تعد الإدارة الوسطى من الأدوار الوظيفية بالغة الأهمية في المؤسسات، ولكنها تبقى مقيدة بنطاق تحرك محدود. ويواجه مدراء الإدارة الوسطى ضغوطات من الموظفين الأعلى والأدنى، وقلّما يتم تمكينهم أو تتاح لهم فرصة تطوير مهاراتهم، كما يواجهون ضغوطات متنامية لتقديم هيكليات تنظيمية أكثر اتساعًا وسرعةً ومرونة؛ ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم الاستفادة من قدراتهم بشكل كافٍ أو حصولهم على التقدير الكافي. وتشير نتائج استبيان ماكنزي العالمي 1 الجديد حول مدراء الإدارة الوسطى إلى أن الكثير من الشركات قد تتسبب عن غير قصد بإعاقة قدرة هؤلاء الموظفين على إنجاز أدوارهم الوظيفية. وتتعامل الشركات مع مدراء إداراتها الوسطى كأداة لتنفيذ مهام مختلطة، حيث تطلب منهم قضاء الكثير من وقتهم في إنجاز أعمال غير إدارية وأداء المهام البيروقراطية التنظيمية، بدلًا من إفساح المجال أمامهم للتركيز على الدور الأهم في المؤسسات وهو تطوير المواهب.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ويمكن للمدراء المتميزين، الذين يتمتعون بعلاقات قوية مع موظفيهم، قيادة فرق عملهم للارتقاء بالأداء المؤسسي، وتوفير روابط بين الرؤى المؤسسية والتنفيذ. وتوصّلت أبحاث ماكنزي السابقة إلى أن العلاقات في مواقع العمل تشكّل نسبة 39% من مستويات رضا الموظفين. 2 كما تشكّل العلاقات القوية مع المدراء، على وجه التحديد، نسبة 86% من مستويات رضا الموظفين عن علاقاتهم الشخصية في مواقع العمل. لكن، وعلى الرغم من أهمية هذه العلاقات بين المدراء والموظفين، أشار المدراء المشاركون في الاستبيان إلى أنهم يمضون حوالي ثلاثة أرباع وقتهم في تنفيذ مهام لا ترتبط بشكل مباشر بإدارة المواهب. ونقدم من خلال هذا الاستبيان الجديد ثلاثة مجالات رئيسية تتيح للمؤسسات دعم مدرائها بشكل أفضل لتقديم مستويات أعلى من القيمة وتشمل:
- تخصيص المزيد من الوقت للمواهب. في حال كان المدراء يمضون وقتًا طويلًا في التخطيط وإنجاز المهام منخفضة القيمة، فبمقدور الشركات مساعدتهم لتحويل تركيزهم نحو أولوية أكثر أهمية تتمثل في مواكبة احتياجات المواهب.
- إزالة العقبات التنظيمية. أشار الكثير من المدراء إلى أنهم يواجهون تحديات من الأدوار الوظيفية الأعلى والأدنى، ونوّهوا خلال مشاركتهم في الاستبيان إلى أن إجراء تقليص في الجوانب البيروقراطية الكثيرة يمكن أن يسهم في الارتقاء بسوية عملهم.
- تقديم حوافز شخصية. إن بلورة فهم واضح حول الحوافز التي تشجع مدراء الإدارة الوسطى على العمل يمكن أن تساعد المؤسسات على تزويدهم ببيئة عمل أفضل للنجاح.
المدراء عالقون في وضع صعب
توفر نتائج الاستبيان رؤية وافية حول الوقت الذي يمضيه مدراء الإدارة الوسطى. وتُبيّن النتائج أنهم يكرسون حوالي نصف وقتهم لتنفيذ مهام العمل غير الإدارية. وأشار المشاركون في الاستبيان على وجه التحديد إلى أنهم يمضون يوم عمل كامل تقريبًا من كل أسبوع في تنفيذ الأعمال الإدارية، بينما يقضون وقتًا أطول في المساهمة الفردية في العمل 3 بالمقارنة مع مجالات العمل الأخرى (الشكل 1). وعلى الرغم من أن جميع المشاركين في الاستبيان هم من المدراء، فهم يمضون وسطيًا أقل من ثلث وقتهم في إدارة المواهب والموظفين، ويركزون خلال هذا الوقت بشكل أساسي على تدريب الموظفين ودعم تطورهم، في مقابل الوقت الذي يقضونه في أداء مهام مثل تعيين الموظفين وتقييم الأداء.
ويعتقد معظم المشاركين في الاستبيان أن المساهمة الفردية في العمل والمهام الإدارية أقل أهمية من الأعمال المرتبطة بالاستراتيجية والمواهب. ولكن، لماذا يمضي مدراء الإدارة الوسطى وقتًا طويلًا في مجالات لا يعتقدون أنها تعود بالفائدة على مؤسساتهم؟
التباعد بين مجالات القيمة المضافة
يعود ذلك جزئيًا إلى عدم وجود توافق بين المهام الوظيفية التي يعتقد مدراء الإدارة الوسطى بأنها مهمة، وبين العمل الذي ينطوي على قيمة عالية بالنسبة لمؤسساتهم، ما يدل على افتقار المؤسسات للوضوح الكافي حول المهام الوظيفية التي يتعين على هؤلاء المدراء قضاء الوقت في تنفيذها (الشكل 2). وعلى سبيل المثال، غالبًا ما يشير المدراء إلى أن المساهمة الفردية في العمل تحظى بتقدير أكبر من مؤسساتهم، بالمقارنة مع قيامهم شخصيًا بتوفير قيمة أكبر في هذا العمل؛ وأن الوقت الذي يمضونه في إنجاز هذه الأعمال يأتي على حساب فرصة قضاء وقتهم في إدارة المواهب والموظفين.
وعلى الرغم من ذلك، ثمة إجماع على أهمية المدراء في مجال واحد. إذ يرى أكثر من نصف المشاركين في الاستبيان بأنهم يقدمون قيمة أعلى من خلال إنجاز المهام التي تتمحور حول الاستراتيجية، مثل تطوير خطط العمل والإشراف على المبادرات، وهو المجال الذي يعتقدون بأنه غالبًا ما يحظى بتقدير أكبر من مؤسساتهم. ولكن أشار المدراء بالمقابل إلى أنهم يمضون وسطيًا أقل من ربع وقتهم في إنجاز الأعمال التي تتمحور حول الاستراتيجية، وتتطلب القيمة الناتجة عن هذه الأعمال عمومًا مواهب تم تطويرها بشكل ملائم.
تطوير مهارات الموظفين يتطلب وقتًا
تُبيّن نتائج الاستبيان أن تنمية مهارات الموظفين تشكل ثاني أهم المجالات التي يعتقد المدراء بأنها توفر القيمة الأكبر. وعلى صعيد إدارة المواهب والموظفين، أشار 86% من المشاركين في الاستبيان إلى أهمية تدريب الموظفين، و56% منهم إلى تنمية مهاراتهم، باعتبارهما أهم طريقتين لتوفير القيمة المثلى. ولكن، وكما أشرنا سابقًا، تولي الشركات أهمية أكبر للمواضيع المتعلقة بالاستراتيجية والمساهمات الفردية في العمل -وبالتالي فإنها تتوقع من المدراء قضاء وقت أطول في التركيز على هذه المواضيع - بدلًا من إدارة المواهب، ولذا يصعب على المدراء تخصيص وقت كافٍ لدعم فرق عملهم.
وقال حوالي نصف المشاركين في الاستبيان، ممن يكرسون أقل من ربع وقتهم لإدارة المواهب والموظفين، بأنه ليس لديهم وقت إضافي لأداء هذه المهام؛ في حين أشار 35% منهم إلى عدم امتلاكهم للموارد اللازمة لها، ما يدل على أن مؤسساتهم ليس لديها هيكلية تشجعهم على منح الأولوية لإدارة المواهب، أو بما يتيح لهم تخصيص مزيد من الوقت لإدارتها. وعلى سبيل المثال، إذا لم يكن لدى المدير عدد كافٍ من الأعضاء في فريق عمله لتحقيق أهداف الفريق، فقد يتعين على المدير تعبئة النقص الحاصل من خلال استكمال العمل منخفض القيمة بنفسه.
وبينما نعتقد بأن قضاء المزيد من الوقت مع المواهب والموظفين سيعود بالنفع على مدراء الإدارة الوسطى؛ فمن الضروري أيضًا التأكد من أنهم يمضون وقتًا في العمل الاستراتيجي، ويكرسون معظم الوقت لبذل جهود ترتبط بتطوير قدرات المواهب والارتقاء بسوية عملها. وتنقسم مشاركة المدراء في العمل الاستراتيجي إلى شقين أحدهما فردي والآخر جماعي. ويتضمن العمل الاستراتيجي الفردي عناصر مثل التخطيط، بينما يركز العمل الاستراتيجي الجماعي على حشد جهود الفريق لتحقيق مجموعة من الأهداف. ويمثّل هذا العمل الاستراتيجي الجماعي أحد أشكال إدارة الموظفين، وليس كما يصنّفه المدراء على أنه الأسلوب التقليدي في "إدارة الموظفين". وانطلاقًا من ذلك، يرى المدراء بأن العمل الاستراتيجي يوفر قيمة عالية لهم ولمؤسساتهم، ما يتيح للمؤسسات إمكانية الاستفادة من الروابط القوية بين العمل المتعلق بالإدارة التقليدية للموظفين، وبين العمل الاستراتيجي الذي يمكنه تعزيز هذه الجهود.
العقبات الناجمة عن المناصب الوظيفية الأعلى والأدنى تعيق عمل المدراء
تُبيّن النتائج أن المدراء لا يمضون وقتهم في إنجاز المهام الموكلة إليهم فحسب، وإنما يواجهون أيضًا عقبات متعددة في إدارة المواهب بشكل فاعل. ويوافق 20% فقط من المدراء المشاركين في الاستبيان على أن مؤسساتهم تساعدهم على تحقيق النجاح في إدارة موظفيهم، في حين أشارت مجموعة أكبر منهم (42%) إلى أنهم غير موافقين أو غير متأكدين من أن مؤسساتهم تساعدهم على أن يصبحوا مدراء ناجحين للموظفين.
ويواجه مدراء الإدارة الوسطى مجموعة من التحديات المتعلقة بالقيادات الوظيفية والموظفين وأساليب عمل المؤسسات، والتي تعيق عملهم كمدراء للموظفين. وعند سؤالهم عن الظروف التي أثرت سلبًا على تجربة عملهم كمدراء، أشار معظم المشاركين في الاستبيان إلى البيروقراطية التنظيمية (الشكل 3). وتشكل البيروقراطية العامل السلبي الأكثر تكرارًا في إجابات المشاركين في الاستبيان، حيث يتسبب الإفراط بعقد الاجتماعات والتراسل عبر البريد الإلكتروني وعمليات الموافقة والمصادقة بمشاكل في كثير من المجالات. كما أشار المشاركون في الاستبيان إلى مجموعة من التحديات الأخرى، والتي تشمل ضعف أداء الموظفين، والقيادات العليا ذات التأثير السلبي على موظفيها، ومغادرة الموظفين المتميزين بعد إخفاق مؤسساتهم بمواكبة احتياجاتهم. ويتوافق ذلك مع أبحاث ماكنزي السابقة التي تشير إلى أن امتناع المؤسسات عن دعم مدرائها قد يؤدي إلى تعريض جهودها الخاصة بتعيين الموظفين والاحتفاظ بهم للخطر. 4
تقديم الحوافز والمكافآت
ينبغي تحفيز المدراء وتشجيعهم على بذل قصارى جهودهم في المجالات الأكثر أهمية، لذا يجب ألا تعمل المؤسسات على إزالة المعوقات التي تحول دون قدرة المدراء على تحقيق النجاح فحسب، وإنما تكريمهم ومنحهم المكافآت التي يتوقعونها أيضًا. وتشير نتائج الاستبيان إلى أن مدراء الإدارة المتوسطة يتطلعون للحصول على تفويض أكبر في أداء أدوارهم الوظيفية، بالإضافة إلى منحهم المكافآت المالية تقديرًا لإنجازاتهم. وبالنظر إلى ردود جميع مدراء الإدارة الوسطى المشاركين في الاستبيان، فإنهم غالبًا ما يرغبون بتكريم إنجازاتهم من خلال منحهم المزيد من الاستقلالية والمسؤولية، ويليها بفارق بسيط الحصول على العلاوات والزيادات في الأجور (الشكل 4)؛ حيث تختلف التفضيلات إلى حد ما بحسب الموقع. وعلى سبيل المثال، يفضل غالبية المشاركين في الاستبيان من الولايات المتحدة أن يتم تكريمهم من خلال زيادة أجورهم، بالمقارنة مع زملائهم في المناطق الأخرى؛ بينما يتطلع معظم المدراء من مناطق آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والأسواق النامية للحصول على فرص التعلم بشكل أكبر بالمقارنة مع المدراء في الولايات المتحدة.
أما بالنسبة للطريقة التي تقوم المؤسسات فعليًا من خلالها بتكريم المدراء، يشير الاستبيان إلى أن المؤسسات تمضي قدمًا في الطريق الصحيح، وأنها كثيرًا ما تكافئهم بالطريقة الأكثر أهمية بالنسبة لهم. ويشكل إسناد المسؤوليات الجديدة المكافأة الأكثر تكرارًا في الاستبيان، حيث نوّه حوالي ستة من كل عشرة مشاركين فيه إلى حصولهم على مسؤوليات جديدة تكريمًا للجهود التي بذلولها في مناصبهم الحالية. كما أشار حوالي نصف المشاركين إلى قيام مؤسساتهم بتكريم إنجازاتهم من خلال منحهم مزيدًا من الاستقلالية والعلاوات. وفي الولايات المتحدة، حيث يفضل المشاركون في الاستبيان الحصول على مكافآت مالية، تميل المؤسسات بشكل أكبر إلى منح المدراء علاوات وزيادات في الأجور بالمقارنة مع المناطق الأخرى. ويشير الانقسام المتساوي تقريبًا بين المشاركين الذين يعبرون عن اهتمامهم بنوعين مختلفين من المكافآت - إلى جانب التوافق النسبي بين المكافآت التي يرغبون بها والتي يحصلون عليها - إلا أنه وبدلًا من التركيز على نوع المكافآت الممنوحة، يتعين على المؤسسات بذل المزيد من الجهد لتحديد الإنجازات التي ينبغي تعزيزها وتوسيع نطاقها من خلال تقديم تلك المكافآت. وعلى سبيل المثال، يجب على المؤسسات تحديد فيما إذا كانت ستكرّم المدراء عند حصول موظفيهم على ترقيات.
وإذا كانت المؤسسات ستكافئ إنجازات المدراء بإسناد المزيد من المسؤوليات إليهم، فإننا نقترح ضمان ألا تعيق المسؤوليات الجديدة قدرة المدراء على التركيز على الجوانب الأكثر أهمية في عملهم. ويجب أن توفر المؤسسات لهؤلاء المدراء وقتًا كافيًا للتركيز على موظفيهم حتى تتجنّب المخاطر المرتبطة بخسارة مجموعات المواهب أو تعطيل خططها الاستراتيجية. ويعد الوقت من الموارد غير المتجددة، ولذلك يمكن للمؤسسات مساعدة مدرائها على تحقيق النجاح من خلال إعادة النظر في كيفية تخصيص الوقت الذي يمضونه في مواقع العمل.