ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
لقد أصبحت المنافسة العالمية اليوم أشد ضراوة من أي وقت مضى، فيما يتسارع الطلب على الطاقة وقوة الحوسبة بشكل هائل مع اندماج الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الناشئة في العمليات اليومية للشركات. ومن خلال تقريرها السنوي عن التوجهات التكنولوجية، تكشف ماكنزي عن 13 توجهًا متقدمًا يقف في الخطوط الأمامية لمسيرة التغيير، ويمكن أن يزوّد الشركات بأدوات فعالة للتعامل مع هذه التحديات المتصاعدة. وفي هذه الحلقة من بودكاست ماكنزي، ينضم إلينا الشركاء الكبار "لارينا يي" و "سفين سميت"، إلى جانب الشريك "روجر روبرتس"، ليقدّموا أحدث البيانات ورؤاهم حول مستقبل الابتكار الرقمي، والتطبيقات العملية، والبنية التحتية، وبناء الثقة، في حوار ثري تديره المديرة التحريرية العالمية، لوسيا راهيلي.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
يُشارك في تقديم بودكاست ماكنزي كلٌّ من "لوسيا راهيلي" و "روبرتا فوزارو".
الذكاء الاصطناعي مقابل وكلاء الذكاء الاصطناعي
لوسيا راهيلي: "لورينا"، لنبدأ من الأساس. هل بوسعك أن توضحي لنا الفرق بين وكلاء الذكاء الاصطناعي وأشكال الذكاء الاصطناعي التي سبقته؟ لقد مر الأمر برحلة تطور مستمرة، غير أنني لست على يقين من أن الجميع يدرك أبعاد هذا الاختلاف بوضوح.
لارينا يي: لقد خضنا رحلة طويلة مع الذكاء الاصطناعي امتدت لخمسين أو ستين عامًا وربما أكثر. وما اعتاد الكثيرون منا استخدامه في عالم الأعمال هو الذكاء الاصطناعي التحليلي، ذلك الذي يعتمد على التنبؤ. وخلال السنوات الخمس أو العشر الأخيرة شهدنا ازدهارًا هائلًا في تقنيات التعلّم الآلي.
لقد انتقل الذكاء الاصطناعي التوليدي من مجرد التنبؤ إلى نموذج احتمالي مختلف، يستند إلى النماذج اللغوية الضخمة. وهذا العام، اتجهت الأنظار إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي، باعتباره تحولًا جديدًا يركز على الاستقلالية؛ أي قدرة النظام على إتمام مهمة أو اتخاذ إجراء دون الحاجة إلى تدخل مباشر.
قد يكون الأمر بسيطًا مثل تغيير كلمة المرور، أو معقدًا مثل التعاون مع البشر عبر عدة خطوات متتابعة.
وهناك نقطة أساسية يجب التنويه عليها: إن أعظم الفوائد التي تحققها الشركات لا تأتي من الاعتماد على تقنية واحدة فقط، بل من الجمع بين عدة تقنيات معًا. فالشركات تستخدم التعلّم الآلي، وتستفيد من التحليلات التنبؤية، وتطبّق النماذج الاحتمالية. كما تعتمد على الواجهات البسيطة التي تتيح للمستخدم كتابة سؤال مباشر في أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي والحصول على إجابة فورية. إضافةً إلى ذلك، تلجأ بعض الشركات إلى الوكلاء الذكيين في مراكز الاتصال للرد على استفسارات العملاء في المستويين الأول والثاني.
وبالتالي نرى هذه التقنيات تُطبَّق جنبًا إلى جنب في الواقع.
لوسيا راهيلي: لنقرّب الصورة أكثر للمستمع، هل يمكنك أن تعطينا مثالًا عمليًا يوضح كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، وما الأثر الذي يتركه بالفعل؟
لارينا يي: سواء في العناوين الكبرى أو في الأبحاث المتعمقة، نجد أن وكيل الذكاء الاصطناعي أصبح حاضرًا في أذهان الجميع. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام هذا النوع من الذكاء لإعادة تصور عملية البحث العلمي من خلال توزيع المهام على مجموعة من الوكلاء يتعاونون معًا عبر مراحل زمنية متتابعة. كما يمكن تطبيقه أيضًا في معالجة طلبات القروض، حيث يتولى الوكلاء مراحل مختلفة مثل التحليلات، والموافقة، وتقييم المخاطر.
في مراكز خدمة العملاء، لم يعد الأمر يقتصر على إعطاء المتصلين تعليمات معقدة حول كيفية تغيير كلمة مرور أو ربط بطاقة ائتمان، بل أصبح الوكيل الرقمي قادرًا على تنفيذ هذه المهام مباشرة. وهنا تتسع مجالات الاستخدام بشكل لافت، مما يفسر لماذا تتسابق الشركات اليوم إلى اعتماد هذا النوع من وكلاء الذكاء الاصطناعي، وهي تطرح تساؤلات جوهرية: ماذا لو أصبح 10 في المئة من فريق العمل زملاء رقميين؟ كيف سيغيّر ذلك طريقة إنجاز المهام؟ وهل يمكن أن نعيد تصور شكل العمل ذاته أو على الأقل نحقق كفاءة أعلى وسرعة أكبر في الأداء؟
إن فكرة الزميل الرقمي لم تعد ضربًا من الخيال العلمي، بل أصبحت واقعًا يمكن تطبيقه اليوم. فالأمر لا يقتصر على نشر برمجيات جديدة، بل يتعلق بإدخال عنصر جديد إلى بيئة العمل ليشبه إلى حد كبير توظيف رأس المال البشري. ولتوضيح ذلك بمثال، إذا كان لديك وكيل أو فريق من الوكلاء، فأنت بحاجة أولاً إلى تجهيزهم تقنيًا للانضمام إلى بيئة العمل، ثم القيام بعملية إدماجهم، وتدريبهم، وتقديم التغذية الراجعة لهم، إلى جانب تعليمهم أساليب العمل وقواعده. نحن ما زلنا في المراحل الأولى من هذا المجال، لكن تأثيره بدأ فعليًا في تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى مفهوم القوى العاملة.
أين يصنع الذكاء الاصطناعي قيمته الحقيقية؟
لوسيا راهيلي: هل هناك أمثلة مميزة تبرهن بالفعل على الكيفية التي يصنع بها وكلاء الذكاء الاصطناعي قيمة ملموسة في الواقع؟
لارينا يي: بالتأكيد، وسأشارك بعض الأمثلة التي توضح ذلك. إحدى الشركات استخدمت وكلاء الذكاء الاصطناعي في إدارة عمليات البيع، ورغم أنها لم تغيّر حجم فريق المبيعات، فإنها نجحت في تحقيق زيادة بنسبة 11 في المئة في عدد العملاء المحتملين وفي معدلات التحويل، وهذا مثال ملموس على أثر هذه التقنية. أما في قطاع التجزئة، فقد أوضحت شركة أخرى كيف وظّفت وكلاء الذكاء الاصطناعي لمساعدة العملاء في قرارات الشراء وتخصيص التجربة؛ فهو يربط بين رغبات المستهلك، وتاريخه الشرائي، وما هو متاح في المخزون، بل ويتولى أحيانًا مهمة إتمام عملية الشحن مباشرة إلى العميل. وهكذا يتضح كيف يمكن لهذه التقنية أن تترجم الإمكانات النظرية إلى قيمة عملية وحقيقية.
وهذه الأفكار هي ما زالت أفكارًا أولية، لكنها بدأت بالفعل تسهم في معالجة التحديات التقليدية للأعمال وتحقيق أهدافها.
لوسيا راهيلي: إذًا، كيف يتمكّن القادة من إدارة عملية تبنّي الذكاء الاصطناعي، وضمان امتلاك الموظفين للمهارات اللازمة التي تمكّنهم من الاستفادة من هذه التقنية على نطاق واسع؟
لارينا يي: الناس يجربون شتى الأساليب، وما يبعث على التواضع فعلًا في هذه المرحلة هو أننا جميعًا نتعلم معًا ونسير في هذه الرحلة جنبًا إلى جنب.
من الأساليب التي أثبتت جدواها أن تعيد تخيّل عملك وكأنه وُلد في الأساس مع الذكاء الاصطناعي. بمعنى أن تمنح نفسك فرصة لتطرح أسئلة جوهرية: ماذا لو أعدت بناء نشاطي مستفيدًا من هذه القدرات الجديدة؟ إلى أي مدى يمكن أن يتغير عملي بصورة جذرية؟ وأي قيمة غير متوقعة قد أكتشفها؟ وبعد ذلك، يبقى القرار الأهم: ما حجم هذا التغيير الذي يمكن تطبيقه بالفعل على أرض الواقع.
أرى أن البداية الحقيقية تكمن في توسيع آفاق الرؤية والتفكير في المستقبل بجرأة. وبعدها تأتي مرحلة التجربة المباشرة مع الأدوات الجديدة: هل أتيحت لفريقي فرصة الوصول إلى هذه التقنيات؟ وهل أستخدمها بنفسي لأتعرف على إمكاناتها؟ ثم الأهم، هل نتعلم خطوة بخطوة من التجربة، ونتبادل النقاش مع الزملاء، ونتشارك ما ينجح معنا وما لا ينجح، لنمضي جميعًا في مسار التعلم الجماعي؟
ومع ذلك، تبقى هناك ثوابت في عالم الأعمال لا تفقد أهميتها مع مرور الوقت. فنحن بحاجة دائمًا إلى دراسات جدوى واضحة، وإلى تحديد أولويات حقيقية تضمن إحداث فارق ملموس، مع توفير الموارد الكافية لها، وتطبيق الأساسيات التي نعلم جميعًا أنها ضرورية لنجاح أي مشروع. فمن الرائع أن نجرب ونستكشف، لكن في مرحلة ما يجب أن نضع رهانات مدروسة ونستثمر فيها بجدية لنحقق النتائج.
لوسيا راهيلي: ما رأيك في الطريقة المثلى للحصول على رؤية مبنية على البيانات وواقعية تجاه المخاطر، ثم البدء في إدارتها بنجاح؟
لارينا يي: من الضروري أن نظل متيقظين لما قد يترتب من نتائج غير مقصودة، وللمخاطر الجديدة التي قد تفرضها هذه التقنية عندما نستخدمها بطرق أكثر قربًا من الناس، لأننا أصبحنا نعمل معها جنبًا إلى جنب. فوجود زميل رقمي يشاركنا مساحة العمل يختلف تمامًا عن أداة تعمل في الخلفية دون أن نشعر بها. ولهذا، فإن القادة بحاجة إلى قدر كبير من الشجاعة لمواجهة السؤال الصعب: ماذا يمكن أن يحدث لو سارت الأمور على غير ما نريد؟
بإمكاننا أن نتعامل مع هذا الموضوع بعقلانية وواقعية، دون أن ننظر إليه كأنه سيناريو مظلم أو كارثة مستقبلية.
لوسيا راهيلي: ما النصائح التي يمكن أن تساعد القادة وهم يشرعون في هذا التحول الكبير، بما يحمله من غموض وعدم يقين؟
لارينا يي: برأيي، من يحصل على فرصة قيادة هذا التحول كأنه نال هدية حقيقية. فالقائد اليوم يحتاج أن يسأل أكثر ويستمع أكثر، بدلًا من أن يكتفي بإعطاء التصريحات أو فرض الآراء. صحيح أننا لا نملك وضوحًا كاملًا أو يقينًا مطلقًا، لكن لا مشكلة في ذلك، فهذا جزء طبيعي من رحلة التغيير.
عدم اليقين ليس عائقًا، بل يمكن أن يكون جزءًا أساسيًا من رحلتنا؛ فحين نسير وسط الغموض، نكتشف القيمة الحقيقية ونفتح أبوابًا لم نكن نتوقعها. وإذا لم نترك مجالًا للأسئلة والتجربة، قد نفقد فرصًا ثمينة. لذلك، لا أراه أمرًا سلبيًا على الإطلاق، بل أعتبره فرصة عظيمة تمنحنا طاقة جديدة لإعادة التفكير والابتكار.
علينا أن نتذكر دائمًا أن القرار بأيدينا نحن؛ فنحن من يحدد السرعة التي نمضي بها. فالتكنولوجيا في النهاية ليست سيدًا يأمرنا، بل أداة نصوغ بها المستقبل كما نريد. إذا لم نرغب أن تنجز 70 في المئة من المهام بدلًا عنا، فلن تفعل ذلك، لأنها ببساطة لا تفرض شيئًا، بل تنتظر منا أن نقرر كيف نوظفها.
المستقبل الجديد للروبوتات
لوسيا راهيلي: لماذا تُعد الروبوتات من أبرز التوجهات في الأبحاث هذا العام؟
سفين سميت: هناك أسباب كثيرة تجعل الروبوتات في صدارة المشهد. أنا شخصيًا أحب أن ألعب لعبة أسميها "ابحث عن الروبوت". فالجميع تقريبًا رأى روبوتات التنظيف في حياتنا اليومية، لكن قلة قليلة فقط شاهدت ما يحدث داخل المراكز اللوجستية، حيث تتسلق الروبوتات الرفوف وتلتقط المنتجات بمهارة. واليوم، هناك مراكز باتت تُدخل أعدادًا من الروبوتات تفوق ما توظفه من البشر، وهذه لحظة فارقة تكشف أننا أمام نقطة تحول حقيقية في عالم العمل.
ونرى اليوم سيلًا من المقاطع المصوّرة لروبوتات شبيهة بالبشر، روبوتات قادمة بقوة، ستتمكن من السير بنفسها كما يقود البعض سياراتهم ذاتية القيادة. نحن أمام جيل جديد من الروبوتات يخطو أولى خطواته نحو واقع لم يعد بعيدًا.
ومن أكثر المشاهد التي أثارت دهشتي في لعبة "ابحث عن الروبوت" ما رأيته في مطار سخيبول الذي أزوره كثيرًا. هناك كراسي متحركة ذكية؛ بمجرد أن تجتاز نقطة التفتيش تجلس عليها، تدخل رقم بوابتك، فتنقلك مباشرة إلى هناك دون أي تدخل، ثم تعود من تلقاء نفسها لتواصل خدمة غيرك.
لوسيا راهيلي: مدهش فعلًا. فالأبحاث تشير إلى أن الروبوتات التكيفية بدأت تتسارع في مجالات لم تخطر في البال، مثل الطاقة والتقنيات المستدامة. كيف ينعكس ذلك عمليًا على أرض الواقع؟ وما الدلالات التي يحملها حول الاتجاه الذي نتجه إليه في المستقبل؟
سفين سميت: في مجال الطاقة، يتعلّق الأمر بعمليات ضخمة مثل تركيب المعدات، وهي مهام معقدة ستحتاج حتمًا إلى روبوتات شبيهة بالبشر. تخيّل معي، كل عمل يدوي يتكرر يومًا بعد يوم يمكن أن يتحول مع الوقت إلى مهمة تنفذها الروبوتات بدقة وكفاءة، وكأننا ندخل عصرًا جديدًا من الأتمتة الكاملة.
فالأعمال المعقدة مثل ترميم بيت قديم أو إعادة تمديد شبكة كهرباء كاملة ستبقى بطبيعتها بحاجة إلى وقت أطول وخبرة بشرية خاصة. لكن تخيّل في المقابل تلك المهام المتكررة والموحّدة في قطاعات مثل الطاقة؛ هذه بالذات ستكون أول الأبواب التي تدخل منها الأتمتة، لتتحول إلى خطوات آلية تنجزها الروبوتات بسرعة ودقة، وكأنها تعيد رسم مستقبل العمل أمام أعيننا.
لوسيا راهيلي: عندما نتحدث عن تبنّي الروبوتات، هل الهدف الأساسي هو استبدال البشر فعلًا، كما أشرت قبل قليل؟ أم أن الأهم هو تعزيز قدراتنا وتغيير الطريقة التي نعمل بها؟
سفين سميت: أعتقد أن مسألة ما إذا كانت الروبوتات ستحل محل العمل البشري أو ستضيف إليه، تكاد تكون في النهاية خيارًا بيدنا. وما نعرفه حتى الآن هو أنه إذا أصبحت الروبوتات منخفضة التكلفة بما يكفي كما تشير بعض التقديرات ـ فإنها ستجعل كثيرًا من المهام أقل كلفة، ومن ثم سيرتفع الطلب عليها بشكل طبيعي.
وتُعرف هذه المسألة تقليديًا بمشكلة البنّاء الحجري. تخيّل أن نستبدل نصف البنّائين بروبوتات متخصصة، فنقلّص عدد الأيدي العاملة إلى النصف. هذا سيناريو ممكن. لكن هناك رؤية أخرى أكثر إثارة: أن يصبح البناء رخيصًا وسهلًا لدرجة أن يقف إلى جانب كل بنّاء بشري روبوت مساعد، يمد له اليد في حمل الحجارة وتشييد الجدران. والنتيجة؟ مدن تنمو أسرع، بيوت ومكاتب أكثر، بجودة أعلى، ولعدد أكبر من البشر.
وعندما نتحدث عن التحديات الكبرى التي تواجه العالم اليوم، فإن أزمة السكن الميسور تأتي في المقدمة. وهنا يظهر دور الروبوتات، إذ يبدو أن انخفاض تكلفتها سيجعل كثيرًا من المهام أقل كلفة وأكثر سهولة. وبدلًا من استبدال نصف البنّائين بروبوتات، يمكن أن يمتلك كل بنّاء روبوته الخاص ليعاونه. وفي عالم مثالي، سيكون لدينا مكسب مضاعف: فإما أن يعمل الروبوت إلى جانب البنّاء، أو يعمل بلا توقف أربعًا وعشرين ساعة في اليوم، ليواصل البناء حتى عندما يتوقف البشر للراحة.
ومن الطبيعي أن تتغير نماذج الأعمال يومًا بعد يوم. فالكثيرون يعتبرون أن القيادة الذاتية الكاملة ما هي إلا شكل آخر من الروبوتات. والسؤال هنا: هل ستلغي هذه التقنية جميع وظائف سائقي الأجرة وخدمات النقل مثل أوبر؟ والجواب هو: ربما، ولكن في المقابل، قد تفتح الباب أمام وظائف جديدة تمامًا، مثل إدارة أساطيل السيارات، وتنظيفها، وتوزيعها في المواقع المناسبة، ومراقبة سلوك الركاب، وتنظيم الخدمات اللوجستية، وحتى توصيل الطرود. وفجأة، يرتفع الطلب بشكل هائل. وغالبًا ما نقلل من شأن معادلة الطلب، في حين أن الأتمتة حين تجعل الأمور أقل كلفة، فإنها تدفع بالطلب إلى مستويات غير متوقعة.
لوسيا راهيلي: عندما نتحدث عن مثال البنّاء الحجري، هل هذا ما يُقصد به مصطلح الروبوتات التعاونية أو ما يُعرف بـ "كوبوتس"؟ أي تلك الروبوتات التي لا تحل محل الإنسان، بل تعمل إلى جانبه وتدعمه. فكيف نتوقع أن نراها تدخل بيئات العمل في المرحلة القادمة؟
سفين سميت: في الحقيقة، مصطلح الروبوتات التعاونية أو "كوبوتس" سيتطور مع الزمن كما تتطور لغتنا نفسها. لكن الأهم من الأسماء هو الفكرة التي تقف وراءها: فكل أشكال الأتمتة، سواء كانت روبوتات أو ذكاءً اصطناعيًا، ليست خصمًا للبشر، بل قوة تضاعف قدراتنا الإبداعية والابتكارية والإنتاجية. وهكذا كانت التكنولوجيا دائمًا عبر التاريخ، أداة توسّع إمكانات الإنسان وتفتح أمامه آفاقًا جديدة.
إذا تأملنا في الزراعة، فقد كانت في الماضي تشغل مئة بالمئة من القوى العاملة، بينما لا تتجاوز اليوم 2 بالمئة فقط. ومع ذلك، أصبح المزارعون أكثر إنتاجية بفضل أدوات الأتمتة التي ظهرت في زمانهم، مثل الجرار الزراعي وغيره. وأنا أرى أن مستقبل الروبوتات والذكاء الاصطناعي يسير على نفس النهج.
لوسيا راهيلي: إذا انتقلنا إلى الحاضر، ما الذي ينبغي على القادة أن يضعوه في صدارة أولوياتهم حين يتعلق الأمر بالروبوتات؟ وكيف يمكنهم تحديد ما هو أهم في ظل أن الإجابة ستختلف بطبيعة الحال من قطاع إلى آخر؟
سفين سميت: بوجه عام، ومع الأتمتة التي يقودها الذكاء الاصطناعي، ومعها الروبوتات، فإن الرابح الحقيقي سيكون دائمًا من يتعلم أسرع. أما فكرة أن أحدًا يعرف مسبقًا كيف ستسير الأمور بالضبط، فهي في رأيي نوع من الغرور. لكن إن لم تشارك وتخض التجربة، فلن تعرف إلى أين تتجه الأمور، ولا متى يكون الوقت مناسبًا للتوسع والتعمق، أو متى تكتفي بالتعلم السطحي وجمع الخبرة.
وكما تتساءل الشركات خطوة بخطوة عمّا يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينجزه، عليها أن تفعل الأمر ذاته مع الروبوتات: عملية بعد أخرى، ما الذي يمكن تنفيذه؟ ومتى يكون التوقيت مناسبًا للتجربة؟ ومتى يحين وقت التوسع؟ ففي النهاية، إذا لم تكن الشركة في حالة تعلّم مستمر داخل هذا المجال، فإنها ببساطة ستتأخر عن الركب.
حين تزداد وتيرة التحوّل في الطاقة
لوسيا راهيلي: دعونا ننتقل الآن إلى واحد من أكثر الاتجاهات إثارة هذا العام، وهو التحوّل في مجال الطاقة. فالطلب على الطاقة يزداد يومًا بعد يوم، والذكاء الاصطناعي أصبح من أبرز العوامل التي تقوده، خاصة مع الضجة الكبيرة حول استهلاك مراكز البيانات للكهرباء. إذن، لماذا يُعتبر تحول الطاقة من أهم الاتجاهات التكنولوجية في هذا العام؟
سفين سميت: في الماضي، كنّا ننظر إلى تحول الطاقة على أنه استبدال للطاقة التقليدية بمصادر جديدة، وهذا هو ما كان يُقصد به التحوّل. أما اليوم، فالصورة مختلفة؛ إذ إننا بحاجة إلى المزيد من الطاقة نفسها، لا مجرد استبدالها. ويعود ذلك ليس فقط إلى الذكاء الاصطناعي وما يتطلبه من قدرات هائلة، بل أيضًا إلى ازدياد الثراء العالمي وتوسع الاحتياجات.
تخيّلوا عالمًا يتطلب طاقة أكبر مما اعتدنا عليه؛ عالمًا لا يكفيه النفط والغاز وحدهما لتلبية احتياجاته المتزايدة. وفي خضم هذا السباق، يبرز سؤال الموثوقية: من أين نحصل على طاقة إضافية لا تنقطع؟ وهنا يعود الحديث بقوة عن الطاقة النووية، فهي تُقدَّم كخيار نظيف وقادر على سد الفجوة، لتصبح جزءًا من معادلة مستقبل الطاقة.
إن الحقائق الأساسية تخبرنا أن هذه المصادر ستصبح جزءًا لا غنى عنه من مزيج الطاقة. فإذا كنا سنحتاج إلى ضعف ما نستهلكه اليوم، فهذا يعني أننا مطالبون بوحدة كاملة من الطاقة غير المعتمدة على النفط والغاز لتغطية الزيادة وحدها. ومن هنا يبرز مستقبل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والاندماج النووي، والانشطار، وغيرها من المصادر التي قد تعيد تشكيل مشهد الطاقة عالميًا.
وأرى أن الجدل حول الطاقة، وبخاصة الكهرباء، يزداد حدّة يومًا بعد يوم، فيما يقترب شبح نقص الكهرباء بسرعة. والجميع اليوم يبحث عن مصدر تالي للكهرباء يكون واسع النطاق، ثابتًا وموثوقًا، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال مزيج يجمع بين التقنيات القديمة والجديدة، شرط أن تكون قادرة على التوسع السريع لتلبية الطلب المتصاعد.
لوسيا راهيلي: إذا نظرنا إلى مسار تحوّل الطاقة، فما المجالات التي تراها الأقرب اليوم للانطلاق نحو نمو تجاري سريع؟ وأيها يبدو مستعدًا ليغيّر قواعد اللعبة بالفعل؟
سفين سميت: أعتقد أن العامل الحاسم هنا هو الكلفة. فأسرع القطاعات نموًا في الوقت الحالي هو الطاقة الشمسية، تليها مباشرة طاقة الرياح. وهناك أيضًا اهتمام متزايد بالطاقة النووية يجري أخذه على محمل الجد أكثر من أي وقت مضى. وبعد ذلك تأتي تقنيات التخزين، والنقاش الدائر حول البطاريات باعتبارها الخطوة التالية.
لوسيا راهيلي: إذا تجاوزنا الجانب التكنولوجي، فالأبحاث تكشف أن التحديات الحقيقية للتوسع تكمن أيضًا في سلاسل التوريد ومتطلبات البنية التحتية. برأيك، ما العقبات الأكبر التي قد تعيق هذا التوسع، وأين يمكن أن نصطدم بأصعب العوائق في الطريق؟
سفين سميت: التحديات كثيرة ومتنوعة. فعلى سبيل المثال، في الصين يجري بناء منشآت عملاقة بمعدل يكاد يتكرر كل أسبوع، بينما لا نقترب من هذا المعدل تقريبًا في أي مكان آخر من العالم. ما نحتاجه الآن هو وتيرة بناء أسرع بكثير مما عليه الحال حاليًا.
ولهذا نرى اليوم اتجاهًا لإعادة تشغيل بعض المحطات القديمة من جديد، وهذا يخص جانب محطات الطاقة فقط. لكن بما أننا نتحدث عن الكهرباء، فالأمر يتطلب أيضًا إنشاء شبكات جديدة، إلى جانب توفير قدر أكبر من التخزين أو ابتكار وسائل أخرى لضمان استمرارية الخدمة. نحن في الواقع أمام مشروع استثماري ضخم يستدعي أعمال إنشاء هائلة، أشبه بما شهدناه في مشاريع البنية التحتية الكبرى عبر التاريخ.
لوسيا راهيلي: ما مدى تفاؤلكم بإمكانية الوصول إلى تحوّل في مجال الطاقة يكون أكثر استدامة ومرونة، وذلك ضمن أفق زمني معقول؟
سفين سميت: ما يتضح اليوم هو أن الناس بدأوا يدركون أن الطاقة هي العمود الفقري الذي يدير العالم. وحين يقرر البشر أن يبنوا، فإنهم قادرون على الإنجاز. ففي السابق، كان الحديث يتركز فقط على استبدال النفط والغاز، وهو ما بدا وكأنه خطوة إيجابية للمناخ، لكنه في الوقت نفسه مثّل تهديدًا للنظام القديم، فكانت المقاومة كبيرة. أما الآن، فالصورة مختلفة؛ فحين نقول إننا بحاجة إلى ضعف كمية الطاقة، وبسرعة، ومعها الذكاء الاصطناعي والكهرباء ابتداءً من الغد، ندخل في عقلية مختلفة تمامًا، عقلية البناء. وهذا ما يجعلني متفائلًا، لأن العالم بدأ يتبنى فكرة أن المستقبل يتطلب مشروعًا إنشائيًا ضخمًا للطاقة. فالعقلية هي ما يصنع الفارق.
التعامل مع معادلة السرعة والكلفة
لوسيا راهيلي: حسنًا، إذا بدأنا من الأعلى، فما هي برأيك الأولوية الأهم التي يجب أن يركّز عليها القادة وهم يتعاملون مع تحوّل الطاقة؟ وأي جانب يستحق أن يكون في صدارة الاهتمام؟
سفين سميت: أرى أن أمامنا أولويتين أساسيتين. الأولى هي تحقيق السرعة في التنفيذ، وهو ما يرتبط بتحديات سلاسل التوريد في مشروعات إنشاء الطاقة والتحوّل فيها. أما الثانية، وهي بالغة الأهمية، فهي أن ندرك ضرورة ألّا يتم هذا البناء بتكلفة باهظة تفوق حدود المعقول.
لذا، فإن الطاقة الميسورة التكلفة هي التي ستحرك عجلة التقدم، سواء تعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي أو بازدهار حياة البشر بشكل عام. صحيح أنه يمكننا أن نضع في الأولوية مشروعات باهظة التكلفة، لكن يمكننا أيضًا أن نوجّه الاهتمام إلى مشروعات أقل كلفة، ولديها في الوقت نفسه فرصة لأن تصبح أرخص مع مرور الوقت.
أتمنى أن نبني مشروعات تحقق جدواها الاقتصادية على المدى المتوسط، حتى لو احتاجت بعض الدعم في البداية. لكن علينا أن نتجنب تمامًا الاستثمار في مشروعات غير مجدية أمام بدائل الطاقة الميسورة. فالأولوية الحقيقية هي الجمع بين التوسع والقدرة على تحمّل التكلفة، مع ضمان أن تكون الطاقة نظيفة وآمنة، وقادرة على تلبية الطلب دون انقطاع.
لوسيا راهيلي: كيف يمكن لحالة التقلبات الجيوسياسية الراهنة أن تؤثر في سرعة التوسع والوصول إلى الحجم المطلوب؟
سفين سميت: لقد أصبحت الجغرافيا السياسية هي المحرك الأساسي للنقاش حول الطاقة؛ فهناك من يسعى لامتلاك مصادر مستقلة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على بعض المصادر المعتمدة. ولهذا نرى اندفاعًا هائلًا نحو بناء مصادر طاقة مستقلة. فالجيوسياسة لا ترتبط فقط بأمن الطاقة، بل تنعكس أيضًا على مسألة كلفتها. وإذا لم تكن الطاقة ميسورة التكلفة، فلن يكون بالإمكان كسب سباق الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعني في النهاية خسارة معركة الأمن نفسها.
كيف تقود أشباه الموصلات عصر الذكاء الاصطناعي
لوسيا راهيلي: "روجر"، أهلًا بك. دعنا نتحدث عن أحد اتجاهات هذا العام، والذي قد يبدو للوهلة الأولى أقل إثارة من موضوعات مثل وكلاء الذكاء الاصطناعي، لكنه في الواقع يشكّل الأساس الذي يقوم عليه الكثير مما يتيحه الذكاء الاصطناعي، وهو أشباه الموصلات المخصّصة للتطبيقات. هذه الرقائق صُممت خصيصًا لتأدية مهام متخصصة، وتتميز بسرعة كبيرة وكفاءة في استهلاك الطاقة وأداء عالٍ. لذلك أود أن أسمع منك بإيجاز وبشكل مباشر: لماذا تُعد هذه الرقائق مهمة؟ ولماذا يزداد دورها أهمية في عالم الأعمال؟
روجر روبرتس: بدأت قصة وحدات معالجة الرسوميات، أو ما نعرفه بالـ "GPU"، كمعجّلات رسومية لأجهزة الحاسوب، صُممت بالأساس لتشغيل الألعاب التفاعلية في الوقت الفعلي. لكن المفاجأة كانت أنها تمتلك البنية المثالية لمعالجة البيانات بالسرعات الهائلة التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي، لتصبح حجر الأساس في هذه الثورة.
وهكذا وجدنا أنفسنا في عالم جديد، حيث أصبحت حوسبة الذكاء الاصطناعي ـ سواء لتدريب النماذج أو لاستخدامها في الاستدلال ـ تولّد طلبًا غير مسبوق على أشباه الموصلات. وما نراه اليوم هو موجة مستمرة من الابتكار، إذ لم تعد وحدات الـ "GPU" مجرّد أداة عامة لتشغيل الذكاء الاصطناعي، بل تحوّلت إلى نقطة انطلاق نحو رقائق مصممة خصيصًا لكل تطبيق، لتقدّم سرعة أعلى، وكفاءة أكبر، وأداء يغيّر قواعد اللعبة.
وهذا قد يعني مثلًا تصميم أنواع محددة من أشباه الموصلات تُسرّع عمليات معقدة، كإضافة عمليات بيولوجية أو استكشاف كيفية عمل الجزيئات داخل الخلية. وما يمكن لمثل هذه المحاكاة أن تتيحه يفتح آفاقًا واسعة لعلاجات جديدة. وعندما نبدأ في التفكير في الرقائق المخصّصة للتطبيقات وننظر إلى المستقبل، يزداد حماسنا تجاه الإمكانات الهائلة التي قد تنطلق من تسريع هذه الاستخدامات الدقيقة والمهام المتخصصة.
لوسيا راهيلي: مع التوسع الكبير في مراكز البيانات، كيف سينعكس ذلك على تطور الرقائق الإلكترونية؟ وهل سنشهد ابتكارات ثورية قادرة على تقليل الاستهلاك الهائل للطاقة الذي يتطلبه الذكاء الاصطناعي اليوم؟
روجر روبرتس: هناك عدة نقاط جديرة بالتفكير. أولها أن الرقائق نفسها أصبحت خلال السنوات الماضية أكثر كفاءة بما يقارب ألف مرة في تمرير قدر أكبر من العمليات الحاسوبية عبر نفس المساحة من الشريحة. وإذا تخيلت هذه الرقائق مكدّسة في وحدات وأرفف عالية الكثافة داخل مركز بيانات، فهذا يعني أنني أحصل على إنتاجية أكبر مقابل كل قدم مربع أو كل وحدة سعة أو حجم داخل هذا المركز.
غير أن هذه القدرة الهائلة تولّد حرارة ضخمة، وهنا يبدأ التحدي الحقيقي: كيف نتخلص بسرعة من تلك الحرارة المتراكمة داخل الرقاقة؟ تخيّل قاعات مراكز البيانات وهي تشتعل بحرارة الأجهزة، ثم ترى الحلول المبتكرة تظهر؛ فبدلًا من الاعتماد على الهواء المتدفق، يجري استخدام أنظمة تبريد متقدمة تعتمد على المياه، بل وحتى على سوائل خاصة أكثر تطورًا، تدور حول الرقاقة كما لو كانت شرايين تبريد، تسحب الحرارة وتحافظ على استقرار الأداء.
وهذا بدوره يتيح لنا زيادة الكثافة، حيث تسمح الابتكارات على مستوى النماذج باستخدام قدرة الرقاقة بكفاءة أعلى. وربما نشهد تحسنًا آخر يصل إلى ألف مرة في كفاءة البرمجيات، فقط عبر استخدام البيانات المناسبة في الوقت المناسب، أو تشغيل أجزاء محددة من بنية النموذج بدلًا من تشغيله كاملًا، ومع ذلك نحصل على نتائج مبهرة. كل هذه التطورات مجتمعة تسهم في تغيير مسار منحنى الطلب على الطاقة وتقليصه بشكل ملحوظ.
لوسيا راهيلي: ومع هذا الطلب المتصاعد على الطاقة، ما نوع العواقب أو التداعيات التي ينبغي أن نكون على دراية بها؟
روجر روبرتس: إن الطلب المتسارع على معالجة المزيد من الرموز، وإنتاج المزيد من المخرجات التوليدية بفعل استخدامات الذكاء الاصطناعي، سيشعل سباقًا كبيرًا على الطاقة. وسنرى استهلاك الكهرباء يرتفع بوتيرة هائلة، ما يضع ضغوطًا ضخمة ليس فقط على قدرة التوليد، بل أيضًا على شبكات النقل التي يجب أن توصل هذا السيل من الطاقة إلى مراكز البيانات، تلك المراكز التي تبدو وكأنها تبتلع الكهرباء بلا توقف.
لوسيا راهيلي: كيف يمكن استخدام هذه الرقائق لتحسين الأداء أو تعزيز الكفاءة من حيث التكلفة؟
روجر روبرتس: لنأخذ الروبوتات كمثال، أو ما يُسمّى اليوم أحيانًا بوكلاء الذكاء الاصطناعي. هذه الروبوتات قد تتجسّد في أشكال متعددة، لكن جوهرها يكمن في دمج أنماط مختلفة من قدرات الذكاء الاصطناعي داخل كيان واحد. والنتيجة؟ كأنك تجمع الحواس البشرية كلها من بصر وسمع ولمس في جسد آلي واحد قادر على التفاعل مع محيطه كما لو كان إنسانًا.
فقد يكون لدي عناصر تساعدني على فهم اللغة، وأخرى تمنحني القدرة على الرؤية والملاحة، وأخرى تمكّنني من التحكم بحركتي داخل البيئة المادية بكفاءة. وهذا يعني أن الروبوت قد يحتوي في داخله على شرائح ذكاء اصطناعي مخصّصة لتطبيقات مختلفة، تعمل معًا بشكل متكامل لتوحد هذه القدرات في منظومة واحدة.
لوسيا راهيلي: هذا مثال رائع فعلًا. ممتاز. لكن ماذا عن جانب الكفاءات في صناعة أشباه الموصلات؟ كيف يبدو ميزان العرض والطلب على المواهب في هذا المجال؟
روجر روبرتس: صناعة أشباه الموصلات تواجه قيودًا متعددة؛ منها القدرة المحدودة على التصنيع، وأحيانًا صعوبة نقلها حول العالم عبر سلاسل التوريد. لكن أحد أكبر القيود يتمثل في المواهب البشرية، فالأمر لا يقتصر على الحاجة لمهندسين يصممون هذه الرقائق، بل أيضًا لخبراء قادرين على نقلها إلى مرحلة الإنتاج الواسع النطاق.
فلا توجد سوى قلة من الشركات حول العالم تملك القدرة على تصميم المعدات، أو تمتلك الخبرة الكافية لتوسيع نطاق التصنيع إلى المستويات والجودة والأداء المطلوب اليوم. ومعظم هذه الكفاءات مركّزة في عدد محدود من الشركات وفي بضع دول فقط، ما يجعل المواهب موردًا نادرًا وثمينًا للغاية.
لوسيا راهيلي: صحيح، وإذا انتقل تصنيع الرقائق بشكل أكبر إلى الولايات المتحدة، فسيكون من الضروري إيجاد آلية حقيقية لبناء القدرات وتطوير الكفاءات. فكيف يمكن سد هذه الفجوة المتزايدة في المواهب؟
روجر روبرتس: بالتأكيد. فمع انتقال جزء من صناعة الرقائق إلى الخارج، خسرت الولايات المتحدة تدريجيًا شريحة مهمة من المواهب العملية والمهارات التطبيقية المباشرة. لذلك أستطيع أن أقول: نعم ما زلنا نملك قدرات رائعة في التصميم، لكن الحقيقة أن التصنيع على نطاق واسع يحتاج إلى أيادٍ خبيرة ومدرَّبة بعناية.
وكذلك، مع انتقال جزء متزايد من عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة، وبدء بناء مصانع عالمية الطراز على أراضيها، ستظهر حاجة ملحّة لإطلاق ورشة كبرى لإعادة تأهيل الكفاءات البشرية. فالعاملون في الخطوط الأمامية سيحتاجون إلى تدريب نوعي، والمصممون والمهندسون سيكون عليهم تطوير أساليب وعمليات جديدة داخل تلك المصانع.
بناء الثقة الرقمية
لوسيا راهيلي: والآن، دعونا نفتح ملفًا بالغ الأهمية وهو الثقة الرقمية والأمن السيبراني. من فضلك، أطلعنا على الصورة الكبرى لهذا الاتجاه؟ وما الذي قد نخسره أو نكسبه ونحن ندخل بقوة في اقتصاد الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على سلوك العملاء أو على دعم الشركاء وأصحاب المصلحة؟
روجر روبرتس: ببساطة، الثقة هي المفتاح لتسريع استخدام الذكاء الاصطناعي وتحقيق أثره. فهي ليست مجرد التزام نلتزم به لأن القوانين تفرضه علينا، بل لأن وجود الثقة هو ما يجعل الناس يقبلون على تبني الابتكارات واستخدامها. ومن دونها، لن تصل هذه الابتكارات إلى العالم بالسرعة والانتشار المطلوبين.
لوسيا راهيلي: هل يُمثّل تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية عاملًا مؤثرًا في هذا المجال؟ أم ترونه خطرًا ثابتًا نسبيًا لا يتغير كثيرًا؟
روجر روبرتس: كل الأطراف الساعية إلى تبنّي الذكاء الاصطناعي ستكون مضطرة للاهتمام بمسألة الثقة، ولا خيار أمامها في ذلك. فالثقة بين الدول ليست شرطًا كي تهتم الشركات بهذا الموضوع. لكن هل سيكون الوضع أفضل لو وُجدت شراكات وتعاون عابر للحدود يضمن معايير وتوقعات موحّدة عالميًا؟ بالتأكيد، فهذا من شأنه أن يمنح الشركات إطارًا أبسط وقواعد أوضح للعمل في كل مكان. ومع ذلك، ورغم أننا لم نشهد هذا المستوى من التنسيق في مجالات رقمية أخرى، فقد تحقق تقدم كبير. ولهذا ما زلت متفائلًا بأن القوى الاقتصادية ستدفع بنا في الاتجاه الصحيح.
لوسيا راهيلي: برأيك أين وصلت الشركات في تبنّي التقنيات اللازمة لتعزيز الثقة الرقمية؟ وما التحديات التي قد تواجهها إذا لم تكن قد قطعت شوطًا كافيًا في هذا المجال حتى الآن؟
روجر روبرتس: أمامنا الكثير لنفعله، لأن المشهد يتغير باستمرار. فعلى سبيل المثال، لنأخذ وكلاء الذكاء الاصطناعي، وبالأخص في مجال التجارة، كمثال. فإذا كنت أدير موقعًا إلكترونيًا، فإن الكيانات الرقمية التي تظهر على موقعي لتتفحّص المنتجات والأسعار كان يُطلق عليها في الماضي برامج خبيثة أو روبوتات ضارة.
أما اليوم، فقد يكون ذلك الكيان مجرد وكيل رقمي لشخص يرغب في القيام بعملية شراء محتملة. وهنا يكمن التحدي: كيف نميّز بين الحركة السليمة وتلك المريبة، أو بين الروبوتات النافعة وتلك الضارة؟ وهذا يعني أن هذه الوكلاء الرقميين سيحتاجون إلى وسائل توثيق، مثل رموز أو هويات رقمية، تتيح للموقع السماح لهم بالدخول والتصرف كما لو كانوا بشراً. وفي المقابل، على الإنسان أن يثق بأن هذا الوكيل سيتصرّف ضمن الحدود والضوابط التي وُضعت له.
لوسيا راهيلي: وماذا عن جانب المواهب؟ كيف تبدو خريطة الكفاءات في هذا المجال، وهل لدينا ما يكفي من الخبرات لمواكبة هذا التطور السريع؟
روجر روبرتس: المواهب في هذا المجال ستكون تحديًا وعامل تقييد في الوقت نفسه. فنحن بحاجة إلى إعداد جيل جديد من الكفاءات في التجارة الإلكترونية، لا يقتصر دورهم على تحسين تجربة العميل على الموقع فحسب، بل يمتد أيضًا إلى ابتكار تجارب متكاملة مع الوكلاء الرقميين.
علينا أن نساعد وكلاء التجارة الرقمية على التصفّح والتنقل داخل الموقع. وفي الواقع، يتجسد الخبر الجيد اليوم في أنهم قادرون على القيام بذلك بطرق شبيهة بالبشر، دون الحاجة إلى إعادة بناء كاملة لهندسة الموقع. لكن في المقابل، هذا لا يعني أن النموذج الحالي لتصفّح البشر هو بالضرورة الأنسب لتجارة الوكلاء الرقميين، سواء في دفع العملاء عبر مسار المبيعات أو في إتمام الصفقات.