آليات بناء المرونة الجيوسياسية في ظل اضطرابات النظام العالمي

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

يشير أحدث استبيان صادر عن ماكنزي حول الظروف الاقتصادية العالمية إلى أن المخاطر الجيوسياسية تأتي على رأس أجندات الرؤساء التنفيذيين. وينصب تركيز الكثير من قادة الأعمال على تعزيز المرونة لمواجهة الاضطرابات وحالة انعدام اليقين السائدة.

وكان مفهوم العولمة على مدى العقود الثلاثة الماضية يعني فتح التخصصات ونطاق الأعمال، وتطوير الأسواق، وتأسيس شركات متعددة الجنسيات. وشهد العام 2021 وحده قيام الشركات الأمريكية بإنفاق 506 مليارات دولار أمريكي على عمليات الاندماج مع الشركات الأجنبية والاستحواذ عليها نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة ووفرة السيولة النقدية.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

إلا أن توجهات العولمة تتعرض حاليًا لضغوطات شديدة، يتمثل أحدثها في الاضطرابات المتعددة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ويبدو العالم اليوم متجهًا نحو أزمة واسعة النطاق، لذا يتعين على الرؤساء التنفيذيين معرفة مدى قدرتهم على الحفاظ على الطابع العالمي لأدوارهم، وإدراك الآليات التي تساعدهم على تحقيق ذلك.

تتعرض توجهات العولمة حاليًا لضغوطات شديدة. ويبدو العالم اليوم في أزمة واسعة النطاق، لذا يتعين على الرؤساء التنفيذيين معرفة مدى قدرتهم على الحفاظ على الطابع العالمي لأدوارهم، والآليات التي تساعدهم على تحقيق ذلك.

تشير التوقعات إلى تزايد حدة التحديات القائمة في المستقبل. وبحسب تقرير التوجهات العالمية 2040، الصادر عن مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، فمن المتوقع خلال العقدين القادمين أن تصل المنافسة على النفوذ العالمي إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب الباردة. وجاء في التقرير: ”لن تتمكن دولة واحدة من الهيمنة على جميع المناطق أو القطاعات، وإنما ستتنافس مجموعات أوسع من الجهات الفاعلة على تحقيق أيديولوجياتها وأهدافها ومصالحها“.

وتزداد قيمة تحقيق المرونة في ظل تصاعد هذه التحديات. ولهذا السبب أطلقت ماكنزي بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي ائتلاف المرونة خلال وقت سابق من هذا العام؛ والذي يدعو الوزراء والرؤساء التنفيذيين ورؤساء المؤسسات العالمية إلى تطوير إطار عمل مشترك لتعزيز مرونة مؤسسات القطاعين العام والخاص. ويستفيد الائتلاف من المبادئ المحددة في إطار العمل هذا لتحقيق تنمية أكثر استدامة وشمولية في مواجهة التحديات الخارجية الكبرى.

ويدرك الرؤساء التنفيذيون في المؤسسات العالمية المجالات التي ينبغي التركيز عليها بهدف بناء المرونة، ويتبع معظمهم منهجيات أكثر صرامة وقائمة على التحليلات بهدف تعزيز المرونة الجيوسياسية وإنشاء ”مرونة عالية القيمة“ على مستوى مؤسساتهم.

وبغرض معالجة المخاطر الجيوسياسية الراهنة والمستقبلية، يتعين على القادة تعزيز المرونة في مؤسساتهم ضمن ستة مجالات رئيسية تشمل: نموذج العمل، والسمعة، والجوانب التنظيمية، والتشغيلية، والتقنية، والمالية (الشكل).

1. مرونة نموذج العمل

غالبًا ما تكون المؤسسات التي تتبع منهجيات عمل جادة ومنظمة وقائمة على إدارة المخاطر السياسية أقل عرضة للصدمات المفاجئة، ويمكنها التعافي منها بشكل أفضل

– المخاطر السياسية: كيف يمكن للشركات والمؤسسات توقُّع انعدام الأمن العالمي؟ تأليف كونداليزا رايس وآيمي زيجارت (دار هاشيت للنشر، 2018)

يبدأ بناء مرونة نموذج العمل من مجالس الإدارة في المؤسسات، والتي يتعين عليها أولًا بناء فهم واضح حول التطورات الجيوسياسية الأهم بالنسبة لمؤسساتها، حتى تتمكن من ضمان الإشراف الفاعل واتخاذ القرارات المناسبة.

وبينما ينصب تركيز معظم أعضاء مجالس الإدارة على مخاطر محددة يعتقدون بأنها "أكثر إلحاحًا"، فقد يختلف معهم بعض الأعضاء الآخرين في رؤيتهم وتفسيراتهم، كما قد تتغير النظرة إلى هذه المخاطر مع تغير أعضاء مجلس الإدارة. لذا يتوجب على المؤسسات اتباع منهجية منظمة لتحديد معايير المرونة، بهدف بناء رؤى واضحة حول التطورات والتوجهات الجيوسياسية وتقديمها إلى مجلس الإدارة وفريق الإدارة العليا. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال المنتجات التحليلية أو الإحاطات أو السيناريوهات المحتملة، والتي لا تتمحور حول تحديد المخاطر فحسب، وإنما أيضًا على معرفة تأثيراتها وآليات التعامل معها.

ثانيًا، يجب ألا يتأثر تركيز انتباه مجالس الإدارة في المؤسسات بالتقلبات الشديدة في التطورات الجيوسياسية، بل يتعين عقد الاجتماعات عند اللزوم وتخصيص الوقت الكافي في كل اجتماع لمناقشة القضايا ذات الصلة.

ويمثّل تحديد أولويات المخاطر الجيوسياسية إحدى الطرق المتبعة للتركيز على القضايا الملحة وتنظيم نقاشات مجلس الإدارة. ويمكن لمجالس الإدارة اتباع منهجية متدرجة يتم فيها تقسيم الأسواق إلى خمس فئات رئيسية، بحيث تضم الفئة الخامسة الأسواق ذات المخاطر الجيوسياسية الأعلى، بينما تضم الفئة الأولى الأسواق ذات المخاطر المحلية والتي يمكن إدارتها من قبل قيادات وفرق عمل محلية.

ويمكن في كثير من الحالات تحديد الأسواق ذات المخاطر الأعلى، وتشمل قائمة الأسئلة التي يطرحها الرؤساء التنفيذيون حول مرونة نموذج العمل في هذه الأسواق:

كيف يمكن التفكير بحضور الشركة وحقوق الملكية الفكرية في ظل التوترات الجيوسياسية؟

هل يتعين النظر إلى العمليات التشغيلية على أنها منفصلة ومعزولة عن التوترات الجيوسياسية، أم أن فقدان السيطرة المباشرة عليها يؤدي بحد ذاته إلى ظهور مخاطر جديدة؟

كيف ستكون النظرة إلى العلاقة مع الشركاء في المشاريع على المدى القصير والمتوسط والطويل؟

كيف يمكن إدارة المتطلبات الخارجية و/أو المتطلبات المتضاربة في المجالات القانونية أو الضريبية أو التنظيمية؟

هل توجد نقطة معينة ستُجبر خلالها الشركة على الخروج من السوق، وكيف يمكن اتباع منهجية عمل معاكسة من تلك النقطة؟

وبالإضافة إلى أهمية الإجابة عن هذه الأسئلة الاستراتيجية في الأسواق ذات المخاطر الأعلى، يجب على مجالس الإدارة العمل على معالجة المخاطر طويلة الأمد المتعلقة بالعمليات التشغيلية في أسواق متعددة من الفئة الأولى.

ويتطلب تحقيق هذا الهدف من المؤسسات إنشاء آليات لإجراء مسوحات منتظمة للأسواق العالمية، وتقييم أداء فرق العمل الداخلية، بما يشمل الفرق القانونية، والأمنية، والمالية، وفرق المخاطر والتواصل، في مواجهة المخاطر الإجمالية والفرص المتاحة ضمن أسواق معينة. ويمكن لهذه الفرق تقديم توصيات إلى مجلس الإدارة حول الخيارات المتاحة لإعادة تنظيم الحضور في السوق، أو تطوير الهيكليات القانونية والمادية في المؤسسة. كما يمكن تنسيق جهود فرق العمل من خلال إنشاء وحدة متخصصة بإدارة المخاطر الجيوسياسية ضمن أقسام الشؤون المالية، أو العلاقات الحكومية، أو الشؤون القانونية، أو شؤون إدارة المخاطر، أو الاستراتيجية، أو الفرق الأخرى استنادًا إلى هيكلية المؤسسة.

ويمثّل فهم آليات الرقابة على المخاطر الجيوسياسية وممارستها شرطًا ضروريًا ولكنه غير كافٍ. لذا يجب أن يتولى مجلس الإدارة قيادة وتوجيه عمليات تطوير تدابير استباقية للتخفيف من المخاطر والاستجابة للأزمات، مع قيام الفرق باستعراض أحدث المستجدات حول عمليات التنفيذ والقضايا الجوهرية الجديدة.

2. مرونة السمعة

”تواجه الشركات دعوات متزايدة للانخراط بشكل أكبر في الشؤون الجيوسياسية، وتشمل هذه الدعوات أيضًا الرؤساء التنفيذيين الذين يُتوقع منهم تمثيل التوجهات الجيوسياسية الجديدة لشركاتهم، بالإضافة إلى تطوير السياسات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والجيوسياسية“

مقياس إيدلمان للثقة 2022، تقرير خاص: الشركات ذات الطابع الجيوسياسي

تتمثل الخطوة الأولى لبناء سمعة مرنة في السعي إلى تحقيق التوافق الداخلي حول العمليات المرتبطة بالأسواق ذات الحساسية العالية للقضايا الجيوسياسية. وباختصار، يتعين على المؤسسات تحديد القيم التي تمثلها وتلك التي تتعارض معها.

إذ لن تقود جميع الأزمات الجيوسياسية إلى اضطرابات حادة، مثل التي شهدناها في الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي دفع الكثير من المؤسسات إلى تقليص أو إيقاف عملياتها في روسيا. بالتالي فإن القرارات تكون في كثير من الحالات أقل تشددًا، لذا يتعين على المؤسسات التراجع وتحليل مواقفها على أساس كل حالة على حدة. وتتمثل إحدى الطرق للقيام بذلك في إنشاء تقييمات أو "مواثيق" خاصة بأسواق محددة يتم دمجها مع استراتيجية الشركة وأسلوب إدارتها للمخاطر. ويجب أن تكون هذه المواثيق واضحة في أسواق الشركة ذات المخاطر العالية، كما ينبغي توضيح معايير التقييمات وإدارة المخاطر في الشركة، إضافة إلى تحديد آليات تطبيق هذه المعايير بما يتماشى مع أهداف العمليات والأداء. ويمكن للمخاطر أن تتخذ أشكالًا عديدة تشمل الجوانب المالية، أو الصحة والسلامة، أو القانونية، أو السياسية، أو الجوانب المتعلقة بالسمعة مثل التعاون مع القطاع العام في الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية على سبيل المثال.

ويشكّل وضوح الموقف شرطًا أساسيًا لتطوير سرد متناسق حول الشركة يرتكز على قيمها، والذي يمثّل الخطوة التالية في عملية بناء السمعة المرنة. وتواجه الكثير من المؤسسات اليوم صعوبات كبيرة ليس في تفسير موقفها فحسب، وإنما في تفسير هويتها المؤسسية، ولا سيما فيما يتعلق بتبرير حضورها داخل أسواق في دول تحكمها أنظمة استبدادية. وثمة إدراك واسع بأن المبررات القديمة المستندة إلى العولمة وإحداث التغيير من خلال التجارة قد أصبحت مبررات ضعيفة.

واستنادًا إلى المقارنات التي أجريناها على شركات متعددة الجنسيات تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، فقد توصلنا إلى وجود ثلاثة مواقف أساسية تشمل: الموقف الاستباقي، مثل الإشارة إلى أهمية المشاركة للحفاظ على الحضور التنافسي الرائد للولايات المتحدة؛ والموقف التفاعلي، مثل المشاركة المبدئية مع الاهتمام بسلامة سلسلة التوريد؛ والموقف الصامت، والذي يعني تجنب التصريحات العامة.

وبصرف النظر عن السرد الذي تختاره المؤسسات، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن القصص التي يتم سردها في سوق معينة لن تبقى داخل هذا السوق في عصر تنتقل فيه المعلومات بشكل فوري. ويمكن للسرد المفيد للشركة في إحدى الأسواق أن يحول دون قدرتها على اغتنام الفرص المتاحة في أسواق أخرى، أو قد يؤدي إلى ظهور حساسيات داخلية أو بين المناطق المختلفة. ولذا يمكن القول باختصار بأنه لا يوجد حل سحري يواكب جميع الأسواق.

القصص التي يتم سردها في سوق معينة لن تبقى داخل هذا السوق في عصر الانتقال الفوري للمعلومات. ويمكن للسرد المفيد للشركة في إحدى الأسواق أن يحول دون قدرتها على اغتنام الفرص المتاحة في أسواق أخرى.

بعد توضيح السرد الخاص بالمؤسسة، تتمثل الخطوة الثالثة لتعزيز مرونة السمعة في تزويد الجهات الحكومية والمختصين بالشأن العام بالقدرة على توصيل السرد الصحيح إلى الجهات المعنية الرئيسية. وبينما يتحمل الرؤساء التنفيذيون المسؤولية الأساسية عن توضيح الموقف والسرد الخاص بمؤسساتهم، تلعب الجهات الحكومية والمتخصصين بالشأن العام في الأسواق الرئيسية دورًا محوريًا في إدارة علاقات الجهات المعنية، وتوسيع نطاق حماية سمعة المؤسسة في الأسواق الحساسة، وتوفير آلية لزيادة المشاركة بما يشمل الرئيس التنفيذي والقيادات العليا في المؤسسة.

3. المرونة التنظيمية

”التوترات الجيوسياسية المتصاعدة تعرّض الشركات للكثير من المخاطر. وفجأةً اكتسبت جنسيات الشركات ومسؤوليها التنفيذيين أهمية كبيرة مرة أخرى. فهل يمكن للشركات أن تنعم بالسلام في ظل الاضرابات العالمية؟“

فايننشال تايمز (16 مايو 2021)

تؤدي الضغوط الجيوسياسية الخارجية إلى زيادة الضغوط داخل الشركات. ونشهد حاليًا انحسارًا لمفهوم المسؤول التنفيذي العابر للحدود، كما تبرز مواضيع الجنسية والنسبية الثقافية عند إجراء نقاشات حول الموقف والسرد والاستراتيجية والرغبة بالمجازفة. ويمكن أن تجري هذه المناقشات على عدة مستويات، بما في ذلك المناقشات بين القيادة وفرق العمل، أو المكاتب الإقليمية والمحلية، أو على مستوى المقرات الرئيسية العالمية.

وتشمل نقاط النقاش الداخلي التي أشار لها المسؤولون التنفيذيون ما يلي:

  • هل نحن مؤسسة عالمية مقرها في الولايات المتحدة؟ أم أننا شركة أمريكية ذات طابع عالمي؟
  • في ظل الطبيعة متعددة الأقطاب لعصرنا الحالي، إلى أي مدى ينبغي ربط تقييمات مخاطر السمعة حول مشروع محدد بالاستجابة المحتملة من جانب الحكومات الغربية ووسائل الإعلام؟
  • كيف يمكننا الحفاظ على ”موقف محايد“ في ظل التوترات الجيوسياسية؟ وهل يمكن للشركة أن تكون محايدة ”للجنسيات؟“
  • ما هي القواعد والمعايير الثقافية التي يمكن تطبيقها في الشركات العالمية في ظل تباين القواعد والمعايير التي تطبقها الجهات المعنية (بما في ذلك وسائل الإعلام والجهات الحكومية) في مناطق العالم المختلفة؟
  • كيف يمكننا تحقيق التوافق بين "المعايير المزدوجة" المرتبطة باستجابة قيادات الشركات للأزمات الاجتماعية والإنسانية المختلفة في الأسواق، بدءًا من رسائل الشركات ووصولًا إلى أعمالها الخيرية؟

لم يعد بناء المرونة التنظيمية في هذا السياق يقتصر على الحفاظ على التماسك الثقافي داخل المؤسسات، وإنما أصبح يتعلق أيضًا بالحفاظ على القيم العالمية في ظل التجاذبات الحادة.

ويمكن اتباع ثلاث منهجيات لبناء المرونة التنظيمية، تتمثل في ما يلي: أولًا، يجب على المؤسسات التأكد من امتلاكها هيكليات حوكمة شاملة، بدءًا من مجالس الإدارة ووصولًا إلى لجان إدارة المخاطر. ويجب أن تعكس هذه الهيكليات وجهات النظر والجنسيات الخاصة بمواقع جغرافية مختلفة. فإذا لم يشعر زملاء العمل بأنهم جزء من المناقشات المتعلقة ببناء توجهات المؤسسة، أو عندما ينظرون إلى هذه النقاشات على أنها مصممة لتناسب منظورًا محددًا، فلن يتمكن قادة المؤسسات من كسب تأييد الموظفين من جنسيات عالمية مختلفة.

ثانيًا، يتعين على قادة المؤسسات، وفي مقدمتهم الرؤساء التنفيذيون، إجراء حوارات منفتحة وصادقة في المنتديات الملائمة. ويجب أن تسلط هذه الحوارات الضوء على الضغوطات العالمية وتأثيراتها على الأوضاع الداخلية في الشركات، وتمكين زملاء العمل من التعبير عن آرائهم حول مواقف مؤسساتهم ورغبتها بالمجازفة، وبناء رؤية شاملة حول الأهداف. وعلى سبيل المثال، تتمثل الرسائل الحاسمة من قادة الشركات حول الغزو الروسي لأوكرانيا في التمييز بين إدانة تصرفات الحكومة الروسية من جهة، ودعم زملاء العمل من أصحاب الجنسية الروسية.

وأخيرًا، يتعين على المؤسسات الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المبادرات الهادفة لتعزيز التواصل والتماسك داخل المؤسسة، بدءًا من تناوب الزملاء على العمل داخل وخارج الأسواق ذات الحساسية الجيوسياسية، ووصولًا إلى مشاركة الرؤى (ولاسيما في ضوء تسهيلات قيود السفر المتعلقة بأزمة كوفيد-19)، مع ضمان تنفيذ آليات فاعلة للرقابة والحماية من ”التهديدات الداخلية“.

4. المرونة التشغيلية

تمثّل إجراءات الحماية التجارية، وأزمة كوفيد-19، وأزمات سلسلة التوريد، ونقاط التوتر الجيوسياسية بمجموعها اختبارًا لمدى قدرة المرونة التشغيلية للمؤسسات في مختلف أنحاء العالم على تحمل الضغوطات.

وتشكل حماية سلاسل التوريد وتفعيلها إحدى مجالات التركيز الأساسية التي لا بد من مواصلة الاهتمام بها. وينبغي أن تأخذ عمليات سلسلة التوريد في الاعتبار مجموعة من التدابير المتعلقة بتعزيز المرونة. ويشمل ذلك على المديين القريب والمتوسط إنشاء شبكة مركزية لسلسلة التوريد، ومحاكاة آليات حدوث الاضطرابات الشديدة والتخطيط لمواجهتها، وإعادة تقييم الاستراتيجيات في الوقت الملائم، وتقييم مدى مرونة موردي المؤسسات ضمن إطار منهجية شاملة. ويجب أن تراعي الجهود المبذولة لتنويع سلاسل التوريد وبناء الفائض فيها العوامل الحاسمة والمتعلقة بالمخاطر السياسية المرتبطة بدخول أي سوق جديدة، من خلال إجراء تقييمات مفصلة لمؤشرات متعددة للمخاطر.

ولتحقيق مرونة هيكلية طويلة الأمد، يتعين على المؤسسات النظر في إمكانية اتخاذ إجراءات مثل إرساء "توأم رقمي" للأجزاء المهمة من سلسلة التوريد، وإنشاء سيناريوهات حول الاحتمالات المختلفة واختبارها، وتكليف جزء صغير من فريق التوريد بالتركيز على بناء مرونة طويلة الأمد، بدلًا من التركيز على حل مشكلات سلاسل التوريد على أساس يومي.

ويجب أن يتكامل أمن سلسلة التوريد مع الأمن الفردي للموظفين. وبدءًا من أوكرانيا وروسيا، ووصولًا إلى إثيوبيا وميانمار، اضطرت المؤسسات خلال فترة الـ 18 شهرًا الماضية وحدها إلى تأمين وإجلاء زملاء العمل على مستوى العالم. وتتراوح الاعتبارات في ذلك من الحفاظ على تنوّع قنوات التواصل، والتنسيق مع موردي الخدمات الأمنية على أرض الواقع، إلى الحرص على عدم جذب الأنظار للتخفيف من مخاطر الانتقام عندما تقرر المؤسسة الخروج من السوق. ويكتسب الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر وخطط الخروج من الأزمات أهمية كبيرة مع اندلاع المزيد من الأزمات مستقبلًا.

5. المرونة التقنية

تواجه المؤسسات اليوم أيضًا تحدّيًا استراتيجيًا يتمثل في الحفاظ على شبكات العلاقات القديمة وسط الانقسامات الجيوسياسية. ويتطلب بناء المرونة التقنية في هذا الإطار تسريع وتيرة التخطيط واتخاذ خطوات ملموسة في أربعة مجالات رئيسية.

ويتمثل أول هذه المجالات في تصفح ”الإنترنت المجزأ“. إذ تؤدي التوترات الجيوسياسية، ولاسيما بين الولايات المتحدة والصين، إلى تقسيم شبكة الإنترنت إلى متغيرات إقليمية وحزم تقنية مختلفة. ويتعين على الشركات تحقيق التوازن بين تقسيم شبكاتها واستخدامات الحواسيب المحمولة والأجهزة في الأسواق المختلفة، مع الحفاظ على الانسجام في أنشطة التواصل المتقاطعة وتجربة المستخدم.

ويعد الامتثال لمتطلبات توطين البيانات مجالًا آخر لاختبار البنية الهندسية العالمية لتكنولوجيا المعلومات، حيث يتعين على الشركات دراسة الاعتبارات التنظيمية ذات الصلة وغيرها من الاعتبارات الأخرى.

أما المجال الثالث فيتمثل في إدارة الوصول إلى البيانات. إذ يتعين على المؤسسات التأكد من تقسيم البيانات إلى فئات محددة، بالإضافة إلى إدارة الاختراقات الإلكترونية الخارجية والوقاية منها.

وينبغي التركيز أيضًا على ضمان تحقيق المرونة في مواجهة الأزمات المختلفة. ويشمل ذلك امتلاك القدرة على الاستجابة بفاعلية للهجمات الإلكترونية، بدءًا من استعادة البيانات ووصولًا إلى نشر معدات تقنية جديدة في الأسواق المختلفة بالسرعة المطلوبة.

6. المرونة المالية

يتوجب على المؤسسات إدارة عدد من القضايا بشكل مستمر بهدف تعزيز المرونة المالية لمواجهة المخاطر الجيوسياسية. وتتراوح هذه القضايا من المخاطر طويلة الأمد للعملات الأجنبية (ومصادرة الأملاك) إلى مخاطر العقوبات الاقتصادية الناشئة.

وتدرك الكثير من المؤسسات طبيعة المخاطر المتعلقة بالعملات الأجنبية. فبدءًا من الانخفاض السريع لقيمة العملة في سريلانكا نتيجة لأسوأ أزمة اقتصادية تشهدها الدولة، ووصولًا إلى القيود على سحب الأموال في ميانمار بعد الانقلاب العسكري فيها، تعين على الشركات الاستعداد للتعامل مع مجموعة واسعة من القيود الكثيرة التي تشمل دفع رواتب موظفيها ونقل الأموال. وقد تستمر هذه التحديات في الظهور نتيجة اضطراب الاقتصاد العالمي الناتج عن التضخم وغيره من الاضطرابات الأخرى. وتشمل تدابير تعزيز المرونة التي ينبغي أخذها بالحسبان إنشاء بروتوكولات عمل مسبقة للتعامل مع الأزمات، وبناء نظام إنذار مبكر يرتبط بتحديات الاقتصاد الكلي.

وعلى الرغم من ذلك كله، تشهد آليات تطبيق العقوبات الاقتصادية العالمية والمخاطر التنظيمية تطورًا ملحوظًا، وتمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى مرونة المؤسسات، حيث يعد التطبيق المتصاعد للعقوبات والعقوبات المضادة في ولايات قضائية متعددة جزءًا أساسيًا من المخاطر الجيوسياسية التي نشهدها اليوم. وقد تكون هذه التدابير حاسمة من ناحية قدرة الشركات على العمل في سوق محددة. كما يمكن أن يؤدي الامتثال لقوانين إحدى الولايات القضائية إلى المجازفة بانتهاك قوانين في ولايات قضائية أخرى. ولضمان المرونة في مواجهة تنامي استخدام التجارة والاستثمارات العالمية كأسلحة اقتصادية، من الضروري امتلاك فهم دقيق للأسس التنظيمية دائمة التغير، فضلًا عن ضمان القدرة على الامتثال، وترسيخ ثقافة الامتثال ضمن المؤسسة نفسها في قضايا لا مجال للخطأ فيها.


”نتمتع بوعي أكبر تجاه المخاطر، ولكننا نفتقر إلى الأفكار الجيدة لمواجهتها“

تنطبق هذه العبارة الصادرة عن الرئيس العالمي للشؤون الحكومية في إحدى شركات شركة فورتشن 500 على الكثير من المؤسسات. وعلى الرغم من ذلك، تواجه كل مؤسسة مجموعة فريدة من الظروف. لذا يشكل إطار العمل المذكور في هذه المقالة نقطة مثالية لإطلاق حوارات عالمية تتمحور حول سبل تطوير الحلول الملائمة. ويتطلب الوضع الطبيعي الجديد من الرؤساء التنفيذيين اعتماد أنماط تفكير جديدة. ويعني ذلك التركيز على المرونة الجيوسياسية كأولوية استراتيجية تسهم في حماية المؤسسة، فضلًا عن إرساء الأسس لبناء مزايا تنافسية طويلة الأمد.

Explore a career with us