كيف تستعد الشركات لمرحلة يصبح فيها وكلاء الذكاء الاصطناعي جزءًا من فريق العمل؟

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

في ظل عالم يزداد اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي، لم يعد كافيًا أن تستخدم الشركات أدوات ذكية، بل أصبحت مطالبة بوضع بنية تحتية قوية تُمكّن هذه التقنيات من العمل بفعالية والتوسع بسرعة. فبدون هذا الأساس، لن تتمكن المؤسسات من تحقيق القيمة الحقيقية من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي. وفي هذه الحلقة من بودكاست "At the Edge"، تستضيف "لارينا يي"،الشريك الأول في شركة ماكنزي، ضيفها "رودريغو ليانغ"، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "سامبا نوفا سيستمز" حيث يدور الحديث حول ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، مفهوم "الذكاء الاصطناعي الوكيل"، ثانيًا، كيفية تطور العائد من الذكاء الاصطناعي، وأخيرًا، تناقش "لارينا" مع ضيفها أهمية تبني الشركات نموذجًا هجينًا يجمع بين التقنيات التقليدية والحديثة.

إعادة هيكلة شاملة لبنية الذكاء الاصطناعي

لارينا يي: تُعد شركة "سامبا نوفا سيستمز" واحدة من أكثر الشركات طموحًا ونجاحًا في عالم الذكاء الاصطناعي، فهي تستهدف سوقًا ضخمًا مليئًا بالفرص الهائلة للنمو. ومن هنا أود أن أبدأ بسؤال مهم: ما الذي لفت انتباهك في السوق منذ البداية؟ وما هي تلك الحاجة أو الفجوة التي ألهمتك لتأسيس "سامبا نوفا سيستمز"؟ وما الذي دفعك إلى خوض هذه التجربة من الأساس؟

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

رودريغو ليانغ: في البداية، أسّستُ شركة "سامبا نوفا سيستمز" بالتعاون مع اثنين من الشركاء المميزين، وهما البروفيسور "كونلي أولوكوتون" والبروفيسور "كريستوفر ري"، وكلاهما من جامعة ستانفورد. وفي الحقيقة، عندما بدأنا العمل معًا، كنا نُدرك أن العالم يمرّ بتحوّل واسع تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي. ولو تأملنا ما يجري اليوم، سنجد أننا نعيش في مرحلة جديدة، أصبح فيها الذكاء الاصطناعي هو العنصر الأساسي الذي يُعيد تشكيل مختلف جوانب الحياة. إنه تحوّل غير عادي، ولا يحدث كثيرًا، بل يشبه في حجمه وتأثيره بعض اللحظات الفارقة التي غيّرت العالم خلال العقود القليلة الماضية.

وفي الواقع، انطلقت فكرة تأسيس شركة "سامبا نوفا سيستمز" من نقاشات عميقة بيني وبين شركائي، كنا نسعى فيها لفهم ما إذا كانت البنية التكنولوجية التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي اليوم فعّالة وجيدة، أم أنها أصبحت عائقًا أمام التقدّم. وبالاستناد إلى أبحاث أجريت في جامعة ستانفورد، تبيّن لنا أن هناك إمكانيات أكبر بكثير لتطوير طرق أكثر كفاءة في دعم الذكاء الاصطناعي وتشغيله. عندها اتضحت أمامنا الرؤية، وقررنا أن نبدأ هذه الرحلة، والتي مضى عليها الآن أكثر من سبع سنوات ونصف.

لارينا يي: منذ سبع سنوات، لم يكن الكثيرون منا يهتمون بموضوع مراكز البيانات، وكان هذا المجال يقتصر على فئة قليلة من المتخصصين، وكنتُ من بينهم. أما اليوم، فقد أصبح هذا الموضوع محط اهتمام واسع، وأصبح الجميع يتحدثون عن البنية التحتية والتقنيات التي تقوم عليها.

وحسب تقديرات ماكنزي، فإن العالم سيحتاج إلى نحو خمسة تريليونات دولار خلال السنوات الخمس القادمة، لتوفير البنية التحتية اللازمة لدعم الذكاء الاصطناعي. وهذا يشمل كل ما يتعلق بتشغيل مراكز البيانات: من المباني والتجهيزات، إلى البرمجيات وأنظمة التبريد، وصولًا إلى محطات الطاقة التي تزوّدها بما تحتاجه من كهرباء. هذا الرقم الضخم يعكس حجم التغيير الذي نعيشه، ويُظهر إلى أي مدى أصبح الذكاء الاصطناعي يتطلب موارد هائلة. في ضوء ذلك، كيف ترى التوازن بين هذه التكاليف العالية، والتقدّم التقني السريع، واللحظة الحاسمة التي نمرّ بها الآن في تطور الذكاء الاصطناعي؟

رودريغو ليانغ: نعم، حين نفكر في توسيع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، لا يكفي أن نركز على الحجم فقط، بل من الضروري للغاية أن ننتبه إلى ثلاثة أمور أساسية. هذه الأمور تمثّل الركائز التي لا يمكن الاستغناء عنها إذا أردنا أن نبني منظومة قوية، قادرة على مواكبة النمو السريع للذكاء الاصطناعي.

خلال السنوات الثلاث الماضية، شهدنا توسعًا غير مسبوق في البنية التحتية المخصصة للذكاء الاصطناعي. فقد تم الاستثمار بكثافة في وحدات معالجة الرسومات (GPUs)، وفي القدرات الحاسوبية العالية التي تقاس بالتيرافلوبس، وكل ذلك بهدف واحد رئيسي وهو تدريب النماذج الكبيرة. وقد كانت هذه المرحلة، إلى حد كبير، حكرًا على كُبرى الشركات العالمية، نظرًا لما تتطلبه من موارد ضخمة وتقنيات متقدمة. لكننا اليوم ننتقل إلى مرحلة جديدة. لم يعد التركيز فقط على تدريب النماذج، بل أصبح الاهتمام مُنصبًّا على كيفية استخدامها فعليًا. فالعالم الآن يحتاج إلى بنية تتيح تشغيل هذه النماذج في الوقت الفعلي، واستخدامها في الاستدلال واتخاذ القرارات. وهذه المرحلة تتطلب نوعًا مختلفًا من التفكير، ونوعًا أكثر مرونة من البنية التحتية.

ومع استمرارنا في توسيع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بدأت تظهر تحديات جديدة لم تكن في الحسبان. من أبرز هذه التحديات النقص المتزايد في الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات الضخمة. ولهذا السبب، بدأت بعض النقاشات تدور حول اللجوء إلى مصادر طاقة بديلة وأكثر قوة، مثل محطات الطاقة النووية، أو غيرها من الحلول التي يمكن أن توفر إمدادات مستقرة وموثوقة. لكن الأمر لا يقتصر على تأمين الطاقة فحسب؛ فكلما زادت القدرة التشغيلية لهذه المراكز، زادت الحاجة إلى أنظمة تبريد فعالة قادرة على التعامل مع الحرارة الهائلة التي تولّدها.

كذلك، حينما نفكر في تزويد مراكز البيانات العملاقة بالطاقة، لا يكفي أن نوفّر مصدرًا قويًا للطاقة فقط. بل نحتاج أيضًا إلى تحديث شبكة الكهرباء بالكامل، حتى تتمكن من دعم هذا الكم الهائل من الاستهلاك. لكن التحدي لا يتوقف عند هذا الحد، فبعد تشغيل هذه المراكز، علينا التأكد من أن نتائج عملها تصل إلى المستخدمين النهائيين. والمشكلة هنا أن معظم هؤلاء المستخدمين يعيشون في المدن الكُبرى، بينما لا يمكن بناء مراكز بيانات ضخمة في قلب المدن بسبب القيود التقنية والمساحات المحدودة.

ولا شك أن هناك تحديات كبيرة نواجهها اليوم في بناء البنية التحتية اللازمة لتشغيل الذكاء الاصطناعي بكفاءة. ونحن في "سامبا نوفا سيستمز" على وجه التحديد، نركّز بشكل كبير على تبسيط هذه التحديات، ونبحث باستمرار عن حلول تُمكّننا من تقديم قدرات حوسبية عالية، لكن بتكلفة أقل وباستهلاك طاقة أقل أيضًا.

ونؤمن تمامًا أن الحل لا يمكن أن يكون ببساطة في بناء المزيد من محطات الطاقة أو إنشاء المزيد من مراكز البيانات، لأن هذا المسار معقّد ومكلف للغاية. بل سنحتاج إلى بنية تحتية قوية، ولكن في المقابل، لا بد أن تصبح التقنيات نفسها أكثر كفاءة.

بناء الحلول من مرحلة الأساس وصولاً إلى مرحلة التطبيقات النهائية

لارينا يي: أخبرنا أكثر عن السرّ الذي يجعل سامبا نوفا مختلفة في طريقة عملها، خصوصًا من حيث تحقيق الكفاءة العالية. ما الذي تقدمونه فعلًا ويسهم في جعل الذكاء الاصطناعي يعمل بشكل أسرع أو أوفر تكلفة؟ وإن كنت من الأشخاص غير المتخصصين في التقنية، كيف يمكنني أن أفهم، بطريقة بسيطة، الدور الذي تؤدونه في هذا المجال؟

رودريغو ليانغ: إذا فكرتِ قليلًا في "سامبا نوفا" باعتبارها شركة تؤدي دورًا متكاملًا في عالم الذكاء الاصطناعي، نجدها شركة تبدأ من تصميم المعالجات المتخصصة التي تشغّل النماذج بكفاءة، وتنتهي بتقديم حلول جاهزة عبر واجهات برمجية متطورة، تتيح للمستخدمين الوصول إلى أفضل النماذج مفتوحة المصدر بسهولة، ومن دون الحاجة إلى بناء نماذجهم الخاصة أو الاستثمار في بنية تحتية معقدة. وبهذا النهج، تسهّل "سامبا نوفا" على الشركات اعتماد الذكاء الاصطناعي، وتمنحها إمكانات قوية بأقل جهد وتكلفة.

فمن خلال منصة "سامبا نوفا" السحابية المتوافرة على الرابط "cloud.sambanova.ai"، يمكنك استخدام أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر بسهولة، دون الحاجة إلى بنية تحتية معقدة أو تكلفة مرتفعة. فنحن نوفّر لك هذه النماذج بدقة عالية وسرعات قياسية، وبتكلفة أقل بكثير مقارنة بتشغيلها داخل شركتك. والسبب في أهمية هذا الحل أن تشغيل الذكاء الاصطناعي يتطلّب موارد ضخمة: من تجهيز الخوادم، إلى استهلاك الطاقة، إلى إنشاء شبكات قوية قادرة على استيعاب جهد وحجم العمليات. وكلما توسعت في الاستخدام، زادت هذه التكاليف بسرعة.

كما أننا ننتقل من مرحلة تدريب النماذج إلى مرحلة تشغيلها واستخدامها الفعلي، وهذه الخطوة ستتطلب استثمارات أكبر بكثير، وربما قد تصل إلى عشرة أضعاف. ولهذا، لا بد أن تصبح العمليات أكثر كفاءة، وأن تنخفض التكاليف. لأنه ببساطة، إذا لم نقلّل النفقات، فلن يكون التوسّع ممكنًا.

التخطيط لاعتماد نموذج هجين

لارينا يي: لنفترض أن الشركات ستتمكّن بالفعل من توسيع استخدام الذكاء الاصطناعي. إذاً، يبقى السؤال الأهم: كيف يستعد قادة الأعمال لهذه المرحلة؟

رودريغو ليانغ: في المرحلة القادمة، ستكون الشركات الناجحة هي تلك التي تدرك كيف توظف الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية، لا مجرد تقنية. فهي لا تستخدمه فقط لتحسين خدماتها، بل لتقدّم تجربة أكثر ذكاءً ومرونة، فتتواصل مع العملاء بسرعة، وتفهم احتياجاتهم بدقة، وتقدّم لهم حلولًا مصممة خصيصًا لهم. لكن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل؛ إذ تعيد هذه الشركات بناء عملياتها التشغيلية بحيث يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من كل خطوة، من الفكرة حتى وصول المنتج إلى السوق. والنتيجة؟ وقت أسرع للإطلاق، تجربة عميل أكثر تميزًا، وميزة تنافسية يصعب على الآخرين اللحاق بها.

ولذلك، لن تكون حلول الذكاء الاصطناعي في المرحلة المقبلة موحدة أو ذات نمط واحد، بل ستتجه إلى نموذج هجين يجمع بين عدة مكونات متكاملة. فكما تمزج الشركات اليوم بين التخزين السحابي والأنظمة المحلية، فإنها ستعتمد أيضًا على مزيج من النماذج اللغوية الجاهزة واسعة النطاق، إلى جانب نماذج مخصصة تُبنى وفقًا لاحتياجاتها الدقيقة. ولأن استخدامات الذكاء الاصطناعي أصبحت متعددة، لم يعد التركيز مقتصرًا على النصوص فقط، بل يشمل أيضًا معالجة الصور، وفهم اللغة، وتحليل الصوت.

لكل شركة طريقتها الخاصة في إدارة العمليات اليومية وتلبية احتياجاتها. لكن عندما تعتمد الذكاء الاصطناعي في نموذج هجين، فإن العامل الأهم في تحديد مكان تشغيل النماذج لن يكون الطريقة، بل البيانات. فالمكان الذي تُخزَّن فيه البيانات هو ما يحدد ما إذا كان النموذج سيعمل على "سحابةA"، أو "سحابة B"، أو من خلال خوادم داخلية.

ولهذا، نحن نؤمن أن البنية التحتية يجب أن تُبنى انطلاقًا من موقع البيانات، وليس العكس. وبما أن جميع الشركات ستنتهي إلى نموذج هجين في النهاية، فمن المنطقي أن تبدأ من حيث توجد بياناتك، فهي التي ستقودك إلى الحل الأنسب.

قيمة النماذج اللغوية صغيرة الحجم

لارينا يي: في حديثي مع عدد من قادة الشركات، وجدت أنهم متحمسون لاستخدام النماذج اللغوية العملاقة، لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون أن القيمة الحقيقية لا تكمن فقط في قوة هذه النماذج، بل في سهولة استخدامها وارتباطها ببيانات الشركة نفسها. ومع ذلك، هناك حالات تحتاج فيها الشركات إلى ربط النموذج بالإنترنت، للحصول على معلومات من مصادر خارجية. مع العلم، حالياً أصبح هناك اهتمام متزايد بما يُعرف بالذكاء الاصطناعي الوكيل، وهو النوع الذي يمكنه العمل واتخاذ قرارات بشكل مستقل. فعلى سبيل المثال، أنتم في "سامبا نوفا" لديكم طرق مبتكرة لتقديم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي، فهل يمكنك أن تخبرنا كيف تساعدون الشركات على الاستفادة منه؟

رودريغو ليانغ: نحن ندرك أن احتياجات العملاء تختلف من شركة لأخرى، ولهذا نمنحهم المرونة الكاملة في اختيار البيئة التي تناسبهم لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. فبعضهم يفضّل تشغيل النماذج الضخمة، التي تضم تريليونات من المعاملات، عبر السحابة للاستفادة من مواردها الواسعة. بينما يختار آخرون تشغيل هذه النماذج داخل منشآتهم، حفاظًا على سرية بياناتهم الحساسة. والأهم من ذلك، أن تشغيل النماذج في بيئة داخلية لا يعني بالضرورة الاكتفاء بنماذج صغيرة أو محدودة الإمكانيات.

وما نفتخر به حقًا هو أننا قادرون على تزويد الشركات بنماذج لغوية فائقة الضخامة - تصل إلى 400 أو حتى 600 مليار معلمة - يمكن تشغيلها داخل منشآتهم، دون الحاجة إلى أي اتصال خارجي. هذه النماذج لا تأتي جاهزة فحسب، بل نقوم بتدريبها وضبطها بدقة على بيانات كل شركة، بحيث تعمل بكفاءة قصوى وتقدّم نتائج دقيقة تعكس واقعها الفعلي. وبفضل تصميمها للعمل في بيئة "معزولة عن الشبكة"، تحصل الشركات على أقصى درجات الخصوصية والأمان. وتكمن قيمة هذا النموذج في قدرته على التعامل مع أسئلة غير متوقعة أو احتياجات متغيرة باستمرار، دون أن تضطر للتضحية بالخصوصية أو سرعة الوصول إلى المعرفة.

وقد تكون النماذج اللغوية الصغيرة فعالة جدًا، لكنها تواجه تحديات واضحة. فعندما تُستخدم للإجابة على أسئلة في مجالات محددة مثل القانون أو التمويل أو الموارد البشرية، وتكون مدرَّبة على هذه الموضوعات تحديدًا، فإنها تعطي إجابات دقيقة وموثوقة. لكن المشكلة تبدأ عندما نطرح عليها أسئلة خارج هذا السياق أو بأسلوب مختلف قليلًا. فالنموذج الصغير يكون حسّاسًا جدًا للتغييرات في طريقة السؤال، وقد يفشل في تقديم إجابة صحيحة إذا لم يكن مدرّبًا على هذا النوع من المحتوى. ورغم هذا التحدي، أرى أن النماذج الصغيرة ممتازة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تنفيذ المهام بشكل مستقل.

في الواقع، أرى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيل ستصل إلى مرحلة الاستخدام العملي داخل المؤسسات بشكل أسرع من النماذج اللغوية العملاقة. ويعود ذلك إلى أن بيئة العمل تتطلب مستوى عاليًا من الرقابة والتوثيق، حيث يتعيّن على الشركات التأكد من دقة المخرجات وصحتها قبل الاعتماد عليها. وعندما نتعامل مع نماذج صغيرة، يصبح هذا التحقق أسهل بكثير؛ إذ يمكن ببساطة مقارنة المدخلات بالمخرجات وتحديد ما إذا كانت النتيجة منطقية أو خارجة عن المتوقع. فحين أقوم بإدخال معلومة وأحصل على ناتج لا يتماشى مع التوقعات، يمكنني بسرعة تحديد الخطأ وفهم موضع الخلل.

ما أفعله هو أنني أُنسّق بين عدد من النماذج الصغيرة، أو ما نُسميه "وكلاء الذكاء الاصطناعي"، لأُكوِّن سلسلة عمل مترابطة، بحيث يتعاون كل وكيل في تنفيذ جزء من المهمة. وقد تبيّن أن بعض هذه النماذج الصغيرة يؤدّي دوره بكفاءة لافتة. والسبب في ذلك يعود إلى عاملين، أهمهما ما يُعرف باسم "زمن الاستجابة الأول"، أو "Time To First Token" . وهذا ببساطة يعني: كم من الوقت يستغرق النموذج ليبدأ في الرد بعد أن أعطيه سؤالًا أو مهمة؟

وعندما تفكر في الأداء المثالي، فأنت تريد أن تكون في موقع يشبه ما حققناه مع بعض وكلائنا من طراز "Llama 8B"، حيث لا يستغرق النموذج أكثر من 0.03 ثانية فقط ليبدأ في الرد على السؤال أو المهمة. وإذا قمت بربط 20 نموذجًا من هذا النوع، واحدًا تلو الآخر، فإن المجموع الكلي لزمن الاستجابة لا يتجاوز 0.6 ثانية، وهو وقت سريع جدًا لدرجة أنه يُشعر المستخدم وكأنه يتفاعل مع النظام لحظيًا وفي الوقت الحقيقي. وهذه هي الميزة الكبيرة لهذه النماذج الصغيرة والمتخصصة: فبفضل سرعتها وقدرتها على التعاون فيما بينها، يمكنك بناء نظام ذكي معقد يقدم تجربة استخدام شبيهة بالحوار الطبيعي الفوري، دون تأخير يذكر.

تعزيز أمان العمليات التشغيلية

لارينا يي: هناك عاملان مهمان في نجاح أي نظام ذكاء اصطناعي داخل الشركات، وهما: السرعة وخفض التكلفة. لكنني أعتقد أن هناك عاملًا ثالثًا لا يقل أهمية، وهو الأمان. فإذا كنتُ في موقع قيادة داخل شركة، فسأفكّر أولًا في كيفية حماية بياناتي ونظام العمل لدي. لأن الأمان ليس مجرد مسألة تقنية، بل هو عنصر أساسي يساعدني على مواكبة القوانين الجديدة وتلبية توقعات العملاء التي تزداد يومًا بعد يوم فيما يتعلق بالخصوصية والثقة.

رودريغو ليانغ: صحيح تمامًا. لنفترض مثلًا أننا نستخدم وكلاء الذكاء الاصطناعي داخل بنك. كل وكيل من هؤلاء يحتاج إلى وصول آمن للبيانات التي يتعامل معها. ورغم أن هذه الوكلاء قد تعمل معًا ضمن سلسلة واحدة من المهام، إلا أنه لا يكفي أن تُمرَّر الأوامر بينها بشكل عشوائي، بل يجب أن نتأكد من أن كل أمر يصدر من المستخدم الحقيقي الذي يملك صلاحية الوصول إلى هذه البيانات. وفي بعض الحالات، مثل تبادل معلومات عامة، يكون هذا الإجراء سهلًا.

عندما نبدأ في التعامل مع معلومات حساسة، مثل بيانات العملاء أو المعلومات التي تخضع لقوانين وتشريعات، تصبح المسألة أكثر تعقيدًا. فحتى لو كان النظام يستخدم وكلاء أذكياء ضمن سير عمل آلي، يجب التأكد من أن الشخص الذي يتحدث مع هذا النظام لديه الصلاحية للاطلاع على تلك المعلومات. وإذا لم يكن مخوّلًا بذلك، فلا يجوز للنظام أن يُظهر له البيانات.

ومن المهم حين نستخدم وكلاء ذكاء اصطناعي في سير عمل مشترك أن نتحكم في من يمكنهُ رؤية المعلومات. فقد يكون هناك مستخدم يتفاعل مع النظام، لكن لا يحق له الوصول إلى بعض البيانات. لذلك، يجب أن يكون النظام ذكيًا بما يكفي ليتعرّف على هذه الحالة، ويقول: "هذا الشخص جزء من سير العمل، لكن لا يملك صلاحية الوصول إلى هذا الوكيل، ولهذا سأعطيه ردًّا مختلفًا لا يحتوي على معلومات سرّية."

المنحنى الشّكلي لتطور القيمة في الذكاء الاصطناعي

لارينا يي: برأيك، ما العوامل الجوهرية التي يجب أن تضعها الشركات في الحسبان عند التفكير في تحويل سير العمل بالكامل إلى نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي التفاعلي؟ أنا لا أتحدث هنا عن أتمتة المهام الفردية فحسب، بل عن إعادة تصميم العملية الكاملة.

رودريغو ليانغ: في البداية، تميل الشركات إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في مهام ثابتة ومحددة، باعتبارها خطوة أولى نحو التحول التقني. والسبب في ذلك أن هذه التطبيقات الأولية غالبًا ما تكون أسهل في التنفيذ، لكن في المقابل، عندما يُحصر الذكاء الاصطناعي في جزئية صغيرة أو دور ضيق ضمن سير العمل، فإن القيمة العائدة على المؤسسة تكون محدودة للغاية. فالاكتفاء باستخدام الذكاء الاصطناعي في "شريحة صغيرة للغاية" لا يكفي لتحقيق التأثير المطلوب.

فإذا نظرنا إلى طريقة استفادة الشركات من الذكاء الاصطناعي، سنلاحظ أنها تمر بمنحنى نمو تدريجي يُشبه حرف "S"، فنحن اليوم ما زلنا في المرحلة الأولى من هذا المنحنى، وهي مرحلة ما قبل التوسع، حيث تقتصر معظم التطبيقات على مهام بسيطة قليلة المخاطر. ولهذا السبب، كثيرًا ما نسمع سؤالًا يتكرر: "أين العائد الحقيقي من الذكاء الاصطناعي؟" والحقيقة أن الإجابة لا تكمن في استخدام روبوتات الدردشة وحدها، لأنها ببساطة لا توفّر ما يكفي من المال، ولا تُحدث فرقًا كبيرًا في التكاليف أو الكفاءة.

قد يكون من الصحيح أن بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي لم تُحدث حتى الآن التأثير المتوقع. لكن، لنأخذ مثالًا عمليًا من القطاع المصرفي: في كل مرة يكتشف فيها البنك حالة غسل أموال، يكون مطالبًا بإعداد تقرير مفصل قد يتجاوز 400 صفحة، وذلك بعد انتهاء التحقيق الكامل في الواقعة. تخيّلي حجم الجهد البشري المطلوب: فرق كاملة تعمل على جمع البيانات، وكتابة التقرير، ومراجعته بدقة، ثم التأكد من استيفاء جميع المعايير قبل تسليمه إلى الجهات التنظيمية.

وفي رأيي، نحن كصناعة بحاجة إلى تجاوز المرحلة الحالية من تطوّر الذكاء الاصطناعي، وهي المرحلة التي لا تزال فيها الفائدة محدودة. ولكي نصل إلى ذلك، يجب أن نمتلك بنية تحتية قوية تساعدنا على الوثوق بأن النماذج تعمل بالشكل الصحيح، وأن البيانات تُعالج وتُخزن بطريقة آمنة، ويتم إدارة المخرجات بشكل مسؤول.

لا أحد يستمتع فعليًا بالجلوس لساعات طويلة فقط للتأكد من أن كل التفاصيل موثّقة بدقة في تقرير إداري أو تنظيمي، فهذه من المهام التي يثقل بها العمل اليومي. لكن، ماذا لو كان بإمكان روبوت ذكي إعداد هذا التقرير المعقّد في خمس ثوانٍ فقط، وبأعلى درجات الدقة؟ في هذه اللحظة تحديدًا، تبدأ القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي في الظهور. لأنه لا يكتفي بتسريع المهام، بل يقدّم أيضًا نتائج أكثر دقة، ويقلل بشكل كبير من التكاليف المرتبطة بالوقت والموارد البشرية.

نحن الآن، كمجتمع صناعي وتقني، نمرّ بمرحلة انتقالية تشبه منحنى النضج التدريجي في تبنّي الذكاء الاصطناعي. ولكي نصل إلى المرحلة التالية، نحتاج أولًا إلى بنية تحتية رقمية قوية تمنحنا الثقة الكاملة في أداء النماذج. إذ يجب أن نكون واثقين من أن هذه النماذج تتصرف كما ينبغي، وأن البيانات والمخرجات تُدار بأمان وكفاءة. وعندما تتحقق هذه الثقة، نتمكّن فعليًا من تجاوز التحدي الأصعب: وهو إدارة التغيير داخل المؤسسات، ودمج الذكاء الاصطناعي في سير العمل اليومي، مع الالتزام بالمتطلبات التنظيمية، وضمان قدرة الأنظمة الجديدة على إثبات جدواها في بيئة الأعمال الحقيقية.

التغيير الأساسي مقابل التغيير التحولي

لارينا يي: دعونا نتوقف قليلًا عند الفارق بين أتمتة المهام الفردية، وبين إعادة تشكيل سير العمل بالكامل. بصيغة بسيطة، يمكننا القول إن هناك نوعين من التغيير: تغيير أساسي يقتصر على بعض التحسينات الجزئية، وتغيير تحولي يعيد صياغة طريقة العمل من جذورها. وفي واقعنا الحالي، الكثير من الشركات اليوم تركز فقط على التغييرات البسيطة، لكنها في المقابل تشعر بالإحباط، فهي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في التكاليف دون أن ترى مردودًا حقيقيًا ينعكس على الأداء أو الربحية. ومن هنا، يبرز سؤال جوهري: ما هي الأمثلة التي يمكننا من خلالها التمييز بين ما يُعد تغييرًا أساسيًا، وما يُعتبر تغييرًا تحويليًا فعليًا في بيئة العمل؟

رودريغو ليانغ: من الواضح أن معظم الشركات اليوم تعتمد بشكل كبير على هندسة البرمجيات كجزء أساسي من عملياتها. ولهذا السبب، لا يوجد ما يمنع من الاستفادة الكاملة من قدرات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.

فبدلًا من أن يقضي المهندسون وقتًا طويلًا في مراجعة وتحليل مواصفات آلاف المنتجات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بمهمة تحليل شاملة لأكثر من 100,000 رمز سلعي (SKU)، وذلك من خلال فهمه العميق لكافة المواصفات الفنية، مهما بلغت دقتها أو تعقيدها. بل إنه، في كثير من الحالات، ينجز هذا العمل بجودة أعلى وسرعة تفوق ما يمكن لفريق كامل من المهندسين تحقيقه، مما يفتح الباب أمام نقلة نوعية في كفاءة العمل ودقة النتائج.

لارينا يي: أعجبني ما قلته، فبصراحة، لا أجد سببًا يدعو بعض الشركات للتمسك بالأساليب التقليدية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجالات مثل التسويق، والمبيعات، وتطوير البرمجيات والمنتجات. لكن في المقابل، ما الذي يثير حماسك أنت شخصيًا عندما تفكر في الخطوة التالية بعد اجتياز مرحلة النمو التدريجي؟ ما هي المؤشرات التي تشعرك بأن الشركات بدأت بالفعل تخطو نحو تحول جذري في طريقة عملها؟

رودريغو ليانغ: ما يثير حماسي حقًا هو قدرة الذكاء الاصطناعي على تحويل العمليات التقليدية المعقدة إلى خطوات أكثر كفاءة وفعالية. ولعل أبرز مثال على ذلك هو مجال اكتشاف الأدوية؛ فهذه العملية، في شكلها التقليدي، تستغرق عادة ما يقارب سبع سنوات، حيث تبدأ بجمع كميات ضخمة من البيانات الأولية، ثم تمر بمراحل متعددة من التحليل والاختبار قبل الوصول إلى نتائج موثوقة.

هذا تحديدًا ما قمنا به في شركة "سامبا نوفا سيستمز" خلال جائحة كوفيد-19؛ فقد تعاونّا مع الحكومة الأمريكية للعمل على تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يشبه "العالِم الافتراضي"، بهدف تسريع عملية اكتشاف الأدوية بشكل غير مسبوق. ففي العالم الرقمي، يمكننا إجراء التجارب بوتيرة أسرع بكثير من المختبرات التقليدية، مما يفتح المجال أمام اكتشافات طبية جديدة في وقت أقصر وبكفاءة أعلى.

ولا يتوقف الأمر عند قطاع الرعاية الصحية فقط، بل يمتد أيضًا إلى قطاع الطاقة. فاليوم، تُستخدم إشارات الزلازل وخبرات الجيولوجيين لتحديد مواقع الغاز تحت سطح الأرض، وغالبًا ما يكون ذلك مزيجًا بين العلم والتخمين. لكن مع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، يمكن لهذه النماذج أن تحلل البيانات الجيولوجية بدقة مذهلة، وتحدد مواقع الرواسب الكربونية وتقترح أماكن الحفر بدقة أعلى بكثير. وهذا لا يساهم فقط في تقليل التكلفة، بل يقلّل أيضًا من الأثر البيئي، وهو ما يشكّل قفزة نوعية في هذا المجال.

الاستدلال والتشغيل مقابل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي

لارينا يي: في بداية الحوار، تحدثت عن أهمية "تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي" أو ما يُعرف بالاستدلال. هل يمكنك أن تشرح لنا ما المقصود بهذه المرحلة؟ وكيف تختلف عن عملية تدريب النماذج التقليدية؟

رودريغو ليانغ: يعتمد الذكاء الاصطناعي على ركنين أساسيين وهما تدريب النماذج وتشغيلها أو ما يُعرف بالاستدلال. وأُحب دائمًا أن أشرح الفرق بينهما بمثال بسيط: التدريب يشبه بناء خوارزمية بحث متطورة، بينما الاستدلال هو الاستخدام اليومي لتلك الخوارزمية، كما نفعل جميعًا حين نبحث في جوجل.

مع الوقت، سنلاحظ أن عدد الجهات التي تقوم بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي من البداية سيقلّ تدريجيًا، لأن النماذج المتاحة اليوم أصبحت بالفعل متطورة وقوية بما يكفي. ومع استمرار تطوّر النماذج مفتوحة المصدر، لن يكون من الضروري إنفاق مئات الملايين من الدولارات - مثل 100 أو 200 أو حتى 300 مليون - لتطوير نموذج خاص من الصفر. بدلًا من ذلك، يمكنك ببساطة استخدام نموذج مفتوح المصدر جاهز، وتقوم بتعديله أو تخصيصه بما يتناسب مع احتياجاتك الخاصة.

لارينا يي: ما يحدث حاليًا يثير الدهشة. فقبل عامين فقط، كان علماء البيانات في فرق الذكاء الاصطناعي يقضون معظم وقتهم في تدريب النماذج من البداية. أما اليوم، فقد أصبح بالإمكان التركيز بشكل أكبر على استخدام هذه النماذج وتشغيلها فعليًا. إذًا كيف ترى المشهد بالنظر إلى السنوات الماضية؟ وما الذي تتوقع أن يصبح مألوفًا وطبيعيًا في عالم الذكاء الاصطناعي؟

رودريغو ليانغ: أعتقد، أنه في المستقبل القريب، سيكون لكل فرد منا مجموعة من الوكلاء الأذكياء المصممين خصيصًا لتلبية احتياجاته. فكل المهام التي نؤديها في مجال الأعمال ستتحوّل تدريجيًا إلى سير عمل يعمل بشكل تلقائي عبر وكلاء رقميين. وسيكون هؤلاء الوكلاء جاهزين ومخصصين، يمكن الاستعانة بهم بسهولة، تمامًا كما تختار أداة بشكل سلس وتبدأ باستخدامها فورًا.

بعد عامين من الآن، سيكون لكل واحدٍ منا مجموعة من الوكلاء المفضلين، الذين سنستخدمهم يوميًا في مختلف جوانب حياتنا المهنية. وسيصبح هؤلاء الوكلاء مدمجين بالكامل في أنظمتنا وأدواتنا، لدرجة أنهم سيكونون جزءًا لا يتجزأ من طريقة عملنا اليومية.

بالنسبة لي، يشبه الأمر إلى حدٍّ كبير استخدام القوالب الجاهزة. فكما لا يقوم أحد اليوم بتصميم شرائح العرض من الصفر على "باوربوينت"، كذلك لن يحتاج الناس إلى بناء عملهم يدويًا. إذ سيتمكن الجميع من اختيار الوكلاء الأذكياء الخاصين بهم، وتكييفهم بما يناسب احتياجاتهم، وابتكار تجربة عمل مخصصة تمامًا، وفقاً لتفضيلاتهم الشخصية.

هذا هو المستقبل القريب: خلال عامين فقط، سيصبح لكل فرد مجموعته الخاصة من الوكلاء الرقميين الذين يعتمد عليهم يوميًا، والذين سيتم دمجهم في كل أداة وكل مهمة نقوم بها. وعليه، يصبح إنجاز كل شيء بأنفسنا دون الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي لم يعد أمرًا منطقيًا.

وهكذا، سنجد أنفسنا نعيش في عالم يصبح فيه الاعتماد على هذه الوكلاء جزءًا أساسيًا من طريقة العمل والحياة.

الذكاء الاصطناعي والروبوتات

لارينا يي: إذا نظرنا بعيدًا إلى المستقبل، كيف ترى دور الروبوتات؟ وما الذي يمكن أن نتوقعه من هذا المجال؟

رودريغو ليانغ: عندما نتحدث عن الروبوتات، قد يتخيل البعض أنها ستشبه البشر وتمشي بيننا. لكن الواقع مختلف. فالمجموعة الأولى من الروبوتات التي ستنتشر لن تكون على شكل إنسان، بل ستبدأ في الظهور داخل المصانع ومراكز البيع بالتجزئة. وحالياً، نحن نشهد بالفعل استخدام الروبوتات في المتاجر، حيث تقوم بإعادة تعبئة الرفوف، وكذلك في خطوط الإنتاج التي تعتمد عليها الشركات لتجميع لوحات الحواسيب أو تصنيع السيارات. ومع الوقت، ستصبح هذه الآلات الذكية أكثر انتشارًا، وستتحول إلى عنصر أساسي في العمليات الصناعية والتجارية.

أرى أن التكنولوجيا وصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة تُمكّن الشركات من استخدامها بشكل عملي في مجالاتها المختلفة. وكما أن وكلاء الذكاء الاصطناعي بدأوا بالانتشار في عالم البرمجيات، فإن الروبوتات المتخصصة في أداء مهام محددة ستشهد انتشارًا سريعًا في بيئات العمل. ويرجع هذا إلى ميزة مهمة: وهي أنه يمكنك بسهولة إثبات أن الروبوت قادر على تنفيذ مهمة محددة، مثل تحويل مُدخل معين إلى نتيجة واضحة، بكفاءة واستمرارية عالية. وعندما تكون النتائج دقيقة ومتكررة، يصبح من السهل الاعتماد على هذه الروبوتات في خطوط الإنتاج الفعلية.

أما عن تلك الروبوتات التي نتخيلها جميعًا، والتي تشبه البشر ونطمح لاستخدامها في إنجاز أعمال المنزل اليومية، فهي في الطريق إلينا بالفعل، لكنها ما تزال بحاجة إلى بعض الوقت قبل أن تصبح واقعًا مألوفًا. ومع ذلك، بدأت ملامح هذا المستقبل تتجسد من خلال تطبيقات واقعية بدأت بالظهور تدريجيًا، ويزداد الاعتماد عليها يومًا بعد يوم.

خارطة الطريق المثالية لمستقبل الشركات وبيئة الأعمال

لارينا يي: برأيك، في ظل التوسع السريع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والوكلاء والروبوتات داخل بيئات العمل، ما هي الخطوات الفعلية التي ينبغي على الشركات اتخاذها في المرحلة الراهنة، استعدادًا لتبني هذه التحولات بشكل منهجي وفعّال في المستقبل القريب؟

رودريغو ليانغ: نصح كل شركة بأن تبدأ بمراجعة شاملة لكافة جوانب أعمالها، سواء ما يجري خلف الكواليس مثل الشؤون الإدارية والمالية، أو ما يواجه العملاء بشكل مباشر مثل نقاط البيع وخدمات التشغيل اليومية. ويمكن تنظيم هذا التقييم حسب المناطق الجغرافية أو تبعًا لوظائف الأقسام المختلفة. أما الخطوة الحاسمة، فهي أن تتبنى الشركات سريعًا نموذجًا هجينًا يجمع بين البنية السحابية والبنية المحلية، لأن ذلك بات ضرورة واقعية. فالشركات الكُبرى، مثل تلك المدرجة ضمن قائمة "فورتشن 50"، غالبًا ما تخضع لقوانين تحتم حفظ بيانات العملاء داخل حدود دول معينة.

لذا، على الشركات أن تبدأ بتبني نموذج الذكاء الاصطناعي الهجين، وأن تختار نقطة الانطلاق الأنسب لها بناءً على طبيعة عملياتها، سواء من حيث النشاط أو التوزيع الجغرافي أو خطوط الإنتاج. فلا يشترط أن يتم تنفيذ كل شيء محليًا داخل الشركة منذ البداية، بل من الأفضل التفكير في الجمع بين الحلول السحابية والبنية التحتية المحلية. فالتوازن بين هذين الخيارين هو الطريق العملي والفعّال لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة.

ونظرًا لأن كل موقع جغرافي، وكل نشاط تجاري، وكل وظيفة داخل المؤسسة ستحتاج على الأرجح إلى مزيج من الحلول السحابية والمحلية، فإن من الضروري التفكير في اعتماد نموذج هجين منذ البداية. فبعض المهام ستكون أكثر كفاءة عند تنفيذها عبر السحابة، بينما تتطلب مهام أخرى خصوصية وأمانًا أعلى، ما يستدعي تنفيذها على البنية التحتية المحلية.

وانطلاقًا من هذا التوازن بين الحلول السحابية والمحلية، فإن البدء في تطبيق هذا النموذج سيمكن المؤسسة من اكتساب خبرة عملية على أرض الواقع. فالتعلُّم الحقيقي لا يتم عبر التخطيط فقط، بل يحتاج إلى تطبيق فعلي، لا سيما وأن معظم الشركات لا تدرك حتى الآن حجم ما تجهله في هذا المجال. ولهذا، من المفيد تنفيذ مشاريع محدودة في مواقع معينة، لبناء قاعدة معرفية داخلية تُسهم في تطوير استراتيجية الذكاء الاصطناعي مستقبلاً.

وبناءً على هذه المعرفة التي تكتسبها الشركة مع مرور الوقت، تصبح القدرة على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بفعالية عاملاً حاسمًا في المنافسة السوقية. فكل مؤسسة اليوم تحاول اللحاق بركب الابتكار، ولكن المؤسسة التي تتمكن من استخدام التكنولوجيا بشكل أسرع وأكثر كفاءة هي من ستحقق التفوق في النهاية.

وراء كل هذا التقدّم في التقنية، تبرز أهمية إدارة التغيير كعامل حاسم في تحقيق النجاح الفعلي. فالمسألة لا تتعلق فقط باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بل بكيفية دمجها بفعالية ضمن بيئة العمل اليومية. وكلما تمكّنت الشركة من تجاوز هذا التحدي بسرعة، زادت قدرتها على الاستفادة القصوى من التكنولوجيا.

وفي هذا السياق، فإن مدى قدرتك على استخدام التكنولوجيا بفعالية سيصبح هو العامل الحاسم الذي يميزك عن منافسيك في السوق. فكل شركة اليوم تحاول جاهدة مواكبة هذا التحول، لكن التميز الحقيقي سيكون من نصيب من ينجح في استغلال هذه التقنيات بطريقة أسرع وأكثر كفاءة. فالشركة التي تُحسن استخدام التكنولوجيا أولًا، هي التي ستحصل على ميزة تنافسية قوية وتتفوق على غيرها.

الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع

لارينا يي: بعد أن تحدثنا كثيرًا عن الذكاء الاصطناعي، دعني أناقش معك الجانب الشخصي. فأنت قادم من البرازيل، وقد صنعت مسيرة مهنية ملهمة ومليئة بالإنجازات. ولو أتيحت لك الفرصة اليوم لتقديم الذكاء الاصطناعي إلى بلدك الأم، ما الذي تتمنى أن تحققه من خلاله؟

رودريغو ليانغ: أؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيكون جزءًا أساسيًا من كل جوانب حياتنا في المستقبل، ولذلك يجب ألا يكون حكرًا على من يملكون المال أو الموارد. هذه التكنولوجيا يجب أن تكون متاحة للجميع، بغض النظر عن مكان إقامتهم في هذا العالم، لأن الوصول العادل إليها هو ما يضمن استفادة البشرية منها بشكل كامل. ومن هذا المنطلق، تولي "سامبا نوفا" أهمية كبيرة للجانب اللغوي في كل سوق تدخل إليه. فغالبية الدول لا ترغب في أن يكون التعامل مع التقنية باللغة الإنجليزية فقط، بل تطمح إلى أن تتوفر هذه الحلول بلغتها الأم.

ولهذا، عندما نبدأ العمل في سوق جديد، نحرص على أن نكون مستعدين لغويًا، إما عبر توفير حلولنا باللغة المحلية مباشرة، أو من خلال التعاون مع خبراء ومختصين من أبناء هذه السوق لمساعدتنا في تحقيق التكامل اللغوي. سواء كان الأمر يتعلق بخدمة العملاء أو تفسير المستندات أو ترجمة المحتوى المرئي والمسموع، فإننا نؤمن بأن تقديم الخدمة بلغة المستخدم هو مفتاح النجاح.

لارينا يي: وقبل أن نختم لقاءنا، دعني أطرح سؤالًا أخيرًا قد يثير فضول الكثيرين: من أين جاء اسم "سامبا نوفا"؟ وما القصة التي يحملها وراءه؟

رودريغو ليانغ: شاركني في تأسيس الشركة زميلي "كونلي"، وهو من أصول نيجيرية، وقد أطلقنا في السابق اسم "أفارا" على إحدى شركاتنا، وهو اسم يعني "الجسر" في لغته. وعندما بدأنا التفكير في شركتنا الجديدة، أردنا هذه المرة أن يعكس الاسم شيئًا من جذوري البرازيلية.

حين كنّا نفكر في اسم يُعبّر عن الجذور البرازيلية ويترك أثرًا عالميًا، خطر في بالنا أن أكثر كلمتين تختصران روح البرازيل هما "سامبا" و"ريو". وبعد كثير من التفكير، وُلد اسم "سامبا نوفا" ليعكس فكرة رقصة جديدة... ولكن في عالم الذكاء الاصطناعي.

لم يكن اختيار الاسم محض صدفة، بل عكس رؤيتنا العميقة في جعل البيانات تنساب بسلاسة تامة، دون أن نُخضع النماذج لأي تعقيدات أو قيود تقنية تقليدية. لأن فلسفة "سامبا نوفا" تقوم على تحرير الذكاء الاصطناعي من الحواجز القديمة، ومنحه حرية العمل بكفاءة ومرونة.

ولهذا السبب، بقي الاسم ملازمًا لنا؛ لأنه يُجسد رسالتنا التقنية في تمكين الابتكار... تمامًا كما تنطلق رقصة السامبا بإيقاعها الحر والمليء بالحياة بلا قيود.

Explore a career with us