مرحلة جديدة من التفكير المؤسسي: كيف تزدهر المؤسسات في عصر الأنظمة الذكية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

وفي هذا السياق، نادراً ما شهد العالم في تاريخه الحديث ابتكاراً تقنياً أثار هذا القدر من التباين في وجهات النظر مثل "وكلاء الذكاء الاصطناعي". فبينما يراها البعض قوة دافعة لعصر جديد من الكفاءة والابتكار المؤسسي، ينظر إليها آخرون بعين الترقّب والحذر لما تحمله من تحديات تتجاوز حدود التقنية ذاتها، لتطال مفاهيم الثقة، والمساءلة، ودور الإنسان في منظومة اتخاذ القرار.

وتزداد حدة الجدل مع اتساع نطاق التوقعات حول مستقبل وكلاء الذكاء الاصطناعي، إذ تختلف الرؤى باختلاف من تتحدث إليهم أو ما تطالع من تحليلات. فهذه الأنظمة، المبنية على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي والقادرة على التفاعل مع الواقع وتنفيذ عمليات معقدة متعددة المراحل، يُنظر إليها من زوايا متباينة: فالبعض يرى فيها بوابة لعصرٍ من الإنتاجية غير المسبوقة، فيما يخشى آخرون أن تؤدي إلى إزاحة شرائح واسعة من القوى العاملة، بينما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك محذرين من سيناريو تتحكم فيه الروبوتات بمسار العالم، في حين يرى المتفائلون أنها ستمنح الإنسان قدرات غير محدودة أو ربما تُجسّد جميع تلك الاحتمالات في آنٍ واحد.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وأمام هذا المشهد المليء بالتصورات المتباينة والاحتمالات المتناقضة، يجد القادة التنفيذيون أنفسهم مطالبين بالتعامل مع المستقبل بعقلانية أكبر وتجرد من الانفعال. فالتفاؤل المفرط والقلق المبالغ فيه لا يقدمان حلولاً حقيقية بقدر ما يزيدان من ضبابية المشهد. لذلك، يتعيّن على صُنّاع القرار أن يُبعدوا العاطفة عن نقاشاتهم حول مستقبل وكلاء الذكاء الاصطناعي، وأن يعتمدوا التفكير النقدي منهجًا في التحليل والتقييم، إذ باتت الوعود كثيرة، فيما يظل التفكير المتعمّق والنقدي نادراً في مواجهة هذا الزخم التقني المتسارع.

ورغم كل ما يحيط بالمشهد من ضبابية، فإن الإمكانات الكامنة في وكلاء الذكاء الاصطناعي تبدو لافتة وغير قابلة للتجاهل، خصوصاً في ظل التسارع المذهل الذي تشهده هذه التقنية على صعيد التطوير والقدرات. فهي تقف اليوم على أعتاب إحداث تحول جذري في طبيعة العمل المعرفي، من خلال أتمتة المهام الذهنية المعقدة، وإعادة رسم ملامح التنافس في عالم الأعمال، لتصبح الكفاءة في توظيف الذكاء الاصطناعي معياراً حاسماً لتفوق المؤسسات واستدامة نجاحها.

غير أن هذه القوة الهائلة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لا يمكن فصلها عن قدرٍ موازٍ من المسؤولية، إذ إن كل تطور تكنولوجي واسع الأثر يستدعي وعياً أعمق في توجيهه وحسن توظيفه. فالتقنيات المتقدمة، مهما بلغت من دقة وذكاء، تبقى رهينة للخيارات التي يتخذها القادة في إدارة مسارها وتحديد غاياتها. ومن هنا، فإن القرارات التي تُتخذ اليوم لن ترسم ملامح مستقبل المؤسسات فحسب، بل ستسهم أيضاً في تشكيل طبيعة العمل والأدوار البشرية لأجيال مقبلة، في عالم تُقاس فيه الريادة بقدرة القادة على تحقيق التوازن بين طموح الابتكار ومتطلبات الحوكمة والمسؤولية.

وفي ظل تضارب التوقعات بين من يراهن على الذكاء الاصطناعي بوصفه ركيزةً لازدهار غير مسبوق، ومن يحذّر من مخاطره الوجودية، تبدو مهمة الوصول إلى الحقائق الصلبة أمراً بالغ الصعوبة، خاصة في ضوء ما لا يزال مجهولاً حول المسار الفعلي لتطور هذه التقنية. ومع ذلك، فإن غموض المستقبل لا يُعد مبرراً للتقاعس عن التفكير الجاد. بل على العكس، فهو يدعو القادة إلى دراسة السيناريوهات الممكنة، وتقييم الفرص والمخاطر، واتخاذ قرارات استثمارية رشيدة تستند إلى رؤية استراتيجية واضحة، تُوازن بين الطموح والواقعية في آنٍ واحد.

وانطلاقاً من هذا الإدراك بضرورة الفهم العميق والتحليل الواقعي، تم الإعلان عن إطلاق مبادرة خاصة بعنوان "حوار الذكاء الاصطناعي المؤسسي"، وهي سلسلة من الإصدارات والمقابلات والندوات الإلكترونية التي تهدف إلى جمع نخبة من قادة الأعمال والتكنولوجيا والأوساط الأكاديمية حول العالم، لبحث سُبل القيادة في عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه المبادرة إلى بناء منصة فكرية تُمكّن التنفيذيين من تبادل الخبرات واستخلاص الدروس العملية من التجارب الميدانية، بما يتيح لهم اتخاذ قرارات مستنيرة تستند إلى معرفة واقعية ونهج تطبيقي واضح المعالم نحو النجاح في هذا العصر المتسارع بالتحول.

ستة محاور تشكّل أجندة الرؤساء التنفيذيين

يواجه القادة التنفيذيون اليوم واحدة من أكثر المعضلات جوهرية في مسيرة التحول الرقمي، تتمثل في غياب الوضوح حول الاتجاهات التي ينبغي تركيز الجهود والموارد نحوها في مجال وكلاء الذكاء الاصطناعي وكذلك في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل عام. ويُعد هذا الالتباس أمراً طبيعياً في ظل ما يكتنف المشهد من غموض وتسارع غير مسبوق في تطوّر هذه التقنيات. غير أن هذا الغياب في الرؤية قد يفتح الباب أمام المؤسسات للانجراف وراء وعود زائفة أو مبادرات غير مثمرة، مما يؤدي إلى تشتيت الموارد وإضعاف القدرة على تحقيق نتائج ملموسة.

ومن هذا المنطلق، يمكن للأجندة التالية أن تُسهم في إضفاء قدرٍ أكبر من التنظيم والانضباط على عملية التخطيط الاستراتيجي، من خلال تحديد مسارات واضحة للتفكير واتخاذ القرار. وحرصاً على ترسيخ بيئة نقاش بنّاءة تُثري الحوار وتدفع باتجاه حلول واقعية، ينبغي النظر إلى هذه المحاور بوصفها نقاط انطلاق قابلة للنقاش والتطوير، لا مسلّمات نهائية، بحيث تُختبر وتُعاد صياغتها مع تراكم الخبرة وتوسع الفهم لمتطلبات عصر "وكلاء الذكاء الاصطناعي".

زميل جديد في مكان العمل: الذكاء الاصطناعي كزميل يُعيد تشكيل بيئة العمل

سقوط الحواجز التنافسية... وبداية عصر جديد من التميّز المؤسسي

حوّل المفهوم التقليدي للقيمة: من السعي إلى الكفاءة إلى بناء قيمة استثنائية

إعادة هيكلة آليات العمل: من الحلول العامة إلى النماذج المتخصصة

صعود المنظمات الذكية: هياكل أكثر انسيابية وسرعة ومرونة

تعزيز قدرات التعلّم: نحو بناء مؤسسات قادرة على التكيّف المستمر

القيادة الواعية: شجاعة التغيير والالتزام بالمسؤولية

لم يعد الذكاء الاصطناعي تحدياً تقنياً فحسب، ولا مشروعاً يمكن للرئيس التنفيذي تفويضه إلى فرق العمل. بل أصبح اليوم قضية قيادية في جوهرها تتطلب من الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة أن يطوروا فهماً عميقاً لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأن يخوضوا تجربة التفاعل المباشر معها، عبر إطلاق مبادرات تحويلية شاملة وجريئة تمتد عبر جميع مستويات المؤسسة. وفي الوقت ذاته، يتعيّن عليهم إعادة هيكلة منظومات الحوكمة بما يوازن بين سرعة التنفيذ والمساءلة، ويجمع بين الاستقلالية والرقابة، لضمان أن يسير الابتكار في إطارٍ منضبط يرسّخ الثقة ويحقق الأثر المطلوب على المدى الطويل.

وقبل كل شيء، يتعيّن على القادة أن يسيروا بخطى واثقة تقودها بوصلة أخلاقية واضحة، تضمن أن يسهم التقدّم في مجال الذكاء الاصطناعي في بناء ازدهارٍ طويل الأمد وترسيخ الثقة، لا في تحقيق مكاسب آنية قصيرة المدى. فالمسؤولية الحقيقية لا تكمن في تسريع الابتكار فحسب، بل في توجيهه نحو غاياتٍ سامية تُعزز رفاه الإنسان وتدعم استدامة المجتمعات والاقتصادات على حدّ سواء.

لقد تجاوز الذكاء الاصطناعي مرحلة الاختيار ليغدو حقيقة حتمية تشكّل ملامح المستقبل، فارضاً على القادة نوعاً جديداً من القيادة يقوم على الجرأة في القرار، والمرونة في التكيّف، والرغبة الصادقة في إعادة التفكير في كل ما هو مألوف. فالتحدي اليوم لا يقتصر على مواكبة التطور التقني، بل يمتد إلى صياغة رؤية إنسانية متوازنة تضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي وسيلة لنهضة المجتمعات لا تهديداً لها. إن الأسئلة التي يثيرها هذا العصر ليست مجرد قضايا نظرية أو اقتصادية، بل تساؤلات وجودية تمسّ جوهر الإنسان ودوره في عالمٍ يعاد تشكيله من جديد. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى قيادة شجاعة تمتلك الرؤية والمسؤولية لتوجّه هذا التحول نحو مستقبلٍ أكثر ازدهاراً وعدلاً واستدامة.

Explore a career with us