الكون ليس هو الشيء الوحيد الذي يتوسع؛ لقد استثمرت الحكومات في تكنولوجيا الفضاء على مدى عقود، والآن، يشهد القطاع التجاري تسارعاً كبيراً في هذا النمو. في هذه الحلقة من بودكاست ماكنزي، يتحدث الشريك الأول في ماكنزي، ريان بروكاردت، مع مديرة التحرير العالمية، لوسيا راهيلي، عن اقتصاد الفضاء العالمي، ويناقشان معًا كيف يخلق الابتكار في التكنولوجيا الفضائية مجموعة واسعة من الفرص لكل من القطاعين الحكومي والخاص، مع توقعات بأن يصل حجم هذا الاقتصاد إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 12035. ومع هذا التوسع الهائل، يصبح من الضروري أن يتم تشكيل وإدارة الفضاء بشكل مسؤول لضمان استدامته وقطف ثمار فوائده للأجيال القادمة.
في الجزء الثاني من برنامجنا، نستضيف الكاتب "موشيك تيمكين" للحديث عن كتابه الجديد "المحاربون والمتمردون والقديسون: فن القيادة من مكيافيلي إلى مالكوم إكس"، الذي صدر عن دار نشر الشؤون العامة/ مجموعة هاشيت للكتب، في نوفمبر 2023. يتناول الكتاب فن القيادة من خلال استعراض وتحليل شخصيات تاريخية بارزة مثل "مكيافيلي" و "مالكوم إكس"، ويستكشف كيف يمكن للدروس المستفادة من هؤلاء القادة التاريخيين أن توجهنا في اختيار وتطوير القادة الذين نحتاجهم اليوم، حيث يأتي هذا اللقاء كجزء من سلسلة "حوارات مع المؤلفين".
يشارك في تقديم بودكاست ماكنزي كلُ من "روبرتا فوسارو" و "لوسيا راهيلي".
سحر الفضاء
لوسيا راهيلي: حدثنا قليلًا عن خلفيتك المهنية والشخصية، وكيف بدأت رحلتك في عالم الفضاء. ما هي الأسباب والتجارب التي أشعلت شغفك بهذا المجال وجعلته اختيارك المهني؟
ريان بروكاردت: قد يبدو هذا تقليدياً بعض الشيء، لكن عندما كنت طفلاً، كنت أنظر إلى السماء وأتأمل النجوم، كان هذا المشهد يأسرني بالكامل. هكذا بدأت رحلتي مع الفضاء. نشأت في الثمانينات في الولايات المتحدة، حيث كان يتم إطلاق مكوك فضاء بشكل دوري، وكانت رؤية رواد الفضاء تلهمني بشكل كبير. التحقت بمعسكر فضائي في صغري، وحصلت لاحقاً على درجة علمية في الفيزياء، ثم انضممت إلى القوات الجوية. وكان الفضاء دائماً شغفاً كبيراً بالنسبة لي. والآن، يسعدني أن أكون جزءاً من التفكير والتخطيط لمستقبل هذه الصناعة وكيف ستؤثر على حياة كل فرد على كوكب الأرض.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
لوسيا راهيلي: ما هي التطورات والأحداث التي جرت في السنوات الأخيرة وجعلت الفضاء أكثر سهولة للوصول إليه مقارنة بالماضي؟
ريان بروكاردت: قد لا يدرك معظم الناس مدى التأثير الكبير للفضاء على حياتهم اليومية. على سبيل المثال، يستخدم الأشخاص كل يوم السيارات التي تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للملاحة، وهذه التقنية تعتمد على الأقمار الصناعية في الفضاء. وكذلك، عند طلب الطعام عبر الإنترنت، يتم استخدام تقنيات الاتصالات والملاحة الفضائية لتسهيل هذه العمليات. تأثير الفضاء في حياتنا اليومية أوسع وأكثر انتشاراً مما يظنه الكثيرون، حيث يسهم بشكل كبير في تسهيل الكثير من الأنشطة والخدمات التي نعتمد عليها بشكل مستمر.
ما حدث بالفعل في السنوات الأخيرة هو أن تكلفة الوصول إلى الفضاء انخفضت بشكل كبير، مما جعل الأمر أكثر سهولة مما كان عليه في الماضي. في السابق، كانت محاولة وضع الأصول في المدار مكلفة جداً. لكن بفضل التقدم التكنولوجي المتنوع، بالإضافة إلى ريادة الأعمال والاستثمارات الخاصة، شهدنا تراجعاً ملحوظاً في هذه التكاليف. هذه التطورات جعلت الفضاء أكثر إتاحة، وأصبح من السهل استكشافه واستخدامه من قبل عدد أكبر من الجهات الفاعلة في هذا المجال.
لوسيا راهيلي: نحن لا نتحدث فقط عن السياحة الفضائية هنا، أليس كذلك؟ بمعنى آخر، هل يتجاوز حديثنا نطاق السياحة إلى الفضاء ليشمل مجالات أخرى ؟
ريان بروكاردت: هذا صحيح. معظم القدرات والخدمات التي نحصل عليها من الفضاء تأتي من الأقمار الصناعية والمنصات غير المأهولة التي تدور في مدار الأرض. تُعد السياحة الفضائية جزءًا من اقتصاد الفضاء، حيث يسافر الناس إلى الفضاء لأسباب متنوعة، تشمل الأغراض العلمية والترفيهية. ومن المتوقع أن يزيد الاهتمام بالسياحة الفضائية في المستقبل، لكنها حتى الآن تشكل جزءًا صغيرًا من الاقتصاد الفضائي الكبير. تعتمد معظم الأنشطة الفضائية اليوم على الأقمار الصناعية والتكنولوجيا غير المأهولة التي توفر لنا العديد من الخدمات الحيوية.
اقتصاديات الفضاء
لوسيا راهيلي: دعونا ننتقل إلى موضوع البحث، بدءًا بتعريف ما نسميه "اقتصاد الفضاء". فما المقصود بهذا المصطلح تحديدًا؟
ريان بروكاردت: في الماضي، كان تعريف "اقتصاد الفضاء" غير واضح ومبهم إلى حد ما. ولهذا السبب، قررنا إعداد هذا التقرير لتوضيح المعنى الحقيقي لهذا المصطلح. فمن وجهة نظرنا، يمكن تقسيم اقتصاد الفضاء إلى قسمين كبيرين. القسم الأول نطلق عليه "البنية التحتية للمجال"، ويشمل مركبات الإطلاق، والصواريخ، والأقمار الصناعية، وجميع المعدات الأرضية التي تجعل هذه التقنيات تعمل بشكل صحيح. أما القسم الثاني، فنطلق عليه "المدى"، ويشمل التطبيقات والخدمات التي تعتمد على هذه البنية التحتية لتقديم السلع والخدمات للناس على الأرض. باختصار، اقتصاد الفضاء يتكون من البنية التحتية الفضائية والتطبيقات العملية التي تستفيد من هذه البنية لتلبية احتياجات المجتمع.
لوسيا راهيلي: قبل أن نتعمق في التفاصيل المتعلقة بالتطبيقات المحددة، حدثنا قليلاً عن القدرات التي يمكن للصناعات تطويرها من خلال الاستثمار في الفضاء. ما هي الإمكانيات والفرص التي يمكن أن تنشأ بفضل هذا الاستثمار، وكيف يمكن أن تسهم في تطوير وتحسين مختلف الصناعات؟
ريان بروكاردت: نرى أن القدرات التي يمكن تطويرها من خلال الاستثمار في الفضاء يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية. الفئة الأولى هي الاتصال. لدينا القدرة الآن على التواصل مع أي مكان في العالم باستخدام تكنولوجيا الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. يمكننا تحقيق ذلك بفضل ما يُعرف بالنطاق الترددي العالي وزمن الاستجابة المنخفض، مما يعني أننا نستطيع إرسال كميات كبيرة من البيانات بسرعة فائقة. هذا يتيح لنا استخدامات متعددة مثل مؤتمرات الفيديو وغيرها من التطبيقات التي تتطلب نقل البيانات بكفاءة وسرعة عالية.
أما الفئة الثانية من القدرات التي يمكن تطويرها من خلال الاستثمار في الفضاء هي التنقل والملاحة. هذا يعني فهم وتحديد موقعك على الأرض بدقة. نحن نستخدم حاليًا الهواتف المحمولة لمعرفة مواقعنا، لكن في المستقبل سنعتمد بشكل متزايد على أجهزة أصغر حجمًا لتحديد مواقع أي شيء في العالم بدقة فائقة.
وفيما يتعلق بالفئة الثالثة من القدرات التي يمكن تطويرها عبر الاستثمار في الفضاء، فهي تتمثل في استخلاص البيانات التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال التطبيقات الفضائية، إذ يمكننا أن نرى ذلك في تطبيقات مثل "جوجل مابس"، وهي تقنية لالتقاط الصور الكهروضوئية أو الأنواع الأخرى التي تتيح لنا رؤية ما يحدث على سطح الأرض بدقة. في الماضي، كانت الشركات أو الحكومات تلتقط صورة للأرض مرة واحدة في اليوم أو حتى مرة في الأسبوع، أما الآن، فقد أصبح بإمكانها التقاط صور بشكل متكرر جداً وبفواصل زمنية قصيرة.
لذلك، وبفضل البيانات الفضائية، لا يمكننا فقط الاعتماد على البيانات المرئية، بل أيضًا على أنواع أخرى من البيانات التي توفر معلومات قيمة ودقيقة حول التغيرات التي تحدث على الأرض. لنأخذ مثالاً على الزراعة: من خلال تحليل البيانات الفضائية، يمكننا مراقبة المحاصيل وفهم كمية المياه المتوفرة لها. هذا يمكننا من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الري والتسميد، وضمان توفير الموارد اللازمة لنمو المحاصيل بشكل صحي. وتتيح لنا القدرة على جمع وتحليل بيانات متعددة من اتخاذ إجراءات فعالة ومبنية على معلومات دقيقة.
رصد التنقلات، فوائدها ومخاطرها
لوسيا راهيلي: دعونا نناقش مثال التنقل. هل يشير هذا إلى تحسين دقة بيانات تحديد المواقع الحالية، أم أننا نتحدث عن تقنية جديدة ومختلفة تمامًا عن نظام GPS؟ وما هي التطبيقات المحتملة التي يمكن استخدام هذه التقنيات فيها مستقبلًا؟
ريان بروكاردت: أولاً، أصبحت بيانات تحديد المواقع أكثر دقة بشكل كبير، مما يتيح ظهور استخدامات جديدة لم تكن ممكنة في السابق. ثانيًا، في الماضي، كان اكتشاف هذه الإشارات يتطلب هوائيات ومستقبلات كبيرة. أما الآن، فيمكن القيام بذلك باستخدام الهاتف المحمول. وفي المستقبل القريب، ستتمكن من اكتشاف هذه الإشارات باستخدام ملصق صغير جداً ومنخفض الطاقة يمكن وضعه على أي شيء تقريباً. لذا سيفتح هذا التطور الباب أمام تطبيقات واستخدامات جديدة ومبتكرة في مختلف المجالات.
على سبيل المثال، الآن يمكنك تستخدم هاتفك المحمول وأنت تسير بسيارتك لمساعدتك في الوصول إلى وجهتك باستخدام نظام الملاحة. ولكن في المستقبل، سنتمكن من تتبع الحاويات على السفن لمعرفة مواقعها الدقيقة، وتوقيت وصولها، ورصدها بشكل سري ودقيق. سيتيح لنا هذا التطور متابعة حركتها بشكل أفضل وفهم أوقات وصولها. بالإضافة إلى ذلك، سنشهد انتشارًا لاستخدامات التكنولوجيا الحالية في مناطق جغرافية جديدة، إلى جانب ظهور استخدامات جديدة لم تكن موجودة من قبل. كل هذه العوامل ستساهم في دفع عجلة النمو بشكل كبير في هذا المجال.
لوسيا راهيلي: أنا أعيش في مدينة نيويورك، ودائمًا ما نتحدث على مائدة العشاء عن الأجهزة القابلة للارتداء وتقنيات التتبع، خاصة وأن أطفالي بدأوا في التحرك بحرية أكبر، والأمر بدأ يثير قلقي. تتحدث الأبحاث عن خدمات التتبع الشخصي عبر الأجهزة القابلة للارتداء. ما هي التطبيقات الممكنة لهذه التكنولوجيا؟ وهل أصبحت الخصوصية مجرد مفهوم قديم في عصر الأقمار الصناعية والتتبع المتطور؟
ريان بروكاردت: إن البيئة التنظيمية للفضاء لا تزال في طور النضوج والتطوير. لذلك، نحن بحاجة إلى مستوى مناسب من التنظيم لإدارة قضايا مثل الخصوصية بشكل فعال. ويمكننا تشبيه ذلك بنظام مراقبة الحركة الجوية الذي يضمن سلامة الطيران؛ فنحن بحاجة إلى نظام مماثل لإدارة الفضاء بشكل مسؤول. نحن هنا نتحدث عن طرق إدارة النطاق الترددي بشكل يتيح الاتصالات، سواء عبر الأقمار الصناعية أو بوسائل أخرى. فإن فكرة الخصوصية بحد ذاتها تتطلب بيئة تنظيمية فعالة لضمان حمايتها. لكن، يجب أن نلاحظ أن سرعة الابتكار التكنولوجي تجاوزت في بعض الأحيان سرعة التقدم في التنظيمات. لذلك، نحن بحاجة إلى الإسراع في تطوير القوانين واللوائح لتواكب هذه الابتكارات السريعة.
لوسيا راهيلي: حدثنا عن دور التكنولوجيا الفضائية في التحذير من الكوارث وإدارتها. كيف تسهم هذه التكنولوجيا في تحسين نُظم التحذير والاستجابة للكوارث الطبيعية؟ وما هي الفرص التجارية المحتملة التي يمكن أن تنبثق من هذا الاستخدام؟
ريان بروكاردت: هناك جوانب متعددة للاستجابة للكوارث يمكن تحسينها باستخدام التكنولوجيا الفضائية. الجانب الأول هو تزويد وكالات الاستجابة والحكومات بمعلومات فورية ودقيقة حول ما يحدث على الأرض، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات سريعة وفعالة. والجانب الثاني هو الاتصالات. فخلال الكوارث، غالباً ما تتعطل أنظمة الاتصالات التقليدية، مما يجعل التواصل بين فرق الطوارئ والحكومات تحديًا كبيرًا. هنا يأتي دور التكنولوجيا الفضائية، حيث توفر وسيلة اتصال مستقرة وموثوقة لضمان استمرار تدفق المعلومات والتنسيق الفعال أثناء الأزمات.
لنتحدث عن نوع المعلومات التي يمكننا جمعها من الأرض باستخدام التكنولوجيا الفضائية. على سبيل المثال، يمكننا الاستفادة من إشارات الهواتف المحمولة لتحديد مواقع الأشخاص. أما في حالات الطوارئ، عادةً ما يترك الناس هواتفهم المحمولة مفتوحة، مما يتيح الفرصة لاستخدام تقنيات تجارية للكشف عن هذه الإشارات، حيث تمكن هذه التقنيات الحكومات من تحديد مواقع الأشخاص الذين قد يكونون في خطر، مما يساعد في تقديم استجابة سريعة وفعالة لإنقاذ الأرواح وتقديم المساعدة الضرورية في الأوقات الحرجة.
ما هو مصير الأقمار الصناعية والمخلفات الفضائية؟
لوسيا راهيلي: تشير الأبحاث إلى أن هناك فرصة جديدة تتمثل في صيانة الأقمار الصناعية أثناء وجودها في الفضاء. هل نتوقع أن يتم تحديث وإصلاح الأقمار الصناعية الحالية وهي في مدارها، أم أنه سيتم استبدالها بأقمار جديدة؟ وفي حالة استبدالها، ما هو مصير المعدات القديمة؟ هل سيتم إنزالها إلى الأرض أم ستبقى في الفضاء بشكل دائم؟
ريان بروكاردت: هناك نقاش مستمر في صناعة الفضاء حول الخيار الأمثل بين تحديث وإصلاح الأقمار الصناعية الموجودة في المدار، أو استبدالها بأقمار جديدة. لكل خيار مزاياه وعيوبه، ولكل منهما دور مهم في هذه الصناعة. فإذا نظرنا إلى الجانب التنظيمي، نجد أن الفضاء أصبح مزدحماً بالأقمار الصناعية، وهناك قلق حقيقي بشأن احتمال اصطدام هذه الأقمار ببعضها البعض. ويكمُن التحدي في كيفية إدارة هذا الازدحام الفضائي لضمان تجنب التصادمات والحفاظ على سلامة العمليات الفضائية.
لوسيا راهيلي: في سياق متصل، مع تزايد النشاط البشري في الفضاء، تتراكم النفايات والحطام الفضائي من الأقمار الصناعية المعطلة ومخلفات الإطلاقات الفضائية. فمن هي الجهة المسؤولة عن إزالة هذا الحطام وضمان نظافة الفضاء؟
ريان بروكاردت: هذه مسألة مثيرة للجدل بشكل كبير. تتسم العديد من الأقمار الصناعية مما نطلق عليه المدار الأرضي المنخفض أو المدارات المنخفضة الأخرى بقدرة ذاتية على التنظيف. بمعنى أنها تتحلل في المدار ثم تحترق في غلافنا الجوي، مما يؤدي إلى اختفائها تماماً. من ناحية أخرى، هناك أقمار صناعية بعيدة عن الأرض، والتي يكون من المنطقي في بعض الحالات إصلاحها وتحديثها وتزويدها بالوقود، بما يتماشى مع فكرة خدمات الصيانة في المدار التي تحدثنا عنها سابقاً.
عندما نسأل من المسؤول عن تنظيف الفضاء من الحطام الفضائي، نجد أن الحكومات الكبرى في الغرب وغيرها من الدول تواجه تحديات كبيرة في هذا السياق. هناك نقاش مستمر حول المتطلبات التي يجب فرضها على الشركات والجهات التي تبني وتطلق الأقمار الصناعية لضمان أن يبقى الفضاء مفتوحاً وآمناً للاستخدام في المستقبل. هذا يثير عدة تساؤلات ألا وهي: ماذا تعني هذه المتطلبات؟ وما هي التكاليف المرتبطة بها؟ وما هي اللوائح والإجراءات التنظيمية التي يجب وضعها لتحقيق هذا الهدف؟ هذه الأسئلة تشكل جزءاً كبيراً من الحوار الحالي حول كيفية إدارة وتنظيم الفضاء للحفاظ على بيئته وضمان استدامته.
الاستكشاف الفضائي العالمي
لوسيا راهيلي: تتحدث في بحثك عن الاستثمارات الأساسية في الفضاء التي تشمل الأقمار الصناعية ومركبات الإطلاق والخدمات مثل التلفزيون الفضائي ونظام تحديد المواقع العالم (GPS) . هل تعتقد أن هذه الاستثمارات ستستمر في الغالب بتمويل من الحكومات؟ أم أن هناك فرصًا تجارية واضحة يمكن أن تجذب الاستثمارات الخاصة في هذا المجال؟
ريان بروكاردت: خلال السنوات العشر الماضية، شهدنا تحولاً كبيراً في معدل إطلاق الصواريخ الفضائية. فقد انتقلنا من إطلاق عدد قليل من الصواريخ سنوياً على مستوى العالم إلى إطلاق صواريخ تقريباً كل يومين، وذلك بفضل زيادة عدد الدول التي تمتلك برامج فضائية نشطة. هذا التغيير الهائل ناتج عن مجموعة من العوامل المتنوعة التي ساعدت في تسريع وتيرة الإطلاقات الفضائية، وهو يعكس التوسع الكبير في نشاط استكشاف الفضاء على مستوى العالم.
هناك عدة عوامل رئيسية ساهمت في زيادة معدل إطلاق الصواريخ الفضائية وتحسين قطاع الفضاء بشكل عام. أولاً، التحسينات التكنولوجية في عمليات الإطلاق ذاتها جعلت هذه العمليات أكثر كفاءة وفعالية. ثانياً، القدرة على إعادة استخدام الصواريخ والمركبات الفضائية بدلاً من استخدامها مرة واحدة فقط قد أسهمت في تقليل التكاليف وزيادة عدد الإطلاقات. ثالثاً، توسع النطاق التجاري لبعض التقنيات الفضائية أدى إلى زيادة الطلب على الإطلاقات الفضائية. رابعاً، دخول رأس المال الخاص إلى قطاع الفضاء أدى إلى زيادة الاستثمارات واستكشاف استخدامات تجارية جديدة لهذه التقنيات.
كيف يؤثر الفضاء على مستوى حياتنا في الأرض؟
لوسيا راهيلي: هناك انتقادات نسمعها أحيانًا حول الاستثمارات في الفضاء، أو على الأقل في بعض قطاعات اقتصاد الفضاء، تتعلق بوجود حاجة ملحة لمواجهة التحديات هنا على الأرض. حدثنا عن الطرق التي يمكن من خلالها أن يسهم الفضاء في تحقيق التقدم نحو أهداف الاستدامة. كيف يمكن للتكنولوجيا والابتكارات الفضائية أن تساعد في حل المشكلات البيئية والاجتماعية التي تواجه كوكبنا، وتعزيز أهداف الاستدامة العالمية؟
ريان بروكاردت: عندما نتحدث عن كيفية تأثير استثمارات الفضاء على الحياة في الأرض، ولماذا يجب أن نوجه استثماراتنا نحو الفضاء بدلاً من مجالات أخرى، يمكنني أن أشير إلى بعض حالات الاستخدام التي تحدثنا عنها. أحد الأمثلة المهمة هو القدرة على توفير الوصول الأساسي، ومن ثم الوصول الكامل، إلى قاعدة المعرفة العالمية للمناطق التي تعاني من نقص في الخدمات أو التي لا تتصل بالشبكات العالمية. هذا الأمر له تأثير كبير للغاية. إن تمكين هذه المناطق من الوصول إلى المعلومات والمعرفة العالمية يمكن أن يحسن حياتهم بشكل كبير.
تتيح هذه الاستثمارات فرصًا كبيرة في مجال التعليم، حيث يمكن للتكنولوجيا الفضائية أن توفر الوصول إلى المعلومات والمعرفة العالمية للمجتمعات المحرومة من هذه الموارد. بالإضافة إلى ذلك، تساهم في فهم أعمق لما يحدث في المجتمعات المحلية وعلى نطاق أوسع. هذا الفهم يمكن أن يساعد في محاسبة الجهات المسؤولة عن الأحداث والتطورات على الأرض. الفضاء والتكنولوجيا الفضائية هما الوسيلتان اللتان تتيحان لنا هذه الإمكانيات، مما يجعل استثمارات الفضاء ضرورية لتحقيق هذه الأهداف.
كما أن هناك مجموعة متنوعة من التقنيات الحديثة التي تمكننا من فهم وتتبع مصادر المواد الضارة مثل الكربون والميثان بشكل أفضل مما كان ممكنًا في الماضي. سابقًا، كان من الصعب تحديد ومعالجة مصادر هذه الانبعاثات بدقة، لكن الآن، بفضل هذه التكنولوجيا المتقدمة، يمكننا توفير معلومات وتحليلات دقيقة. هذه البيانات ليست مفيدة فقط للصناعة الخاصة التي يمكنها تحسين عملياتها وتقليل تأثيرها البيئي، ولكنها أيضًا تمنح الحكومات الأدوات اللازمة لاتخاذ إجراءات فعالة ومبنية على معلومات دقيقة للحد من التلوث وتحسين جودة الهواء.
لنأخذ مثالاً على شركة خدمات في أوروبا. يتعين كل يوم على هذه الشركة أن تقرر كيفية توليد الطاقة: هل تشغل محطة طاقة تعتمد على الوقود الأحفوري؟ أم تعتمد على طاقة الرياح؟ هنا يأتي دور التكنولوجيا الفضائية. باستخدام الأصول الفضائية مثل الأقمار الصناعية، يمكن للشركة الحصول على بيانات دقيقة حول توقعات الطقس، بما في ذلك سرعة واتجاه الرياح. هذه البيانات تساعد الشركة على التنبؤ بشكل أفضل بجودة الرياح في ذلك اليوم. إذا كانت التوقعات تشير إلى أن الرياح ستكون قوية بما يكفي لتوليد الطاقة، يمكن للشركة أن تختار عدم تشغيل محطة الوقود الأحفوري، مما يقلل من انبعاثات الكربون.
لوسيا راهيلي: في سياق متصل، أحد الموضوعات التي تتصدر العناوين هو التعدين في الفضاء واستخراج الموارد من القمر، وهو موضوع يبدو معقداً من الناحية الأخلاقية والجيوسياسية، وغيرها من الجوانب. برأيك "ريان"، ما هي الاعتبارات التي يجب على الشركات أن تضعها في الحسبان في هذا المجال مع تزايد النشاط التجاري في الفضاء؟ كيف يمكن لهذه الشركات التعامل مع القضايا الأخلاقية والجيوسياسية المعقدة التي تصاحب استخراج الموارد الفضائية؟
ريان بروكاردت: مازالت قدرتنا على استخراج المعادن من الكويكبات أو الأجرام السماوية الأخرى مثل القمر، واتخاذ القرارات المتعلقة بالاستخراج المسؤول والاستخدام المستدام لهذه الموارد، بعيدة عن الواقع الحالي. بمعنى آخر، نحن لا نزال في المراحل الأولية من تطوير هذه القدرات، ولا تزال هناك العديد من التحديات التقنية والتنظيمية التي يجب تجاوزها قبل أن نتمكن من تنفيذ عمليات استخراج الموارد الفضائية بشكل مسؤول ومستدام.
ما أعتقد أنه قريب الحدوث، هو أن العديد من الدول والعديد من الشركات الخاصة ستدخل مجال الفضاء، وستبدأ في عملية الاستكشاف، فعلى سبيل المثال، القمر. السؤال هنا هو: كيف يمكننا التأكد من أننا نتعامل بمسؤولية حتى في هذه الخطوات الأولى؟ هل نعمل على تنظيف المخلفات بعد الانتهاء من أعمالنا ونتعاون بشكل جيد مع الآخرين ونحافظ على جميع الموارد الطبيعية، سواء كانت هنا على الأرض أو في الفضاء؟
السباق الفضائي الجديد
لوسيا راهيلي: من الواضح أن المخاطر الجيوسياسية قد تصاعدت على مستوى العالم في السنوات الأخيرة. من وجهة نظرك، هل تلعب الجغرافيا السياسية دوراً في اقتصاد الفضاء؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف تؤثر هذه العوامل الجيوسياسية على التعاون الدولي في الفضاء، والاستثمارات، والتقدم التكنولوجي، وتنظيم الفضاء، والأنشطة الفضائية التجارية والعلمية؟
ريان بروكاردت: الإجابة المختصرة هي نعم، الجغرافيا السياسية دائماً ما كانت تلعب دوراً مهماً في اقتصاد الفضاء. إذا نظرنا إلى الوراء في الخمسينيات والستينيات، سنجد أن هناك سباقاً فضائياً بين عدد قليل من الدول، وخصوصاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. هذا السباق الفضائي أدى إلى إنشاء قاعدة صناعية ضخمة في تلك الدول، وحفز الكثير من النشاط الاقتصادي والتقدم التكنولوجي. وفي نهاية المطاف، أسفر هذا السباق عن تحقيق إنجازات مبهرة خلال تلك الفترة الزمنية.
وإذا نظرنا إلى الوضع الجيوسياسي الحالي، سنجد أننا نعيش في بيئة تتزايد فيها أهمية الفضاء لأغراض مختلفة، بما في ذلك الأمن القومي. سوف تستمر الدول في زيادة استخدام الفضاء لمراقبة الأرض، والاتصالات العسكرية، والدفاع. ومع ذلك، نشهد الآن دخول المزيد من اللاعبين إلى هذا المجال، بما في ذلك دول جديدة وشركات خاصة. هذا يعني أن المنافسة في الفضاء ستزداد، وسيشهد استخدام الفضاء توسعاً كبيراً في الأنشطة التجارية والعسكرية.
لقد شهدنا زيادة كبيرة في عدد وكالات الفضاء حول العالم. في الماضي، كان عددها محدوداً جداً، لكن الآن نرى العديد منها في مناطق مثل الشرق الأوسط وآسيا، وحتى أوروبا. يعكس هذا الاهتمام المتزايد بالفضاء واستخدامه أهمية الفضاء كجزء لا يتجزأ من استراتيجيات الأمن القومي للعديد من الدول. للأسف، في بعض الحالات، قد يتم استغلال الفضاء بشكل غير مسؤول. مع ذلك، فإن الاعتماد على الفضاء لمراقبة الأرض، والاتصالات العسكرية، والعمليات الدفاعية أصبح جزءاً أساسياً من خطط الأمن القومي في العديد من البلدان.
خلق فرص عمل
لوسيا راهيلي: هل هناك مزايا أخرى ترغب في تسليط الضوء عليها يمكن أن يقدمها اقتصاد الفضاء؟
ريان بروكاردت: إحدى المزايا الرئيسية التي يقدمها اقتصاد الفضاء هي خلق فرص عمل جديدة، خاصة في مجالات العلوم والهندسة، والتي لم تكن متاحة من قبل في العديد من البلدان. حتى إذا لم تكن دولة ما قادرة على إطلاق رواد فضاء من أراضيها،على سبيل المثال، يمكنها تطوير اقتصادها الفضائي من خلال إنتاج مكونات تقنية عالية للأقمار الصناعية ومركبات الإطلاق وغيرها من التقنيات الفضائية. على سبيل المثال، يمكن لتلك الدول أن تساهم في صناعة الفضاء عبر تصنيع أجزاء متقدمة تُستخدم في الأقمار الصناعية ومركبات الإطلاق.
نحن نعمل مع بعض العملاء للتفكير في كيفية تطوير اقتصاد الفضاء في بلدانهم وما يمكن أن يعنيه ذلك لاقتصادهم المحلي وتطوير جامعاتهم ومؤسساتهم التعليمية. عندما نتحدث عن تطوير اقتصاد الفضاء في بلد ما، نسأل: ما التأثير الذي سيكون لذلك على اقتصادهم الوطني؟ كيف يمكن أن يسهم في تعزيز وتطوير الجامعات المحلية؟ وما هي الفوائد الأخرى التي يمكن أن تتحقق من هذا التطوير في مختلف القطاعات؟
إذا كنت تريد تطوير وتصميم مكونات تكنولوجية متقدمة لإطلاقها إلى الفضاء، فأنت بحاجة إلى مهندسين وعلماء على وعي وفهم ودراية متعمقة بهذه التكنولوجيا. ولتحقيق ذلك، يجب أن تكون لديك جامعات قادرة على تخريج هؤلاء المهندسين والعلماء من خلال برامج تعليمية متخصصة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون لديك نظام تعليمي ثانوي يثير اهتمام الطلاب بالتكنولوجيا والفضاء ويشجعهم على متابعة الدراسات في هذا المجال. تأخذ العديد من الدول التي تفكر في الانخراط في اقتصاد الفضاء الناشئ في الاعتبار كيفية تطوير نظمها التعليمية لدعم هذا القطاع. كما أنها تفكر في كيفية تحقيق العوائد الاقتصادية على الناتج المحلي الإجمالي من خلال الاستثمار في التعليم والفضاء على مدى العشرين عامًا القادمة.
التحديات التي يجب أخذها في الاعتبار
لوسيا راهيلي: ما هي أكبر التحديات التي تواجه صناعة الفضاء في الوقت الحالي؟
ريان بروكاردت: أحد أكبر التحديات التي تواجه صناعة الفضاء في الوقت الحالي هو التنظيم. هناك توتر بين الحاجة إلى الابتكار والحاجة إلى وضع اللوائح التنظيمية. بمعنى آخر، نحتاج إلى التوازن بين السماح للابتكار بالتقدم بحرية وبين تطبيق القوانين واللوائح لضمان السلامة والاستدامة. التحدي الثاني يتعلق بعدد الجهات المعنية في هذا المجال، سواء كانت شركات خاصة أو حكومات. لا نريد بالضرورة تقييد هذا المجال أو جعله محتكرًا، بل نريد أن يكون الفضاء مفتوحًا للاستخدام الحر والمسؤول للجميع. السؤال المهم هو: كيف سيتطور هذا المجال في المستقبل مع الحفاظ على هذا التوازن بين الابتكار والتنظيم وضمان حرية الاستخدام المفتوح؟
التحدي الثالث الذي نواجهه في صناعة الفضاء هو مدى سرعة تطبيق هذه التكنولوجيا على مشاكل الأعمال في مختلف الصناعات، إذ نقضي الكثير من وقتنا في العمل مع العملاء لمساعدتهم على استغلال التكنولوجيا الفضائية في هذا السياق. فنحن على سبيل المثال، نعمل مع عملاء في صناعات مثل التعدين والزراعة لنساعدهم على التفكير في كيفية استخدام القدرات الفضائية التي تحدثنا عنها سابقًا مثل الاتصالات، والتنقل، والتحليلات المتنوعة لحل مشاكل أعمالهم وتحسين عملياتهم. هذا الجانب من العمل مهم جدًا لأنه يوضح كيفية تطبيق التكنولوجيا الفضائية بطرق عملية ومؤثرة على الأعمال اليومية في مختلف القطاعات.
وأخيرًا، إذا كنت مديرًا تنفيذيًا تعمل في صناعة معينة، فإن الطريقة التي تحل بها مشاكل عملك ليست هي الأمر الأهم، سواء كان ذلك عبر الفضاء، أو على الأرض، أو باستخدام تكنولوجيا أخرى، أو الذكاء الاصطناعي التوليدي. ما يهم حقًا هو تحقيق نتائج أفضل لعملائك وموظفيك.
أبدأ في استراتيجية الفضاء الخاصة بك
لوسيا راهيلي: أشرت في بحثك إلى أن اقتصاد الفضاء يمر بنقطة تحول حاسمة. ما هي توقعاتك فيما يتعلق بديناميكيات النمو في السنوات القادمة؟ كيف تتوقع أن يتطور اقتصاد الفضاء؟ وما هي العوامل التي ستسهم في تحقيق هذا النمو والتوسع؟
ريان بروكاردت: نحن نتوقع باختصار نموًا كبيرًا في اقتصاد الفضاء خلال السنوات العشر القادمة. فعندما بدأنا في التفكير حول ما سيحدث في هذا الاقتصاد، لم نرغب في الاعتماد على تقديرات عامة أو أرقام تقريبية. بل قررنا بناء توقعاتنا من الأسفل إلى الأعلى، وذلك من خلال دراسة حالات الاستخدام المختلفة، سواء من قبل الحكومات أو القطاع الخاص. ونحن نعتقد أن هذا النهج هو الأفضل لأن اقتصاد الفضاء من المرجح أن يتضاعف تقريبًا خلال العقد المقبل، حيث من المتوقع أن ينمو من 630 مليار دولار إلى 1.8 تريليون دولار. هذه التوقعات مبنية على تحليل دقيق لحالات الاستخدام المتعددة، مما يعزز ثقتنا في هذا النمو المتوقع.
لقد تحدثنا عن مفهوم "البنية التحتية والنطاق". بصراحة، كعاملين في صناعة الفضاء، نجد صعوبة في الحديث عن "النطاق" ونميل للتركيز على الأقمار الصناعية ومركبات الإطلاق. لكن الحقيقة هي أن "النطاق" هو الذي سيقود اقتصاد الفضاء من 630 مليار دولار إلى 1.8 تريليون دولار. إن التطبيقات والخدمات التي تعتمد على البنية التحتية الفضائية هي التي ستساهم في هذا النمو الكبير. نحن نعيش في وقت مثير لأن المزيد من الناس على الأرض يستفيدون من الفضاء ويكتشفون كيفية استخدام هذه القدرات، وهذا ما يجعلنا نقول إننا في نقطة تحول مهمة في اقتصاد الفضاء.
لوسيا راهيلي: هل يجب على قادة القطاع الخاص أن يضعوا الفضاء على جداول أعمالهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف ينبغي لهم التفكير في دمج الفضاء في استراتيجياتهم؟
ريان بروكاردت: جيد، الفضاء هو الحدود النهائية، أليس كذلك؟ لذلك، يجب على الجميع إدراجه في استراتيجياتهم. نحن نعمل مع عملائنا خلال هذه الفترة من التغيرات السريعة، ليس فقط في الفضاء بل في العديد من الصناعات الأخرى أيضًا. نستخدم بعضًا من الحماس الذي يولده الفضاء، وبعضًا من التغيرات التكنولوجية الكبيرة التي تحدث فيه، وأيضًا بعضًا من الشغف لإظهار أن الفضاء يمكن أن يغير العالم بشكل أكبر مما فعل حتى الآن. يحمل الفضاء إمكانيات هائلة يمكنها أن تحدث ثورة في العديد من المجالات، ولهذا يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من استراتيجيات أي شركة تتطلع إلى المستقبل.
انظر إلى كيفية تأثير الفضاء على عملك، وعلى حكومتك، وعلى حياة الناس، سواء كانوا موظفين في شركتك أو سكاناً في مجتمعك. الفضاء يمتلك القدرة وسيواصل التأثير على حياة الجميع في جميع أنحاء الأرض. قد تبدو هذه الرؤية طموحة جداً، لكننا نؤمن بأنها حقيقة واقعة. نحن نشجع الجميع على التفكير في كيفية دمج التكنولوجيا والقدرات الفضائية في أعمالهم وحكوماتهم لتحسين حياة الأفراد.
أنواع القادة القادرين على تغيير العالم
روبرتا فوسارو: لننتقل إلى موضوع جديد. ما الذي يمكن أن يتعلمه الرؤساء التنفيذيون من القادة الديناميكيين عبر التاريخ؟ سينضم إلينا الكاتب والزميل في جامعة هارفارد، "موسيك تيمكين"، ليحدثنا عن هذا الموضوع المهم.
موسيك تيمكين: لا يمكننا فهم القادة الذين أحدثوا تحولات كبيرة ومهمة دون فهم التاريخ الذي شكلهم، والعالم الذي نشأوا فيه، والأزمات التي واجهوها. هذا سؤال معقد ولا توجد له إجابة واضحة. لكل قائد مهم نجد أنه تشكل بفضل التاريخ والظروف التي واجهها. لكن الأهم من ذلك، أن القادة البارزين لا يتأثرون بالتاريخ فقط، بل يساهمون في تغييره أيضاً. هم يصنعون التاريخ من خلال إحداث التحولات التي تجعل العالم مختلفاً.
عندما تنظر إلى أنواع القادة الذين يتم تناولهم في الكتاب، ستجد أنهم ينقسمون إلى ثلاثة أنواع. النوع الأول هم الأشخاص الذين يمتلكون السلطة. يمكننا الحديث هنا عن الرؤساء والقادة الذين يمتلكون قوة مؤسسية أو رسمية. هؤلاء هم الأفراد الذين يشغلون مناصب تمنحهم سلطة رسمية وقدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات.
ثم هناك المجموعة الثانية من القادة. وهؤلاء لا يمتلكون سلطة رسمية أو مؤسسية، مثل النساء المناضلات من أجل حق التصويت (suffragists)، أو "مارتن لوثر كينغ الابن"، أو "مالكوم إكس"، الذين ناضلوا من أجل حقوق الأمريكيين الأفارقة في الخمسينيات والستينيات. هؤلاء القادة ليسوا رؤساء دول ولا يشغلون مناصب تمنحهم سلطة رسمية، لكنهم يمتلكون نوعًا من النفوذ ويبحثون عن مصادر بديلة للقوة لتحقيق التغيير الذي يسعون إليه. هم يعتمدون على قوتهم الشخصية والكاريزما الخاصة بهم والتأثير الاجتماعي لتحقيق الأهداف والتغييرات الاجتماعية المهمة.
وأخيرًا، هناك فئة ثالثة من القادة وهي من أكثر الفئات إثارة للاهتمام، وهم الأشخاص الذين يقودون المعارضة ضد السلطة في ظروف خطيرة للغاية. هذه الفئة تشمل الأفراد الذين تكون حياتهم معرضة للخطر الحقيقي نتيجة لمعارضتهم. على سبيل المثال، المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية أو الأشخاص الذين كانوا يهربون من العبودية في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، تكون الرهانات في أعلى مستوياتها، إنها مسألة حياة أو موت، حيث تعني معارضتهم للسلطة أنهم يضعون حياتهم وحياة الآخرين على المحك. والسؤال المهم هنا هو: كيف يمكنك أن تقود عندما لا تمتلك أي سلطة رسمية وتواجه خطراً حقيقياً على حياتك؟
وإذا حاولنا ترجمة هذه المفاهيم إلى عالم الأعمال، نجد أن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو: لنفترض أنك جزء من منظمة أو شركة، ولست في القمة، لكنك تمتلك بعض السلطة. قد تقرر أنك تريد استبدال الشخص الذي يمتلك السلطة العُليا. وهذا بالطبع أمر صعب للغاية داخل المؤسسة، لأنه يمكن أن يكلفك مسيرتك المهنية ونجاحك الشخصي. لكن من خلال بناء التحالفات، والتفكير الاستراتيجي، والنظر في نقاط القوة والضعف للشخص الذي يعلوك في المنصب – وأحيانًا يكون هذا الشخص في القمة – يمكنك العثور على طرق لتحقيق أهدافك وطموحاتك في نهاية المطاف ضمن هذا الهيكل التنظيمي. بهذه الاستراتيجيات الذكية، يمكنك التحرك بفعالية داخل المؤسسة لتحقيق النجاح والارتقاء بمكانتك.
لدينا قائمة طويلة من المشاكل والتحديات التي نواجهها. السؤال الحقيقي هو: هل سنتمكن من العثور على القادة والقيادة التي نحتاجها لمواجهة هذه التحديات؟ أرى أن هناك قادة محتملين، ولكنهم ليسوا معروفين بعد، ولم يصبحوا مشهورين. عندما نتمكن من التعرف على هؤلاء الأشخاص، يجب علينا تشجيعهم، والالتفاف حولهم، وتقديم الدعم والمساعدة لهم. إذا كان هناك من يستمع إلى هذا البودكاست ويرى في نفسه تلك الصفات القيادية، فلا يجب أن يتردد في التقدم والقيام بما يجب القيام به. في نهاية المطاف، بالنسبة لي، القيادة الحقيقية هي شكل من أشكال الخدمة العامة، وهي ضرورية لمواجهة التحديات وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع.