات

في مايو 2013، وضع قادة دولة الإمارات هدفًا طموحًا كجزء من دعوة للعمل للوصول إلى حكومة تستهدف رضا العملاء: بأن تكون كافة الخدمات الحكومية متاحة عبر الأجهزة المحمولة في غضون عامين. وفي مايو 2015، أعلن سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن 96 بالمائة من الخدمات المقدمة للمواطنين في أهم 337 دائرة حكومية أصبحت تقدم عبر الهواتف المحمولة بنجاح.

والآن وضعت القيادة الإماراتية للحكومة هدف جديد وهو أن يتمكن 80 بالمائة من مستخدمي الخدمات الحكومية من الوصول إليها عبر الأجهزة المحمولة بحلول عام 2018. ويشكل هذا الهدف ضغطًا على الحكومة لتشجيع نقل خدماتها إلى الأجهزة المحمولة مع ضمان المستوى الأمثل من سهولة استخدامها.

ولدعم وتشجيع الوزارات وتفعيل مشاركة المواطنين، أطلقت الحكومة جائزة أفضل خدمة حكومية عبر الهاتف المحمول في عام 2013، وتُمنح الجائزة السنوية إلى المشاركين في 4 فئات وهي: الهيئات الوطنية، والعربية، والدولية، والحكومية، إضافة إلى الطلبة في الجامعات الإماراتية. ويتأهل للمشاركة أي نوع من حلول الخدمة الحكومية عبر الهاتف المحمول، بدءً من تطبيقات الهواتف الذكية إلى حلول الويب ووصولًا إلى الرسائل النصية الآلية.

وتكرّم الجائزة جهود الابتكار في 8 قطاعات وهي: الصحة، والتعليم، والبيئة، والشؤون الاجتماعية، والأمن والسلامة، والسياحة، والاقتصاد والتجارة، والمواصلات والبنية التحتية.

ويجري تقييم المشتركين بناءً على ثلاثة معايير أساسية وهي: الكفاءة والفعالية (40 بالمائة)، سهولة الاستخدام (40 بالمائة) والابتكار (20 بالمائة). وبالإضافة الى ذلك، يجب أن تكون الحلول مرتبطة بخدمة حكومية أساسية تقدم للمتعاملين، سواءً أكانوا مؤسسات أو من المتعاملين. ويستثنى من ذلك الخدمات بين الهيئات الحكومية؛ فعلى الرغم من أهمية التحسينات في هذا المجال للدولة، إلا أن الجائزة تهدف إلى إيجاد حلول تركز على المواطنين والأعمال.

ولتشجيع الحصول على أفكار جديدة ومبتكرة من الطلبة على وجه الخصوص، ينال الفائز من فئة الطلبة جائزة نقدية قدرها مليون درهم إماراتي (حوالي 300 ألف دولار أمريكي) ويحصل على دعم لطرح التطبيق تجاريًا. وبذلك ارتفع عدد المشاركين في المسابقة بنسبة 58 بالمائة في السنة الثانية للجائزة، والتي شهدت مشاركة 411 جهة مقارنة مع 260 في العام الأول. كما دفعت الجائزة الهيئات الحكومية من الإمارات وخارجها على تطوير التطبيقات التي تهدف لتحسين طريقة تفاعل المواطنين مع حكوماتهم، وشملت قائمة الفائزين في الدورة الثانية من الجائزة الجهات التالية:

  • شرطة دبي، التي طورت ضمن فئة الأمن والسلامة حلًا الكترونيًا يسمح للمواطنين بتسديد المخالفات والتبليغ عن الجرائم وحوادث المرور ومتابعة حالة طلباتهم وغيرها من الخدمات.

    وبعد عام من إطلاقها لهذا الحل، أفادت شرطة دبي بأن موقعها الإلكتروني المخصص للهواتف المحمولة سجل أكثر من 1.3 مليون مستخدم، وأن تطبيقها للهواتف المحمولة يستخدمه أكثر من 300,000 مستخدم، وعندما تم تحديث التطبيق في نوفمبر 2014، قام أكثر من 3,000 مستخدم بتحميله خلال أسبوع واحد فقط.
  • تطبيق «لا تراسل»، الذي ابتكره طلبة من كلية الخوارزمي الدولية بالتعاون مع وزارة الداخلية، ويهدف إلى تقليل عدد الحوادث المرورية الناجمة عن إرسال الرسائل أثناء القيادة، إذ يقوم التطبيق بإقفال شاشة الهاتف عندما يرصد مستشعر الحركة زيادة في سرعة المركبة ويعيد فتحها عند تخفيف السرعة أو توقّف السيارة.
  • أما تطبيق الاتحاد النسائي العام، ضمن فئة الشؤون الاجتماعية، فيعتبر وسيلة للمشاريع المنزلية التي تديرها النساء لبيع منتجاتها ومشغولاتها اليدوية. ووفقًا للاتحاد، شهد المتجر الإلكتروني تسجيل 200 تاجرة وعرض أكثر من 2,000 منتج خلال الأشهر الثلاث الأولى من إطلاقه.
  • تطبيق «المواطن النشط» الذي قامت بتطويره بلدية موسكو في فئتي الشؤون الاجتماعية والحلول الدولية، ويشجع التطبيق المواطنين على المشاركة في المسوحات والاستطلاعات عبر كسب نقاط يمكن استبدالها بخدمات عامة مجانية.

تطوير التصويت الإلكتروني: الطريق نحو المزيد من الراحة والمشاركة

طرح المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات فكرة التصويت الإلكتروني في عام 2011 لزيادة المشاركة المدنية في الانتخابات وذلك بجعل العملية أكثر سهولة ومناسبة لفئة الشباب. وقد أقامت اللجنة الوطنية للانتخابات في ذلك العام وقبل موعد الانتخابات بخمسة أشهر تحديدًا، مراكز انتخابية في الدولة خلال أسبوعين فقط، إلا أن الناخبين لم يدلوا بأصواتهم بالطريقة التقليدية التي تتضمن تعبئة النماذج ووضعها في صناديق الاقتراع، بل عبر أجهزة التصويت الإلكترونية.

ولتحديد عدد الأجهزة وموظفي الدعم اللازم لكل موقع، اعتمد قادة البرنامج على البيانات التاريخية وحجم المشاركة المتوقع، واختبروا توقعاتهم أولًا من خلال مشاريع تجريبية. وتم في النهاية توزيع 13 مركز للتصويت في كل إمارة من الإمارات السبعة بناءً على الكثافة السكانية، مقارنة مع مركز انتخابي واحد لكل إمارة في عام 2006، وكان على المساحة الفعلية أن تكون رحبة بشكلٍ كافٍ لتتسع عددًا كبيرًا من الناخبين وتضمن سلاسة سير عملية التصويت، وذلك بدعم مئات الموظفين الذين دربتهم اللجنة الوطنية للانتخابات لمساعدة الناخبين في مراكز الاقتراع.

كما خصصت حملة التصويت قنوات غير تقليدية لزيادة مشاركة الشباب، فاستخدمت اللجنة مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الناخبين وتوجيههم، بما في ذلك تقديم مقطع فيديو موجز ومقال يصف العملية ككل.

ونجم عن هذه العملية تحسينات كبيرة ونتائج ملموسة، إذ كانت عملية التصويت في الانتخابات تستغرق 7 دقائق في عام 2006، بينما أصبحت تستغرق 4 دقائق فقط في عام 2011. كما ارتفعت معدلات الناخبين المؤهلين للتصويت ونسبة المشاركة في الانتخابات كذلك. وفي عام 2006، بلغ عدد الناخبين المؤهلين للتصويت 6,000 شخص، وارتفع هذا العدد إلى 130,000 في عام 2011 و224,000 في عام 2015. وفي عام 2011، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات في دولة الإمارات 28 بالمائة (35,000 ناخب)، على الرغم من حداثة العملية. وبحلول العام 2015، ارتفع الرقم إلى 35 بالمائة، أو 79,000 ناخب. وقد أثارت الانتخابات أيضًا اهتمام مختلف دول المنطقة، فزار دولة الإمارات عددًا من البعثات من دول مجاورة لدراسة النظام.

تسهيل سداد دفعات المواطنين للحكومة

يمكن إعادة شحن البطاقة المدفوعة مسبقًا ”الدرهم الإلكتروني“، والتي أطلقت عام 2011، عبر أجهزة الصراف الآلي واستخدامها لدفع رسوم أي جهة حكومية اتحادية، مستبدلةً الدفعات التي كانت ترسل بالبريد أو تدفع نقدًا في المكاتب الحكومية. وبدلًا من محاولة تطوير وإدارة وتشغيل البرنامج بشكلٍ مستقل، عملت الحكومة مع شركة مملوكة للدولة، وهي بنك أبوظبي الوطني، الذي كان يملك العديد من القدرات التي يسعى نظام ”الدرهم الإلكتروني“ إلى تحقيقها.

وكانت دولة الإمارات أول دولة عربية تطبق نظام سداد مماثل على مستوى الدول ككل. ولتشجيع استخدام ”الدرهم الإلكتروني“، عرضت وزارة المالية على المستخدمين أسعارًا ورسومًا مخفّضة، كما تضمن النظام تقديم خدمات العملاء المساندة على مدار الساعة.

وابتداءً من سبتمبر 2015، أعلنت وزارة المالية أن ”الدرهم الإلكتروني“ حصّل رسومًا حكومية بلغت 17 مليار درهم إماراتي، واستخدم في أكثر من 80 مليون معاملة حتى الآن، إلى جانب 2 مليون معاملة إلكترونية (غير تلك التي تجرى عبر أجهزة نقاط البيع الإلكترونية)، كما تم تسجيل ومتابعة وحل ثلاثين ألف مشكلة. ووفقًا لوزارة المالية، حظيت الفكرة باهتمام كبير في الخارج بعد إطلاقها، إذ تداول عدد من الوفود من العراق والكويت والسعودية أهم دروس وابتكارات نظام ”الدرهم الإلكتروني“ لتطبيقه في دولهم (ومنها على سبيل المثال :نظام سداد للمدفوعات في السعودية).

وقد استمر التوسع في نطاق الخدمات والخيارات المتاحة من خلال ”الدرهم الإلكتروني“، فباتت تشمل الآن إمكانية استخدامها إلكترونيًا عن بعد حتى أثناء السفر إلى الخارج، بالإضافة إلى سداد الدفعات للهيئات الحكومية المحلية والجهات غير الحكومية. وتخطط وزارة المالية حاليًا لتقديم محفظة إلكترونية متكاملة -دون الحاجة للبطاقات- بالإضافة إلى القسائم الإلكترونية كبديل عن البطاقات البلاستيكية.

حل المشاكل العامة من خلال علم السلوك

ترسيخ ثقافة ومعيار التميز

استجابت الهيئات الحكومية الإماراتية لدعوة قادة دولة الإمارات لتعزيز الإجراءات العامة للمواطنين من خلال تقديم نظام التقييم بالنجوم الذي يستخدم معايير القطاع الخاص لجودة تقديم الخدمات ومنهجياته في تحديد المشاكل. ويتضمن البرنامج، الذي تم إطلاقه في عام 2014، عملية مفصلة وقابلة للقياس قائمة على ملاحظات المواطنين وتُركز على إجراء بعض التحسينات على المسائل التي تهمهم. وبالتالي، تقيّم الهيئات في مختلف مناطق الإمارات مرة واحدة كل عامين بناءً على 8 معايير: التوافق الاستراتيجي، والمواطنون، والخدمات، والقنوات، وتجربة المواطنين، وكفاءة الخدمة والابتكار، والأفراد والتقنية. وتحصل الهيئات على لوحة تحمل تصنيفها وتقرير تقييمي يتضمن توصيات لتحسين مستوى تقديمها للخدمة.

يُذكر أن تصميم مثل هذا النظام كان الجزء الأسهل من العملية، بيد أن التحدي الأصعب تمثل في الحصول على موافقة الهيئات الحكومية عليه. ولتجاوز هذه المعارضة المبدئية على فكرة النظام، نظمت الحكومة المركزية اجتماعات في مناطق مختلفة وورش عمل وفعاليات ترويجية حضرها موظفو الحكومات المحلية والاتحادية للتعرف على النظام الجديد. وتطوّعت بعض المؤسسات للمشاركة في المرحلة التجريبية، فقامت بتصنيف نفسها وفقًا لهذا التقييم. ونجحت قيادة الإمارات أخيرًا في ترسيخ أهمية البرنامج وضرورة تقييم كافة الخدمات بشفافية ومعايير عادلة.

ولغاية الآن، جرى تقييم كافة الهيئات الحكومية بثلاث إلى خمس نجوم وبتوزيع متساوٍ تقريبًا، ولم تحصل أية جهة على تقييم سبع نجوم، فقد صُممت معايير الحصول على تقييم سبع نجوم على أن تكون صعبة للغاية بحيث يمكن مقارنة أية هيئة تحصل عليها مع أفضل الجهات في القطاع الخاص. ويعني تقييم سبع نجوم أن الهيئة الحاصلة عليها قدمت ابتكارات ضمن كافة العناصر الثمانية، وحافظت على مستويات ثابتة من رضا المواطنين وموظفي المركز بما لا يقل عن 95 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية، وحافظت على تكلفة قياسية منخفضة للخدمة.

وقد شجع صاحب سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الهيئات على العمل من أجل الحصول على أعلى تقييم، مؤكدًا تقديره للهيئات الحاصلة على خمس نجوم والتي يتوقع منها المثابرة للحصول على تصنيف سبع نجوم.


تتطلع المبادرات المذكورة هنا إلى تعزيز شفافية جودة الخدمات الحكومية وتقديم الحوافز والمعرفة لمزودي الخدمة ليحسنوا من أدائهم. كما تعمل دولة الإمارات على تحديث خدماتها العامة بوتيرة غير مسبوقة لتعزيز رضا المواطنين عنها. وكمؤشر أولي على هذا التقدم، صنف مؤشر الابتكار العالمي دولة الإمارات في المركز 36 عام 2014، متقدمة من المركز 38 في عام 2013 ومتفوقة بذلك على معظم دول أوروبا الشرقية. وبالإضافة لذلك، وبينما كانت التطلعات تطمح إلى تلبية الخدمات الحكومية لمعايير أفضل شركات القطاع الخاص، يُشير مكتب رئيس الوزراء في الإمارات إلى أن المزيد من الشركات الخاصة باتت تتواصل مع الحكومة لتتعلم من ممارساتها في تقديم الخدمات. فهناك فرص كثيرة للحكومة الإماراتية والحكومات الأخرى لزيادة المشاركة العامة والخدمات التي تلبي احتياجات العملاء.

Explore a career with us