اختبار الجاهزية: ما مدى استعداد أنظمة الصحة العامة لمواجهة الجائحة المقبلة؟

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لدى الإعلان عن تصنيف مرض كوفيد-19 كجائحة، وجدت العديد من الدول - بما فيها الغنية بالموارد - نفسها غير جاهزة للتعامل مع الأزمة الصحية التي كانت تتلاحق أحداثها بسرعة. وعكست الجائحة نقاط الضعف الكامنة التي كانت موجودة لفترة طويلة قبل الجائحة، بما في ذلك عدم المساواة من ناحية الرعاية الصحية ونقص التواصل بين أنظمة الرعاية الصحية وأنظمة الصحة العامة. كما ثبت الآن فشل العديد من خطط الاستجابة التي كانت تبدو جيدة على الورق. والخلاصة أن أنظمة الصحة العامة لم تكن على قدر التوقعات من حيث قدرتها على مواجهة التحديات الطارئة. كما تبرز الحاجة إلى بذل مزيد من الجهود في هذا المجال في ظل الانتقادات التي تناولت الاستجابة الأولية من قبل السلطات المسؤولة عن الصحة العامة في بعض الدول لمرض جدري القردة، والذي أدرجته منظمة الصحة العالمية ضمن الطوارئ الصحية العالمية في 23 يوليو عام 2022.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتعمل العديد من الحكومات حاليًا على تعزيز استثمارها في مجال الجاهزية لمواجهة الجائحات. ولكن كيف يمكن لهذه الحكومات التأكد من فعالية هذه الاستثمارات في مواجهة الأزمة المقبلة؟ لهذا الغرض، صممت ماكنزي استبيان الجاهزية لمواجهة الجائحات بهدف مساعدة القادة على قياس وتعقب حالة الجاهزية، وتحديد فرص تحسينها، وضمان استمرار التمويل الكافي لهذه الجهود. وتحدد هذه المقالة أربعة مجالات عمل تتيح قراءة نتائج الاستبيان في السياق العملي والدروس العامة المستخلصة من جائحة كوفيد-19، لضمان جاهزية أنظمة الصحة العامة لمواجهة أية أزمة يحملها المستقبل.

عناصر الجاهزية

أظهرت أزمة كوفيد-19 أن الجائحات تؤثر على المجتمع بأكمله، لذا فإن إعداد آلية استجابة فعالة يتطلب وجود قدرات تخصصية وعوامل مساعدة ضمن أنظمة الصحة العامة وخارجها. وقد أشار المشاركون في منتدى جنيف الصحي 2022: قياس الجاهزية لمواجهة الجائحات، والذي عُقد على هامش جمعية الصحة العالمية في مايو من عام 2022، إلى أهمية اعتماد آلية استجابة متكاملة تشمل مختلف القطاعات الحكومية لمواجهة الجائحات.

وعلى هذا الصعيد، يغطي استبيان الجاهزية لمواجهة الجائحات من ماكنزي خمس قدرات لإدارة حالات تفشي الأمراض المعدية، وهي الوقاية الوبائية، وتحديد ومراقبة المخاطر، والجاهزية وعمليات الاستجابة لحالات الطوارئ، وعمليات التصنيع والشراء وإدارة سلاسل التوريد في حالات الطوارئ، والوصول إلى الابتكار. وتستند هذه القدرات إلى مجموعة من العوامل المساعدة والمصممة لتحقيق الأهداف في مختلف النشاطات الحكومية، وتتضمن أيضًا جوانب نوعية للجاهزية لمواجهة الجائحات تشمل التكنولوجيا والبيانات، والاتصالات العامة، والقطاع المالي، والمواهب، والتصميم المؤسسي، والشراكات (انظر الشكل). وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن فرص نجاح الجاهزية لمواجهة الجائحات تكون أكبر لدى وجود نظام عالي الأداء للرعاية الصحية وإدارة الطوارئ.

Measuring preparedness: Are public health systems ready for the next pandemic?

يزود هذا الإطار القادة بأساس لصياغة قائمة مرجعية بهذا السياق، ويقدم رؤى متعمقة تبيّن الجوانب التي ثبتت فيها فعالية التمويل، والجوانب الأخرى التي ينبغي إعادة توجيه مواردها بشكل أفضل.

وفي سبيل المحافظة على الزخم المطلوب، قد يكون على قادة الصحة العامة توضيح أهمية التمويل الجديد في توفير تحسينات ملموسة في مجال الجاهزية لمواجهة الجائحات، إلا أن الأدوات الحالية قد لا تكون مؤهلة بشكل كامل لتحقيق هذا الهدف. ومع أن عددًا من الأدوات التي تم تطويرها قبل جائحة كوفيد-19 قد قدمت مساهمات هامة على هذا الصعيد، فإنها لم تكن دومًا متناسبةً مع النتائج. وبالمقابل، فإن أدوات أخرى، مثل عملية التقييم الخارجي المشترك، تتيح إجراء تقييم مفصل ومتاح للعموم، إلا أنها تُجرى بتواتر قليل نسبيًا. كما أن الآليات الخاضعة للمحاسبة العامة، مثل "مراجعة الاستجابة والصحة العالمية" التي تُجريها منظمة الصحة العالمية، قد تلعب دورًا حاسمًا في ضمان الثقة العامة، لكنها قد تفتقد إلى التوجيه أو التواتر الكافي لتلبية احتياجات بعض السلطات.

وعلى هذا الصعيد، فإن استبيان الجاهزية لمواجهة الجائحات مصمم لتزويد قادة الصحة العامة بلمحة فورية عن الجاهزية الحالية، ومساعدتهم بذلك على توجيه الاستثمارات إلى الجوانب الأكثر حاجة إليها. كما يمكن إعادة إجراء الاستبيان لتقييم التقدم المحرز مع الوقت من خلال تنفيذ البرامج وتوظيف الموارد، بما يساعد على تعديل الاستثمارات وتوجيهها بشكل أفضل وإيضاح القيمة التي تقدمها.

أربع خطوات لتحسين الجاهزية

تزداد فرص نجاح الجاهزية في مواجهة الجائحات عند وجود نظام عالي الأداء للرعاية الصحية وإدارة الطوارئ. وقد حددنا أربع مجالات عمل لتعزيز جهود الحكومات بما يساعد على تحسين الجاهزية، وهي مجالات عانت طويلًا من نقص الاستثمارات وشكلت نقاط ضعف كشفتها جائحة كوفيد-19.

  1. ضمان الوصول إلى الابتكار. أنقذت الابتكارات في مجال الطب الحيوي حياة الملايين خلال أزمة كوفيد-19، إلا أن ضمان الوصول الكامل والعادل لثمار هذه الابتكارات يشكل تحديًا مستمرًا. وقد تجلى هذا التحدي بأوضح أشكاله في لقاحات كوفيد-19، والتي توفرت في وقت أبكر وعلى نطاق أوسع في الدول ذات الدخل المرتفع مقارنةً بنظيرتها ذات الدخل المنخفض. كما واجه توزيع لقاح جدري القردة تحديات مماثلة، إذ يرتبط التغلب على هذه التحديات بالاستطاعة وتوزيع الموارد. وكما أوضحنا في مقالتنا "ليست الجائحة الأخيرة: الاستثمار الآن لإعادة تصميم أنظمة الصحة العامة"، والتي قدرنا من خلالها احتياجات التمويل في هذا المجال، فإن الجاهزية المستقبلية ستتطلب بشكل شبه مؤكد زيادة الاستطاعة العالمية من حيث تصنيع اللقاحات وغيرها من الإجراءات المضادة. ويحتاج ذلك بدوره إلى عقد الاتفاقيات ضمن وبين الدول بهدف تحديد ترتيب المستفيدين من هذه الاستطاعة لدى الحاجة إليها. ويمكن للدول أن تحدد أولًا معيار الأداء ومن ثم تعود لتحديد العوامل المطلوبة لتحقيقه. فقد يكون الهدف، مثلًا، توفير اللقاح الجديد للمجموعات الأكثر عرضةً للخطر خلال ثلاثة أشهر من ترخيصه، ولجميع المواطنين خلال ستة أشهر من الترخيص، وهو ما قد يتطلب بناء الاستطاعة المحلية للتصنيع بالتوازي مع عقد الاتفاقيات مع مصنعين في مواقع أخرى.
  2. الاستثمار في أنظمة البيانات وتكنولوجيا المعلومات في مجال الصحة العامة. خلال المراحل الأولى من جائحة كوفيد-19، رأت العديد من الدول بشكل مباشر كيف تؤدي سنوات طويلة من نقص الاستثمار في نظم البيانات وأدوات تحليلها وتكنولوجيا الصحة العامة إلى إبطاء الاستجابة الفعالة للأزمات. وشكلت مسألة تكامل البيانات بين أنظمة الصحة العامة وأنظمة الرعاية الصحية، في سبيل تحديد استيعاب المستشفيات من حيث عدد الأسرّة، نقطة إشكالية خلال الجائحة، وتطلبت تطوير حلول مخصصة في بعض الدول. كما يستمر التفاوت في آليات الإبلاغ عن عدد حالات جدري القردة بين الهيئات المختلفة، بينما لم يتوافر في العديد من المواقع سوى الحد الأدنى من البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات بغرض تسهيل التواصل الموجه مع شرائح معينة من السكان. وكثيرًا ما اعتمدت أنظمة مراقبة الأمراض على عمليات تستهلك وقتًا طويلًا لتحقيق التكامل بين مختلف أنواع البيانات. ويعمد عدد من الدول، كالولايات المتحدة، حاليًا إلى معالجة هذه الفجوات، حيث يمكن للتمويل الجديد أن يساهم في بناء قدرات دائمة تساعد في تحقيق تقدم ملموس وردم الهوة بين القطاع الصحي وغيره من القطاعات الحكومية.
  3. التخطيط للتوسيع السريع لحجم العمليات. تشكل مواكبة انتشار الجائحة في المراحل الباكرة مسألةً صعبةً بالنسبة للمسؤولين عن الاستجابة. فقد ازدادت حالات كوفيد-19 بشكل مطّرد في بداية الجائحة، ومن الصعب للغاية توسيع النظم البشرية بنفس الوتيرة. ويمكن للحكومات تحسين استجابتها للجائحة المقبلة من خلال التحديد المسبق لخطط الاستجابة، بما يجعل توسيع الإمكانات ممكنًا من خلال تفعيل بروتوكولات وموارد موجودة أصلًا. فعلى سبيل المثال، يمكن على صعيد توريد المشتريات الانتقال من البروتوكولات المعيارية إلى بروتوكولات الطوارئ، وتخزين معدات الوقاية الشخصية بشكل مسبق للاستفادة منها عند الحاجة، إضافة إلى تحديد الطواقم وتدريبها مسبقًا للمشاركة في الاستجابة، ومن ثم حشدها بسرعة من أدوارها "الاعتيادية" للمشاركة في فريق استجابة منظم عند الضرورة.
  4. الإعداد لحوكمة الاستجابة بشكلٍ فعال. شهدت بداية عام 2020 تصاعدًا سريعًا لأزمة كوفيد-19، والتي تجاوزت مجرد إدارة فرق التصدي للأمراض الإنتانية، لتصبح مسألة تنبغي معالجتها على مستوى رأس الدولة. وبهذا الصدد، أكد المشاركون في منتدى جنيف الصحي أهمية وجود آليات فعالية لتفعيل دور المسؤولين الحكوميين على أعلى المستويات، حيث كان أداء الاستجابة أفضل عمومًا في الدول التي توافرت فيها الآليات التي تسمح بإيصال أصوات الخبراء التخصصيين ورفع مستوى اتخاذ القرار بالدرجة المطلوبة، مقارنةً بالدول الأخرى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القائد المثالي لنشاطات الصحة العامة في الأوقات الاعتيادية ليس بالضرورة الشخص المناسب لقيادة الاستجابة للأزمات؛ لذا فإن التحديد المسبق للقادة المناسبين لحالات الطوارئ يضمن سلاسة القيادة والعمليات. كما تشكل درجة مركزية الحوكمة نقطة هامة تنبغي دراستها، حيث تكون بعض وظائف الاستجابة، كالبحوث والتطوير وتقييم الأدلة، مسؤولية الجهات الحكومية المركزية، بينما يكون من الأفضل أداء وظائف أخرى، كالتواصل مع المواطنين، على المستويات المحلية. ورغم وجود إجابة صحيحة واحدة لمسألة الحوكمة، من المهم تحديد الأدوار تبعًا للمستوى الحكومي بشكل مسبق بما يضمن سلاسة الاستجابة.

على عكس ما تأمله الدول والسلطات، لن تكون كوفيد-19 هي الجائحة الأخيرة. إلا أن جهود التمويل تؤكد على التوجه القائم لتعزيز الجاهزية للأزمة المقبلة في مجال الصحة العامة. ومن الضروري توافر آليات فعالة لقياس وتعقب هذه الجاهزية، ليس فقط من أجل التوجيه الاستراتيجي للاستثمار، ولكن أيضًا من أجل تعزيز الثقة بالاستجابة.

Explore a career with us