لوقت طويل، اتبعت شركات علوم الحياة، مثل شركات الأدوية والتقنيات الحيوية والتقنيات الطبية، نهجًا تقليديًا يقوم على التركيز على مقدمي الرعاية الصحية وشركات التأمين باعتبارهم العملاء الرئيسيين. ونتيجة لذلك، لم تكن هذه الشركات تتفاعل بشكل مباشر مع المرضى، بل كانت تكتفي بدور غير مباشر في تلبية احتياجاتهم الصحية. لكن هذا الأسلوب لم يعد مناسبًا في ظل التحولات الكبيرة التي شهدها قطاع الصحة. فقد أصبح المستهلكون اليوم يعتمدون على التكنولوجيا الحديثة لإدارة صحتهم بأنفسهم، من خلال تطبيقات ذكية وساعات صحية تقدم لهم تصورًا شاملاً عن حالتهم الصحية اليومية. كما برزت علامات تجارية مثل (Apple Health | Hims & Hers | Noom )، التي تقدم حلولًا مبتكرة مباشرة للمستهلك، ما منح الأفراد القدرة على متابعة ورعاية صحتهم بشكل مستقل.
استجابةً للتحولات المتسارعة في احتياجات السوق، اتجهت شركات علوم الحياة إلى إطلاق مشاريع مبتكرة وشركات فرعية تقدم منتجات وخدمات تهدف إلى تحسين رفاهية المستهلكين. تتميز هذه المبادرات الجديدة بأنها تركز على احتياجات الأفراد بشكل مباشر، وتتفادى القيود الصارمة التي تخضع لها الأدوية والأجهزة الطبية التقليدية من حيث الموافقات التنظيمية. على سبيل المثال، قامت بعض شركات الأجهزة الطبية بتطوير تطبيقات متخصصة للحمية والوصفات الغذائية، بينما أطلقت شركات أدوية منصات إلكترونية تقدم معلومات شاملة ومبسطة حول قضايا صحية مهمة، مثل انقطاع الطمث. هذه التحركات تعكس اتجاهًا واضحًا نحو تعزيز التفاعل المباشر مع المرضى والمستهلكين، مما يؤكد أن المشاركة الفعالة مع الجمهور أصبحت عاملًا أساسيًا لنجاح شركات علوم الحياة في المستقبل. ومع ذلك، تواجه الشركات التي تتجاهل هذا التوجه مخاطر حقيقية. فعدم الاستثمار في بناء أعمال موجهة للمستهلكين قد يؤدي إلى خسارة حصتها السوقية لصالح منافسين أكثر مرونة أو شركات رقمية مبتكرة تقدم حلولًا تلبي احتياجات المستهلكين بطرق أسرع وأكثر كفاءة.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
تتبنى الشركات في مختلف القطاعات نهجًا استراتيجيًا يعتمد على بناء الأعمال كوسيلة لجذب عملاء جدد وزيادة الإيرادات، مستفيدةً من مواردها الحالية (مثل الشراكات الراسخة والعلاقات القوية مع العملاء). وقد أصبح هذا التوجه أولوية قصوى لدى العديد من القيادات التنفيذية، حيث أظهر استطلاع عالمي أجرته ماكنزي في عام 2024 وشمل 1,100 مدير تنفيذي، أن أكثر من نصفهم يعتبرون بناء الأعمال ضمن أولوياتهم الاستراتيجية الرئيسية.1 في هذا الإطار، تتصدر شركات علوم الحياة المشهد من خلال سعيها الحثيث لإطلاق أعمال مبتكرة تستهدف المستهلك، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة. وتشير البيانات إلى أن 45 % من شركات الأدوية والتقنيات الطبية تخطط لإطلاق أعمال تعتمد على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمس القادمة، بزيادة قدرها 28% مقارنة بعام 2023. ومن بين الأفكار الرائدة التي تستكشفها هذه الشركات، تطوير منصات الصحة الافتراضية التي تتيح الوصول إلى خدمات طبية عن بُعد، وتطبيقات إدارة المزايا الصحية التي تمنح المرضى القدرة على تتبع نفقاتهم الصحية وإدارتها بسهولة.
إن إطلاق مشروع جديد ليس مجرد فكرة طموحة، بل هو عملية معقدة تتطلب تخطيطًا استراتيجيًا دقيقًا وتنفيذًا فعّالًا لضمان النجاح. في مجال علوم الحياة، تصبح هذه المهمة أكثر تعقيدًا بسبب التحديات الفريدة التي يواجهها. أولاً، التعقيدات التنظيمية تمثل عائقًا كبيرًا، حيث يجب على الشركات الامتثال لمعايير صارمة ومتغيرة باستمرار. ثانيًا، تواجه الشركات صعوبة في استقطاب المواهب المناسبة التي تمتلك الخبرة والمهارات المطلوبة لدعم المشاريع الجديدة. وأخيرًا، كثيرًا ما تعاني استراتيجيات دخول السوق من الضعف، مما يؤدي إلى نتائج أقل من التوقعات. ومع كل هذه التحديات، يجد العديد من قادة علوم الحياة أنفسهم عالقين بين الحماس الكبير لبناء أعمال جديدة وبين صعوبات تنفيذ هذه الأفكار على أرض الواقع.
يقدم هذا المقال دليلًا عمليًا لمديري شركات علوم الحياة، يساعدهم على بناء أعمال تركز بشكل رئيسي على تلبية احتياجات المستهلكين. ويركز الدليل على خمس عقبات أساسية يجب تجنبها لتحقيق النجاح. فالمديرون التنفيذيون الذين ينجحون في بناء الأعمال هم أولئك الذين يمنحون فرق العمل حرية التجريب والابتكار، مع تزويدهم بالموارد اللازمة، بما في ذلك الكفاءات الأساسية للشركة، والبنية التحتية التقنية، والموارد التشغيلية. في الوقت ذاته، يحرص هؤلاء القادة على حماية فرقهم من التعقيدات البيروقراطية والإجراءات المؤسسية الثقيلة التي قد تعيق التقدم أو تقلل من الكفاءة. ومن خلال التعرف على هذه العقبات الخمس وتجنبها، يمكن للمديرين التنفيذيين قيادة مشاريعهم الجديدة بثقة، وضمان تحقيق النجاح في جميع مراحلها، بدءًا من التخطيط وحتى الوصول إلى النتائج النهائية.
1. الاعتماد المفرط على الخبرات التنظيمية والامتثالية الداخلية
عادةً ما يعتمد المديرون التنفيذيون في شركات علوم الحياة على فرقهم الداخلية، واثقين من قدرتها على التعامل مع اللوائح المعقدة التي تحكم إنشاء أعمال جديدة تركز على المستهلكين. ويستند هذا الافتراض إلى حقيقة أن قطاع علوم الحياة يُعتبر من أكثر القطاعات التي تخضع للتنظيم والرقابة الصارمة. لدى هذه الشركات فرق قانونية متخصصة وأخرى معنية بإدارة البيانات، تعمل بشكل مكثف لضمان الامتثال للقوانين، والتعامل مع اللوائح التنظيمية، وحماية خصوصية بيانات المرضى. ومع وجود هذا الكم الكبير من الخبرات المتخصصة داخل الشركة، يميل المديرون التنفيذيون إلى الاعتقاد بأن شركاتهم تتمتع بميزة تنافسية ملحوظة عند إطلاق مشاريع جديدة في بيئات مليئة بالتحديات التنظيمية. هذا التصور يعكس الثقة في الإمكانيات الداخلية، لكنه في بعض الأحيان قد يؤدي إلى تجاهل الحاجة إلى وجهات نظر خارجية أو دعم إضافي لمواكبة التحديات الجديدة التي قد لا تكفي الخبرات الداخلية للتعامل معها بكفاءة.
هذا الافتراض ليس دائمًا صحيحًا. فعند محاولة إطلاق أعمال جديدة تركز على المستهلكين، تواجه شركات علوم الحياة غالبًا تحديات تتعلق بالالتزام بالإجراءات الداخلية المعقدة، مما يحد من الابتكار ويبطئ عملية التطوير. تعمل فرق الامتثال والقانون، إلى جانب أقسام الموارد البشرية والتكنولوجيا والتسويق، بمنهجية دقيقة لضمان الامتثال الكامل للوائح التنظيمية. وعلى الرغم من أن هذا النهج فعال في دعم الشركات الناضجة، فإنه قد يتحول إلى عقبة كبيرة عند التعامل مع مشاريع ناشئة تحتاج إلى مرونة وسرعة في التنفيذ. للتغلب على هذه العقبات، يتعين على شركات علوم الحياة اعتماد استراتيجيات تتيح لها التحرر من قيود البيروقراطية. واحدة من هذه الاستراتيجيات هي إنشاء وحدات أعمال مستقلة أو شركات فرعية منفصلة تمامًا عن الهيكل التنظيمي للشركة الأم.
إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا الطبية تقدم مثالًا عمليًا للتحديات التي تواجهها الشركات عند إطلاق أعمال جديدة تركز على المستهلكين. فقد أطلقت الشركة قسمًا جديدًا مختصًا بصحة المستهلك، لكنها دمجته بالكامل ضمن هيكلها التنظيمي الكبير. نتيجة لذلك، أصبح القسم الجديد ملتزمًا بنفس اللوائح الصارمة والإجراءات المؤسسية المعقدة التي تُطبق على الشركة الأم. هذا النهج جعل فريق العمل يضطر إلى تخصيص ما يصل إلى 30% من وقته للامتثال لهذه المتطلبات التنظيمية، مما أبطأ عمليات التطوير والابتكار. على الجانب الآخر، كانت الشركات المنافسة التي تقدم منتجات صحية تستهدف المستهلكين عبر وحدات مستقلة تتمتع بحرية أكبر، حيث لم تكن مُثقلة بهذا الكم من العمليات والإجراءات. هذه المرونة سمحت للمنافسين بالنمو بوتيرة أسرع وتقديم منتجاتهم بفعالية أكبر . ولتجاوز هذه العقبات، قامت الشركة بتغيير مسارها الاستراتيجي عبر إنشاء عملية مستقلة تمامًا لإطلاق المنتجات الجديدة. تم منح فريق العمل حرية أكبر للتجربة والابتكار، مع تقليل الالتزامات التنظيمية إلى الحد الأدنى. كان على الفريق الامتثال للوائح الشركة الأم فقط في الإصدارات المتعلقة بالجوانب الطبية الأساسية للمنتج. بعد هذا التغيير الجذري في النهج، نجح القسم الجديد في تقليص الوقت اللازم لإطلاق تحديثات البرمجيات بنسبة 60%.
2. الإفراط في تحسين المنتجات قبل الإطلاق
تُعتبر عملية تطوير المنتجات الجديدة - في قطاع علوم الحياة- من أكثر العمليات تعقيدًا وتتطلب مستويات عالية من البحث والتجارب. للوصول إلى السوق التجاري، يجب على الأدوية والأجهزة الطبية تجاوز سلسلة من العقبات التنظيمية الصارمة والخضوع لتقييمات دقيقة للمخاطر المحتملة. وبسبب هذه المتطلبات الدقيقة، تتبع شركات علوم الحياة نهجًا متسلسلًا في تطوير منتجاتها. يتم التركيز على منتج واحد في كل مرحلة، حيث تنتظر الشركات نتائج التجارب السريرية قبل الانتقال إلى اختبارات أوسع تستهدف المستهلكين.
على عكس قطاع علوم الحياة، تعتمد شركات المنتجات الاستهلاكية نهجًا أكثر سرعة ومرونة في تطوير المنتجات. تقوم هذه الشركات بتطوير الأفكار الجديدة وطرحها في السوق في أقرب وقت ممكن لاختبار فرضياتها في بيئة واقعية. وغالبًا ما يتم إطلاق المنتجات حتى لو لم تكن مكتملة تمامًا، حيث تعتمد على تفاعل العملاء وملاحظاتهم لإجراء التحسينات والتطويرات تدريجيًا. تدرك هذه الشركات أن الوصول إلى منتج يلبي احتياجات السوق قد يتطلب عدة محاولات، لذا تتبع نهجًا يعتمد على اختبار نسخ متعددة من المنتج في الوقت نفسه لتحديد النسخة الأكثر توافقًا مع توقعات العملاء. وبالنسبة لشركات علوم الحياة التي تسعى إلى بناء أعمال تركز على المستهلكين، يمكنها تسريع عملية تطوير المنتجات باتباع نهج مشابه يعتمد على اختبار الفرضيات بشكل مستمر ومتكرر قبل الإطلاق الرسمي. ومع ذلك، حتى عندما تطلق شركات علوم الحياة منتجات موجهة للمستهلكين في مجالات الصحة والرفاهية، والتي قد لا تخضع لنفس الإجراءات التنظيمية الصارمة مثل الأدوية والأجهزة الطبية، فإنها تظل ملتزمة بالامتثال لقوانين حماية المستهلك. يتيح هذا الامتثال للشركات التوسع بسرعة واختبار منتجاتها بمرونة، مع ضمان تقديم حلول تحترم معايير الأمان والجودة وتكسب ثقة العملاء.
تُعد دراسة "Apple Heart Study" نموذجًا مثاليًا لكيفية استخدام اختبارات المستخدم السريعة لإطلاق خدمات جديدة موجهة للمستهلكين، مع الحفاظ على خصوصية البيانات بشكل كامل2. نجحت شركة "Apple" بالتعاون مع "Stanford Medicine" في تعزيز قيمة منتجها الحالي، ساعة "Apple Watch"، من خلال تحويلها إلى أداة تشخيصية صحية مبتكرة. اعتمدت الدراسة على مراقبة نبضات القلب لأكثر من 400,000 مشارك باستخدام ساعة "Apple Watch"، بهدف تقييم قدرتها على اكتشاف حالات الرجفان الأذيني بشكل لحظي. لجمع هذه البيانات، استهدفت "Apple" المشاركين عبر إرسال رسائل بريد إلكتروني إلى العملاء الذين يمتلكون "Apple Watch"، إلى جانب الترويج لتطبيق "Apple Heart" على متجر التطبيقات. وقد ركزت الشركة على جعل التسجيل في البرنامج عملية سهلة وميسّرة للجميع. 3 هذا النهج، القائم على المشاركة الطوعية، مكّن "Apple" من اختبار فرضية خدمة صحية جديدة بسرعة كبيرة بالتوازي مع منتجها التجاري القائم، دون الحاجة إلى الخضوع للإجراءات الطويلة للتجارب السريرية الرسمية.
إحدى الأمثلة البارزة على كيفية استفادة شركات علوم الحياة من النهج التكراري لإطلاق أعمال موجهة للمستهلكين هو تجربة شركة عالمية قامت بتطوير سوق إلكتروني بنموذج يُعرف باسم "B2B2C" ( أي من الشركات إلى الشركات ومنها إلى المستهلكين). حيث بدأت الشركة بتصميم نموذج أولي للمنتج بأقل الموارد الممكنة، وهو ما يُعرف باسم المنتج القابل للإطلاق الأولي(MVP)، خلال فترة زمنية قصيرة بلغت شهرين فقط. بعد ذلك، قامت الشركة بإجراء اختبارات مكثفة مع المستخدمين المستهدفين، حيث تم تحليل ملاحظاتهم وتقييم تجربتهم لتحسين المنتج. اعتمادًا على هذا النهج التكراري، تمكنت الشركة من إطلاق إصدار تجريبي مغل في غضون ستة أشهر فقط من بدء عملية التطوير. وقد أتاح هذا الأسلوب المرن والقائم على "الإطلاق السريع والاختبار المستمر" للفريق القائم على المنتج فرصة تقييم السوق بسرعة وتحديد الجوانب التي تحتاج إلى تحسين. فمن خلال التفاعل المباشر مع المستخدمين وإجراء التعديلات بناءً على ملاحظاتهم، تمكنت الشركة من تحسين السوق الإلكتروني بشكل تدريجي والوصول إلى التوافق الأمثل بين المنتج واحتياجات السوق.
3. التحدي الخفي: صعوبة استقطاب مواهب التكنولوجيا التي تستهدف المستهلكين
تمتلك معظم الشركات، بما في ذلك شركات علوم الحياة، أنظمة توظيف متطورة وممارسات مُنظّمة لاستقطاب المواهب الجديدة ضمن فرق العمل. ومع ذلك، يفترض العديد من المديرين التنفيذيين أن عملية تعيين الفرق لبناء وإطلاق أعمال جديدة ستسير بنفس السلاسة التي اعتادوا عليها. لكن الواقع يختلف كثيرًا. غالبًا ما يعاني إدارة الموارد البشرية من البطء وعدم المرونة، مما يجعل من الصعب جذب المواهب المتميزة المطلوبة لبناء مشاريع مبتكرة تُركز على المستهلكين.
بدلاً من الاعتماد على أساليب التوظيف التقليدية، يمكن لشركات علوم الحياة اعتماد نهج جديد لجذب الكفاءات المتخصصة في مجال التكنولوجيا. يشمل ذلك إنشاء فرق توظيف مستقلة تُركز على استقطاب المواهب المناسبة لبناء المشاريع الجديدة. إن الأشخاص الناجحون في بيئة العمل السريعة والمبتكرة غالبًا ما يختلفون عن أولئك الذين يفضلون العمل في هياكل تنظيمية تقليدية. فهم يمتلكون عقلية ريادية، وقدرة على التكيف السريع مع التغيرات، والمرونة لتأدية أدوار متعددة بفعالية. ولضمان نجاح هذا النهج، تحتاج فرق التوظيف المستقلة إلى خبراء قادرين على فهم طبيعة المرشحين الذين يرغبون في الانضمام إلى فرق إبداعية. كما يجب أن يكون هؤلاء الخبراء دقيقين في استراتيجياتهم، مع التركيز على استقطاب الأشخاص الذين يتمتعون بالعقلية المناسبة والمهارات المطلوبة لدعم الوحدة الجديدة. وفي الوقت ذاته، تمتلك الشركات عادةً موظفين داخليين يتمتعون بالخبرة والقدرة على المساهمة في بناء مشاريع جديدة. لذا، يمكن أن يُسهم اختيار هؤلاء الأفراد بعناية ودعوتهم للمشاركة في تشكيل فريق عمل قوي ومتناغم.
حققت إحدى الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا الطبية نجاحًا كبيرًا في بناء مشروع جديد يركز على صحة المستهلك، وذلك من خلال إنشاء وحدة توظيف مستقلة بالكامل. بينما تولى فريق الموارد البشرية الجديد تصميم استراتيجية مميزة لجذب المواهب المتخصصة في التكنولوجيا الاستهلاكية اللازمة لضمان نجاح المشروع على المدى الطويل. في حين اعتمد الفريق أساليب توظيف مستوحاة من أفضل الممارسات المستخدمة في الشركات الناشئة الناجحة، حيث تعاون مع شركات توظيف خارجية متخصصة في مجال التكنولوجيا. كما اعتمد الفريق نهجًا مبسطًا لعملية التوظيف، إذ تم تقليص المدة بين تقديم الطلب والحصول على العرض الوظيفي إلى عشرة أيام أو أقل. بالإضافة إلى ذلك، عقد الفريق اجتماعات أسبوعية مع الرئيس التنفيذي للتأكد من أن التعيينات الجديدة تتماشى مع رؤية الشركة الاستراتيجية طويلة الأمد. وبفضل هذا النهج المنظم والمبتكر، نجحت وحدة التوظيف المستقلة في استقطاب أفضل المواهب في مجالات علوم البيانات والتكنولوجيا الاستهلاكية. وخلال عام واحد فقط، تمكنت الشركة من تعيين أكثر من 200 موظف جديد، مما عزز من قدرتها على تنفيذ المشروع بنجاح وخلق تأثير مستدام في السوق.
4. الاعتماد على مقدمي الرعاية الصحية لتحفيز عملية نمو المبيعات
عند إطلاق منتجات جديدة، تسعى شركات علوم الحياة عادةً إلى بناء صورة تعتمد على الثقة والمصداقية العلمية. لتحقيق ذلك، تعتمد تلك الشركات بشكل أساسي على قنوات موثوقة مثل الأطباء والصيدليات لترويج منتجاتها. حتى بالنسبة للمنتجات التي تُباع دون وصفة طبية، غالبًا ما يتم تسويقها من خلال عيادات الأطباء أو عبر موزعين تقودهم الصيدليات، ما يعكس التزام الشركات بالمسار التقليدي لضمان وصول المنتج إلى المستهلك. ولكن عند تطوير منتج أو خدمة صحية موجهة بشكل مباشر إلى المستهلكين، يصبح من الضروري إعادة النظر في هذا النهج التقليدي. فمتطلبات السوق الحديثة تدفع الشركات إلى تبني استراتيجيات تسويق أكثر ابتكارًا تُلبي تطلعات المستهلكين وتواكب الاتجاهات الجديدة. إضافة إلى ذلك، يمكن للشركات أن تستفيد من أساليب التسويق الاستهلاكي المتمثلة في الاعتماد على استراتيجيات النمو الفيروسي، حيث يصبح المنتج نفسه أداة للترويج، مما يعزز انتشاره بشكل واسع وسريع بين المستهلكين.
اعتمدت الشركات التي تقدم منتجات صحية استهلاكية شهيرة مثل منصة إدارة الوزن "Noom"، ومزود النظارات وخدمات البصريات "Warby Parker"، والصيدلية الإلكترونية "Capsule"، منذ البداية على استراتيجيات مبتكرة لتحقيق النجاح. تُظهر هذه الشركات براعة في استخدام التسويق الرقمي لطرح قيمة مميزة تجمع بين الثقة والجاذبية. كما تركز هذه الشركات على استراتيجيات تسويق استهلاكية فعالة، مثل بناء هوية علامتها التجارية بطريقة جذابة، والترويج الذكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجذب انتباه العملاء. وبعد ذلك، تسعى لتعزيز ولاء المستخدمين من خلال تقديم تجربة استخدام فريدة، وتعتمد على أدوات مثل التلعيب "وهو مصطلح يشير إلى استخدام الألعاب الإلكترونية في سياقات تتعدى الأغراض المعتادة للألعاب" لتشجيع التفاعل المستمر، واستخدام الشبكات الاجتماعية لخلق مجتمع حول المنتج، مما يجعل تجربة المستخدم ممتعة ويزيد من ارتباطهم بالخدمة.
وفي سياق مشابه، تمكنت إحدى الشركات العالمية في قطاع علوم الحياة من توسيع نطاق سوق إلكتروني بنموذج الأعمال بين الشركات والمستهلكين (B2B2C) بنجاح، وذلك من خلال الجمع بين أسلوب القوة البيعية التقليدية لتوجيه مقدمي خدمات الرعاية الصحية، وحملات تسويق رقمي استهدفت المرضى بشكل مباشر، إذ اعتمدت الشركة على نموذج تسويقي مرن يعمل عبر قنوات متعددة مما أتاح لها تنفيذ حملات سريعة واختبار النتائج في وقت قصير. هذا النهج شمل إدارة دورات عمل قصيرة الأمد لتحديد التحديات بسرعة ومعالجتها بفعالية. وبفضل هذا المزيج المبتكر من الأساليب التقليدية والرقمية، نجحت الشركة في تحقيق اعتماد سريع لسوقها الإلكتروني الجديد، مما عزز قدرتها على الوصول إلى كل من مقدمي الخدمات الصحية والمرضى بكفاءة عالية وفي وقت قياسي.
5. عدم الاستفادة بشكل كامل من إمكانيات الذكاء الاصطناعي
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا في عملية بناء الأعمال الجديدة، حيث تُمكن الأدوات الحديثة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي الشركات من توليد الأفكار، وتحسينها، وتصميم النماذج الأولية، واختبار المنتجات الجديدة بسرعة كبيرة مقارنةً بالطرق التقليدية. فمن خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، يمكن للشركات تسريع عملية إطلاق المنتجات في السوق واكتساب رؤى معمقة حول تفضيلات المستهلكين واحتياجاتهم، مع ضمان حماية خصوصية البيانات.
ولكن لسوء الحظ، تواجه العديد من شركات علوم الحياة صعوبة في استخدام الذكاء الاصطناعي خلال عملية بناء الأعمال. والسبب الرئيسي لذلك هو افتقارها إلى الموارد والخبرات الداخلية اللازمة لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على تنفيذ عمليات معقدة ومتكررة. ولكن هذا لا يعني أن الأمر مستحيل. بل يمكن لهذه الشركات إما بناء قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي داخليًا أو التعاون مع جهات خارجية متخصصة لتوفير هذه الإمكانيات. في الواقع، إن الاستثمار في هذا المجال يمكن أن يكون له تأثير كبير. فبفضل أدوات الذكاء الاصطناعي، تستطيع الشركات اختبار الأفكار الجديدة بسرعة فائقة، مما يقلل من الزمن اللازم للانتقال من مرحلة الفكرة إلى الإطلاق الأولي. وبدلاً من الانتظار لعدة أشهر أو سنوات، يمكن للشركات الآن تحقيق هذا الانتقال في غضون أيام أو أسابيع فقط.
والذكاء الاصطناعي لا يقتصر دوره على تسريع عمليات ما قبل الإطلاق فقط، بل يواصل تقديم قيمة كبيرة بعد طرح المنتج. على سبيل المثال، يمكنه مساعدة فرق المنتجات على تحسين الميزات والعروض باستخدام التحليلات التنبؤية، وتمكين فرق التسويق من تحسين حملاتهم لجذب المزيد من العملاء، ودعم فرق نجاح العملاء في زيادة معدلات الاحتفاظ بالمستخدمين وتعزيز ولائهم. لكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في بناء الأعمال تتطلب التعامل مع التحديات التنظيمية المتغيرة بسرعة في هذا المجال. لذلك، تحتاج الشركات إلى خبراء مؤهلين، مثل علماء البيانات، ومديري المشاريع، ومتخصصي الامتثال، سواء كانوا يعملون داخل الشركة أو من خلال التعاون مع جهات خارجية. يجب أن يتمتع هؤلاء الخبراء بالقدرة على تنفيذ حلول ذكاء اصطناعي تلتزم بجميع القوانين والمتطلبات التنظيمية، مما يضمن تحقيق أقصى استفادة من التقنية مع الحفاظ على الامتثال القانوني الكامل.
عند إطلاق أي مشروع جديد، يلعب المديرون التنفيذيون الذين يشاركون بفعالية في جميع المراحل، بدءًا من تطوير الفكرة وحتى تنفيذها، دورًا حاسمًا في تحقيق نجاح المشروع وتحويل شركتهم نحو تحقيق عائد ملموس على الاستثمار. فمن خلال مشاركتهم، يحدد هؤلاء المديرون توقعات واضحة لما يعنيه النجاح، ويضعون إيقاعًا مناسبًا للنمو، ويشجعون المبتكرين الذين يدفعون الشركة باتجاه رؤى وأهداف جديدة. علاوة على ذلك، تتيح لهم خبرتهم القدرة على تجنب العقبات الشائعة التي قد تعرقل جهود بناء الأعمال، مما يضمن استمرارية المشروع في مساره الصحيح. وبمجرد أن يختبر المديرون التنفيذيون في قطاع علوم الحياة متعة النجاح في إطلاق مشاريع موجهة نحو المستهلكين، فإنهم غالبًا ما يصبحون أكثر حماسًا لتكرار هذه التجربة واستكشاف المزيد من الفرص لبناء مشاريع جديدة مبتكرة.