فتح آفاق مشاركة القطاع الخاص في تمويل البنية التحتية في الأسواق الناشئة

| مقالة

بينما يتعيّن على الدول النامية استثمار أكثر من تريليوني دولار سنويًا في قطاع البنية التحتية لمواكبة معدلات النموّ المتوقّعة للناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات الخمسة عشر المقبلة، إلا أن الكثير من هذه الدول تواجه تحديات في جمع وتخصيص الموارد اللازمة لتمويل هذا الاستثمار. وللتغلب على هذا التحدي وسد فجوات التمويل، فإن على حكومات هذه الدول، بالتعاون مع شركائها في مؤسسات التمويل الإنمائي، أن تعمل على فتح آفاق مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنية التحتية على نطاق واسع. وتستعرض هذه المقالة الحلول التي تعتبر ممكنة وقابلة للتطبيق؛ فهناك طرق مبتكرة من شأنها إحداث زيادة غير مسبوقة في مشاركة القطاع الخاص في عملية التمويل.

نتناول في هذه المقالة ثلاثة أنواع من المبادرات والابتكارات التي يمكن أن تأخذها الحكومات ومؤسسات التمويل الإنمائي بعين الاعتبار لتحويل قطاع البنية التحتية إلى فئة أصول قابلة للاستثمار (الشكل 1). أولاً، يمكن للحكومات ومؤسسات التمويل الإنمائي أن تزيد من توافر الأموال (السيولة) من خلال ما يقدمه أصحاب رؤوس الأموال المحليين والدوليين. ثانيًا، يمكن زيادة حجم الاستثمار من خلال ربط المشاريع الفردية معًا وتوفير محفظة من المنتجات التي يمكن لأصحاب رؤوس الأموال الاستثمار فيها. ثالثًا، يمكن أيضًا التعامل مع الفجوات التي تعتري نظام الحوكمة والقدرات، التي غالبًا ما تعيق استثمارات القطاع الخاص.

الشكل 1

تستند الأفكار والرؤى التي نستعرضها في هذه المقالة إلى مقابلات أجريت مع قادة في عدّة بنوك تجارية ومستثمرين من القطاع الخاص ومطوّري ومشغّلي مشاريع البنية التحتية وصانعي السياسات في الأسواق الناشئة. كما تستند المقالة إلى دراسة سابقة أجرتها ماكنزي حول المناهج المتبعة في تعزيز مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنية التحتية، والتي تضمنت مجموعة من الأمثلة على حالات واقعية بشأن كيفية تصميم هذه المناهج على نحوٍ مخصّص وتطبيقها لتحقيق النتائج المرجوّة في الأسواق الناشئة.1

تحديات وفرص تطوير البنية التحتية في الاقتصادات الناشئة

يمكننا تكوين فكرة أفضل عن حجم التحديات التي تواجهها أعمال تنمية وتطوير البنية التحتية في الاقتصادات الناشئة، من خلال المعلومة الإحصائية التالية: في دولة مالي الإفريقية، تستخدم الأسرة العادية مقدارًا من الطاقة الكهربائية سنويًا أقلّ ممّا يستخدمه شخص واحد يعيش في لندن باستعمال الغلاية الكهربائية كل يوم. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، يفتقر حوالي 600 مليون شخص إلى الكهرباء كليًا – ما يعني أن مجتمعات بأسرها تعيش نصف حياتها في الظلام الدامس. 2

ووفقًا لتقديرات ماكنزي، التي تستند فيها إلى مستويات الإنفاق المرجعية، ينبغي زيادة الاستثمارات السنوية لإفريقيا في البنية التحتية لقطاع الطاقة من 33 مليار دولار في عام 2015 إلى نحو 55 مليار دولار في عام 2025، وخلال نفس الفترة، يتعيّن زيادة الاستثمارات السنوية في البنية التحتية لقطاع النقل من 20 مليار دولار في عام 2015 إلى نحو 45 مليار دولار في عام 2025، بالإضافة إلى ضرورة ضخّ استثمارات إضافية كبيرة في البنية التحتية لقطاعي المياه والاتصالات. 3

فضلًا عن ذلك، تحتاج مناطق نامية أخرى إلى مزيدٍ من الاستثمارات التدريجية واسعة النطاق في البنية التحتية. ويتوقّع مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أن يكون على دول العالم استثمار نحو 3.7 تريليون دولار في مجال الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والطاقة والمياه والاتصالات سنويًا حتى عام 2035، لمواكبة النموّ المتوقّع للناتج المحلي الإجمالي. ووفقًا لهذه التوقعات، تحتاج الاقتصادات الناشئة إلى نحو ثلثي هذه الاستثمارات، ومن المحتمل أن تزيد حاجة هذه الاقتصادات من التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.4

إلا أن الكثير من الدول النامية تعاني من فجوات كبيرة بين النفقات الحالية المخصصة والتقديرات المتوقّعة لاحتياجاتها. ويوضّح تحليل جديد أجراه مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أن أكبر الفجوات في الإنفاق توجد في دول منها إندونيسيا والمكسيك، كما تواجه البرازيل والهند والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا تحديات كبيرة من حيث تمويل الاستثمار (الشكل 2). وعلى الجانب الآخر، ضخت الصين استثمارات هائلة لتتجاوز متطلّبات البنية التحتية المتوقّعة لديها، ومن المرجّح أن تحتاج إلى إنفاق حصّة أقل من الناتج المحلي الإجمالي ممّا كانت تنفقه في السابق.

الشكل 2

على الرغم من أن الحكومات في الكثير من الاقتصادات الناشئة حقّقت تقدمًا ملموسًا لزيادة استثمارات البنية التحتية خلال العقود الأخيرة، إلا أنها تواجه قيودًا متزايدة في ميزانياتها تعيق مساعيها للحفاظ على الاستثمار الوارد من مصادر حكومية؛ حيث بلغت المستويات الإجمالية لديون القطاع العام في الاقتصادات الناشئة مستويات قياسية، وقد شهدت الكثير من الدول زيادة في عجز ميزانياتها خلال السنوات القليلة الماضية. 5 ويُحتّم هذا الوضع على الحكومات أن تفتح آفاقًا أوسع لمشاركة القطاع الخاص في استثمارات وتمويل البنية التحتية، سواءً من الاستثمار الأجنبي أو المحلي. وعند دراسة المرحلة المقبلة والتخطيط لها، تصبح هذه المسألة المهمّة أكثر إلحاحًا نظرًا للجهود التي تبذلها الحكومات من أجل تلبية احتياجات النموّ السكّاني في الكثير من الدول النامية، وسد الفجوات الكبيرة في البنية التحتية لتحقيق التنمية الاقتصادية على أوسع نطاق ممكن.

هل أحرز العالم تقدمًا ملموسًا في التصدي لفجوات البنية التحتية؟

التدخلات الممكنة لزيادة حجم الأموال المتاحة في مجال البنية التحتية

هناك فرص مهمّة متاحة لزيادة حجم التمويل المتوفّر (السيولة) في مجال البنية التحتية، والتي يمكن استغلالها بتغيير خصائص العلاقة بين مخاطر الاستثمار وعائداته.

وتتمثّل إحدى هذه الفرص في أن تعمل الحكومات على تخفيف مخاطر القطاع الخاص جزئيًا، من خلال دعم السيولة بالضمانات اللازمة. ولتحقيق هذه الخطوة بصورة مستدامة، يمكن أن تضع الحكومات خططًا بعيدة المدى للبنية التحتية بحيث تُستخدَم فيها الأصول على هيئة ضمانة تكفل تمويل القطاع الخاص لمشاريع البنية التحتية الجديدة. 6 ومن الأمثلة على هذا التوجّه ما قدمته المؤسسة المالية الحكومية (Banco de la Nación de Peru) في بيرو؛ حيث أنشأت قسمًا للتمويل الائتماني في عام 2000 لتوفير الضمانات والدعم للمستثمرين والمطوّرين في البنية التحتية، وتعمل المؤسسة حتى اليوم بصفةِ جهةٍ ائتمانية لأكثر من 60 مشروعًا في مجال البنية التحتية، بما يشمل البنية التحتية للطرق والري والمياه والصرف الصحي، ما أسفر عن مضاعفة عدد السكان الذين تصلهم مياه الصرف المعالجة بين عامي 2000 و2015.7

وهناك دول أخرى استخدمت الدخل المتحقق من المؤسسات المملوكة للدولة بالإضافة إلى أصولها، كأساس لهذه الضمانات، كما يمكن أن تخصّص حكومات هذه الدولة كذلك نسبة من أصول صناديق الثروات السيادية والشركات الاستثمارية لدعم الضمانات؛ إذ تستند هذه الأصول غالبًا إلى ثروات الموارد الطبيعية.

ويمكن للحكومات أيضًا أن تدعم تنمية الأسواق الثانوية التي ترفع مستوى السيولة بإتاحة إعادة تدوير استثمارات البنية التحتية؛ فيمكن إعادة تخصيص الأموال المعتمدة لاستثمارات أخرى في مجال البنية التحتية. ويمكن أن تُصدر الحكومات سندات طويلة الأجل باستحقاق محدّد للتداول في السوق الثانوية لتعزيز النشاط الاستثماري ولوضع منحنى عائدات طويل الأجل يتيح لمقترضي استثمارات البنية التحتية تسعير سنداتهم بفعالية.

أخيرًا وليس آخرًا، يُمكن أن تتخذ الحكومات والجهات التنظيمية عدّة خطوات محدّدة لتوفير السيولة، بتوجيه رؤوس الأموال المحلية إلى الاستثمار في مجال البنية التحتية، ومن بين هذه الخطوات ما يلي:

  • وضع حدود تنظيمية تفضيلية للاستثمار تتعلّق بالقطاعات المرتبطة بالبنية التحتية، التي يمكن أن تساعد في ضمان مشاركة صناديق المعاشات التقاعدية المحلية وشركات التأمين في استثمارات البنية التحتية طويلة المدى.
  • تحسين تقديرات مخاطر رؤوس الأموال المرتبطة بتمويل البنية التحتية لتحفيز المستثمرين المحليين وكذلك البنوك على تمويل مشاريع البنية التحتية. (تصف تقديرات مخاطر رؤوس الأموال الحدّ الأدنى من مقدار رؤوس الأموال السهمية التي يجب أن يحتفظ بها المقرضون لكل دولار من القرض المُقدَّم). ويمكن تحقيق هذا التحسين من خلال تحديد تقديرات مختلفة لمخاطر رؤوس الأموال لكل فئة من أصول البنية التحتية، ذلك اعتمادًا على نسبة القروض غير العاملة السابقة – بدلاً من تطبيق نسبة واحدة شاملة على جميع عمليات تمويل المشاريع.
  • توفير معاملة ضريبية تفضيلية لاستثمارات البنية التحتية.

ويعتبر استخدام الهند لسندات البنية التحتية المعفاة من الضرائب من الأمثلة الواضحة على إتاحة المجال لضخ الاستثمارات المحلية في مشاريع البنية التحتية، حيث تصدر ”الهيئة الوطنية للطرق السريعة“ في الهند سندات معفاة من الضرائب لجذب الاستثمارات المحلية، وتُستخدَم عائداتها لتمويل مشاريع الطرق في جميع أنحاء الدولة. وتتبع هيئة الطرق السريعة نهجًا مماثلاً لجذب الاستثمار الأجنبي، إذ تصدر ”سندات ماسالا“ وهي سندات مقومة بالروبية تتيح جمع رأس المال عبر الأسواق العالمية. 8

ضمان تعزيز نطاق الاستثمارات باعتماد نهج فعّال قائم على جذب المستثمرين لدخول سوق البنية التحتية ومنحهم ’محفظة من المنتجات‘

وبالإضافة إلى التدخلات المذكورة أعلاه، يظهر تحليل أجريناه عن أمثلة استثمارية أخرى من مختلف أنحاء العالم، إلى أن اتباع نهج لتقديم محفظة من ”منتجات“ استثمارات البنية التحتية التي تحقّق مستهدفات العلاقة بين المخاطر والعائدات للمستثمرين المحتملين، يمكن أن تعود على الدولة بنتائج ناجحة ملموسة؛ إذ تؤكد دراسات الحالة نجاح هذا النهج عندما تعتمد الحكومات استراتيجية فعّالة لجذب المستثمرين لدخول هذا السوق من أجل استقطاب اهتمام هؤلاء المستثمرين لهذه المنتجات. ومن الممكن اعتماد نهج ”محافظ المنتجات الاستثمارية“ لتمويل البنية التحتية على مستويات مختلفة من نقل الملكية، سواءً كان على المستوى القُطري أو الإقليمي أو مستوى الولاية أو المقاطعة أو البلدية.

ويُمثّل نهج ”محفظة المنتجات“ نهجًا مبتكرًا مهمًا مقارنةً بالمنهجيات التقليدية المتبعة لجذب المستثمرين، إذ تحقّق الأدوات المالية القابلة للاستثمارالتي يتيحها هذا النهج، تدفقات نقدية من مشاريع البنية التحتية المتعدّدة – وربما من عدّة فئات أصول مختلفة – بدلاً من مشروع بنية تحتية واحد. وتعمل الحكومات التي تعتمد نهج المحافظ على ابتكار قائمة من الأدوات القابلة للتداول لجذب مجموعات مختلفة من المستثمرين. فعلى سبيل المثال، لا تكتفي هذه المحافظ بتقديم وحدات محدّدة في صندوق للبنية التحتية، والتي من الممكن أن تجذب مستثمرين ماليين معيّنين، بل تقدّم منتجات متنوّعة، مثل حصة ملكية مسيطرة في منصّات البنية التحتية والتي قد تكون أكثر جذبًا للمستثمرين الاستراتيجيين.

كما يوفر نهج محفظة المنتجات مزايا عديدة للحكومات؛ بما فيها تيسير الاستثمارات الوافدة من مجموعة أوسع من المستثمرين، وبالتالي إفساح المجال لاستثمار كمية أكبر من رؤوس الأموال. علاوةً على ذلك، يتيح هذا النهج تمويل مشاريع البنية التحتية غير المجدية تجاريًا وذلك بربطها بمشاريع مجدية تجاريًا (غالبًا ما ترتبط هذه المشاريع غير المجدية تجاريًا بقطاعات محورية تحدث أثرًا اجتماعيًا واقتصاديًا إيجابيًا، مثل محطات معالجة مياه الصرف الصحي). كما يُسهِّل هذا النهج تمويل المشاريع في مجالات جديدة من خلال ربطها بمشاريع قائمة، ويتيح كذلك مركزية التخطيط للبنية التحتية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى حسن ترتيب المشاريع حسب أولويتها.

نعود إلى الهند التي تعدّ مثالاً جيدًا على تطبيق نهج محفظة المنتجات، حيث تعمل ”هيئة الأوراق المالية والبورصة الهندية“ على دعم استخدام الصناديق الائتمانية لاستثمارات البنية التحتية، وهي عبارة عن صناديق استثمارات في البنية التحتية مدرجة في البورصة وتستثمر في محافظ مشاريع البنية التحتية. وهناك اثنان من الصناديق الائتمانية لاستثمارات البنية التحتية مدرجين بالبورصة وهما: صندوق (India Grid Trust) التابع لشركة ”ستيرلايت باور“ وصندوق (IRB InvIT) التابع لشركة تطوير مشاريع البنية التحتية (IRB Infrastructure Developers). وتتيح الصناديق الائتمانية المدرجة بالبورصة للأفراد والشركات استثمار مبالغ صغيرة نسبيًا من رأس المال في مشاريع البنية التحتية مقابل نسبة من الإيرادات تتناسب مع استثماراتهم. 9

سد فجوات الحوكمة والقدرات التي تعيق استثمارات القطاع الخاص

يمكن أن تدرس الحكومات إمكانية تأسيس كيانات مستقلّة لتتولى التنسيق مع القطاع الخاص من أجل تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين في الأسواق الناشئة. ويمكن تصميم هذه الكيانات وتأسيسها بالتعاون مع مؤسسات التمويل الإنمائي والشركاء العالميين، فتدعم الحكومات سبل تطبيق أفضل الممارسات العالمية في جوانب هيكلة المشاريع والتمويل والشراء والتنفيذ وإدارة العقود.

ويمكن أن تأخذ هذه الكيانات أشكالاً عدة، منها على سبيل المثال، وحدات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وشركات تنفيذ مشاريع البنية التحتية وبنوك وصناديق البنية التحتية. ويمكن للحكومات من خلال هذه الكيانات أن تتبع نهجًا مُنظَّمًا لتسريع مشاركة القطاع الخاص في تنمية البنية التحتية. يتضمّن هذا النهج الخطوات الخمس الرئيسية التالية:

  1. تحديد الصفقات التي يمكن أن تستفيد من التمويل الرأسمالي الخاص، في إطار محفظة مشاريع وطنية أو قطاعية.
  2. بناء ونشر قائمة الصفقات المتوقّعة لمراعاة الشفافية، وزيادة اليقين بشأن الصفقات المرتقبة.
  3. وضع منظور فعّال أوليّ للتحقّق من جدوى جميع المشاريع المرتقبة لتركيز الموارد على الصفقات المجدية.
  4. توفير تمويل تنموي لمشاريع محدّدة، بما يتيح الاستعانة بالخبراء لهيكلة وتخطيط المشاريع بطريقة مجدية تجاريًا.
  5. تصميم وتنفيذ نهج تتابعي متعدّد المراحل لإدارة العملية التنفيذية لكل مشروع، بحيث يتيح تصحيح المسار وكذلك التنسيق مع الجهات المعنية واتخاذ الإجراءات المناسبة في كل مرحلة من المشروع.

وهناك العديد من الأمثلة الهامة على تطبيق هذه المنهجيات، فقد بذلت إحدى وحدات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في منطقة الشرق الأوسط جهودًا واضحة لترتيب أولويات المحافظ الاستثمارية لتحديد، على أساس سنوي، من خمسة إلى ستة مشاريع يمكن أن تستفيد من التمويل الخاص. يوفر هذا النهج للمستثمرين رؤية واضحة عن قائمة الصفقات بينما يُمكّن الوحدة من تركيز مواردها على عدد محدود من الصفقات عالية الأثر. ويمكن تأسيس وحدات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بصورة ناجحة أيضًا على المستوى المحلي والحكومي. على سبيل المثال، استطاعت وحدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص على مستوى إحدى المدن في الصين جذب استثمارات بقيمة 31 مليار رنمينبي من مستثمرين من القطاع الخاص لقاء الحصول على حق بناء وتشغيل مركز مؤتمرات لمدّة 20 سنة والاستفادة من الأراضي التجارية التابعة للمشروع. وفي مرحلتي التشييد والتشغيل، عمل المستثمر من القطاع الخاص على تحفيز المطوّرين والمشغّلين المهنيين الآخرين لرفع مستوى الكفاءة والأثر المحقّق في السوق.

وفي الختام، لا بد أن نؤكد وجود فرص تعاون سانحة أمام الحكومات ومؤسسات التمويل الإنمائي لتأسيس كيانات فعّالة ومعنية بجذب الاستثمارات خارج نطاق الحدود الوطنية. فعلى سبيل المثال، أنشأ بنك التنمية الإفريقي منصّة ”إفريقيا 50“ (Africa50)، وهي منصّة تُعنى بتشجيع الاستثمار في البنية التحتية وتركّز على المشاريع الوطنية والإقليمية شديدة الأثر في قطاعات الطاقة والنقل وتقنية المعلومات والمياه. وفي هذا الصدد، صرّح السيد آلان إيبوبيسي، الرئيس التنفيذي لصندوق إفريقيا 50، قائلاً: ”نسعى إلى تحقيق وفورات طويلة الأجل من داخل قارة إفريقيا وخارجها من خلال المساعدة في إنشاء فئة أصول جاذبة للمستثمرين المؤسّسيين. ونعمل على ذلك بزيادة عدد المشاريع الخاصة المجدية والمربحة وغيرها القائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب الاستثمار لاحقًا في مشاريع خاصة وأخرى قائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص.“ مضيفًا أن: ”الغرض من ذلك هو المساهمة في تطوير البنية التحتية لقارة إفريقيا بأوسع وأسرع طريقة ممكنة.“10


تحتاج مختلف بلدان العالم النامي إلى استثمارات جديدة وضخمة في مجال البنية التحتية، بهدف توفير الاحتياجات الأساسية من الطاقة والمياه وربط المدن والأسواق، وتعزيز الربط الرقمي. وبينما لا يمكن للحكومات وحدها أن تتحمل كلفة هذه المشاريع والاستثمارات، يأتي الابتكار والجرأة في الأفعال ليفتح المجال أمام مرحلة جديدة من التمويل والشراكة من خلال المستثمرين والمطورين في القطاع الخاص. كما أن من شأن مؤسسات التمويل الإنمائي أن تلعب دورًا محوريا في هذا التغيير على مستوى تمويل القطاع الخاص لمشاريع البنية التحتية. أما الأثر على مستوى حياة السكان والاقتصادات الوطنية، فقد يأتي على شكل ثورة تحولية.

Explore a career with us