ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
تضاعف البنوك إنفاقها على برامج "اعرف عميلك" وأنشطة مكافحة غسل الأموال عامًا بعد عام، في محاولة لتعزيز قدرتها على مواجهة التدفقات المالية المشبوهة. ومع ذلك، لا توجد أدلة قوية على أن هذه الاستثمارات الضخمة تحقق العائد المرجو، إذ ما زالت النتائج محدودة. وتشير تقارير الإنتربول إلى أن القطاع المالي لا ينجح إلا في كشف نحو 2 بالمئة فقط من الجرائم المالية على مستوى العالم، رغم أن بعض الأسواق المتقدمة رفعت إنفاقها السنوي بما يصل إلى 10 بالمئة بين عامي 2015 و2022.1 ومن هنا، يتضح وجود فجوة واضحة بين حجم الموارد المخصصة والنتائج المتحققة، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة أكثر فاعلية. وفي هذا السياق، يطرح وكلاء الذكاء الاصطناعي أنفسهم كخيار واعد يمثل تطورًا جديدًا لتقنيات التحليل الذكي، قادرًا على إحداث نقلة نوعية من خلال تعزيز الأتمتة وزيادة الإنتاجية عبر مختلف مراحل دورة حياة العميل. (الشكل 1).
ترجع نسبة كبيرة من التكاليف التي تتحملها البنوك في مواجهة الجرائم المالية إلى ضعف الكفاءة في أنظمة التشغيل وأساليب العمل. فغالبًا ما تخصص البنوك ما بين 10 و15 في المئة من موظفيها بدوام كامل لمهام "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال فقط،2 وهو ما يرهق الموارد البشرية بشكل ملحوظ. وفي المقابل، يظل الاعتماد على الأتمتة محدودًا بسبب عدم ترابط البيانات وتوحيدها، مما يجعل سير العمل أبطأ وأقل كفاءة. ونتيجة لذلك، تضطر الفرق إلى إنجاز كثير من المهام يدويًا، بينما يواجه العملاء تجارب معقدة وإجراءات مرهقة تفتقر إلى السلاسة.
ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي، وبشكل خاص وكلاء الذكاء الاصطناعي، هو الحل العملي للتحديات الكبيرة التي تواجهها البنوك في مجالي "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال. وفي هذا المقال، نستعرض صورة شاملة لمجال الذكاء الاصطناعي ونوضح أبرز طرق تطبيقه، مع الإشارة إلى تجارب بعض المؤسسات المالية الرائدة التي نجحت في استخدام هذه التقنيات لتعزيز كفاءتها وتحسين نتائجها. وتتمثل الخلاصة في أن الذكاء الاصطناعي يملك القدرة على إحداث تغيير جوهري في أسلوب عمل المؤسسات المالية، غير أن تحقيق هذه الفائدة على نطاق واسع يتطلب أولًا توفير الأسس المناسبة وتطوير القدرات التي تضمن التنفيذ الفعّال والمستدام.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
الذكاء الاصطناعي التحليلي والتوليدي والوكيل: دليل مبسط لاستخداماته في مكافحة الجرائم المالية
إن الذكاء الاصطناعي ليس تقنية واحدة كما يظن البعض، بل هو مصطلح واسع يشمل عدة تقنيات مختلفة. هذه التقنيات تستطيع أن تفهم اللغة البشرية وتنتج نصوصًا جديدة، وتتعرف على الصور والأصوات، كما يمكنها أن تتخذ قرارات أو تقدم تنبؤات اعتمادًا على البيانات، وأن تتطور بمرور الوقت من خلال التعلم المستمر. وفي مجال "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال، تُستخدم هذه القدرات في ثلاث صور أساسية سيتم تناولها لاحقًا. (الشكل 2).
الذكاء الاصطناعي التحليلي
لدى الذكاء الاصطناعي التحليلي القدرة على معالجة البيانات بسرعة ودقة أكبر من البشر، ولذلك فهو يساعد البنوك على رفع كفاءة أنظمة الامتثال ومكافحة الجرائم المالية. على سبيل المثال، يمكنه التمييز بدقة أكبر بين العمليات المشبوهة وتلك السليمة، مما يقلل من عدد التنبيهات الخاطئة التي تُرهق فرق العمل. كما يتيح بناء نماذج أكثر تطورًا لتقييم مخاطر العملاء من خلال الاعتماد على مؤشرات متنوعة، مثل أنماط السلوك المالي وطبيعة المعاملات. وإلى جانب ذلك، يعزز دقة مراقبة المعاملات عبر المقارنة بين سلوكيات العملاء المختلفة لاكتشاف أي أنشطة غير معتادة، مع إمكانية تطوير القواعد الحالية لتصبح أكثر فاعلية في رصد الأنشطة المشبوهة.
الذكاء الاصطناعي التوليدي
بدلًا من أن يقتصر دور المحققين على الأعمال اليدوية المرهقة، يأتي الذكاء الاصطناعي التوليدي ليقدم قيمة مضافة من خلال قدرته على التعلم من البيانات وإنتاج مخرجات جديدة تدعم العمل. وفي مجال "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال، يُستخدم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لدعم المراجعات سواء عند انضمام عملاء جُدد أو خلال متابعة العملاء القائمين، وذلك عبر تحليل البيانات المنظمة وغير المنظمة بكفاءة عالية. وبفضل هذه الإمكانات، يمكن توفير وقت وجهد كبير من خلال استخراج المعلومات مباشرة من المستندات وتلخيص كميات ضخمة من (الأخبار أو التقارير السلبية) المتعلقة بالأفراد أو الشركات. كما يُسهم في تسريع وتيرة التحقيقات من خلال تحليل عناصر حساسة مثل مصدر الأموال أو طبيعة النشاط التجاري. وفي جانب مراقبة المعاملات، يساعد في الوصول إلى استنتاجات أوضح حول التنبيهات، ويعزز دقة تحليل العمليات المالية، ويدعم صياغة تقارير الاشتباه، فضلًا عن دوره في تحسين عمليات المراجعة وضمان الجودة.
وفي تجربة عملية، استخدم أحد البنوك العالمية الذكاء الاصطناعي التوليدي لتطوير أداة لاستخراج البيانات تدعم إجراءات "اعرف عميلك". وتم تشغيل الأداة واختبارها على مدار أربعة أسابيع بمشاركة أكثر من خمسين محللًا. وخلال هذه الفترة، أنشأ البنك هيكلًا يمكن إعادة استخدامه للذكاء الاصطناعي التوليدي، كما وضع آلية واضحة لاستخراج المعلومات تغطي أكثر من خمسين سؤالًا أساسيًا وما يزيد على ثلاثمائة مهمة فرعية. وأظهرت التجربة أن أفضل نهج لتطبيق هذه التقنية هو التركيز أولًا على فهم سير العمل اليومي للمحللين وإشراكهم في التصميم والاختبار، حيث أثبت هذا الأسلوب أنه الأكثر فاعلية لتحقيق نتائج ملموسة.
في مثال آخر، استعان أحد البنوك الكُبرى بالذكاء الاصطناعي التوليدي لتسهيل إعداد بيانات توضح الغرض من المعاملة وطبيعتها، مع تحسين دقة هذه البيانات لتتوافق مع معايير البنك. وقد تمكن النظام من معالجة كلٍ من بيانات العملاء الخام والوثائق المُعدة يدويًا، وهو ما ساعد على تقليل وقت المعالجة بشكل كبير وجعل الإجراءات أكثر سرعة وكفاءة.
وكلاء الذكاء الاصطناعي
يشير مصطلح وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى تقنية تتيح لوكيل واحد أو عدة وكلاء تنفيذ المهام واتخاذ القرارات بشكل مستقل، (مع بقاء الإشراف البشري حاضرًا) لضمان الدقة والموثوقية. وفي سياق مكافحة الجرائم المالية، تُستخدم هذه التقنية لأتمتة مجموعة واسعة من الأنشطة المعقدة، بدءًا من إجراءات انضمام العملاء الجُدد، مرورًا بعمليات التحقق من الهوية والمراجعات الدورية، ووصولًا إلى مراقبة المعاملات المالية. كما تسهم في تسريع التحقيقات المتعلقة بالعقوبات أو حالات الاحتيال، حيث تدير العملية كاملةً من لحظة صدور التنبيه وحتى إغلاق الحالة، مما يعزز الكفاءة ويحد من الأخطاء البشرية.
إن وكلاء الذكاء الاصطناعي يمثلون مرحلة جديدة من التطور في هذا المجال، إذ يملكون القدرة على إحداث تأثير أكبر بكثير مما يقدمه الذكاء الاصطناعي التحليلي أو التوليدي. فرغم أن النوعين الأخيرين ساعدا البنوك على تحسين كفاءة الامتثال وزيادة فاعليته، إلا أن تأثيرهما المباشر على النتائج المالية ظل محدودًا. ويعود السبب في ذلك إلى أن البنوك تستخدم هذه التقنيات غالبًا كأدوات مساعدة للبشر، مثل موظفي فحص حالات "اعرف عميلك" أو فرق مراقبة المعاملات. ورغم أن هذا الاستخدام ساعد على تسريع التحقيقات وتوفير الوقت، وحقق زيادة في الإنتاجية (تتراوح بين 15 و20 في المئة)، فإنه لم يغيّر جذريًا مستوى الكفاءة والفاعلية.
وعلى النقيض من الأنواع الأخرى، يمثل وكلاء الذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في طريقة عمل البنوك، إذ يتم التعامل معهم باعتبارهم قوة عمل رقمية أو "مصانع رقمية" قادرة على التعاون في إنجاز المهام من البداية إلى النهاية بشكل مستقل. وفي هذا النموذج، يقتصر دور العنصر البشري على معالجة الحالات الاستثنائية والإشراف العام وتقديم التوجيه عند الحاجة (الشكل 3). ويتيح هذا الأسلوب مستويات غير مسبوقة من الإنتاجية، حيث يمكن لموظف واحد الإشراف على ما لا يقل عن عشرين وكيلًا من وكلاء الذكاء الاصطناعي، وهو ما يرفع الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 200 و2000 في المئة وفقًا للتجارب العملية. وإلى جانب ذلك، تحقق البنوك استفادة ملموسة من خلال تحسين جودة المخرجات وضمان اتساقها في مختلف العمليات (راجع العمود الجانبي بعنوان: "دراسة حالة: بنك عالمي أنشأ مصنعًا لوكلاء الذكاء الاصطناعي").
يمكن توظيف وكلاء الذكاء الاصطناعي، سواء بشكل فردي أو في مجموعات تُعرف بالفرق ، لتنفيذ مهام متقاربة في طبيعتها وإن اختلفت في تفاصيلها. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدامهم في جمع المعلومات حول اتجاهات السوق أو في عمليات فحص العملاء لرصد الأخبار السلبية المرتبطة بهم. وفي هذا الإطار، بدأت مؤسسات مالية رائدة في مجال مكافحة الجرائم المالية بالاعتماد على مثل هذه الفرق، على سبيل المثال:
- يعتمد وكلاء التوليد المحسَّن بالاسترجاع أو ومايسمى بالــ (RAG) على الجمع بين البحث في قواعد المعرفة وقواعد البيانات ومجموعات الوثائق، وبين توليد إجابات جديدة دقيقة تعكس السياق الفعلي للمعلومة. فهم يقومون أولًا باسترجاع البيانات من مصادر موثوقة، ثم معالجتها باستخدام تقنيات مثل تحويلها إلى تمثيلات رقمية وتقسيمها إلى أجزاء صغيرة والاعتماد على البحث الدلالي، ليتمكنوا في النهاية من تقديم إجابات مبنية على حقائق بدلًا من محتوى متخيَّل. وبفضل هذه القدرات، يمكن توظيفهم في تحليل القوائم المالية مثل بيانات الأرباح والخسائر والميزانيات، وكذلك مراجعة وثائق الشركات، بهدف تحديد المستفيدين الفعليين النهائيي ن وأصحاب الشأن الرئيسيين.
- يتولى وكلاء خطوط البيانات مراقبة وتنظيم ومعالجة عمليات الاستخراج والتحويل والتحميل(ETL)، إلى جانب تنفيذ اختبارات جودة البيانات والكشف عن الأعطال التي قد تصيب هذه العمليات. كما يمكنهم إعادة المحاولات تلقائيًا عند فشل المهام، وإصدار تنبيهات عند ظهور أي أنماط غير طبيعية، وتحسين استخدام الموارد. وإضافة إلى ذلك، يستطيعون ربط الكيانات المختلفة والتأكد من دقتها من خلال تحليل بيانات العملاء الواردة من مصادر متعددة.
- يقوم وكلاء البحث والتحليل بجمع المعلومات من مصادر متعددة، ثم دمج النتائج وصياغتها في تقارير شاملة مع متابعة الاتجاهات الناشئة في السوق. ويمكن توظيفهم لمراقبة تحركات المنافسين وأوضاع السوق والتطورات التقنية، إضافة إلى تحليل المعاملات المالية وأنماط الأطراف المتعاملة وسجلات التنبيهات، بما يتيح رؤية أعمق ودقيقة تدعم اتخاذ القرار.
- يختص وكلاء المراجعة أو التحقق بمراجعة نتائج سير العمل لضمان دقتها وجودتها حتى اكتمالها، مع تقديم مقترحات لتحسين الأداء وفقًا للتعليمات البشرية. كما يتمتعون بالقدرة على معالجة الأخطاء البسيطة تلقائيًا، (مثل مشاكل تنسيق المدخلات).
ومن أجل ضمان كفاءة عمل فرق الوكلاء، من الضروري أن يكون لها نطاق مسؤوليات محدد بوضوح، وآليات واضحة لتسليم المهام بين الأعضاء، إضافة إلى أنظمة موحّدة لإدارة المحتوى، وضوابط داخلية تضمن انسيابية العمل وجودته.
مبادئ أساسية تساعد البنوك على بناء الأسس الصحيحة
تُظهر خبراتنا في مساعدة البنوك على تطوير قدرات "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن هناك عدة مبادئ أساسية تظل صالحة للتطبيق في مختلف الظروف منذ البداية. وفيما يلي أبرز هذه المبادئ وأكثرها أهمية:
- المبدأ الأول يتمثل في إعادة هيكلة المجال بالكامل، بحيث تشمل التحولات رحلة العميل من بدايتها إلى نهايتها، (بدلًا من الاكتفاء بحالات استخدام محدودة تركز فقط على أتمتة خطوات فردية داخل هذه الرحلة).
- المبدأ الثاني يقوم على الاستفادة من جميع الأدوات المتاحة لتعزيز المعالجة المباشرة للعمليات دون تدخل بشري. وقد يشمل ذلك إعادة تصميم الإجراءات، واستخدام أدوات إدارة سير العمل، وتطبيق الأتمتة القائمة على القواعد في الخطوات البسيطة، بالإضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي التحليلي، وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ووكلاء الذكاء الاصطناعي لقيادة الرحلة الكاملة من البداية إلى النهاية.
- المبدأ الثالث هو منح وكلاء الذكاء الاصطناعي أدوارًا محددة تعكس الأدوار البشرية على امتداد سلسلة القيمة، بما يتيح بناء منظومة تعاونية قائمة على توزيع الأدوار، شبيهة بطريقة عمل الفرق البشرية.
- المبدأ الرابع يتمثل في تضمين وكيل مختص بضمان الجودة داخل كل فريق من وكلاء الذكاء الاصطناعي، للتأكد من أن كل وكيل قد أنجز مهامه وفق المعايير المطلوبة. ومع تطور هذه الفرق مستقبلًا، يمكن أن تضم أيضًا وكلاء مختصين بالامتثال أو التدقيق أو غيرها من المهام المتخصصة.
- المبدأ الخامس يتمثل في إعادة تصميم نموذج العمل بحيث يتركّز دور الخبراء البشريين على التحقق والتدقيق. وتشير خبراتنا إلى أن التدخل اليدوي ينبغي أن يقتصر على الاستثناءات أو الحالات المعقدة التي لا تتجاوز عادة 15 إلى 20 في المئة من إجمالي المهام، إضافةً إلى الإشراف على وكلاء الذكاء الاصطناعي وتوجيههم.
- المبدأ السادس يتمثل في تنفيذ عمليات ضمان الجودة داخل مصنع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالاعتماد على أسلوب الفحص بالعينات، وهو ما يوفّر طريقة أكثر كفاءة وأقل تكلفة.
خطوة البداية: ستة عوامل قوية تمكّن من النجاح
إن إنشاء منظومة رقمية قائمة على وكلاء الذكاء الاصطناعي وتشغيلها بكفاءة على المدى الطويل يتطلب التزامًا جادًا من الإدارة العُليا ومن مختلف فرق العمل. وتستند الأفكار التالية إلى مجموعة من الممارسات التي أثبتت نجاحها في تحقيق نتائج ملموسة وهي كالتالي:
- وضع الأشخاص المناسبين في المواقع الصحيحة، إذ يعتمد نجاح التنفيذ على امتلاك مهارات متخصصة في مجال "اعرف عميلك" وعلوم بيانات المخاطر، إلى جانب رؤية واضحة لشكل إدارة الجرائم المالية في المستقبل. ولتحقيق ذلك، يجب تحديد الموارد المطلوبة بدقة، مثل فريق "DevOps" المسؤول عن تطوير البرمجيات وتشغيل الأنظمة، وقادة فرق مكافحة الجرائم المالية ومديريها، إضافة إلى محللي الجرائم المالية أو محللي "اعرف عميلك". ويكون دور هؤلاء المحللين أساسيًا في توجيه وكلاء الذكاء الاصطناعي، من خلال مراجعة المخرجات، واتخاذ القرارات المعقدة، والتعامل مع الحالات الاستثنائية.
- وضوح العملية. فالبنوك الرائدة تحقق أفضل النتائج عندما تضع تصورًا دقيقًا ومبسّطًا لآليات "اعرف عميلك" أو التعامل مع الجرائم المالية، مع مراعاة المخاطر المحتملة مثل المخرجات غير الدقيقة أو المحتوى غير الملائم. ويساعد هذا الوضوح على تجنّب أتمتة عمليات ضعيفة داخل فرق المخاطر أو الامتثال. ومن المهم تقسيم سير العمل إلى قدرات مستقلة ومحددة، بحيث تتمكّن البنوك من تدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحسين أدائهم بكفاءة.
- الاستثمار في التكنولوجيا. فهي عنصر أساسي في المعادلة، حيث تعطي البنوك الرائدة أولوية خاصة للجوانب التالية:
- إنشاء بنية تقنية مرنة وقابلة للتوسع، تشمل الوصول إلى نماذج الأساس، وإطار عمل مؤسسي لإدارة وكلاء الذكاء الاصطناعي ومستودع مخصص لهم، إلى جانب واجهات برمجة التطبيقات التي تمكّن من الربط السلس مع مصادر البيانات والتطبيقات الداخلية والخارجية.
- إنشاء واجهة استخدام سهلة وملائمة للأعمال تتيح التعاون بسلاسة بين وكلاء الذكاء الاصطناعي والمشرفين البشريين، مع حرص المؤسسات على الاستفادة من البنية التحتية الحالية الخاصة بعمليات "اعرف عميلك" أو مكافحة الجرائم المالية قدر الإمكان.
- توفير بنية تحتية حاسوبية قوية، سواء عبر السحابة أو داخل مقرات العمل، تُمكّن نماذج الذكاء الاصطناعي من العمل على نطاق واسع، (وفي بعض الحالات) بشكل لحظي وفوري.
- التركيز على البيانات ذات الجودة العالية. فالكثير من المؤسسات المالية تعتبر جودة البيانات تحديًا أساسيًا، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدها في اكتشاف هذه المشكلات ومعالجتها بسرعة. فعلى سبيل المثال، في مجال العقوبات، يدعم الذكاء الاصطناعي عملية توحيد الكيانات، وهو ما يضمن التعرف على العميل نفسه حتى عند وجود بيانات متفرقة في مصادر مختلفة. كما بدأت بعض البنوك بتطوير أطر عمل قائمة على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف البيانات وتقييمها وتحسينها بشكل تلقائي عبر عدة جوانب. وتتضمن هذه الأطر عناصر رئيسية منها:
- تصميم بنية تقنية مرنة تعتمد على مكونات يمكن استخدامها في أكثر من مجال، (سواء في عمليات "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال، أو في أنشطة أخرى مثل خدمات الائتمان).
- وضع خطة واضحة لنقل البيانات غير المنظمة، (مثل استمارات فتح الحساب أو وثائق السياسات أو مستندات التسجيل)، إلى أنظمة التحليل. ويشمل ذلك استخدام أدوات وتقنيات ذكاء اصطناعي، (من ضمنها وكلاء الذكاء الاصطناعي)، لمراقبة جودة البيانات واكتشاف أي مشكلات والإبلاغ عنها.
- تحسين إدارة المخاطر. ينبغي على البنوك أن تعطي أولوية لوضع إطار عمل ونظام مخصص لإدارة المخاطر، بحيث يتيح متابعة مستمرة وشاملة لمختلف الجوانب، بما في ذلك حماية البيانات، ومنع انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والتقليل من مخاطر المخرجات غير الدقيقة.
- تبنّي إدارة التغيير. فنجاح البنوك في استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي لا يعتمد على التكنولوجيا وحدها، بل يحتاج أيضًا إلى نهج شامل لإدارة التغيير يساعد الموظفين على التكيف مع أدوارهم الجديدة. ويشمل ذلك تدريبهم على مهارات الإشراف والتوجيه والتعامل مع الوكلاء. ورغم أهمية هذا الجانب، إلا أن تطبيقه غالبًا ما يستغرق وقتًا أطول من بناء التكنولوجيا نفسها. لذلك، تركز المؤسسات الرائدة على وضع أسس داعمة مثل إعادة تصميم العمليات، وتحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح، وتعديل الهيكل التنظيمي، ووضع إستراتيجية لإدارة المواهب تضمن تقييم الموظفين وفق أهداف محدّثة. كما تهتم بتوفير الوصول السريع إلى البيانات والبنية التحتية ونماذج اللغة، إضافة إلى تجهيز بيئات تجريبية ومنصات تشغيل مبكرًا لتفادي التأخير لاحقًا. وبالنظر إلى المستقبل، ينبغي على البنوك التخطيط بدقة لاحتياجاتها من الكفاءات، خاصة في فرق الواجهة الأمامية وإدارة المخاطر.
تشير تجارب المؤسسات المالية الرائدة إلى أن الذكاء الاصطناعي، وبخاصة وكلاء الذكاء الاصطناعي، قد يكون الابتكار الأبرز القادم في مجال "اعرف عميلك" ومكافحة غسل الأموال. ولتحقيق نتائج ملموسة بسرعة، تبدأ البنوك عادةً بتحديد نطاق تجريبي يقتصر على شريحة من العملاء، يتم من خلالها اختبار فكرة "المصنع الرقمي". وإذا أثبتت التجربة فعاليتها، تنتقل المؤسسة بعدها إلى التوسع على نطاق أوسع. ويستعرض كتاب ماكنزي الجديد بعنوان "إعادة ابتكار الأعمال: دليل ماكنزي للتفوق في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي" أهم الدروس التي اكتسبتها ماكنزي من خبراتها العملية في مساعدة المؤسسات على تنفيذ مثل هذه التحولات الكُبرى بنجاح.
في ظل التغير السريع في مشهد الجرائم المالية، يعتمد النجاح على ثلاثة عناصر رئيسية: (سرعة تبني الذكاء الاصطناعي وتدريب النماذج على نطاق واسع)، ووضع نموذج تشغيلي مصمم لاحتياجات المؤسسة، وضمان صيانة منظومة وكلاء الذكاء الاصطناعي بشكل مستمر. ورغم أن هذه المهمة معقدة وتتطلب جهدًا كبيرًا، فإن البنوك الرائدة أثبتت أن التنفيذ الناجح يمكن أن يحقق نتائج مهمة، منها رفع مستوى الامتثال، وتعزيز القدرة التنافسية، وتقديم تجربة أكثر سهولة وانسيابية للعملاء.