قراءة في مستقبل القطاع العقاري والبنية التحتية في ظل التحولات العالمية

| مقابلة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

وانطلاقًا من هذا المشهد، تتسع دائرة النقاش لتشمل التطورات العالمية الأوسع التي باتت تدفع نحو استثمارات ضخمة وغير مسبوقة. فالبنية التحتية حول العالم تستعد لمرحلة تجديد شاملة، حيث تشير تقديرات ماكنزي إلى أن حجم الاستثمارات المطلوبة قد يصل إلى نحو 106 تريليونات دولار بحلول عام 2040، لتلبية الطلب على أصول أكثر حداثة وخدمات ترتقي بمتطلبات النمو طويل الأمد وجودة الحياة. ومع اتساع تلك الفجوة الاستثمارية، يصبح من الضروري التساؤل عن الدور الذي يمكن أن ينهض به القطاع العقاري في هذا المشهد المعقد، خصوصًا في ظل تزايد نقاط التلاقي بين القطاعين. وفي هذا السياق، يستعرض "أدرين كوك" في حوار مع "إيريك كينونيز" أبرز محاور هذا التقاطع، وسبل الاستفادة منه، ودور الذكاء الاصطناعي في توجيه موجة الابتكار المقبلة.

إيريك كينونيز: لماذا يُعد فهم مطوّري العقارات والمشغّلين والمستثمرين لما يورده تقرير "ماكنزي" حول البنية التحتية أمرًا بالغ الأهمية؟

أدرين كوك: الحدود التي كانت تفصل بين القطاع العقاري وقطاع البنية التحتية لم تعد كما كانت؛ فهي تتلاشى تدريجيًا مع تطوّر طبيعة الأصول الحديثة. ففئات مثل مستودعات الخدمات اللوجستية، ومراكز البيانات والبنية الرقمية، والمستشفيات، ومشاريع الإسكان الميسّر، لطالما عُدّت ضمن الأصول العقارية لأنها ببساطة مبانٍ تحتوي أشخاصًا وموجودات مادية. غير أنّ دور هذه الأصول تجاوز إطارها التقليدي، لتصبح اليوم جزءًا من البنية التحتية التي تقوم عليها المجتمعات المعاصرة، بما تحمله من وظائف تشغيلية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. ولهذا السبب، يميل التصنيف الحديث إلى النظر إليها كعناصر بنيوية محورية، بقدر ما هي أصول عقارية في الوقت نفسه.

وبالانتقال من إعادة تعريف علاقة الأصول العقارية بالبنية التحتية إلى الصورة الأشمل، تتضح ملامح مجموعة من الاتجاهات الكبرى التي تؤثر بصورة مباشرة في القطاعين معًا. فالنمو السكاني العالمي، إلى جانب الوتيرة المتسارعة للتحضر، يفرضان حاجة ملحّة لاستثمارات ضخمة في تطوير البنية التحتية الجديدة والمشاريع العقارية، فضلاً عن تحديث الأصول الحالية أو إعادة توظيف ما شارف منها على التقادم. كما أسهم تقدّم أعمار السكان في العديد من الدول في رفع الطلب على مرافق السكن الخاصة بكبار السن، بينما تبرز في المقابل موجة عالمية متصاعدة للالتزام بأهداف خفض الانبعاثات والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وهي قضايا تشغل على حدّ سواء المتخصصين في قطاع العقارات والعاملين في مشروعات البنية التحتية. وهكذا تتقاطع هذه الاتجاهات في رسم مشهد جديد يتطلب من الجانبين التفكير بمنظور واحد واستراتيجيات مترابطة.

وفي امتدادٍ لهذه التحولات الواسعة، يبرز أحد المحاور الرئيسة التي يتناولها التقرير، والمتمثل في ازدياد التقاطع بين ركائز البنية التحتية المختلفة، مثل النقل والطاقة والمجالات الرقمية. هذا التشابك الذي يعيد رسم حدود كل قطاع، لا يقتصر على البنية التحتية فحسب، بل يمتد كذلك إلى القطاع العقاري الذي يشهد بدوره تفاعلاً أكبر بين فئات أصوله المتنوعة. فعلى سبيل المثال، أسهم التحوّل العالمي نحو أنماط العمل الهجينة في خلق فرص جديدة لإعادة توظيف مساحات المكاتب التجارية غير المستغلة، وتحويلها إلى وحدات سكنية، وهو ما يعكس كيف أن التغيرات في سلوك العمل باتت تدفع إلى تحولات عميقة في استخدام الأصول العقارية ذاتها.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ويمتد أثر هذا التداخل المتنامي ليُفسح المجال أمام فرص أوسع للتعاون بين مؤسسات البنية التحتية والقطاع العقاري داخل منظومة أكثر شمولًا واتساعًا. فالتخطيط الحضري على سبيل المثال، لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن تحقيق توازن دقيق بين الاستخدامات التجارية والسكنية، وتوفير شبكات نقل قادرة على ربط الناس بأماكن عملهم، وضمان وجود مساحات خضراء كافية تمنح المدن بيئة صحية قابلة للعيش. وبالمنطق نفسه، لا يمكن إنشاء مركز بيانات دون توفير مصادر طاقة موثوقة وكميات كبيرة من المياه اللازمة لتبريده، كما لا يمكن إقامة مجتمعات سكنية مستدامة من دون بنية تحتية تضمن وصولًا ثابتًا للكهرباء وأنظمة فعّالة للتخلص من النفايات ومياه نظيفة. وحتى المشاريع التجارية في المناطق البعيدة لن يكون لها جدوى ما لم تُعزّز بشبكات إنترنت موثوقة تمكّنها من الارتباط بالاقتصاد الرقمي.

إيريك كينونيز: يشير التقرير إلى أن مفهوم البنية التحتية لم يعد محصورًا في الطرق والجسور والموانئ، بل اتسع ليشمل مكوّنات حديثة مثل مراكز البيانات وشبكات نقل البيانات والاتصالات المعتمدة على الألياف الضوئية. فهل يشهد القطاع العقاري بدوره تحوّلًا مماثلًا؟

أدرين كوك: نعم. فالقطاع العقاري يشهد توسّعًا ملحوظًا في التقنيات والخدمات التي تُعظّم قيمة الأصول ذاتها. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن جعل المباني تعمل بكفاءة عالية من حيث أنظمة التبريد والإضاءة وطرق التحكم بالدخول؟ هذا التركيز المتزايد على التكنولوجيا والخدمات لا يقتصر على العقار وحده، بل يمتد بالقدر نفسه إلى قطاع البنية التحتية. وقد بدأت الشركات التي اعتادت الاستثمار في الأصول المادية فقط، مثل مراكز البيانات في البحث اليوم عن مجالات جديدة للدخول في خدمات الصيانة والتشغيل، أو الاستثمار في أصول الطاقة التي تُعدّ عنصرًا أساسيًا لتشغيل تلك المراكز بفاعلية واستدامة.

إيريك كينونيز: ما الخطوات التي ينبغي لمؤسسات القطاع العقاري اتخاذها للتكيّف مع هذه البيئة المتسارعة الإيقاع؟

أدرين كوك: كان القطاع العقاري يُنظر إليه تاريخيًا بوصفه أبطأ في التطوّر مقارنة بغيره من القطاعات الاقتصادية، غير أنّ وتيرة التغيير فيه تتسارع اليوم على نحو لافت. فعلى سبيل المثال، أدّى انتشار نماذج العمل الهجين إلى تحوّلات كبيرة في توازن الطلب بين العقارات التجارية والسكنية داخل مراكز المدن. مثال آخر يتمثّل في تنامي دور الذكاء الاصطناعي، الذي أسهم في زيادة الإقبال على إعادة توظيف بعض الأصول القديمة، مثل مواقع الجهات الحكومية الفدرالية وتحويلها إلى مراكز بيانات تلائم الاحتياجات الرقمية المتنامية.

وفي داخل سوق العقارات التجارية، يتّضح أن محاولات العديد من أصحاب العمل لإعادة الموظفين إلى المكاتب كشفت عن مستوى جديد من التوقعات تجاه بيئة العمل. فالعاملون اليوم يبحثون عن مساحات أكثر جودة وراحة، وهو ما يدفع الشركات إلى الارتقاء بمقارّها الحالية والانتقال إلى مكاتب بمواصفات أعلى. ويعني ذلك عمليًا تطوير المساحات القديمة ذات الجودة المتدنية أو الاتجاه نحو إنشاء مبانٍ جديدة تلبي هذه المعايير الحديثة.

ومع بروز فرص جديدة عبر قطاعي العقار والبنية التحتية، تجد المؤسسات نفسها أمام ضرورة إعادة التفكير في طرق التمويل التقليدية، والبحث عن مصادر أكثر تنوعًا ومرونة لدعم هذا التوسع المتسارع. وفي موازاة ذلك، يصبح التبنّي السريع للتقنيات الحديثة شرطًا أساسيًا للقدرة على تنفيذ المشاريع بفاعلية أعلى وبوتيرة إنجاز أسرع، في بيئة تتغير معاييرها وتطلعاتها على نحو مستمر.

إيريك كينونيز: كيف يمكن للتقنية، ولا سيما الذكاء الاصطناعي، أن تساعد مؤسسات القطاع العقاري على تلبية المتطلبات المتزايدة التي تواجهها؟

أدرين كوك: يمكن القول إن تأثيرات الذكاء الاصطناعي على قطاعَي البنية التحتية والعقار تكاد تكون بلا حدود، فمجالات الابتكار في هذين القطاعين تتسع بوتيرة لافتة، وتفتح الباب أمام نماذج جديدة من التطوير والتحسين في مختلف مراحل العمل.

ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي أدوارًا محورية عبر مختلف مراحل دورة حياة أي أصل بنيوي أو عقاري. فقبل أن يبدأ العمل الفعلي في محطة طاقة جديدة، أو مجمّع سكني، أو مركز بيانات، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات وتشغيل نماذج متعددة للتنبؤ بالسيناريوهات المثلى، مما يرفع جودة التخطيط الرأسمالي ويحدّ من الهدر. كما يتيح هذا التوظيف تحسين جداول التنفيذ للمشروعات الكبرى، الأمر الذي يسهم في التخفيف من آثار نقص العمالة الذي بات يؤدي إلى تأخير المشروعات وارتفاع تكاليف التطوير في قطاعي البنية التحتية والعقار.

وعلى مستوى الخدمات، يفتح الذكاء الاصطناعي مجالًا واسعًا لتحسين تشغيل المباني ورفع كفاءتها. فهو قادر على إدارة أنظمة الإضاءة الموفّرة للطاقة، وتنظيم حجوزات المساحات داخل المكاتب، وتعزيز إجراءات الدخول بطريقة أكثر أمانًا، فضلًا عن تحسين تجربة القاطنين عبر الاستجابة السريعة لاحتياجاتهم وملاحظاتهم. كما تمكّن أدوات الصيانة التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من إطالة العمر التشغيلي للجسور والمباني، بحيث تواصل العمل بكفاءة لفترات أطول قبل الحاجة إلى أي إصلاحات كبيرة.

وعلى الرغم من أن هذه التقنيات لا تزال في مراحلها الأولى، وأن العديد من تطبيقاتها ما زال قيد التجربة لدى المؤسسات الأكثر تقدّمًا، فإن وتيرة تبنّي الذكاء الاصطناعي مرشحة للارتفاع سريعًا عبر مختلف مكونات القطاع العقاري. فمن المتوقّع أن ينتقل استخدامه من نطاقات محدودة إلى حضور أوسع يمسّ عمليات التطوير والتشغيل والإدارة على حدّ سواء.

إيريك كينونيز: هل توجد مجالات أخرى يمكن لقطاعي العقار والبنية التحتية أن يجدا فيها فرصًا أوسع للتعاون؟

أدرين كوك: يتوقع التقرير أن يحتاج العالم إلى نحو 16 تريليون دولار من الاستثمارات في البنية التحتية الاجتماعية، التي تشمل المستشفيات، ومشاريع الإسكان الميسّر، والمرافق التعليمية، والمباني الخدمية. وهذه الفئة من الأصول تمثّل نقطة التقاء طبيعية بين القطاعين العقاري والبنية التحتية، لأنها تجمع بين كونها منشآت مبنية وبين دورها الحيوي في خدمة المجتمعات. ويعود تزايد الطلب على هذا النوع من الأصول إلى استمرار النمو السكاني عالميًا، وإلى الشيخوخة السكانية في الولايات المتحدة وأوروبا، ما يرفع الحاجة إلى تطوير مرافق جديدة وتحديث الموجود منها. فالكثير من هذه الأصول بات يتقدّم في العمر، ويحتاج إلى تحسينات واسعة لضمان قدرته على تلبية الاحتياجات المتصاعدة في مختلف مناطق العالم.

إيريك كينونيز: ما الدور الذي يمكن أن يضطلع به القطاع الخاص في تلبية هذا الطلب المتزايد؟

أدرين كوك: يشكّل دور رأس المال الخاص في مشروعات البنية التحتية أحد المحاور الرئيسة التي يتناولها التقرير. فقد تضاعفت قيمة الأصول المخصّصة للبنية التحتية لدى شركات الاستثمار الخاص إلى ثلاثة أضعاف منذ عام 2016، ويعود ذلك إلى أننا نعيش في عالم يتسم بوتيرة عالية من التغيّر، تتيح للمستثمرين في القطاع الخاص التحرك بسرعة أكبر في كثير من الأحيان. وهذا ما يفتح الباب أمام فرص واسعة لعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص لسد الفجوات في مشروعات البنية التحتية، أو حتى لتمكين المستثمرين من تمويل هذه المشروعات مباشرة. وفي القطاع الاجتماعي، يمكن أن نرى مثالًا واضحًا على ذلك في تعاون الجامعات الحكومية مع صناديق الاستثمار الخاصة لبناء مجمّعات سكنية للطلاب، بما يحقق احتياجات ملحّة ويعزز القدرة على تنفيذ المشاريع بوتيرة أسرع وجودة أعلى.

وبوجه عام، حين تدرك الحكومات حاجتها إلى تطوير بنى تحتية إضافية أو أنواع جديدة من الأصول العقارية داخل نطاقها الجغرافي، باتت أمامها اليوم خيارات أوسع لتمويل هذه المتطلبات من دون الاضطرار إلى تحميل الميزانية السنوية أعباء إضافية. فبإمكانها الدخول في شراكات مع القطاع الخاص، أو الاستفادة من الحوافز الضريبية التي أصبحت أكثر انتشارًا مع تنامي الوعي بأهمية جذب استثمارات مراكز البيانات وغيرها من المشروعات الحيوية. ومن المتوقع أن يواصل رأس المال الخاص دوره المتنامي كمصدر محوري لتمويل مشاريع العقار والبنية التحتية على حد سواء، نظرًا لمرونته وسرعته في الاستجابة للفرص المستجدة.

Explore a career with us