رغم مرور 112 عامًا على تأسيسها، تثبت "هولسيم" أن الخبرة الطويلة لا تعيق الابتكار، بل تعززه وتدفعه إلى الأمام. وباعتبارها شركة عالمية يقع مقرها في سويسرا، ولديها حضور في 70 دولة حول العالم، وتحقق مبيعات صافية تبلغ 27 مليار دولار، تستمر "هولسيم" في تبني أحدث التقنيات لتحسين عملياتها وتعزيز تجربة العملاء. ومن بين هذه الجهود، تعمل الشركة على تطوير عملية طلب الأسمنت، التي كانت تعتمد في السابق على إجراءات يدوية تستغرق وقتًا طويلًا. ولجعل هذه العملية أكثر سرعة وسهولة، بدأت "هولسيم" في اختبار حل رقمي جديد يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يتيح هذا النظام للعملاء تقديم طلباتهم بسرعة من خلال تطبيق للمراسلة، مما يلغي الحاجة إلى الخطوات التقليدية المعقدة. ونتيجة لذلك، أصبح فريق المبيعات قادرًا على التركيز بشكل أكبر على الطلبات الأكثر تعقيدًا، التي تتطلب تفاعلًا مباشرًا واستشارات متخصصة. وفي إطار مناقشة هذا المشروع الطموح، أجرى جوان بيلتران، مدير الإدارة الرقمية للتميز في المبيعات العالمية بشركة "هولسيم"، حوارًا مع "خوسيه كارلوسيو" من ماكنزي ضمن سلسلة الحوارات القيادية حول النمو، وخلال اللقاء استعرض "بيلتران" الإمكانات الكبيرة التي يوفرها هذا الحل الرقمي، فيما يلي النسخة المُحررة من هذا الحوار.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
خوسيه كارلوسيو: كيف تتم عملية طلب الأسمنت من منظور العميل؟ وما هي الخطوات التي يمر بها منذ لحظة اتخاذ القرار وحتى استلام الطلب؟
جوان بيلتران: في السابق، كانت عملية طلب الأسمنت بسيطة ومباشرة للغاية. فكُل ما كان على العميل فعله هو الاتصال بمندوب المبيعات وإخباره: "أريد شاحنة أخرى من الأسمنت." وبمجرد تلقي الطلب، يقوم المندوب بمراجعة العقد، والتأكد من توفر المواد المطلوبة، ثم تحديد عنوان التسليم. وخلال هذه العملية، يجري نقاشًا سريعًا مع العميل للتأكد من تلبية احتياجاته. بعدها، يتم شحن الطلب دون أي تعقيدات إضافية. كان النظام يعتمد بشكل أساسي على التواصل المباشر، مما جعله سلسًا وسهل الاستخدام.
خوسيه كارلوسيو: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يُبسّط عملية هي بالفعل سهلة ومباشرة؟
جوان بيلتران: نسعى لجعل عملية الطلب أسهل وأكثر تلقائية، بحيث يتمكن العملاء من تقديم طلباتهم بكل بساطة عبر واتساب، دون الحاجة إلى اتباع إجراءات معقدة. اخترنا هذه المنصة لأنها مألوفة للجميع وسهلة الاستخدام، لكننا لم نتوقف عند ذلك. نحن نوظف الذكاء الاصطناعي التوليدي لفهم اللغة الطبيعية التي يستخدمها العملاء عند الطلب، حتى لو لم يذكروا رموز المنتجات أو أسمائها الدقيقة. ببساطة، يمكن للعميل أن يرسل رسالة كما لو كان يتحدث مع شخص حقيقي، ليقوم الذكاء الاصطناعي بتحليلها وفهم احتياجاته بدقة، مما يجعل تجربة الطلب أسرع، وأكثر مرونة، وخالية من أي تعقيد.
خوسيه كارلوسيو: كيف كانت نتائج تجربتكم مع هذا الحل حتى الآن؟
جوان بيلتران: أجرينا العام الماضي، تجربة في إسبانيا لاختبار نظام ذكاء اصطناعي مصمم لتبسيط عملية طلب الأسمنت. الفكرة كانت أن نجعل الطلب أكثر سهولة وسرعة، بحيث لا يضطر العملاء إلى إجراء مكالمات هاتفية، بل يمكنهم ببساطة إرسال رسالة عبر واتساب لطلب شاحنة أسمنت. فبمجرد أن يرسل العميل الطلب، يتعرف النظام عليه تلقائيًا، ثم يعرض سجل طلباته السابقة ويقترح عليه الخيارات المناسبة بناءً على احتياجاته المعتادة. يعتمد النظام على الذكاء الاصطناعي التوليدي لفهم لغة العميل الطبيعية، حتى لو لم يستخدم رموز المنتجات أو أسمائها الدقيقة. كما يمكن للعميل تعديل طلبه بكل سهولة سواء بتغيير عدد الشاحنات، أو وقت التسليم، أو نوع المادة المطلوبة، أو موقع الشحن. وبمجرد تأكيد الطلب، تتم معالجته تلقائيًا وإرساله مباشرة، مما يجعل العملية أكثر سرعة وسلاسة من أي وقت مضى.
أردنا التأكد مما إذا كان هذا الحل سينال إعجاب عملائنا، وكانت ردود الفعل مذهلة حيث أوضح عملاؤنا بأنه سهّل عليهم عملية الطلب بشكل كبير، حيث أصبح بإمكانهم تقديم طلباتهم في أي وقت ومن أي مكان، بكل مرونة وسهولة.
خوسيه كارلوسيو: برأيك، ما هي أبرز النتائج التي توصلتم إليها حتى الآن؟
جوان بيلتران: لقد كانت النتائج التي حققناها مذهلة. بفضل هذا الحل المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تم قبول 66% من الاقتراحات الأولية للطلبات، لأنها كانت دقيقة وتتماشى تمامًا مع احتياجات العملاء. لكن الأبرز من ذلك هو الارتفاع الهائل في معدل استخدام هذه التقنية، حيث انتقلنا من 25% إلى 93%، متجاوزين بكثير معدلات استخدام البوابات التقليدية. هذا يؤكد أن سهولة الاستخدام والمرونة هما المفتاح لجعل العملاء يتبنون الحلول الرقمية بشكل أكبر.
خوسيه كارلوسيو: الجميع يتحدث عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن تحويله إلى قيمة فعلية على أرض الواقع ليس بالأمر السهل. ما هي أبرز التحديات التي واجهتموها خلال هذه الرحلة؟
جوان بيلتران: الفكرة نفسها واضحة وبسيطة، لكن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال تقنية ناشئة، وما زالت الخبرات المتخصصة فيه نادرة.
خلال مرحلة الاختبار، واجهنا بعض التحديات مع الأداة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي. في بعض الحالات، كانت تتحدث بإفراط أو تقدم تفسيرات مطولة وغير ضرورية، وأحيانًا تقترح منتجات غير متوفرة في قائمتنا. هذه التحديات دفعتنا إلى ضبط آلية الاستجابة، بحيث تكون الإجابات أكثر دقة وتركيزًا، مع ضمان تقديم معلومات تتماشى مع عروضنا الفعلية.
كان زمن الاستجابة تحديًا دقيقًا علينا التعامل معه بعناية. فالعملاء يتوقعون تفاعلًا طبيعيًا يشبه الحديث مع شخص حقيقي، حيث تصلهم الردود بإيقاع يشبه الكتابة البشرية، وليس بشكل فوري وسريع جدًا بطريقة قد تبدو آلية وغير طبيعية. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن أن تكون الاستجابة بطيئة للغاية، لأن انتظار خمس إلى عشر دقائق قد يدفع العميل إلى فقدان الاهتمام والتخلي عن الطلب. إن إيجاد هذا التوازن المثالي بين السرعة والطبيعية في التفاعل كان أحد الجوانب المعقدة التي عملنا على تحسينها خلال مرحلة الاختبار.
خوسيه كارلوسيو: هل تذكر لنا مثالًا على موقف أخطأت فيه أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي أثناء الاختبار؟
جوان بيلتران: خلال الاختبار، قرر أحد العملاء اختبار النظام بطريقة طريفة، فقام بطلب حساء الجازباتشو الإسباني الشهير عبر الأداة، وكأنها جزء من قائمة منتجاتنا. المفاجأة أن النظام تعامل مع الطلب بجدية تامة، واعتبر الجازباتشو منتجًا جديدًا وأضافه كرمز (SKU)، بل واقترح إرسال شاحنة كاملة محملة بالحساء. كان الموقف مضحكًا للغاية، لكنه كشف لنا أهمية تحسين دقة الأداة في التعرف على المنتجات الفعلية، وبالطبع، لم نرسل شاحنة مليئة بالحساء.
خوسيه كارلوسيو: ما الوصفة السرية التي مكنتكم من تحقيق هذا المعدل الاستثنائي في استخدام العملاء للحل الجديد؟
جوان بيلتران: السر هنا أننا نركز بشكل أكبر على العملاء وعلى الأماكن التي يفضلونها واستخدام الأدوات التي يتعاملون معها بالفعل. في هذه الحالة، اخترنا واتساب لأننا نعلم أن عملاءنا يستخدمونه بشكل مستمر. بهذا الشكل، لا يحتاج العملاء لتعلم استخدام شيء جديد أو التعامل مع أنظمة معقدة. بدلاً من ذلك، يمكنهم استخدام الأداة التي يعرفونها بالفعل. والأهم من كل ذلك، أننا جعلنا النظام يفهم اللغة الطبيعية التي يستخدمها العملاء، مما يجعل العملية أكثر بساطة وسهولة.
خوسيه كارلوسيو: كيف تضيفون طابعًا إنسانيًا إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التي تستخدمونها لجعلها أكثر تفاعلًا مع العملاء؟
جوان بيلتران: نحن نحرص على أن تكون التفاعلات مع العملاء طبيعية وإنسانية قدر الإمكان. فالبشر هم من يحددون أسلوب الحديث والنبرة المستخدمة في المحادثات، بالإضافة إلى نوع الرسائل التي يتم إرسالها. نحن المسؤولون عن تصميم العملية بالكامل. في بعض الحالات، يمكن للعملاء التفاعل مباشرة مع الأداة وتلبية احتياجاتهم بدون أي مساعدة إضافية. لكن في حالات أخرى، قد لا يتمكن نموذج اللغة الكبير من التعامل مع بعض الأسئلة بشكل صحيح. لذلك، نحرص دائمًا على توفير خيار للعملاء للتواصل مع وكيل بشري إذا احتاجوا إلى دعم أكبر.
خوسيه كارلوسيو: هذا المشروع يتضمن العديد من العناصر المعقدة مثل منصة المراسلة، ونظام إدارة علاقات العملاء، ومزود الخدمة السحابية وغيرها. كيف تتعاملون مع تعقيد مشروع بهذا الحجم عندما تتداخل العديد من الأنظمة المختلفة؟
جوان بيلتران: المشروع لم يكن دائمًا سهلاً. في بعض الأحيان، كنا نعمل على نموذجين مختلفين في نفس الوقت لتوفير الذكاء الاصطناعي للأداة. لكننا تأكدنا أن كل شخص في الفريق يعرف دوره ومسؤولياته بوضوح. نحن نركز على الشفافية و وضوح المسؤوليات من البداية. كما كان هناك شخص من فريق "هولسيم" يتولى قيادة المشروع جنبًا إلي جنب مع ماكنزي لضمان أننا نسير في الاتجاه الصحيح وأننا نسعى لتحقيق هدف مشترك، وهو تحقيق تجربة رائعة للعملاء. كان الجميع في الفريق متحمسًا جدًا، وهذا الحماس ساعد على جعل التعاون أسهل وأفضل.
خوسيه كارلوسيو: كم من الوقت استغرقتم لتنفيذ هذا المشروع التجريبي؟ وكيف كانت عملية التحضير له، وكيف كان الأمر مع تشكيل الفرق وتنظيم العمل، وكذلك تنفيذ فكرة إثبات الجدوى؟
جوان بيلتران: أكثر ما استغرق وقتًا في المشروع كان مرحلة التحضير. كان علينا أولًا تحديد المتطلبات بدقة، ثم العثور على الشريك المناسب، والتأكد من أن التكنولوجيا المتاحة يمكنها تلبية احتياجاتنا. استغرق هذا الأمر حوالي سبعة أشهر، حيث كان علينا التأكد من وجود التقنية الصحيحة قبل البدء في التنفيذ. أما تطوير الحل نفسه، فكان سريعًا نسبيًا، حيث لم يستغرق سوى شهرين إلى ثلاثة أشهر. في الواقع، استغرقنا وقتًا أطول في البحث عن التكنولوجيا المناسبة أكثر من الوقت الذي احتجناه لتنفيذ الحل نفسه.
خوسيه كارلوسيو: بعد أن أثبتتم فاعلية النظام في إسبانيا، كيف تخططون للمرحلة التالية من تطوير نظام الطلبات المدعوم بالذكاء الاصطناعي؟ وما رؤيتكم لتوسيع نطاقه في المستقبل؟
جوان بيلتران: نعمل حاليًا على توسيع نطاق هذا الحل ليشمل جميع أنحاء إسبانيا، حيث نهدف إلى اختباره على نطاق أوسع، وجمع ملاحظات العملاء، وتحسين أدائه، وضمان تحقيق أقصى قيمة لهم. بمجرد أن نتأكد من نجاحه، سنبدأ في عام 2025 بالتوسع إلى دول أخرى، وسنبدأ من أوروبا قبل أن ننطلق عالميًا. في الواقع، هذه المنظومة تُعد بسيطة نسبيًا مقارنة ببعض خطوط أعمالنا الأخرى، حيث نواجه في بعض القطاعات تعقيدات أكبر بسبب العدد الكبير من المنتجات، ورموز المنتجات، وعناوين الشحن المتعددة، مما يجعل الأتمتة أكثر تحديًا. لكن طموحنا لا يتوقف هنا، فنحن نُخطط أيضًا لتوسيع هذا الحل ليشمل قنوات أخرى. رغم أن واتساب هو أحد أكثر المنصات استخدامًا، إلا أن المكالمات الهاتفية لا تزال الخيار الأول للكثير من عملائنا، خاصة في هذا القطاع الصناعي. عندما يحتاج العملاء إلى الأسمنت، فإنهم لا ينتظرون، بل يتصلون فورًا ليطلبوا ما يحتاجون إليه للتسليم العاجل. لذلك، نعمل الآن على إدماج هذه التقنية في المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني، بحيث يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على التعامل مع هذه الطلبات المعقدة بسلاسة. هذه هي خطوتنا القادمة في خارطة الطريق، وهي خطوة نراها واعدة ومليئة بالفرص الجديدة.