كيفية التغلب على التعقيدات المتزايدة في مهام أعضاء مجالس الإدارات

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

في هذه الحلقة من تدوينتنا الصوتية (بودكاست) "داخل غرفة الاستراتيجية"، نُدير نقاشًا مع ثلاثةٍ من أهم الخبراء في مجال الإدارة حول ما يمكن أن يقدموه من نصائح وإرشادات، حول كيفية التعامل مع المسؤوليات والأعباء المتزايدة لمجالس إدارة الشركات، وذلك استنادًا إلى خبراتهم الطويلة في هذا المجال، وهؤلاء الخبراء هم: ستيفن ستيرين، والذي يمتلك خبراتٍ تمتد لعقود، عمل خلالها كمديرٍ تنفيذي في قطاعات الطاقة والكيمياء، وكارين ماكلوغلين، الرئيس المالي السابق لشركة كوجنيزانت، وكلاهما يعمل الآن مع مجالس إداراتٍ مختلفة لشركاتٍ عدة. وينضم إليهما فريثيوف لوند، وهو قائد فريق خدمات ماكنزي الاستشارية على مستوى العالم. تم تسجيل هذه الحلقة في مدينة نيويورك خلال فعاليات منتدى الإدارة والاستراتيجية الذي تنظمه ماكنزي هناك. وفيما يلي نَص الحوار الذي أجريناه معهم خلال هذه الحلقة. وللحصول على المزيد من المعلومات حول أهم القضايا الاستراتيجية الخاصة بالأعمال، ندعوك لمتابعة هذه السلسلة على منصة بودكاست "داخل غرفة الاستراتيجية."

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

شون براون: مما لا شك فيه أن عالم الأعمال قد شهد في الآونة الأخيرة مجموعةً من التغيرات الكبيرة والمتسارعة، فما الذي يعنيه أن تكون مديرًا بمجلس إدارة إحدى الشركات أو المؤسسات في الوقت الحالي؟

شون براون: مما لا شك فيه أن عالم الأعمال قد شهد في الآونة الأخيرة مجموعةً من التغيرات الكبيرة والمتسارعة، فما الذي يعنيه أن تكون مديرًا بمجلس إدارة إحدى الشركات أو المؤسسات في الوقت الحالي؟

فريثيوف لوند: في خضم التحديات المتنامية التي يشهدها سوق الأعمال في الوقت الآني، بدايةً من الصراعات الجيوسياسية وتأثيراتها الكبيرة، مرورًا بالتحول الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، بالإضافة إلى السعي الدائم لتحقيق أهداف الاستدامة وغيرها من التحديات، تصبح مهام عضو مجلس الإدارة أكثر صعوبةً وتعقيدًا يومًا بعد يوم، حيث من الممكن أن تطرأ على أجندة أعمال المجلس العديد من المواضيع والقضايا المهمة بشكلٍ يومي، مثل المشاركة في إعداد الاستراتيجيات واتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمارات والاندماج والاستحواذ، وإدارة الأداء، والمخاطر، وجذب وتطوير المواهب وغيرها من المهام، فضلًا عن تنظيم أعمال الشركة أو المؤسسة بشكلٍ عام.

ستيفن ستيرين: جديرٌ بالذكر أن ما أشار إليه "فريثيوف" الآن من مهامٍ قد تطرأ على جدول أعمال مجلس الإدارة، إنما تعد بمثابة أعباء جديدة تضاف إلى مهام أعمال المجلس الرئيسية، لذا بات من الضروري أن يرتفع مستوى التفاعل والتعاون بين أعضاء مجلس الإدارة أكثر من أي وقتٍ مضى، ولا يمكن لهذا المستوى من التعاون أن يتراجع.

كارين ماكلوغلين: هناك أيضًا عاملٌ حاسم، وهو أن تلك التحديات المستجدّة التي يواجهها أعضاء مجالس الإدارات اليوم، تختلف تمامًا عما كانوا يواجهونه في السابق. فمن المؤكد أن عددًا كبيرًا منهم لم يتعرضوا لهذا الكم أو هذه النوعية من الأزمات والعقبات التي شهدناها جميعًا على مستوى الأعمال خلال السنوات القليلة الماضية، ولذلك أصبح من الضروري جدًا الحفاظ على علاقاتٍ قوية بين أعضاء المجلس، كما بات الاعتماد على المديرين كمستشارين للمجلس في التعامل مع التحديات الطارئة أمرًا بالغ الأهمية.

شون براون: وهل اختلفت الطريقة التي يتعامل بها المدراء مع الإدارة العُليا للشركة عما اعتدنا عليه في السابق؟

ستيفن ستيرين: بالتأكيد، ويرجع السبب في ذلك إلى عدد القضايا التي أصبح عليهم التعامل معها، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على عقد اجتماعٍ كل ثلاثة أشهر، بل أصبح لدينا الآن اجتماعاتٌ تتخلل هذه الفترة، واجتماعاتٌ أخرى للجان الخاصة تتناول مواضيع محددة، مثل تعزيز التنوع والاندماج الفعّال لتحسين الأداء الشامل للشركة.

فريثيوف لوند: بالنسبة لي، أرى أن زيادة التفاعل بين أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء فريق الإدارة من القادة التنفيذيين والمدراء أمرًا مثيرًا للاهتمام حقًا. فعلى مر التاريخ، كنا نرى ذلك يحدث بالفعل في شركات رأس المال الخاص بشكلٍ رئيسي، أما الآن، فقد أصبحنا نرى تلك التفاعلات والتداخلات المباشرة تحدث بين كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات الرائدة مع أعضاء مجالس الإدارات، وبات من الممكن أن ترى مديرًا ماليًا يمتلك خبراتٍ كبيرة في مجلس الإدارة، وهو يؤدي دورًا توجيهيًا مع أحد المديرين الماليين من الأصغر سنًا في الإدارة.

كارين ماكلوغلين: هذا الأمر صحيحٌ تمامًا. ومن الممكن أيضًا أن يحدث هذا النوع من التعاون بشكلٍ تبادليّ يعتمد على تبادل المهارات، إذ من الممكن أن نرى أحد أعضاء مجلس الإدارة ممن يتمتعون بخبراتٍ معينة وهو يساعد فريق الإدارة في مسألةٍ ما. وباعتباري عضوةٌ في مجلس إدارة، أجد أنه من الممتع جدًا أن أقوم بالمشاركة والتفاعل في أمرٍ ما والتعمق فيه خارج قاعة الاجتماعات. إن أحد مهامي الأساسية بالتأكيد هي دعم فريق الإدارة والمساهمين، إلا أنني أتعلم بنفس القدر الذي يتعلمه فريق الإدارة مني.

شون براون: فريثيوف.. خلال محاضرتك التي قمت بإلقائها أثناء المنتدى، تحدثت عن "مجلس الإدارة كعاملٍ محفّز". فماذا تعني بذلك؟

فريثيوف لوند: إن مجلس الإدارة شريكٌ رئيسي في عملية تعزيز القيمة وله دورٌ أساسي منوطٌ بتحقيقه في هذا الإطار، وبالرغم من ذلك ففي كثيرٍ من الأحيان يحتاج المجلس أن يكون عاملًا محفزًا على التغيير وبوتيرةٍ أكثر سرعة. سأعطيكم مثالًا توضيحيًا على ذلك، لدينا شركةٌ للغاز والنفط تواجه صعوبةً في إدارة عملية تحول الطاقة وتحديد الفرص التي يمكن استغلالها. وعلى الأغلب يرجع السبب في ذلك إلى أن فريق الإدارة بهذه الشركة متخصصٌ في الصناعة بشكلها التقليدي، لذا فهم يجدون بعض الصعوبات عند توجههم نحو التقنيات الجديدة كالهيدروجين الأخضر، وطاقة الرياح، وغيرها من مصادر إنتاج الطاقة الجديدة. وهنا يستوجب الأمر وجود خبراتٍ متميزة في هذه المجالات داخل مجلس الإدارة لتقديم أوجه الدعم والمساعدة اللازمين لتحفيز عملية التغيير والتحول السريع.

كارين ماكلوغلين: من الضروري أيضًا أن يعطي المجلس الثقة الكافية لفريق الإدارة لاتخاذ تلك التحولات الحاسمة. ففي كثيرٍ من الأحيان، قد يجد الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات العامة نفسه محاصرًا برغبات المستثمرين التي يريدون تحقيقها على المدى القصير، حتى وإن كان ذلك على حساب الفرص الأخرى التي من المتوقع أن تحقق أهداف المؤسسة في المستقبل. لذلك أعتقد أن مجلس الإدارة أصبح يلعب دورًا أكبر لمساعدة الرئيس التنفيذي على اتخاذه للقرارات الصعبة التي تصب في صالح المؤسسة على المدى الطويل، وهذا الأمر يعد تغيرًا كبيرًا في دور المجلس لم يكن يحدث في السابق.

شون براون: وكيف يمكن لمجلس الإدارة التأكد من حصوله على القدر الكافي من المعلومات، ليتمكن من تقديم النصيحة الموضوعية بشأن الاستراتيجيات والإجراءات الكبرى الأخرى، دون أن يثقل كاهله بالتفاصيل؟

ستيفن ستيرين: هذا الأمر هامٌ للغاية، ويعتبر أحد أهم العوامل الحاسمة في إنجاح اجتماعات مجلس الإدارة هو الإعداد الجيد لجدول أعمال المجلس والموضوعات التي سيتم مناقشتها خلال الاجتماع، لأن هذه الخطوة تسمح للمديرين والإدارة بشكلٍ عام باختيار المناقشات المناسبة للمشاركة فيها. كما أن الوقت الذي تقضيه الإدارة في الإعداد لهذه المواد يعطي الفرصة للجميع للتفكير في القضايا الهامة التي سيتم طرحها، مما يساعد في تركيز النقاشات وتحديد الاتجاهات التي سيتم طرحها بكل وضوح. ومن المفيد جدًا أن يكون مع الرئيس التنفيذي مُذكرةً تلخص أهم ما يدور في ذهنه من مسائل روتينية مثل إدارة الأداء وغيرها من الموضوعات، بحيث تصبح كافة النقاشات التي تتم خلال الاجتماع واضحةً تمامًا.

ستيفن ستيرين: هذا الأمر هامٌ للغاية، ويعتبر أحد أهم العوامل الحاسمة في إنجاح اجتماعات مجلس الإدارة هو الإعداد الجيد لجدول أعمال المجلس والموضوعات التي سيتم مناقشتها خلال الاجتماع، لأن هذه الخطوة تسمح للمديرين والإدارة بشكلٍ عام باختيار المناقشات المناسبة للمشاركة فيها. كما أن الوقت الذي تقضيه الإدارة في الإعداد لهذه المواد يعطي الفرصة للجميع للتفكير في القضايا الهامة التي سيتم طرحها، مما يساعد في تركيز النقاشات وتحديد الاتجاهات التي سيتم طرحها بكل وضوح. ومن المفيد جدًا أن يكون مع الرئيس التنفيذي مُذكرةً تلخص أهم ما يدور في ذهنه من مسائل روتينية مثل إدارة الأداء وغيرها من الموضوعات، بحيث تصبح كافة النقاشات التي تتم خلال الاجتماع واضحةً تمامًا.

فريثيوف لوند: نستطيع أن نجزم أن عدد الساعات التي أصبح مطلوبًا من أعضاء مجلس الإدارة أن يمضوها في العمل قد زادت بالفعل خلال فترة الخمس إلى عشر سنوات الماضية، إذ يقدر إجمالي عدد ساعات عمل مجالس الإدارات خلال العام في المتوسط ما بين 32 إلى 33 يومًا، بما في ذلك ساعات العمل في اللجان، بالإضافة إلى الوقت الذي يقضونه في الاستعدادات الأخرى. ومن الجدير بالذكر أن مجالس إدارات شركات رأس المال الخاص يقضون ضعف الوقت الذي تقضيه مجالس الشركات العامة تقريبًا.

شون براون: مع ازدياد نطاق عمل ومساحة الدور الذي يؤديه عضو مجلس الإدارة، كيف يمكن للأعضاء الجُدد فَهم حدود ومسؤوليات مناصبهم الجديدة والتأقلم معها سريعًا، خلال فترة التعريف بالمنصب؟

فريثيوف لوند: خلال إحدى جلسات منتدى الإدارة والاستراتيجية الذي نظمته ماكنزي، قالت واحدة من المشاركات إن شركتها قامت بتسجيل بعض المناقشات التي تمت مع قادة الأعمال حول كيفية عمل الأقسام المختلفة والمواضيع الاستراتيجية الرئيسية، ثم حرصت بعد ذلك على أن يستمع إلى هذه التسجيلات كل أعضاء مجلس الإدارة الجُدد. وتعد هذه الطريقة بمثابة تدريبٍ غير تقليدي للأعضاء الجُدد على التفكير بشكلٍ إبداعي.

كارين مكلوغلين: من وجهة نظري، تعتبر عملية تعريف عضو مجلس الإدارة الجديد بمهام ومسؤوليات منصبه أمرًا هامًا للغاية، ولكن الاستمرار في تلقي التدريب أمرًا لا يقل أهميةً، حيث يساعد العضو الجديد على الاندماج في ثقافة المؤسسة وعملياتها والمشاركة الفعالة فيها، كما يعرفه بشكلٍ أكبر بأفرع وأقسام الشركة. وقد يكون من المقبول أحيانًا أن يتواجد فريق الإدارة في قاعة اجتماعات المجلس، ولكن هذا الأمر ليس مقبولًا في كل وقت، لأن البقاء في قاعات الاجتماعات لا يمَكّنك من الفهم الكامل والصحيح لما يحدث من أمورٍ على أرض الواقع، كما أنه لا يُمكنك أيضًا من الاستماع بشكلٍ مباشر لآراء الموظفين في منظومة العمل، أو ماهي نظرة العملاء للشركة وانطباعاتهم عنها.

ستيفن ستيرين: في رأيي، أن أحد الممارسات الجيدة لفترة التدريب الأولي لعضوٍ أو أكثر من أعضاء مجلس الإدارة الجُدد هي أن يأتوا إلى المقر الرئيسي للشركة أو المؤسسة ليومٍ أو يومين لقضاء الوقت مع قادة التخصصات المختلفة بشكلٍ فردي، حتى يستطيعوا طرح الأسئلة التي قد لا يشعرون بالراحة في طرحها بشكلٍ علني أثناء اجتماع مجلس الإدارة. وهذا الأمر يمكن أن يُسرّع من عملية التعلم. كما أرى أن عقد اجتماعات مجالس الإدارة في المواقع الإقليمية لا يسمح للأعضاء الجُدد بمعرفة المزيد عن تفاصيل الشركة فقط، وإنما يمَكّنهم أيضًا من التفاعل مع قيادة موظفي الخطوط الأمامية وفهم ثقافة الشركة بشكلٍ أفضل.

شون براون: وعلى صعيد تطوير المواهب، ما هي رؤيتك للدور الذي يجب على مجلس الإدارة القيام به لتحقيق هذا الهدف؟

كارين ماكلوغلين: هذا الأمر هامٌ أيضًا، وسأعطيكم مثالًا على ذلك، في أحد مجالس الإدارة التي أشغل عضويتها، يتولى كل عضوٍ مهمة إرشاد وتوجيه مجموعةٍ من الموظفين بفريق الإدارة. فأنا على سبيل المثال، أقدم الدعم لامرأةٍ شابة تحرز تقدمًا في مستوياتها الوظيفية والإدارية داخل الشركة. وذلك عن طريق المداومة على عقد لقاءاتٍ منتظمة نناقش فيها كافة الموضوعات المهنية التي تشغل بالها لكي تواصل مسيرتها نحو تطوير مهاراتها كقائدةٍ في العمل. وعلى الرغم من كون هذا النهج نهجًا هيكليًا غير رسمي، إلا أنه أثبت فعاليته بالنسبة لنا.

فنحن كمدراء في المجلس نشارك أيضًا في المشاريع الاستراتيجية إذا احتاج قادتها للمساعدة، كما نقوم بتقديم المشورة في المجالات التي يمكننا تقديم المساعدة فيها. فعلى سبيل المثال، وأثناء قيام أحد المجالس التي أشارك فيها مؤخرًا بعمل مراجعةٍ للنظام المتّبع في مجال تكنولوجيا المعلومات، وبما أنني أنتمي لقطاع الخدمات، فقد طلب مني مدير تقنية المعلومات المساعدة. ويعتبر ذلك نوع من التعاون المنفتح بشكلٍ إيجابيٍ وفعال، وهو ما لم يكن متواجدًا في العديد من المجالس في السابق، ولكن في اعتقادي أن هذه هي الطريقة المُثلى للحصول على أفضل قيمةٍ من المجلس.

ستيفن ستيرين: في الماضي كان تركيز المجلس مُنصبًا بشكلٍ كبير على وضع خططٍ لتعيين الرئيس التنفيذي الجديد، أما اليوم أصبح الأمر مختلفًا، حيث يقوم المجلس بالتفاعل بشكلٍ أكبر مع الموظفين والقادة من العاملين في مستوياتٍ أقل من الإدارة التنفيذية، وذلك من أجل تطوير مواهبهم وتقييمها. وهذا النوع من التفاعل يُسهم في تطوير استراتيجيات بناء المواهب داخل المنظمة، ومن ثم وضع خطط أفضل للخلافة.

شون براون: هل تعتقدين أن تقديم التوجيه للمديرين التنفيذيين ومساعدتهم في تشكيل فريق الإدارة التنفيذية المستقبلي أمرٌ يجب أن يصبح جزءًا أساسيًا من دور المجلس؟

كارين مكلوغلين: نعم يجب أن يحدث ذلك، لإن إهمال عملية اكتشاف المواهب قد يمثل في بعض الأحيان خطرًا على المؤسسة، لذا أصبحت مهمة إعداد المواهب وتوجيهها والعمل على تطويرها من أولويات بعض الشركات. وفي السياق ذاته تحتاج مجالس الإدارات إلى تكوين رؤيةٍ واضحة بشأن الكوادر المستقبلية في الطبقة القيادية التالية أو التي تليها في الهيكل التنظيمي للشركة، فلا يجب أن يقف الأمر عند حدود اختيار الرئيس التنفيذي فقط، وإنما يجب أن يمتد ليشمل المديرين التنفيذيين الرئيسيين الآخرين. إن هذا الأمر يساعدني كعضو مجلس إدارةٍ على فهم كيف يفكر الرئيس التنفيذي فيما يتعلق بالمواهب؟، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على قرارات المجلس؟ وهنا يجب الإشارة إلى الأهمية القصوى لثقة المدير التنفيذي في قدرات فريقه، ونتائج هذه الثقة التي من الممكن أن تؤدي في النهاية إلى حصيلة مذهلة، وهو ما شهدناه بالفعل في بعض الحالات.

فريثيوف لوند: في اعتقادي يرتبط الأمر بشكلٍ كبير بالثقافة التنظيمية داخل المؤسسة ودور المجلس في ذلك، حيث إن إرساء قواعد الثقافة الصحيحة أصبح أحد المهام المنوط بمجلس الإدارة مراقبتها والعمل على تحسينها. فإهمال مثل هذه الأمور له عواقبٌ وخيمة، فقد رأينا عددًا من الفضائح التي حدثت في العديد من الشركات، إذ تم توجيه الاتهام للمجلس بعدم قيامه بمراقبة هذه الجوانب الثقافية بشكلٍ كافٍ. لذلك يجب على المجلس تحقيق تواصلٍ وثيق ومستمر بين مختلف القطاعات للحصول على المعلومات التي تُمكّنه من الإشراف بشكلٍ مباشر على الثقافة التنظيمية داخل المؤسسة، دون الاكتفاء بالتقارير الواردة من فريق الإدارة.

شون براون: ماذا عن تطوير قدرات المجلس نفسه؟ لقد أشرتم في جلستكم إلى "مجلسٍ تعليمي"، والمقصود به أنه مجلسٌ يعمل على دمج وجهات النظر من خارج الشركة في مناقشاته وقراراته. فإلى أي مدى ترون أن هذه الفكرة أصبحت شائعة؟

فريثيوف لوند: بالفعل، لقد لاحظنا تزايدًا نسبيًا في تطبيق هذه الفكرة، فهناك عددٌ لا بأس به من المجالس التي تقدم الدعوات للخبراء والمفكرين البارزين من مجالاتٍ وتخصصاتٍ عدة كالجيوسياسية أو الذكاء الاصطناعي لتقديم وجهات نظرهم وخبراتهم. إن هذه الجلسات تساهم في تعزيز قدرات المجلس من خلال التعرف على أراءٍ مختلفة ووجهات نظرٍ من خارج قاعة المجلس.

ستيفن ستيرين: نعم، أعتقد أن هذا نهجًا جيدًا للغاية. لقد رأيت بعضًا من مجالس الإدارة التي تدعو نخبةً من المحللين والخبراء لمناقشة عمليات البيع والشراء التي تقوم بها الشركات والمؤسسات من كافة الجوانب، لوضع تقييمٍ مشترك لقدرات هذه الشركة من ناحية، وتحديد الفرص المتاحة لها والتي يمكن استغلالها من ناحيةٍ أخرى. وبما أن الدور الأساسي لمجلس الإدارة هو تمثيل مصالح المساهمين، فمن الضروري أن يستمر التفاعل بين أعضاء المجلس والخبراء الخارجيين لوضع رؤيةٍ شاملة تلبي مطالب المساهمين وتوقعاتهم. ومن هنا تأتي أهمية هذه التفاعلات، ليس بالنسبة للمجلس فحسب وإنما لفريق الإدارة أيضًا.

فريثيوف لوند: هنا أود أن أشير إلى أن أحد رؤساء مجالس الإدارة ممن أجرينا معهم مقابلاتٍ، لجأ لاستخدام منهجيةٍ معينة للتحقق من نجاح تنفيذ استراتيجية عمل شركته، وذلك من خلال الاستعانة بجهةٍ خارجية تقوم بمراجعة هذه الاستراتيجية كل ثلاث سنوات. مُتّبِعًا في ذلك ما يُعرف بنهج الفريق الأحمر والفريق الأزرق، والذي يهدف إلى مواجهة الرؤية الداخلية للإدارة مع رؤيةٍ أخرى من الخارج، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى مناقشاتٍ مثمرة تحسّن من الأداء العام للاستراتيجية. ومن الجدير بالذكر أن نجاح هذا النهج يعتمد بالأساس على وجود ثقةٍ قوية بين المجلس وفريق الإدارة.

شون براون: إذا طلب منك أحدهم النصيحة بشأن انضمامه إلى مجلس الإدارة، فبماذا ستخبره؟

ستيفن ستيرين: أولًا، سأقوم بطرح سؤالٍ هامٍ عليه، وهو: "لماذا ترغب في الانضمام إلى هذا المجلس؟" وهنا لا يجب أن تكون إجابته "بسبب المرتب أو المكافأة" ، فبمجرد النظر إلى عدد ساعات العمل المطلوبة من عضو المجلس المحتمل، لن تكون المكافأت أمرًا هامًا. فمن الضروري أن يكون ذلك نابعًا من رغبتك الصادقة في أن تكون شخصًا مؤثرًا بالفعل داخل الشركة وتقدّم قيمةً إضافيةً حقيقية.

كارين مكلوغلين: أما أنا فسأضيف بعض الأسئلة، منها على سبيل المثال.. لماذا قد ترغب المؤسسة في انضمامك؟ وهل تفهم طبيعة الدور المنوط بك تأديته؟ وما هي الخبرات والمهارات الخاصة التي تملكها والتي يمكن أن تكون ذات قيمةٍ للمؤسسة؟ كما سأسأله أيضًا، "هل تكّن الاحترام لأعضاء فريق الإدارة الذين قابلتهم؟ وماذا عن باقي أعضاء مجلس الإدارة؟" خاصة وأنك ستقضي الكثير من الوقت مع هؤلاء الأشخاص، لذا فإنه من المهم جدًا أن تكون العلاقات جيدةً يحددها إطارٌ من الاحترام المتبادل. وأخيرًا، عليه أن يدرك أن هذا الأمر لن يكون التزامًا قصير الأمد لعامٍ واحدٍ أو عامين، بل عليه أن يعي تمامًا أن التزامًا كهذا من المتوقع أن يمتد لــ 10 سنوات.

شون براون: ما النصائح التي ترى من وجهة نظرك أن فرق الإدارة والمجالس الإدارية في أمس الحاجة لها؟

فريثيوف لوند: يجب أن يدرك جميع أعضاء مجلس الإدارة أهمية خلق منظومة عملٍ ديناميكية داخل قاعة الاجتماعات، حيث يجب أن يشعر فريق الإدارة بأن أعضاء المجلس يضيفون قيمةً حقيقية للشركة أو المؤسسة. بالإضافة إلى ضرورة التأكد من أن المناقشات التي تدور تركز على التحديات الاستراتيجية الرئيسية.

كارين مكلوغلين: يمكن أيضًا أن تلعب اللجان المنفصلة المتخصصة أدوارًا مهمة، وذلك من خلال تركيز نقاشاتها على مواضيعٍ محددة - مثل التعويضات، والتدقيق، والترشيح، والحوكمة - فهذه اللجان ستسمح لأعضاء المجلس بالتفرغ لمناقشة المواضيع الهامة بشكلٍ تفصيلي. ومع ذلك، وحتى تكون هذه اللجان فعالةً، يجب أن يكون هناك ثقةٌ متبادلة بين أعضاء المجلس أنفسهم من جانبٍ، وبين المجلس والإدارة من جانبٍ آخر.

فريثيوف لوند: لقد شاهدنا العديد من الرؤساء التنفيذيين يترددون في تحديد ما يحتاجونه من المجلس بوضوحٍ لتحقيق الاستفادة الكاملة من خبرات أعضاء المجلس. ويمكن تحقيق ذلك بالتواصل مع المجلس بخصوص القدرات التي يحتاجونها ويرغبون بتوافرها في أعضائه والتي من الممكن أن تكون أكثر فائدةً لهم، بالإضافة إلى ضرورة اطّلاع أعضاء المجلس على الدور الذي يجب أن يلعبوه في تطوير استراتيجية العمل، واكتشاف وتنمية المواهب، أو حتى تغيير الثقافة التنظيمية كما ذكرنا في السابق. إن هذا النهج يعتبر تحولًا عن الممارسات التقليدية للحوكمة، حيث يصبح المجلس هو الجهة الوحيدة المنوط بها تحديد الأدوار والمسؤوليات.

كارين مكلوغلين: أود الإشارة أيضًا إلى أن جزءًا من تقييمنا للمجلس، يشمل تقديم فريق الإدارة لملاحظاتٍ حول أداء أعضاء المجلس، إذ يتم إعطاء هذه الملاحظات لأعضاء المجلس بشكلٍ فردي ودون الكشف عن هوية مقدمها، مما يسمح لهم بمعرفة تقييم أدائهم بدقة، كما يتيح لهم تحديد نقاط القوة والضعف لديهم. إن هذا الأمر مفيدٌ للغاية في تحسين أداء المجلس وتعزيز منهجية العمل الجماعي بينه وبين الإدارة التنفيذية.

ستيفن ستيرين: وهناك أيضًا نقطةٌ هامةٌ أخرى، وهي ضرورة وضع الحدود بين الإدارة والمجلس. فقد أشرنا في سابق حديثنا إلى أهمية أن يكون المجلس عاملًا مُحفزًا، ولكن تبقى الإدارة التنفيذية هي المسؤول الرئيسي عن تحديد استراتيجية عمل وإدارة عمليات الشركة، فضلًا عن مسؤوليتها المباشرة عن تحقيق النتائج. فعلى أعضاء المجلس أن يكونوا مُدركين تمامًا لهذا الأمر وأن يحترموا دور الإدارة التنفيذية في القيادة وألا يتجاوزوا سلطاتها.

فريثيوف لوند: أنا أتفق معك تمامًا، لأن تحديد الصلاحيات والمسؤوليات بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة يعد أمرًا هامًا للغاية. خاصةً في ظل التحول التدريجي الذي يطرأ على مجالس الإدارة، والذي يتحول فيه الأداء التقليدي الذي كان يركز على الرقابة والامتثال بشكلٍ رئيسي نحو أداءٍ تصبح فيه العلاقة بين الطرفين علاقة شراكة عملٍ مبنيةٌ على الحوار دون تحملٍ لعبء المسؤولية التنفيذية. أعتقد أيضًا أن وضع هذه الحدود الواضحة أمرٌ مفيدٌ لمجالس الإدارة وفرق الإدارة على حدٍ سواء، فهذا التعاون الفعّال قد يساعد في اختيار الاستراتيجية الأنسب للمؤسسة. لذلك أنصح المجالس التي لم تقدم على هذه الخطوة بعد، ولم تقوم بوضع حدودٍ للعلاقات وأُطُر التعامل بشكلٍ واضح، بأن تعيد التفكير في هذا الأمر.

Explore a career with us