ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
يصادف اليوم إعلان منظمة الصحة العالمية قبل عامين مرض كوفيد-19 جائحةً عالمية، إذ حصد حتى الآن أرواح أكثر من ستة ملايين إنسان في جميع أنحاء العالم وغيّر حياة سكانه بصورةٍ جذرية. ورغم خطر تهديدات المتحورات الأخرى من الفيروس، تستعيد بعض الدول حاليًا نوعًا من نمط حياتها قبل الأزمة. وتستقصي هذه المقالة عشرة دروس تعلمناها خلال الأزمة الصحية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
- يجب اعتبار الأمراض المعدية قضيةً تخصّ المجتمع ككل، مع العلم أن شخصًا واحدًا بين كل 1300 إنسان في عام 2019 لقي حتفه جرّاء العدوى بفيروس سارس-كوف-2. ولكن بالنظر إلى مستقبل أزمة كوفيد-19، فسيكون تأثيرها الصحي المباشر ضئيلًا وضعيفًا، في حين قد تكون تأثيراتها غير المباشرة أكثر أهميةً نتيجة الروتين المتأخر والرعاية الوقائية وإرهاق أنظمة الرعاية الصحية وازدياد الأعباء على الصحة النفسية. ولا شك أن الأزمة الصحية أثرت على الأطفال بشكل خاص، ولا سيما الذين ينتمون إلى عائلات منخفضة الدخل، حيث عانوا كثيرًا من إغلاق المدارس لفترات طويلة، كما أسفرت الجائحة عن أضرار اقتصادية هائلة أدت إلى تراجع جودة الحياة في مختلف أنحاء العالم.
- تحول معيار تطوير اللقاح ليناسب الاستخدام في الحالات الطارئة وربما غيرها من الحالات، إذ لا بدّ أننا نسينا الآن السرعة المذهلة التي تم بها إنتاج اللقاح المضاد لكوفيد-19 منذ عامين، حيث تم تطويره بعد 326 يومًا من اكتشاف التسلسل الجيني وتم اعتماده من قبل هيئة تنظيمية صارمة، مما حطّم جميع الأرقام القياسية السابقة في هذا المجال. كما نجحت العلوم الطبية الحيوية بتوفير عدة لقاحات عالية الفعالية لمواجهة كوفيد-19 وتعزيز السلامة والصحة العامة، الأمر الذي أدى إلى رفع سقف التوقعات وطرح مناقشات جادة حول الخطوات الضرورية لإصدار لقاحات خلال 100 يوم فقط من اكتشاف التسلسل الجيني للأمراض القادمة.
- يستلزم ضعف تصنيع اللقاح وعملية التوزيع العادل للجرعات تغييرًا جذريًا، حيث ما زلنا نشهد حالات من عدم المساواة في الوصول إلى اللقاح رغم نجاح عمليات البحث والتطوير ذات الصلة. ولذلك، يجب التركيز على مسألة التوزيع بقدر عملية التصنيع. كما يساعد رفع القدرة على إنتاج اللقاح عالميًا على ضمان تسريع الوصول إلى اللقاحات في المستقبل ولأكبر عددٍ من الأشخاص، إذ يشكل موقع القدرة الإنتاجية أمرًا مهمًا أيضًا، وتعتزم المناطق ذات الدخل المنخفض تطوير قدراتها المحلية لمواجهة الأزمات الصحية في المستقبل، والحد من اعتمادها على الاتفاقيات الدولية وسلاسل التوريد الطويلة.
- تشكل الثقة ركيزةً حساسةً ومهمةً للاستجابة الفعالة للأزمات الصحية. وقبل تفشي المرض، كان يُفترض أن تشهد اللقاحات الآمنة ذات مستويات الوقاية العالية من الأمراض الخطيرة والمستشرية طلبًا كبيرًا، حيث شهدت بعض الدول إقبالًا واسعًا على اللقاح في حين ساهمت الشكوك في الدول الأخرى بخفض مستوى الطلب عليه. ويُعد المرض الحالي كمثيلاته من الأمراض الأخرى التي يستلزم نجاح قطاع الصحة العامة خلالها الاعتماد على ثقة الشعب في الحكومة والعقد الاجتماعي المشترك بين المواطنين. ويمكن محاكاة المبادئ ذاتها في الشركات التي تعمل على إقرار سياساتها باستئناف العمل من المكاتب والمقرات، إذ يصعب بناء الثقة أثناء الأزمات رغم ضرورتها في بعض المجالات مثل العلوم الطبية الحيوية.
- ستكون المرونة والسرعة الركيزة الجديدة للتميز في ظل تغلب الجائحة على جميع التوقعات، حيث تطورت استجابتنا لها على مراحل عدّة، خاصة مع توفر معلومات وأدوات جديدة. وكان من الضروري إجراء تغييرات في السياسات والسلوكيات مع ظهور المعطيات والأدلة الجديدة المتعلقة بمجموعة من المواضيع، مثل فوائد ارتداء الكمامات الواقية، وفرص تكرار الإصابة بالمرض، وخطورة المتحورات الجديدة، وصعوبة تحقيق مناعة القطيع وفوائد معززات المناعة. وتماشيًا مع هذه التوجهات، اضطرت الدول والشركات والجهات المعنية إلى تحقيق التوازن بين فوائد إدخال الأدلة الجديدة في خطط الاستجابة لمواجهة التخبطات والاضطرابات الناجمة عن التغيرات. ويكشف بحثنا الدور الكبير والمهم الذي تلعبه المرونة وعمليات التواصل القوية في تمكين بعض الشركات من الاستجابة بكفاءة أكبر للأزمة مقارنةً بالشركات الأخرى.
- تلعب السياسة الحكومية دوراً مهماً بالتأكيد، ولكنّ الأهم من ذلك في بعض الأحيان هو سلوك الأفراد. وتم تطبيق هذه المنهجية بطرق مختلفة، بدءاً من الإغلاق العام وإلزامية ارتداء الكمامات الطبية في مطلع عام 2020، حيث اتسمت بفعالية كبيرة ولكنها تختلف حسب جدية الأشخاص والتزامهم بالقواعد وطرق الاختلاط الاجتماعي. وبزغت بعض الآمال حول قدرة الدول على تحقيق مناعة القطيع حينما أعلن العديد من جهات التصنيع عن إصدار اللقاح خلال أسابيع قليلة، ولكنّ هذه الأحلام تلاشت بعد اصطدامها بجدار الواقع الذي شهد تأخيرًا في نشر برامج التطعيم. وامتنع عددٌ كبير من الأشخاص عن أخذ اللقاح في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى تطور فيروس سارس-كوف-2 وانتشاره بصورةٍ أكبر.
- تُعتبر المدارس الركيزة التي تقوم عليها المجتمعات، وهي حقيقةٌ كنا ندركها لاشعوريًا، حتى جاءت الجائحة الصحية لتؤكدها. ورغم أن إغلاق المدارس في الفترة السابقة كان ضرورة لا مفر منها، إلا أن ذلك عرّض جيلاً كاملاً من الأطفال للخطر وأثر على الصحة النفسية للكثيرين، وقلب حياة العائلات رأسًا على عقب في جميع أنحاء العالم. ولم يرتقِ التعليم الإلكتروني ليكون بديلًا قويًا للتعليم المباشر في الصفوف، حيث لم يستطع الأطفال حتى الآن تعويض الفاقد التعليمي لديهم، كما شهدنا تأخر الطلاب الذين ينحدرون من العائلات ذات الدخل المنخفض عن الطلاب الآخرين. وأسفرت الأزمة الصحة أيضًا عن حالةٍ من الضغط أجهدت الأطفال وأهاليهم والمدرسين على حدٍ سواء، وأدت إلى أوضاع تحولت إلى نشاط سياسي في بعض الدول وغيرت ملامح الانتخابات الرئاسية في دول أخرى.
- ندرك تمامًا أن بيئة العمل لن تعود إلى سابق عهدها، حيث أكد العام الأول من الجائحة الصحية على ثلاث نقاط، وهي أن تعريفنا القديم للعمال الضروريين لم يكن مناسبًا، كما تغير مفهومنا بصورةٍ كبيرة حول عدد ونوعية القوى العاملة اللازمة لإنجاز أي مهمة، فضلًا عن إمكانية تسيير الأعمال من المنزل بالنسبة للعاملين في مجال المعرفة. واستغرق الأمر عامين حتى استدرك الأشخاص من مختلف فئات الدخل هذه الدروس، حيث استقال الملايين من وظائفهم ولا سيما النساء، في حين كان الموظفون الذي حافظوا على وظائفهم يشككون في صحة الافتراضات والاجراءات القديمة. والشيء المؤكد هنا بأن النظرة التي يشاهد به الموظفين هذه الأمور تختلف تمامًا عن نظرة أصحاب العمل، الشيء الذي بدوره يسبب شرخًا كبيرًا مما يعود بتأثيرات سلبية عديدة ، وخصوصًا أنه يزيد من نقص اليد العاملة الذي بدأ يتمدد تدريجيًا، مشجعًا مالكي المساحات العقارية ومستأجريها على إعادة التفكير بدور المكاتب.
- تعلمنا أيضًا أن التحفيز الاقتصادي وسيلة ناجحة، ولكن عند تطبيقه إلى جانب التدابير الصارمة الخاصة بالصحة العامة فقط، حيث شهد عام 2020 جدلًا واسعًا حول تحقيق التوازن بين حماية البشر من الفيروس وحماية الاقتصاد. واقترحنا آنذاك أن هذا الإطار مغلوط وليس خيارًا مطروحًا أصلًا. واتضحت الحقائق بعد عامين من الزمن، إذ لم تكن أي دولة قادرة على الإطلاق ضمان استمرارية اقتصادها بدون السيطرة على تفشّي الفيروس. ويمكننا أيضًا عكس المعادلة، فالدول التي واجهت صعوباتٍ أكبر في كبح انتشار الفيروس شهدت تأثيرات اقتصادية كارثية، حيث لم يقتصر الأمر على تعزيز الاقتصاد وحجم حزمة الحوافز المالية آنذاك، بل كان من الضروري التركيز على حل مشكلتي الاقتصاد وانتشار الفيروس في آنٍ معًا.
- تُعد الاستثمارات والمؤسسات التي نطلقها اليوم أدوات تحول دون وقوعنا في المشاكل ذاتها مجددًا، إذ تكبّد الاقتصاد العالمي خسائر كبير في الأرواح بالإضافة إلى خسائر مادية تُقدر بنحو 16 تريليون دولار أمريكي جرّاء الجائحة الصحية. وتوضح مقالتنا بعنوان "لن تكون الجائحة الأخيرة" دور الاستثمارات الذكية التي لا تتعدى قيمتها سنوياً 5 دولارات فقط للشخص الواحد على مستوى العالم ومساهمتها في مراقبة الأمراض، إلى جانب تطوير أنظمة استجابة نشطة دومًا والوقاية من الأمراض وتجهيز المستشفيات وأهمية الأبحاث والتطوير في تعزيز استجابة المجتمع العالمي لتهديدات الأمراض المعدية القادمة. وبدأ المجتمع العالمي، بما في ذلك مجموعة الدول الصناعية السبع (التي تضم أكبر سبعة اقتصادات متقدمة في العالم) ومجموعة العشرين (التي تتكون من 19 دولة والاتحاد الأوروبي ، وتمثل الاقتصادات المتقدمة والناشئة الرئيسية في العالم)، في إيجاد توصيفٍ للهيكلية المحتملة لنظام مناسب للمستقبل. وتعمل الدول حاليًا على تخصيص موارد جديدة استجابةً لهذا الموضوع، إذ يُعد من الضروري إيجاد سبل لتعقب الجاهزية وضمان استثمار التمويل الجديد في الأماكن الصحيحة، إذ أصبح العالم يدرك ضرورة الاستعداد لمواجهة الأزمات في المستقبل.
يُعتبر التواضع من أبرز المواضيع الذي يعد سمة مشتركة بين جميع الدروس العشرة التي ناقشناها في هذا المقال، فقد تغيرت الكثير من معتقداتنا القديمة التي حملناها معنا منذ عقود، وبرزت اليوم ضرورة التعلم والاستكشاف أكثر من أي وقتٍ مضى، مما جعلنا أكثر قدرةً على التكيف مع الأزمة الراهنة والوقاية من الأزمات المستقبلية.