دور الاستثمار الخاص في تحسين خيارات الإسكان لكبار السن

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

بات العالم اليوم يواجه تحدياتٍ متزايدة في توفير حلولٍ سكنيةٍ متطورة تُلبي احتياجات كبار السّن، في ظل التقديرات التي تشير إلى ارتفاع عدد من تجاوزوا 65 عاماً إلى نحو 1.6 مليار نسمة بحلول عام 2050، وهو ما يعادل أكثر من ضعف عددهم المسجل في عام 2021.1 ورغم ما يشهده هذا القطاع من تزايدٍ في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة التي تؤثر بشكلٍ مباشر في جودة الحياة الجسدية والعقلية والاجتماعية لكبار السن، إلا أن المعروض من الوحدات السكنية المخصصة لهم لا يزال محدودًا للغاية. ففي عددٍ من الدول المتقدمة مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، لا تتجاوز نسبة المساكن المخصصة لكبار السن 5 في المائة من إجمالي تعداد هذه الفئة، بينما تتراجع النسبة إلى أقل من 1 في المائة في الأسواق الأقل تطوراً، والتي لم تصل بعد إلى مستوياتٍ متقدمة في مشاريع الإسكان المُخصصة لكبار السّن، سواء من حيث البنية التحتية، أو حجم الاستثمارات، أو توافُر المرافق والخدمات المتخصصة، كما هو الحال في عددٍ من الدول الأوروبية واليابان والمملكة المتحدة.2 وفي ظل هذه المعطيات، تبرز الحاجة إلى ابتكاراتٍ جديدة تُسهم في تحسين جودة حياة كبار السن، وتوفر لهم بيئةً سكنيةً متكاملة تُلبي احتياجاتهم الصحية والاجتماعية، بما يضمن لهم حياةً كريمة ومستدامة.

لا شك أن توفير مساكن تناسب احتياجات كبار السّن ورغباتهم وقدرتهم المالية يُعد تحديًا كبيرًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بجعل هذه المشروعات مجديةً اقتصاديًا للمُطوِّرين وجاذبةً للمستثمرين، لتحقق التوازن بين التكلفة المعقولة للسُّكان والعائد المناسب لأصحاب رؤوس الأموال. ولكن بالرغم من التحديات، تبرز أمام مُقدمي خدمات الإسكان لهذه الفئة على وجه الخصوص ثلاث فرصٍ واعدة، تعتمد على تبنّي التغيير والاستثمار في حلولٍ مبتكرة. ولا تقتصر هذه الفرص على تحسين الخدمات فحسب، بل تفتح الأبواب أمام كبار السّن للحصول على خياراتٍ سكنيةٍ تعزز راحتهم وتدعمهم مع تقدمهم في العمر، مما يسهم في رفع جودة حياتهم ومنحهم بيئةً أكثر استقرارًا وأمانًا.

تتمثّل الفرصة الأولى في توظيف خبرات هذا القطاع لخدمة ما يقرب من 95 في المائة من كبار السن، الذين يفضلون البقاء في منازلهم، وذلك عبر تكييف مساكنهم لتتناسب مع احتياجاتهم المتغيرة، مما يمنحهم مزيدًا من الأمان والاستقلالية. أمّا الفرصة الثانية، فتكمُن في ابتكار نماذج بيعٍ جديدة تُسهّل الوصول إلى حلول الإسكان المخصصة لكبار السن، وتُخفف من التحديات التي تُعيق انتقالهم إليها، إلى جانب تعزيز وعي المجتمع بالفوائد التي توفرها هذه المساكن. وتتمثل الفرصة الثالثة في الاستفادة من زخم الثورة الرقمية، إذ تتيح التقنيات الحديثة الارتقاء بتجربة كبار السن، وتعزيز تواصلهم مع أُسَرهم، وخفض التكاليف التشغيلية، مما يفتح المجال أمام مُزودي الخدمات لتحقيق النمو من خلال تقديم خدماتٍ متميزة ورعايةٍ عالية الجودة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

في هذه المقالة، نسلّط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه قطاع إسكان كبار السن، ونتناول ثلاثة مجالاتٍ رئيسية تُعد محفزةً لنمو هذا القطاع، وتُمثّل بوابةً واعدةً للابتكار وإحداث التغيير المنشود. وفي الختام، نُقدّم لمحةً عامّة لأحدث مؤشرات أداء القطاع، بما يسهم في وضع هذه الفرص في سياقها الصحيح.

يَظهر النمو المستقبلي في هذا المجال كفرصةٍ هامة، إذ يفتح آفاقًا جديدة لتحسين جودة الحياة وتعزيز الخدمات المُقدمة، سواءً لكبار السن الذين يبحثون عن بيئةٍ معيشيةٍ أكثر راحةً، أو لمُزودي الخدمات الذين يَسعون إلى تطوير خدماتهم. ومن خلال فهم احتياجات السوق وابتكار حلولٍ تُقدم قيمةً حقيقية، يمكن لمُقدمي خدمات الإسكان أن يصبحوا روادًا في مواجهة التحديات التي يفرضها تزايد أعداد كبار السن حول العالم.

مواجهة تحديات ارتفاع الطلب، زيادة التكاليف، وضعف التوعية

يُعدّ ارتفاع متوسط العمر المتوقع واحدًا من أعظم إنجازات العصر الحديث، فقد تضاعفت أعمار البشر خلال القرنين الماضيين، ليرتفع المتوسط العالمي لعمر الفرد من 30 عامًا في عام 1800 إلى 73 عامًا بحلول 2017. ولكنّ هذا الإنجاز يحمل في طيّاته العديد من التحديات الكُبرى، إذ تشير أبحاث معهد ماكنزي للصحة إلى أن الإنسان، في المتوسط، يقضي نصف حياته في حالةٍ صحيةٍ أقل من الجيدة، بل إن 12 في المائة منها تكون في ظروفٍ صحيةٍ متدهورة.

وقد أدى هذا الارتفاع في متوسط الأعمار إلى تحولاتٍ ديموغرافيةٍ عميقة، فقد أصبحت بعض الدول تضمّ نسبةً غير مسبوقة من كبار السن. على سبيل المثال في اليابان، تصل نسبتهم نحو 30 في المائة من إجمالي السُّكان، وفي إيطاليا تبلغ نسبتهم 24 في المائة، بينما تصل في ألمانيا إلى 22 في المائة. أمّا الصين، فبالرغم من انخفاض نسبة كبار السن فيها إلى 14 في المائة، إلا أن ضخامة عدد سكانها تجعل هذا الرقم يعادل نحو 198 مليون شخص، وهو ما يُمثّل تحديًا كبيرًا في تلبية احتياجاتهم الصحية والمعيشية (الشكل 1).

ومع هذه الطفرة في أعداد كبار السن، أصبح الكثير منهم يحتاجون إلى دعمٍ صحيٍ يُناسب تقدمهم في العمر، بل بات العالم في حاجةٍ ماسة لإيجاد حلولٍ مبتكرة توفر لهم السكن المناسب والرعاية الكريمة، بما يجعل حياتهم أكثر راحةً وأمانًا (الشكل2).

إسكان كبار السن.. بين الفرص غير المستغلة والمعرفة المحدودة

يبقى المنزل الأصلي هو الملاذ الآمن الذي يفضله كبار السن حول العالم، حيث يفضل 80 في المائة منهم البقاء في منازلهم وعدم الانتقال إلى دُور الرعاية إلا في حالات الضرورة القصوى. وتزداد هذه الرغبة لدى كبار السّن في دولٍ بعينها، فعلى سبيل المثال، أكد 90 في المائة ممن تجاوزت أعمارهم 65 عامًا في نيجيريا، و96 في المائة من نفس الفئة في الصين، أنهم يُفضلون الاستقرار في منازلهم مع تقدمهم في العمر، مما يمنحهم الشعور بالاستقرار والطمأنينة3 (الشكل 3).

غير أن البقاء في المنزل ليس هو الخيار الوحيد المتاح لكبار السن، فهناك العديد من المساكن المصممة خصيصًا لهم، والتي تُمثّل بيئةً مريحةً تُلبي احتياجاتهم المختلفة، وتُراعي متطلبات التقدُّم في العُمر (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبي بعنوان "دليلٌ بمصطلحات قطاع الإسكان المخصص لكبار السن"). فالكثير من هذه المساكن تتيح لكبار السن العيش باستقلاليةٍ مع إمكانية تعديلها وفقًا لاحتياجاتهم المتغيرة. ورغم ذلك، لا يُدرك البعض الفارق بين المُجمّعات السكنية التي توفر حياةً مستقلة لكبار السّن، وبين دُور الرعاية المُتخصصة للحالات الطبية الأكثر تعقيدًا. كما أن المخاوف المرتبطة بالتقدّم في العمر قد تدفع البعض إلى التردد في النظر في هذه الخيارات، على الرغم مما توفره من راحةٍ واستقرار.

تكاليف البناء والتشغيل.. أعباءٌ مالية متزايدة

يشهد قطاع إسكان كبار السن حول العالم ارتفاعًا ملحوظًا في تكاليف البناء والتشغيل، يفوق في كثير من الأحيان معدلات التضخم العامة، الأمر الذي يضع تحدياتٍ كبيرة أمام استدامة هذه المشاريع الحيوية. ومع تصاعد نفقات الرعاية الصحية وزيادة أجور العمالة، أصبح تحقيق التوازن بين التكلُفة التشغيلية والعائد الاستثماري مهمةً معقّدة. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، ارتفعت تكاليف البناء بنسبة 29% منذ عام 2019، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف التمويل والتطوير، كما انعكس سلبًا على وتيرة المشاريع الجديدة، التي تراجعت بنسبة 24 في المائة.4 أمّا في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت تكاليف العِمالة، التي تُمثّل حوالي 60 في المائة من نفقات تشغيل مساكن كبار السن، بنسبة 20 في المائة مقارنةً بما كانت عليه قبل الجائحة،5 مما ضاعف الأعباء المالية على هذا القطاع. وتزداد التحديات تعقيدًا فيما يخص الخدمات التي تتطلب رعايةً مكثّفة، مثل رعاية المصابين باضطرابات الذاكرة، والتي ترتفع تكلفتها التشغيلية بشكلٍ كبير، وهو ما يستدعي البحث عن حلولٍ مستدامة لدعم هذا القطاع الحيوي.

الفُرصة الأولى: دعم كبار السن الراغبين في البقاء داخل منازلهم

مع التقدم في العُمر، قد يشعر كبار السن بالحاجة إلى مزيدٍ من الدعم، إلا أن كثيرين منهم إما يَجهلون ما توفره مجتمعات السّكن المخصصة لهم، وكيف تختلف عن دُور الرعاية التقليدية، أو أنهم لا يجدون فيها ما يُلبّي تطلعاتهم.6 ورغم ذلك، ينظر العاملون بقطاع إسكان كبار السن إلى هذا التردد باعتباره عقبةٌ يجب تجاوزها، ولكن إذا ما تأمّلنا الأمر من منظورٍ مختلف، فقد نجد فيه فرصةً لانطلاقةٍ جديدة تفتح آفاقًا غير محدودة لنمو القطاع.

ومن هذا المُنطلق، يُمكن التعامل مع تطوير المنازل القائمة وتعزيز مستويات الأمان والراحة فيها كفرصةٍ استراتيجيةٍ لقطاع إسكان كبار السن، بما يسمح بتلبية احتياجات هذه الفئة بأسلوبٍ أكثر كفاءةً وفعالية. فبحسب وكالة العقارات البريطانية " Knight Frank"، يبلغ متوسط عمر الأفراد الذين ينتقلون إلى المساكن المخصصة لكبار السن77 عامًا،7 أي أنهم يقضون فترةً طويلة في منازلهم قبل أن يُفكّروا في الانتقال. لذا يجب العمل على زيادة حجم الاستثمار في مجال تعديل المنازل القائمة بالفعل، كحلٍ عمليٍ يُتيح خدمة شريحةٍ أوسع من كبار السن. ولا يقتصر هذا النهج على تقديم حلولٍ سكنيةٍ متكاملة، بل يُتيح أيضًا بناء علاقاتٍ وثيقة مع هذه الفئة، تُمهّد الطريق لتقديم نموذج أعمالٍ مستدام يُواكب احتياجاتهم المتغيرة.

وفي هذا الإطار، يمكن لمطوّري ومشغّلي مساكن كبار السن أن يؤدوا دورًا محوريًا في تهيئة المنازل لتواكب احتياجات هذه الفئة المتنامية، مستفيدين من خبراتهم العميقة في هذا المضمار. فمن خلال تقديم الخدمات المتخصصة في تعديل المنازل، يستطيعون طرح حلولٍ مبتكرة تُسهم في تعزيز جودة حياة كبار السن، وتمكّنهم من العيش باستقلاليةٍ وأمان. على مدار سنوات، كانت شركات البناء والمقاولات المحلية هي من تتولى هذه المهمة، ولكن أصبحت شركات الإسكان المتخصصة لكبار السن تمتلك من الخبرة الفنية، وسلاسل التوريد، والمكانة السوقية ما يجعلها قادرةً على تقديم حلولٍ أكثر تكاملًا وجاذبية.

لا تقتصر التعديلات المنزلية على تحسين الجانب الجمالي للمسكن فحسب، بل تمتد لتشمل إعادة تصميمٍ شاملة تُراعي متطلبات التقدّم في العمر، ما يُسهم في تقليل المخاطر اليومية وتسهيل أداء الأنشطة الحياتية. وتشمل هذه التعديلات تسوية المداخل لتسهيل الحركة، وتوسيع الممرات بما يتناسب مع استخدام الكراسي المتحركة، وتركيب مصاعد للدرج، بالإضافة إلى بعض التجهيزات العملية المصممة خصيصًا لهذه الفئة، مثل مقابض الأبواب المريحة، والمفاتيح سهلة الاستخدام، وخزائن المطبخ القابلة للخفض بلمسة زر، والأرضيات المقاوِمة للانزلاق، وقضبان الدعم. كما تلعب تقنيات المنازل الذكية دورًا محوريًا في تعزيز مستوى الأمان والراحة، مما يمنح كبار السن القدرة على مواصلة العيش في منازلهم المألوفة، مع الحفاظ على استقلاليتهم وأمانهم.

وبالاستناد إلى ذلك، تظهر العديد من الفرص أمام مُقدمي الخدمات في هذا السوق الواعد متعدد الإمكانات. إذ تُقدّر نسبة كبار السن الذين يُفضلون العيش في منازلهم مع تقدمهم في العمر بحوالي 95 في المائة، وهو ما يُصاحِبه تحدياتٍ صحيةٍ وحركيةٍ كبيرة. وعلى الرغم من تفاوت نسبة كبار السن بين دول العالم، إلا أنهم يُشكّلون نسبةً تتراوح بين الخُمس إلى الثُلث من إجمالي عدد السُّكان في العديد من الاقتصادات المتقدمة.

على سبيل المثال، تشير الإحصائيات في المملكة المتحدة إلى أن 45 في المائة من أصحاب المنازل الذين تتجاوز أعمارهم 65 عامًا يحتاجون إلى إجراء تعديلٍ واحدٍ على الأقل في منازلهم لتسهيل الوصول إلى احتياجاتهم اليومية.8 فيما يُقدِم بعض العملاء على تعديل منازلهم كخيارٍ فعّالٍ لتوفير التكاليف مقارنةً بشراء منزلٍ جديدٍ في مجمعٍ سكنيٍ مخصص لكبار السن. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة تعديل المنزل في المملكة المتحدة نحو 7,000 جنيه إسترليني، وفي الولايات المتحدة حوالي 15,000 دولار. وبالتالي، يتيح هذا الواقع لمُقدمي خدمات تعديل المنازل الاستفادة من هذه الفرص لبناء علاقاتٍ طويلة الأمد مع كبار السن، مما يجعلها فرصةً سانحةً للنمو وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة لهم مع مرور الوقت.

ومع أن هذه التعديلات قد تُسهّل حياة كبار السن وتوفر فرصًا جديدةً لشركات الإسكان المخصص لهم، إلا أنها لا تُعالج مشكلة العزلة الاجتماعية التي يعاني منها الكثيرون. فالتفاعل الاجتماعي المستمر، سواء من خلال التطوع، أو حضور الدورات التعليمية، أو المشاركة في الأنشطة المجتمعية، يعدّ ضرورةً لا غنى عنها. إذ تُشير الدراسات إلى أن اندماج كبار السن في المجتمع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتمتُّعِهم بصحةٍ أفضل، مما يؤكد أن التفاعل الاجتماعي ليس مجرد رفاهية، بل هو عنصرٌ أساسيٌ في تعزيز جودة حياتهم ورفاهيتها.9

وفي هذا السياق، يمكن للابتكار في قطاع الأعمال أن يفتح آفاقًا جديدة لتلبية حاجة كبار السن إلى التفاعل الاجتماعي. فبدلًا من بقائهم في عزلةٍ داخل منازلهم، يمكن دمجهم في مجتمعاتٍ سكنيةٍ قريبة مُخصصة لهم، بحيث يستفيدون من المرافق المتاحة ويشاركون في الأنشطة الاجتماعية التي تُعزز إحساسهم بالانتماء وتُحسِّن من جودة حياتهم. كما يمكن توسيع نطاق هذه الخدمات لتشمل تقديم الرعاية المنزلية والدعم الطبي البسيط عند الحاجة، مما يسهم في توفير مزيدٍ من الراحة والأمان لهم.

ومع ذلك، يعتمد نجاح هذا النموذج على عدة عوامل، منها موقع المُجمّعات السكنية ومدى قُدرتها التشغيلية. وقد يُواجه هذا النموذج تحدياتٍ تتعلق بتكاليف تقديم الخدمات، بالإضافة إلى اللوائح والقوانين المُنَظِّمة التي تحدد كيفية تنفيذها، فضلًا عن ضرورة تَوافر الكوادر البشرية المؤهَلة للقيام بهذه المهمة. ونظرًا لهذه العوامل والتحديات، يجب وضع تخطيطٍ دقيق قبل بدء تنفيذ هذا النموذج لضمان تحقيق الفائدة المرجوة، وتجنُّب الوقوع في مشكلاتٍ تشغيلية أو مالية.

الفرصة الثانية: تنوع نماذج المبيعات والتسويق عبر وسائل التواصل لاستهداف المزيد من العملاء

لا يقتصر التحدي الذي يواجه كبار السن في تَلقّي الرعاية والدعم على القدرة المالية فقط، بل يتركّز في كثيرٍ من الأحيان على القلق الذي يُصاحبهم عند اتخاذ قرار الانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ في حياتهم (الشكل 4). ومن هنا، تبرز أهمية دمج بعض الأفكار المبتكرة لتوفير خياراتٍ أكثر تنوعًا في طريقة التعاقد والتسويق لخدمات إسكان كبار السن، إذ تُسهِم هذه الابتكارات في تقليل التوتر والقلق، وتساعد في بناء الثقة بين كبار السن وعائلاتهم، مما يمنحهم شعورًا بالراحة والاطمئنان عند اتخاذ قرارات الانتقال إلى مسكنٍ جديدٍ أو تعديل منازلهم الحالية لتلبية احتياجاتهم المتغيرة.

خياراتٌ سكنية أكثر جذبًا لكبار السن

غالبًا ما يُعرقِل انتقال كبار السن إلى المساكن المخصصة لهم شعورهم بالراحة والأمان في منازلهم الحالية، وهو ما يُعد أحد التحديات الكُبرى أمام تطوير هذا القطاع. ومن هنا، تُظهر الدراسات التي أجريناها مع مطوّري ومشغّلي هذا القطاع أهمية تقديم المزيد من الخيارات السكنية التي تُسهم في جعل عملية الانتقال أسهل وأكثر راحةً بالنسبة لهم.

ففي الوقت الرّاهن، يُهيمن على سوق الإسكان لكبار السن نموذجان رئيسيان: الإيجار وبيع الوحدات. في حالة بيع الوحدات، يتم الاتفاق عادةً على رسوم إدارةٍ مؤجّلة، ويوافق المالك على دفع جزءٍ من قيمة البيع المستقبلية إلى المُشغّل الذي يتحمل مسؤولية صيانة العقار. وفي المقابل، يحصل المالك على تخفيضاتٍ في تكاليف المعيشة والرعاية الصحية. وإلى جانب هذين النموذجين، ظهرت بعض النماذج الهجينة في بعض الأسواق، مثل نموذج "الإيجار الأرضي" المنتشر في أستراليا، والذي يجمع بين نموذجي البيع والإيجار، إذ يتيح لكبار السن امتلاك المنازل التي يعيشون فيها بينما يستأجرون الأرض التي تقع عليها هذه المنازل. يسهم هذا النموذج في تقليل تكاليف الشراء الأولية، كما يخفف من الأعباء المالية عبر تقاسم تكاليف الصيانة. ومع شيوع نماذج البيع في أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، يُفضل سكان أمريكا الشمالية نماذج الإيجار.

ويسمح توفير نماذجٍ متعددةٍ من الإسكان في الموقع نفسه بتعزيز جاذبية هذه المشاريع. وهو ما قامت به شركة "McCarthy Stone" البريطانية، التي اعتمدت في البداية تقديم وحداتٍ للبيع فقط، قبل أن تتجه في عام 2019، لتقديم مجموعةٍ من وحدات الإيجار وأخرى للبيع في نفس الموقع.10 وبحلول عام 2021، أصبحت تمثل العقارات المؤجَّرة حوالي 30 في المائة من معاملات الشركة، مما يعكس الاهتمام المتزايد من العملاء بخيارات الملكية المرنة. ومع ذلك، يتعين على المُشغّلين المسؤولين عن إدارة هذه العقارات مراعاة كيفية دمج مجتمعات المُلّاك والمُستأجرين معًا، حيث يُمثل هذا الأمر تحديًا يتطلب بعض التخطيط لضمان تحقيق التوافق والانسجام بين الطرفين.

فيما تسعى العديد من الشركات العقارية إلى إزالة الحواجز التي قد تجعل الانتقال إلى هذه المجتمعات أكثر تعقيدًا، من خلال بعض المبادرات والعروض، والتي من بينها مبادرة "جرّب قبل أن تشتري". تلك المبادرة التي تتيح لكبار السن استئجار الوحدة السكنية لفترةٍ تجريبية قبل اتخاذ القرار بشرائها. كما توفر بعض المُجمّعات السكنية شققًا فندقية يمكن لكبار السن وأفراد أسرهم الإقامة بها لبضعة أيامٍ واستكشاف الأجواء واختبار أسلوب الحياة داخل المُجمّع السكني قبل اتخاذ قرارهم النهائي.

ولا تتوقف الحلول المبتكرة عند هذا الحد، إذ يظل التحدي الأكبر في إقناع العديد من كبار السن ببيع منازلهم الحالية. وللتغلب على هذا التحدي قام المطورون بطرح برامج الاستبدال الجزئي أو الشراء المضمون، ليصبح من السهل الانتقال إلى منزلٍ جديد دون القلق بشأن بيع العقار القديم. وفي ظل تزايد الوعي بأهمية الدمج بين الرعاية الصحية والاستقرار السكني، بدأت شركات التأمين بتقديم خططٍ تشمل الإقامة في هذه المجتمعات السكنية كجزءٍ من التغطية التأمينية. على سبيل المثال، في الصين، نجحت مجموعة "Taikang Insurance" في الجمع بين التأمين وخدمات الرعاية الفاخرة. أما في بريطانيا، فتُروّج جمعية "ARCO" لمفهوم الملكية المشتركة، الذي يمنح كبار السن فرصة امتلاك جزءٍ من الوحدة واستئجار الجزء الآخر، مما يجعل التكاليف أكثر مرونةً. وبهذا النهج، لم يعد الانتقال إلى مجتمعات كبار السن مجرد خطوةً نحو مكانٍ جديد، بل أصبح تجربةً متكاملة تمنح الأمان والراحة والمرونة، وتتيح لكبار السن اختيار المستقبل الذي يناسبهم بكل ثقةٍ واطمئنان.

التواصل مع مجتمعات كبار السن.. مفتاح التسويق الفعّال

لم يعُد تسويق مساكن كبار السن مقتصرًا على الإعلانات التقليدية، بل أصبح الوصول إلى هذه المجتمعات والتفاعل معها أحد أكثر الأساليب فعاليةً في تعزيز الوعي بمزاياها. فقرار الانتقال إلى سكنٍ مخصصٍ لكبار السن لا يتخذه الفرد وحده، بل يشترك فيه الأبناء البالغون، والأطباء، ورجال الدِّين، ومستشارو الثروة، مما يجعل توعية هذه الفئات أمرًا ضروريًا لضمان تقبُّل خياراتٍ أوسع من مجرد "البقاء في المنزل لأطول فترةٍ ممكنة" أو "الانتقال إلى دُور الرعاية الدائمة". ويتحقّق ذلك من خلال المشاركة في المؤتمرات الطبية والمالية، إلى جانب إطلاق حملاتٍ إعلانيةٍ موجهة تستهدف الجهات المؤثرة في اتخاذ هذا القرار.

في ظل التحول الرقمي، أصبح الوصول إلى أبناء كبار السن البالغين أكثر سهولةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهم غالبًا حلقةٌ أساسية في تحديد الخيارات المناسبة لوالِدَيهم، بل إن بعضهم يساهم ماليًا في تكاليف السكن الجديد. لذا، فإنهم أكثر اهتمامًا بالتعرف على تكلفة الخدمات وجودتها ومستوى الرعاية المتاحة داخل هذه المجتمعات السكنية.

وفي هذا الإطار، نجحت بعض الشركات المزوِّدة لخدمات رعاية كبار السن في تعزيز حضورها الرقمي، مثل شركة "Alta Senior Living" الأمريكية، التي تقدم خدمات المعيشة المستقلة ورعاية الذاكرة والدعم اليومي لكبار السن. فقد استطاعت الشركة زيادة التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بنسبةٍ بلغت 25 في المائة، وذلك بفضل استراتيجيةٍ تقوم على فريق إدارةٍ مركزي يركِّز على ضمان اتّساق محتوى الرسائل التسويقية، إلى جانب مجموعةٍ من مُديري وسائل التواصل الاجتماعي لكل مجتمعٍ سكني، يعملون على إبراز الأنشطة اليومية وإظهار الجانب الإنساني للحياة داخل هذه المجتمعات. كما ساهمت أدوات الأتمتة أيضًا في توفير خمس ساعاتٍ أسبوعيًا من وقت إدارة المحتوى الرقمي، دون المساس بجودة المنشورات أو عددها.

الفُرصة الثالثة: تحسين جودة الحياة من خلال دمج الحلول الرّقمية

تستمر الحلول التكنولوجية الموجهة لكبار السن في تحقيق نموٍ ملحوظ، إذ تُشير تقديرات ماكنزي إلى أن الشراكات التمويلية العالمية مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المخصصة لتحسين حياة كبار السن، والمعروفة بـ "AgeTech"، قد تجاوزت 1.3 مليار يورو. وهو ما يُعد نموًا متسارعًا يتيح لشركات إسكان كبار السن الاستفادة من مجموعةٍ واسعةٍ من الابتكارات المتقدمة في مجالاتٍ متعددة، مثل الرعاية الصحية، وخدمات المراقبة، وحلول الاتصال، التي تهدف جميعها إلى تحسين جودة حياة السكان وتقليص التكاليف التشغيلية بشكلٍ فعّال.

تعزيز سُبُل رعاية كبار السن عبر التقنيات الحديثة

وبفضل التطورات الحديثة في أجهزة الاستشعار والتقنيات القابلة للارتداء، أصبح بإمكان كبار السن الاستمتاع بحياتهم دون الحاجة للقيام بزياراتٍ طبيةٍ متكررة. إذ تسمح هذه الأجهزة بمراقبة صحتهم عن بُعد، من خلال متابعة مؤشراتهم الحيوية وأنماط حركتهم وأنشطتهم اليومية، خاصةً لأولئك الذين يعيشون بمفردهم. كما تمنح أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية فرصة متابعة البيانات الصحية بسهولة، مما يعزز الشعور بالطمأنينة ويسمح بالتدخل المُبكر عند الحاجة، دون أن يشعر كبار السن بأنهم يخضعون للرقابة الدائمة.

إلى جانب ذلك، تُتيح ممارسة الطب عن بُعد لكبار السن التواصل مع الأطباء والممرضين والمعالجين دون بَذْل عناء التَنقُّل، مما يجعل الرعاية الصحية أكثر سهولةً ويسرًا. وهذا لا يعني الاستغناء عن الدور الإنساني لمُقدمي الرعاية، بل يمنحهم الفرصة لتركيز جهودهم على الحالات التي تحتاج إلى متابعةٍ مباشرة، مما يعزز كفاءة الخدمات الصحية ويجعلها أكثر فعاليةً وتأثيرًا.

بيئةٌ منزلية أكثر راحةً لكبار السن

تسعى العديد من الشركات، كبيرةً كانت أو صغيرة، إلى ابتكار منتجاتٍ تجعل حياة كبار السن أكثر راحةً وسهولةً (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ بعنوان "منتجاتٌ متوفرة في الأسواق لتحسين معيشة كبار السّن"). فبفضل التقنيات الحديثة مثل تقنيات التحكم الصوتي والأجهزة الذكية، يمكن لكبار السن التحكم في العديد من تفاصيل حياتهم اليومية بلمسة زرٍ، سواء كان ذلك لفتح وغلق الستائر، أو ضبط درجة الحرارة، أو حتى للتحكم في الإضاءة والموسيقى.11 ولم تتوقف هذه التطورات عند استخدامات الأجهزة الذكية، بل امتدت أيضًا لوضع تصميماتٍ أكثر راحةً، مثل الأسرّة والكراسي القابلة للتعديل، والمصاعد المنزلية، مما يمنح كبار السن مزيدًا من الاستقلالية والرفاهية في منازلهم.

ولتمكين كبار السن المقيمين في منازلهم من البقاء على تواصلٍ دائمٍ مع عائلاتهم، يمكن استخدام شاشاتٍ تلفزيونيةٍ كبيرة وأجهزةٍ سمعية مساعِدة لتوفير تجربةٍ سهلة لمكالمات الفيديو. كما يمكن اعتماد تقنيات الاتصال المرئي المستخدمة في المكاتب، (مثل البوابات الرقمية)، لإنشاء جدار فيديو كامل- وهو تقنيةٌ تتيح عرض محتوى مرئي عبر شاشةٍ كبيرة أو مجموعة شاشاتٍ متصلة معًا - مما يتيح لكبار السن التفاعل مع عائلاتهم بطريقةٍ تعزز الشعور بالتواصل العاطفي وكأنهم موجودون معًا في نفس المكان.

رفع معايير الدقة والكفاءة

وكما أظهر تحليلنا، فإن التحوُّل الرقمي في قطاع الرعاية الصحية يُساهم في تعزيز الإنتاجية بنسبةٍ تفوق 15 في المائة، مما يساعد على تقليص التكاليف بشكلٍ كبير. وعلى الرغم من تأخُّر مؤسسات رعاية كبار السن في تبني استراتيجية التحول الرقمي مقارنةً ببقية القطاع الصحي، إلا أن رقمنة هذا القطاع تفتح آفاقًا واسعةً لأتمتة العمليات والأعمال الورقية، بما يعزز من كفاءة موظفي الخطوط الأمامية (فعلى سبيل المثال، يمكن للمساعدين الصحيين استخدام الأجهزة اللوحية للقيام بالمهام اليومية)، ويساعد في تنظيم أوقات العمل وإدارة القوى العاملة بشكلٍ أكثر فعاليةً (فمن خلال رقمنة الجداول والمهام يمكن تنظيم أوقات العمل وتقليل التكاليف المرتبطة بالعمالة المؤقتة والعمل الإضافي).

علاوةً على ذلك، تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي للمؤسسات التنبؤ بالمخاطر الصحية والمضاعفات المحتملة، مما يسمح بتقديم الرعاية الاستباقية والتعامل مع الحالات الطارئة قبل وقوعها. كما بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تقديم رُفَقاء افتراضيين لكبار السن،12 يمكنهم التفاعل في المحادثات، والألعاب، وتنبيههم بالمواعيد أو الأدوية. بل إن بعض هذه التقنيات أصبحت قادرةً على مراقبة صحة كبار السن من خلال التعرُّف على الصوت أو ملامح الوجه.

وفي إطار هذه التحولات، تمثل أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية (EHR) إحدى الخطوات البارزة في مجال رقمنة القطاع الصحي. فهي تقوم بتحويل السجلات الورقية إلى نسخٍ رقمية، مما يوفر للعاملين في القطاع الصحي وصولًا سريعًا وسهلًا إلى معلومات المرضى، فضلًا عن نتائج الفحوصات، والسجلات الطبية. وهو ما يسهم في تقليل الفحوصات المُتكررة، ويعزز من شفافية العمليات السريرية والإدارية، كما يسمح بسهولة تبادل المعلومات بين الأطراف المَعنيّة.

ووفقًا لتحليلنا، فقد أدّى تبني هذه الأنظمة الإلكترونية لزيادة إنتاجية مقدمي الرعاية الصحية بأكثر من 10 في المائة، بينما شهدت هذه الأنظمة نموًا أسرع في مجتمعات رعاية كبار السن. حيث أظهرت إحدى الدراسات أن 80 في المائة من المجتمعات المُوسّعة لرعاية كبار السن قد بدأت في اعتماد السجلات الصحية الإلكترونية منذ عام 2022.13 ومع تعدد أنظمة البرمجيات المتخصصة في هذا المجال، مثل نظامي "Eldermark’s NEXT" و "Yardi EHR"، اللذان يُقدّمان ميزاتٍ مختلفة، إلا أنها جميعًا تهدف إلى تقديم تحديثاتٍ فورية للمعلومات الطبية، مما يعزز الكفاءة ويقلل من حدوث الأخطاء. ورغم التحديات المتعلقة بتكامل أنظمة السجلات الإلكترونية وتوافقها، إلا أن هذه التقنيات تُسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية، وتُفسح المجال أمام مقدمي الخدمات الصحية للتركيز بشكلٍ أكبر على تلبية الاحتياجات الفردية للمرضى.

وبرغم الثورة التكنولوجية، تبقى اللمسة الإنسانية هي الجوهر الحقيقي في قطاع الرعاية الصحية. فمهما بلغ تطور التقنيات، إلا أنها لا تُعوّض التفاعل البشري المباشر مع المرضى. ومع ذلك، يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورًا داعمًا فعّالًا من خلال تخفيف الأعباء الإدارية والروتينية عن الكوادر الطبية، لِمَنحهم المزيد من الوقت والقدرة على تقديم رعايةٍ أكثر إنسانيةً، تلبي احتياجات كبار السن وتعزز شعورهم بالراحة والاهتمام.

نموٌ لافت وأداءٌ متميز لإسكان كبار السن في السنوات الماضية

شهد قطاع الإسكان المخصص لكبار السن أداءً لافتًا خلال السنوات الماضية، متجاوزًا في وتيرته العديد من القطاعات العقارية التقليدية. ففي الوقت الذي سجّلت فيه هذه الأسواق معدلات نموٍ معتدلة، برزت فئاتٌ عقاريةٌ بديلة، على رأسها مساكن كبار السن، والسكن الطلابي، والمراكز الطبية، كمحركاتٍ جديدة لجذب الاستثمارات. وهو ما أظهرته بيانات الأسواق الأمريكية التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الاستثمارات الموجهة لهذه القطاعات، لترتفع من 8.4 في المائة إلى 13.1 في المائة من إجمالي حجم الاستثمارات خلال العقد الأخير.14 ويعكس هذا التوجه اهتمام المستثمرين المتزايد بالقطاعات الناشئة التي تُبشّر بطلبٍ متصاعدٍ وآفاق نموٍ واعدة، تفوق ما هو معتادٌ في الأسواق التقليدية.

كما أثبت قطاع إسكان كبار السن تفوُّقه على سوق الإيجارات التقليدية أيضًا. ففي المملكة المتحدة، حققت مجتمعات التقاعد المستقلة أداءً سعريًا يفوق الوحدات السكنية العادية بحوالي 45 نقطة منذ عام 2005.15 ويتوقع خبراء العقار أن تسلُك السوق الأمريكية المسار ذاته خلال السنوات الخمس المقبلة،16 مدفوعةً بالطلب المتزايد والثقة المتنامية في هذا النوع من الإسكان. ولعل ما يعزز جاذبية هذا القطاع، هو بقاء عائداته قويةً ومستقرة، إذ بلغ متوسط الفارق بين عوائد سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنواتٍ والعائد على مساكن كبار السن نحو 462 نقطة أساس منذ عام 2008، وهو ما يفوق بكثير العائد على قطاع الشقق السكنية متعددة الوحدات عن نفس الفترة، والذي لم يتجاوز 282 نقطة.17 مما يجعله واحداً من أبرز الوجهات الاستثمارية لمن يبحثون عن فرصٍ واعدة وآمنة في الوقت ذاته.

في ضوء هذه التحولات، تبرز مشاريع الإسكان المخصص لكبار السن كفرصةٍ استراتيجية تجمع بين الجدوى الاستثمارية والبُعد الإنساني، من خلال دعم مبادئ الاستدامة البيئية والمسؤولية المجتمعية والحَوكمة الفاعلة. إذ تسهم هذه المشاريع في توفير بيئةٍ آمنةٍ وصحيةٍ لكبار السن، وتخفف عنهم أعباء صيانة المنازل، مما يفتح المجال لاستفادة أسرٍ أخرى من تلك المنازل، إلى جانب ما يُقدمه هذا القطاع من خدمات الرعاية الصحية بما يجعلها أكثر كفاءةً وتنظيماً.


ولتحقيق التميز في قطاع إسكان كبار السن، لا بد من تبنّي رؤيةٍ شاملة تقوم على توفير نماذج سكنية مرنة تُراعي تطوُّر احتياجاتهم مع مرور الوقت، إلى جانب توفير تجارب رقمية متكاملة وأساليب تسويقٍ مبتكرة. ففي ظل الازدياد المتسارع في أعداد كبار السن عالميًّا، تبرز أمام هذا القطاع فرصةٌ استثنائية لرسم مستقبلٍ أكثر ابتكارًا، ويعكس التزامًا واضحًا بمبادئ التنمية المستدامة وجودة الحياة.

Explore a career with us