يتوقع غالبية الأشخاص اليوم أن يعيشوا لفترة أطول، وبحلول عام 2050 سيكون هناك حوالي 1.6 مليار شخص تجاوزوا سن الـ 65. يمثل هذا التطور تحديًا وفرصة في آن واحد، بمعني أنه كيف يمكننا أن نضمن أن تكون هذه السنوات الإضافية مليئة بالصحة والإنتاجية؟ يرى عالم الاقتصاد البريطاني "أندرو ج. سكوت" أن تحقيق هذا الهدف قد يكون ممكنًا إذا قمنا بتوجيه نظرتنا من رؤية المجتمع كمجتمع "متقدم في العمر" إلى مجتمع "طويل العمر". ويكمن الفرق بين "مجتمع متقدم في العمر" و"مجتمع طويل العمر" في كيفية التعامل مع زيادة عدد كبار السن، حيث يركز "مجتمع متقدم في العمر" على تحديات الشيخوخة والتدهور الصحي، ويعتبرها عبءًا على النظام الاجتماعي والاقتصادي. أما "مجتمع طويل العمر" فيرى هذه الزيادة كفرصة لتعزيز الصحة والإنتاجية، من خلال الوقاية من الأمراض والاستثمار في الابتكار والبنية التحتية، بهدف تحسين نوعية الحياة لجميع الفئات العمرية بشكل مستدام. ولتحقيق ذلك، يجب أن نركز على الوقاية من الأمراض من خلال تحسين الرعاية الصحية، وتشجيع الابتكار في مجالات التكنولوجيا والصحة، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية التي تدعم حياة صحية ونشطة. بهذه الإجراءات، يمكننا تحويل زيادة متوسط العمر إلى فرصة لتحسين جودة الحياة للجميع.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
"أندرو ج. سكوت" هو أستاذ الاقتصاد في مدرسة لندن للأعمال، وأحد مؤسسي المنتدى المتخصص في طول العمر والحياة المديدة. شارك أندرو في تأليف كتاب 'حياة المائة عام'، الذي حقق مبيعات تجاوزت المليون نسخة. وفي أحدث اصدراته للكتاب الذي نُشر بعنوان "أهمية طول العمر: كيف نبني مجتمعًا أكثر صحة وإنتاجية للتمكن من عيش حياة مديدة"، الذي صدر في أبريل 2024، يوضح سكوت الإجراءات الضرورية التي يجب اتخاذها في القطاعات العامة والخاصة والاجتماعية لتحفيز ما يسميه بـالاقتصاد المُستدام. فمن خلال هذا التعاون بين القطاعات، يمكننا تحقيق تغييرات إيجابية ومستدامة تمكننا من التمتع بحياة أطول وأكثر صحة وإنتاجية.
وفي إطار سلسلة الحوارات التي يجريها معهد ماكنزي للصحة، التقى "أندرو ج. سكوت" مؤخرًا بــــ "إيلين فيهان"، والتي تشغل منصب شريكة في شركة ماكنزي وتشارك أيضًا في قيادة فريق معهد ماكنزي للصحة المتخصص بطول العمر الصحي. ناقشا معًا مفهوم طول العمر الصحي وأهمية جعله من الأولويات الأساسية للجميع، بغض النظر عن العمر، والمكان، أو المجال الصناعي. وأكد "سكوت" على ضرورة التركيز على الصحة الجيدة طوال الحياة وكيف يمكن أن يؤدي هذا التركيز إلى تحسين جودة الحياة في جميع مراحل العمر.
إيلين فيهان: هل يمكنك أن توضح لنا مفهوم طول العمر الصحي من وجهة نظرك؟
أندرو سكوت: لقد حدث تطور مذهل، حيث أصبح متوسط العمر المتوقع على مستوى العالم يتجاوز 70 عامًا. وفي الدول ذات الدخل المرتفع، يتوقع أن يعيش نصف الأطفال حتى أواخر الثمانينيات أو أوائل التسعينيات من عمرهم. وفي الواقع نحن نعيش لفترة أطول، لكننا لا نحافظ على صحتنا لفترة أطول. علينا أيضًا أن نضمن أن نبقى منتجين ومشاركين في المجتمع طوال هذه السنوات الإضافية. من وجهة نظري، طول العمر الصحي يعني كيف يمكننا الاستفادة من هذه السنوات الإضافية التي حققناها، لنعيش حياة أطول بصحة أفضل ونبقى نشطين ومنتجين لفترة أطول.
إيلين فيهان: برأيك، لماذا نستخدم مصطلح "طول العمر الصحي" بدلاً من "الشيخوخة الصحية"؟
أندرو سكوت: لا أريد أن أكون متشددًا في رأيي، لكن لدي مشكلة مع كلمة 'الشيخوخة'. أعتقد أننا جعلنا الشيخوخة تبدو كأنها مجرد فترة تدهور صحي. بالطبع، هناك أهمية للشيخوخة الصحية، لكن عندما نتحدث عن طول العمر، يجب أن نتذكر أن الأمر يتعلق أيضًا بالوقت الإضافي الذي نملكه في حياتنا. سواء كنت في العشرينيات أو الخمسينيات أو السبعينيات أو حتى الثمانينيات، لديك وقت أطول للعيش مما كان للأجيال السابقة. لذا، أرى أن التركيز على طول العمر وكيفية الاستفادة من هذا الوقت في أي عمر نبلغه هو أمر حيوي. عندما نتحدث عن 'الشيخوخة الصحية'، يميل الناس إلى تأجيل الاهتمام بصحتهم معتقدين أن ذلك سيأتي لاحقًا. ولكن يمكنك تحسين نوعية حياتك في أي وقت تبدأ فيه، وكلما بدأت مبكرًا، كان ذلك أفضل.
إيلين فيهان: بحلول عام 2050، سيزيد عدد الأشخاص الذين تجاوزوا سن 65 ليصل إلى 1.6 مليار شخص. ما هي الفرص التي يمكن أن تنبثق من هذا التحول الديموغرافي الكبير؟ وكيف يمكننا استغلال هذا التغير لتحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية وصحية؟
أندرو سكوت:يسعدني أنك استخدمت كلمة 'فرصة'، لأن المجتمع الذي يتقدم أفراده في العمر يُنظر إليه عادةً بشكل سلبي، حيث يقول الناس: 'يا إلهي، لدينا مجتمع متقدم في العمر.' ولكن الحقيقة أن هذا التحول الديموغرافي يمثل فرصة كبيرة. هناك طريقتان للنظر إلى هذه الفرصة. الأولى هي القول بأن هناك فرصة لتلبية احتياجات كبار السن، مثل توفير الخدمات الصحية والمنتجات التي يحتاجونها. ولكن هناك تغيير أعمق وأهم يحدث، وأطلق عليه اسم "المجتمع المُستدام أو الاقتصاد المستدام". قد نعيش لفترة أطول، ولكن الأهم هو أن نعيش لفترة أطول ونحن أصحاء، وأن نظل نشطين ومشاركين في المجتمع لفترة أطول. والسؤال هنا: ما الذي يمكننا فعله لمساعدة الناس على تحقيق هذا الهدف؟
صحيح أنه إذا أصبت بمرض في مرحلة متأخرة من حياتي مثل الخرف، سأضطر لإنفاق المال على من يرعاني. ولكنني سأكون مستعدًا لإنفاق ثروة لتجنب الإصابة بالخرف من الأساس. وهذا هو ما أعنيه بـ "الاقتصاد المستدام". الفكرة هي أن نستثمر في صحتنا ورفاهيتنا في مراحل مبكرة من العمر، مثل سن الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين، لنحافظ على صحتنا وأهدافنا وشعورنا بالمشاركة في الحياة. هذه فرصة هائلة تمتد في العديد من الصناعات، مثل صناعة الترفيه، وصناعة الطعام والشراب، والتعليم، والخدمات المالية، بالإضافة إلى المنتجات الصحية. إنها فرصة سوقية ضخمة لأن الناس حول العالم يعيشون لفترة أطول، وبالتالي لديهم المزيد من الوقت أمامهم. لذلك، تصبح مسألة كيفية تقدمهم في العمر أمرًا بالغ الأهمية. إذا استثمرنا في الحفاظ على الصحة والنشاط والإنتاجية منذ البداية، يمكننا أن نضمن أن تكون السنوات الإضافية التي نعيشها مليئة بالحيوية والمعنى.
إيلين فيهان: برأيك أندرو، ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه أصحاب العمل والمؤسسات في هذا السياق؟
أندرو سكوت: أعتقد أن لأصحاب العمل والمؤسسات دورًا مزدوجًا في التعامل مع التغير الديموغرافي المتوقع. أولاً، يجب عليهم العناية بموظفيهم من خلال توفير بيئة عمل تدعم صحتهم ورفاهيتهم على المدى الطويل. وثانياً، يجب عليهم تطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات المجتمع المتقدم في العمر. وفي الواقع، تنظر العديد من الشركات إلى الأشخاص الذين تجاوزوا سن 65 كفئة تركز فقط على قضايا الرعاية والتدهور، مما يقلل من تقدير قدراتهم الفعلية. ويأتي هذا الاعتقاد من الفهم التقليدي لمفهوم المجتمع المتقدم في العمر، والذي يتجاهل السوق الكبير المحتمل الذي يتكون من كبار السن الذين غالبًا ما يكون لديهم دخل أكبر من الشباب. لذا، أرى أن هناك فرصة كبيرة لتطوير منتجات وخدمات جديدة تستهدف هذه الفئة. نحن نعيش في فترة من التغيير الاجتماعي العميق، ويجب على الشركات أن تكون المحرك الرئيسي لهذا التغيير. فمن خلال تقديم حلول مبتكرة تلبي احتياجات كبار السن، يمكن للشركات أن تسهم في تحسين جودة حياتهم وتعزز مشاركتهم وإنتاجيتهم في المجتمع.
كما يجب على أصحاب العمل أن يدركوا أن جزءًا كبيرًا ومتزايدًا من قوتهم العاملة يتقدم في العمر. في البلدان ذات الدخل المرتفع، كان معظم النمو في فرص العمل خلال السنوات العشر الماضية يأتي من العمال الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا. ومع ذلك، تميل الشركات إلى التركيز بشكل كبير على جذب العمال الشباب، متسائلين: كيف نجذبهم؟ لكن إذا لم تكن الشركات حذرة، فإنها ستفقد الكثير من المواهب الكبيرة في السن والخبرة، حيث تميل الفرق التي تضم أعضاء من مختلف الأعمار إلى تحسين أداء الشركة بشكل عام. وأعتقد أيضًا أن الشركات غالبًا ما تكون غافلة عن الخبرة والمعرفة التي يمتلكها العمال الأكبر سنًا. فمن الضروري جدًا أن تفكر الشركات في كيفية الاحتفاظ بهذه الكفاءات البشرية القيمة. مع العلم، يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير وظائف ملائمة للأعمار المتقدمة، مما يساعد على الاحتفاظ بالعمال ذوي الخبرة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات ضمان أن تستفيد القوى العاملة من مزايا التنوع بين الأجيال، مما يعزز من تكامل الخبرات والمعارف المختلفة ويسهم في تحسين الأداء العام للشركة.
إيلين فيهان: في عام 2023، أجرى معهد ماكنزي للصحة استطلاعًا عالميًا شمل 21,000 من كبار السن لاستطلاع آرائهم حول مفهوم العمر. ولكن النتائج أظهرت أن المشاركين أجمعوا على أهمية وجود هدف والانخراط بشكل هادف مع المجتمع كلما تقدموا في العمر. غالبًا ما نسمع المثل القائل 'العمر مجرد رقم'. ماذا تعني لك هذه العبارة؟
أندرو سكوت: كنت أحب هذا التعبير حقًا، ولكن كلما فكرت فيه أكثر، كلما زاد ارتباكي. السؤال هو، "أي رقم؟" وهل هو مفيد بالفعل؟ نحن نركز كثيرًا على العمر الزمني، ونركز على عدد الشموع الموجودة على كعكة عيد الميلاد.
يكمُن أساس التمييز على أساس العمر في الفكرة القائلة بأن عمرك الزمني يحدد سلوكياتك وتوقعات الآخرين منك. ولكنني أعتقد أن هناك تعريفين آخرين مهمين للعمر يجب أن نأخذهم في الاعتبار. الأول هو 'العمر المتوقع'، وهو عدد السنوات التي يمكن أن تتوقع أن تعيشها في المستقبل. فعلى سبيل المثال، في سن 58، يجب أن أتصرف بشكل مختلف عن والدي وجدي عندما كانا في نفس العمر لأن لدي سنوات أكثر أمامي مقارنة بهما. والثاني هو 'العمر البيولوجي'، وهو يعبر عن الحالة الصحية والبدنية للشخص مقارنة بعمره الزمني. غالبًا ما نقول لشخص ما 'تبدو جيدًا بالنسبة لعمرك'، فإن هذا اعتراف غير رسمي بمفهوم العمر البيولوجي.
إذا كنا نريد التقدم في العمر بشكل صحي، فعلينا أن نعمل على الحفاظ على شبابنا البيولوجي لأطول فترة ممكنة. أما العمر الزمني، فأنا أرى أنه قد يكون مضللًا ولا يعكس الحالة الصحية الحقيقية للفرد. لذا، يجب أن نعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع عملية التقدم في العمر. والفكرة الأساسية هي أننا يجب أن نغير الطريقة التي نتقدم بها في العمر، حتى لا نفقد صحتنا، وثروتنا، ومواردنا المالية، ومهاراتنا، وعلاقاتنا قبل الأوان. ومن أجل تحقيق هذا التغيير، علينا أن نتبنى أنماط حياة وسلوكيات جديدة تختلف عن تلك التي تبنتها الأجيال السابقة، مهما كانت أعمارنا الآن. لذا يتوجب علينا أن نركز على تبني نمط حياة صحي ونشط يساعدنا على العيش بجودة حياة أفضل مع التقدم في العمر.
إيلين فيهان: حدثنا عن أهمية التعاون والشراكات بين مختلف الجهات لتحقيق تأثير ملموس في مجال التمتع بطول العمر الصحي؟ كيف يمكن أن تسهم هذه الشراكات في تحقيق نتائج ملموسة نأمل أن نشهدها خلال فترة حياتنا؟
أندرو سكوت: أعتقد أن مسألة طول العمر هي قضية بالغة الأهمية، وتوازي في أهميتها قضايا مثل الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ. سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، هناك قليل من الأمور التي ستكون ذات أهمية لمستقبلنا مثل كيفية تقدمنا في العمر. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو بديهيًا، إلا أن مسألة كيفية تقدمنا في العمر ليست بالأمر البسيط، فهي تعتمد على العديد من العوامل المختلفة، إذ يعتمد الأمر على المنتجات التي نشتريها، وما يفعله أصحاب العمل، والبيئة التي نعيش فيها، والمجتمع، والمعايير الاجتماعية. تتداخل هذه المسألة مع العديد من المجالات المختلفة، مما يعني أننا بحاجة إلى تعاون شامل بين الأفراد والمجتمعات والحكومات للتركيز على كيفية التمتع بحياة مديدة وعمر أطول يتسم بالصحة والانتاجية. ولتحقيق ذلك، سيتطلب الأمر العديد من التغييرات التقنية في الاقتصاد، والقطاع المالي، وأنظمة الصحة. لكن الأهم من ذلك، هو أن الأمر يعد شخصيًا للغاية. نحن نعلم في غالب الأمر أن الأشخاص الذين يعيشون لفترة أطول هم الذين لديهم شعور بالهدف، وشعور بالانتماء للمجتمع، وشعور بالمشاركة الفعالة. لذا، فإن التكيف مع الحياة التي تتسم بالعمر المديد يعد في جوهره نشاطًا تعاونيًا يتطلب تضافر الجهود من الجميع.