تأثير استراتيجيات "إسعاد العملاء" على دفع معدلات النمو

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

ذات يومٍ، لاحظ أحد العاملين بمنتجع "ريتز كارلتون"، أن إحدى العائلات من نزلاء المنتجع تبحث عن ضفدعٍ من فصيلةٍ تشتهر بها جزيرة "بورتوريكو" تُعرف بــ "كوكي"، والذي كان متخفيًا بين النباتات.1 فقرر العامل أن يُعِد مفاجأةً لا تُنسى لأفراد العائلة بعد عودتهم من العشاء، حيث قام بإعداد ورقة زهرةٍ مصنوعةٌ من الشوكولاتة يقف عليها ضفدعان من الشوكولاتة أيضًا، وإلى جانبهما ورقة مُدونٌ عليها كلمة شكرٍ من "كوكي" نفسه. مما كان له وقعٌ مفاجئٌ ولطيف للغاية على جميع أفراد العائلة.

بتأمُلنا لهذه القصة، نجدها تطرح تساؤلاتٍ عدة حول إمكانية قياس وإدارة مفهوم "إسعاد العملاء". وما هي المنهجيات المُثلى لتحقيق تلك الغاية؟ وهل من الممكن قياس مستويات السعادة بفعالية؟ وكيف يمكن إدارتها وتقديمها بصورةٍ مؤسسية؟ وما هي الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تعود على الشركات جراء هذه العملية؟

للوصول إلى إجاباتٍ شافيةٍ على تلك التساؤلات، من الضروري أولاً الإلمام بمفهوم "إسعاد العميل"، ذلك الشعور الذي يتولد لدى العميل عندما تمتزج فرحته مع عنصر المفاجأة. في السابق، كان هذا النوع من التجارب مقتصرًا على العلامات التجارية الكُبرى والفاخرة، نظرًا لارتفاع تكلفتها الشرائية والتي يُصاحبها توقعاتٌ مرتفعة من العملاء. أما اليوم، بات هذا المفهوم أعم وأشمل، فبفضل التقدم التكنولوجي أصبحت تمتلك الشركات أدواتٍ أكثر ذكاءً وفعالية تساعدها في التركيز على العملاء بشكلٍ أساسي حتى تقدم لهم تجارب مبهجة تنعكس على الشركات بعوائد طويلة الأمد.

لقد قام فريقنا المتخصص في مجال النمو والتسويق والمبيعات بإجراء بحثٍ متعمق لاستكشاف الأثر الكبير الذي ينتج من شعور العملاء بالسعادة، وانعكاسه على نجاح ونمو الأعمال. ومن خلال استطلاع آراء 25,000 عميل يعملون في صناعاتٍ مختلفةٍ كالسياحة والتأمين والبنوك وغيرها، توصلنا إلى دلائل قوية تثبت أن إسعاد العملاء لا يسهم فقط في ترسيخ شعورهم بالولاء وزيادة معدلات إعادة الشراء، بل يلعب دورًا رئيسيًا أيضًا في زيادة الإيرادات، وذلك عن طريق إقناع العميل بشراء منتجاتٍ أو خدماتٍ أخرى من نفس الشركة والمعروف بالبيع المتبادل، أو بتشجيع البيع الإضافي، والذي يركز على إقناع العميل بشراء منتجٍ أعلى سعرًا من ذلك الذي كان ينتوي شراءه.

في هذا المقال، نُلقي الضوء على بعض النتائج الرئيسية التي كشف عنها استطلاعنا، والتي تُبرز تفوُّق الشركات التي تضع "إسعاد العملاء" على رأس أولوياتها على مثيلاتها من الشركات الأخرى، إذ تشير أبحاثنا إلى أن هذه الشركات تسبق منافسيها في مؤشراتٍ هامة مثل الإيرادات، و"صافي نقاط الترويج"، التي تُستخدم لتقييم ولاء العملاء واستعدادهم للتوصية بمنتجٍ أو خدمةٍ معينة للغير. بالإضافة إلى "العائد الإجمالي للمساهمين" والذي يقيِّم الأداء المالي للشركة من منظور المستثمرين. فيما يظل إعطاء الأولوية لإسعاد العملاء وتطبيق استراتيجياتٍ ذكيةٍ ومستدامة لتحقيق ذلك الهدف، هو السبيل للشركات لاكتشاف فرصٍ جديدةٍ لنمو أعمالها عبر تقديم المزيد من الخدمات، وهو ما يجعل تحقيق العوائد طويلة الأمد أمرًا ممكنًا دون الحاجة إلى تحمل تكاليف باهظة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ولتحقيق تفاعلٍ ناجحٍ مع العملاء، يجب مراعاة الجوانب العقلانية والعاطفية لتجاربهم العامة. على سبيل المثال، عند استقلالك لسيارة أجرة، تتوقع أن تصل إلى وجهتك في وقتٍ محدد. أما إذا وصلت قبل ذلك الموعد، فغالبًا ما ستشعر بالرضا. كذلك الأمر عند خوض العميل لأي تجربةٍ أخرى، فتلبية توقعات العميل وتحقيق رضاه خطوتان أساسيتان لضمان تجربةٍ إيجابية تسبق مرحلة إسعاد العميل، والتي لا تقتصر فقط على تلبية توقعاته، وإنما تهدف إلى تحويل تلك التوقعات من مجرد تفاعلٍ إيجابي إلى تجربةٍ استثنائية. فهذه التجربة هي التي تصنع الفارق وترفع مستوى ولاء العميل وتضمن الاحتفاظ به، كما أنها تُشجعه على التوصية بالمنتج للآخرين، مما يرفع من مستوى الإيرادات ويعود بالنفع على الشركات بشكلٍ عام.

إسعاد العملاء: مزيجٌ بين الفرحة والمفاجأة

قبل أن نتناول الأثر الذي يُسببه إسعاد العملاء، علينا توجيه الأنظار نحو التفسير العلمي للمفهوم نفسه. فــ"الإسعاد" هو استجابةٌ عاطفيةٌ عميقة تمتزج فيها الفرحة مع دهشة المفاجأة في نفس اللحظة. ويتولد هذا الشعور من التعرض لتجربةٍ مميزةٍ وغير متوقعة، وهو ما يتجاوز التجارب الروتينية العادية التي يمكن التنبؤ بها.2 وعندما يندمجان هذان الشعوران معًا "الفرحة والمفاجأة" ينشأ الإحساس بالسعادة الغامرة (الشكل 1).

إن شعورنا بالمفاجأة يمُر بأربع مراحل متتالية. في الأولى، نتجمد ويغمرنا الشعور بالدهشة من كل ما هو غير متوقع، وهو ما يدفعنا للتوقف برهةً للتفكير. ثم تأتي بعدها المرحلة الثانية، والتي نبدأ فيها محاولة استكشاف سبب المفاجأة، ومنها إلى المرحلة الثالثة، التي تُغير فيها المفاجأة من منظورنا وإدراكنا بعد اكتشاف ما هو جديد. لتأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة التي يغمرنا فيها الشعور بالفرح الممزوج بالمفاجأة، والذي يدفعنا لمشاركة تجربتنا مع الآخرين.

وبالرغم من أن تأثير المفاجأة غالبًا ما يكون لحظيًا، إلا أن هذه اللحظة القصيرة تترك تأثيرًا كبيرًا على كيفية تذكرنا لها، وذلك بفعل تأثيرها على "الحُصين"، ذلك الجزء من الدماغ المسؤول عن تخزين المعلومات، والذي ينشط بشكلٍ كبير عند المرور بتجربةٍ مفاجئة. ويؤدي هذا النشاط إلى احتفاظ الدماغ بتفاصيلٍ أكثر حول هذه اللحظة مقارنةً باللحظات العادية.3 ومن جهةٍ أخرى، يعتبر الفرح نوعًا من الاستجابة العاطفية الطبيعية التي تختلط مع إحساس المفاجأة، ليَنتج عن هذا المزيج لحظةٌ سحرية تُعرف بالإسعاد.

يختلف الشعور بالإسعاد عن إحساس الرضا اختلافًا جوهريًا. فالرضا هو رد فعلٍ عقلانيٍ ناتجٍ من خوض تجربةٍ متوقعةٍ مُسبقًا، أي أن يشعر العميل بالرضا عندما تتوافق التجربة مع توقعاته. فعلى سبيل المثال، عندما تفي شركةٌ ما بتوقعات أحد عملائها بشكلٍ تقريبي، قد ينتاب العميل شعورٌ بالرضا، وقد لا يُظهر أي ردة فعلٍ على الإطلاق. أما إذا تجاوزت الشركة توقعات العميل، فعندها ينتابه ما هو أعمق وأقوى من مجرد إحساسٍ بالرضا، إذ يتملكه شعورٌ بالسعادة البالغة النابعة من مُفاجأةٍ غير متوقعة.

إسعاد العملاء يضمن ولائهم لك واستمرارهم في التعامل معك

يُؤمن مؤيدو فلسفة إسعاد العملاء بقدرتها الكبيرة على تعزيز الروابط العاطفية مع العملاء وزيادة إنتاجية الشركات، وذلك من خلال عدة عوامل: زيادة معدلات الإحالة، تحسين معدلات الاحتفاظ بالعملاء، وزيادة الإيرادات. ولعل هذه العوامل جميعها، تسهم في دعم وبناء مفهوم الولاء لدى العملاء، كما هو موضح في (الشكل 2).

لقد كشفت أبحاثنا في مجال إسعاد العملاء عن وجود فرصٍ واسعة ومهمة لتحسين تجربة العملاء، والتي تظهر بشكلٍ منتظم في مختلف الصناعات، والمناطق الجغرافية، وعبر مجموعةٍ متنوعةٍ من المنتجات.

الإحالات: وهي توصيات العملاء لغيرهم بتجربة علامةٍ تجاريةٍ أو خدمةٍ معينة. وقد كشفت أبحاثنا عن أن الرضا يُعد أحد الركائز الداعمة لتجربة العميل. فعندما لا يشعر العميل بالرضا، هنا يصبح الإسعاد مفيدًا. إذ يمكن للجهود المبذولة من الشركات محو الأثار الناجمة عن التجربة السلبية التي تعرض لها العميل، غير أنه لا يعوض الخسارة بالكامل. ومع ذلك، فقد أظهرت نتائجنا أن العملاء الراضين ممن وصلت تجربتهم لمرحلة الإسعاد، كانوا هم الأكثر ميلًا للتوصية بالعلامة التجارية لآخرين، مقابل العملاء الذين لم يصلوا لهذه المرحلة. وهو ما يبرز دور الإسعاد كمحفزٍ كبير يزيد من شعور العملاء بالولاء.

وقد أسفر التركيز على مفهوم "إسعاد العملاء" عن ارتفاعٍ ملحوظ في "صافي نقاط الترويج" بمختلف القطاعات. فقد شهد قطاع البنوك زيادةً بواقع 15 نقطة، وحقق قطاع التأمين نموًا بلغ 18 نقطة، بينما ارتفع قطاع السياحة بمقدار 28 نقطة. اطلع على (الشكل 3).

الاحتفاظ بالعملاء: عندما يهتم مقدمو الخدمات في مختلف الصناعات بإسعاد عملائهم، فإن ذلك يزيد من احتمالية عودة العملاء لزيارة نفس الوجهة مرةً أخرى بواقع 25 نقطةٍ مئوية. ولا تقتصر هذه الزيادة على صناعةٍ بعينها، فقد شهد قطاع السفر مثلًا زيادةً في عدد من يرغبون في معاودة السفر إلى ذات الوجهة التي سافروا إليها من قبل بمقدار 19 نقطة مئوية، بينما سجل قطاع البنوك زيادةً بنسبة 25 نقطة مئوية، كما هو موضح في (الشكل 4).

الإيرادات: هناك ارتباطٌ وثيق بين القيمة الاقتصادية للمنتَج وحالة الرضا والسعادة لدى العملاء. فالذين يشعرون بالرضا والسعادة كانوا هم الأكثر ميلاً للقيام بعمليات الشراء المتبادل، وذلك بإقبالهم على شراء منتجاتٍ إضافية، أو منتجاتٍ أعلى سعرًا (البيع الإضافي)، إلى جانب كونهم الأقل ميلًا لشراء المنتجات منخفضة الجودة جراء ارتفاع الأسعار. على سبيل المثال، سجلنا زيادةً قدرها 30 نقطة مئوية في قطاع المصارف، و11 نقطة مئوية في قطاع التأمين، بينما سجل قطاع الكهرباء والغاز الطبيعي 15 نقطة مئوية، وذلك فيما يخص الشراء المتبادل. وجديرٌ بالذكر أن الارتباط المباشر بين هذه الأنشطة والقيمة، هو ما سمح لنا بتقدير الزيادات المذكورة بشكلٍ دقيق.

كما أظهرت أبحاثنا في قطاع التأمين، أنه عندما تتمكن الشركات العاملة في هذا القطاع من إسعاد عملائها، فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة الإيرادات بنسبةٍ تتراوح ما بين 8 إلى 12 في المائة، وهو ما يعادل عدة مليارات يورو سنويًا. وبصفةٍ عامة، فقد لاحظنا أن الشركات التي تتميز بتقديم تجربةٍ استثنائية لعملائها تحقق نمواً مضاعفاً في الإيرادات.

محفزات إسعاد العملاء

كما رأينا، فإن عملية إسعاد العملاء من الممكن أن تحقق عوائد كبيرة وكثيرة للشركات. ولكن يبقى أن نعرف ما هي أهم العوامل التي يمكن أن تحقق ذلك؟ ولنجيب على هذا التساؤل قمنا بتطوير قاعدة بياناتٍ ضمت بداخلها عددًا ضخمًا من التجارب واللحظات السعيدة التي مرت على العملاء. ثم قمنا بتحليلها لفهم أنواع التجارب والمحفزات التي تحقق السعادة للعملاء، ولمعرفة العوامل المؤدية لذلك. كما قمنا بدراسة التأثير طويل الأمد لهذه التجارب على سلوك العملاء وولائهم. بعد بحثٍ مُطوَّل، استنتجنا أن أغلب لحظات السعادة التي يعيشها العملاء يعود الفضل فيها لأحد أمرين: إمّا للتفوق في تقديم الخدمة بجودةٍ عالية تتخطى توقعات العميل، أو لنجاح الشركة في تقديم منتجاتٍ مبتكرة تدهش العملاء وتلبي احتياجاتهم. وفي ضوء هذين السببين، توصلنا إلى أنه كلما ارتفعت توقعات العملاء، زادت معها فرص إسعادهم.

التفوق في تقديم الخدمة

بتعمقنا في تحليل التفاعلات الإنسانية، خلُصنا إلى أن تلك التفاعلات وخاصةً الحقيقي منها، غالباً ما يؤدي إلى تكوين روابط قوية مع العملاء تسهم في رفع مستويات الرضا لديهم، وهوما يُفضي في النهاية لإسعادهم. فعندما يتعامل الموظفون بلطفٍ وكرمٍ مع العملاء، فإن ذلك يجعل التجربة أكثر دفئًا وإنسانية، ويُشعر العملاء بأنهم محل تقديرٍ واهتمام. ومن هذه التصرفات الطيبة على سبيل المثال التحدث بابتسامةٍ مع العميل، أو قول مجاملةٍ لطيفة، أو حتى بالذهاب لما هو أبعد من ذلك، كأن يتعلم أحد موظفي مقهىً ما لغة الإشارة ليتمكن من التواصل بشكلٍ فعال مع أحد عملاء المقهى من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو بأن يقوم سائق سيارةٍ للأجرة بإعداد قائمةٍ تحتوي على بعض المشروبات، والوجبات الخفيفة، أو ألعابٍ للأطفال في المقعد الخلفي لسيارته، مما يخلق تجربةً عاطفيةً ويترك انطباعًا إيجابيًا لدى العميل بما يدخل عليه السرور.

ومع تحوُّل التفاعلات بين العملاء والشركات اليوم إلى قنوات الخدمة الذاتية الرقمية مثل المواقع الإلكترونية، أصبحت التفاعلات المباشرة مع موظفي الخطوط الأمامية مهمةً للغاية. إذ تُعد الفرصة الرئيسية للشركات لبناء علاقاتٍ شخصيةٍ مع عملائها وإظهار اهتمامها الحقيقي بهم، لما تضيفه من بعدٍ إنسانيٍ لتجربة العميل، وهو أمرٌ يصعب تحقيقه بنفس القدر إذا ما اعتمدنا على القنوات الرقمية وحدها.

ولتأكيد هذا المعنى، إليك هذا المثال: قام موظفٌ بأحد مراكز الاتصالات بمشاركة جانبٍ من حياته الشخصية مع أحد عملائه، حيث نتج عن ذلك تفاعلٌ طبيعي فيما بينهما شمل الضحك وتبادل أطراف الحديث بطريقةٍ ودية أسهمت في بناء علاقاتٍ قويةٍ وعميقة بين الطرفين.

وفي واقعةٍ أخرى شبيهة، تلقّى متجرٌ إلكترونيٌ أمريكي يبيع منتجاتٍ خاصة بالحيوانات الأليفة مكالمةً من عميلةٍ حزينة، ترغب في إعادة حقيبةٍ مغلقة من طعام الكلاب، إثْر وفاة حيوانها الأليف. وبدلاً من اكتفاء مندوب المتجر بمنح العميلة استردادًا كاملاً، اقترح عليها أن تتبرع بالطعام لمأوىً قريبٍ منها، كما قام بإرسال رسالة تعزيةٍ شخصية إليها في لفتةٍ إنسانيةٍ رقيقة.

تؤكد هذه الأمثلة أن استخدام أساليب بسيطة وغير مكلفة، كتصميم بيئاتٍ داعمة وكتيباتٍ إرشادية، تستطيع الشركات أن تساعد موظفيها وتشجعهم على التفاعل الشخصي مع العملاء. فهي ليست بحاجةٍ إلى استثماراتٍ ضخمة أو تقنياتٍ معقدة لتحقيق ذلك. ومع ازدهار عصر التكنولوجيا الرّقمية، واستمرار تطور المساعدين الرقميين ليكونوا أكثر قدرةً على محاكاة السلوك البشريّ، قد نشهد في المستقبل تقديم هذه التفاعلات الودية بشكلٍ أكثر واقعية عبر وكلاء رقميين.

وعلى جانبٍ آخر، فإن التعامل مع المشكلات التي يواجهها العملاء بشكلٍ استباقيٍ وسريع قبل تفاقمها، هو أمرٌ بالغ التأثير على تجربة العميل، خاصةً عندما يشعر بأن الشركة قد بذلت جهدًا ملموسًا لمساعدته في حل مشكلته. وهو الأمر الذي باتت تُدركه العديد من شركات الضيافة عند تعاملها مع الصعاب التي تواجه ضيوفها، فقد أصبح الكثير منهم على قناعةٍ تامة بأن التعامل بشكلٍ إيجابي مع هذه المواقف يجعل العملاء يقيمون تجربتهم بمستوى أعلى من تقييم غيرهم ممن لم يواجهوا أي مشكلاتٍ أثناء فترات إقامتهم.

ويمكن الاستفادة من هذه الدروس في قطاعاتٍ أخرى مثل البنوك والتأمين أيضًا. فعندما تواجه الخدمة خللًا ما، يتبادر إلى أذهان معظم العملاء بعض التوقعات المنطقية حول كيفية استعادة تلك الخدمة. وبالرغم من ذلك، فإن الشركات والعلامات التجارية التي تنجح في التعامل مع هذه المشكلات بطرقٍ تتجاوز التوقعات، أو تتمكن من مفاجئة عملائها بحلولٍ غير متوقعة، يمكنها خلق تأثيرٍ مفاجئ يُعزز من مستويات رضا العملاء ويحول النُقّاد منهم إلى داعمين.

الابتكار في تطوير المنتج

إن العناصر الملموسة التي يمكن تجربتها بشكلٍ مباشر، مثل الطعام، والروائح، والبيئة المحيطة لها أهميةٌ بالغة في تعزيز تجربة العملاء. كما تسهم التجارب الحسية غير المتوقعة في تحقيق مستوياتٍ عالية من السعادة للعملاء، وعلى وجه الخصوص ما يتعامل منها مع أكثر من حاسةٍ في اللحظة ذاتها. فهذه التجارب الحسية المتعددة تعزز من تفاعل العميل مع البيئة المحيطة وتجعل من التجربة أكثر متعةً. فضلًا عن تلبيتها للعديد من احتياجات العميل، بما يولد إحساسًا أكبر بالرضا والإشباع الشخصي. ومن أمثلة ذلك، ما تقوم به شركات الطيران لتُحسِّن من تجربة عملائها عبر تنشيط حواسهم الخمس. وهو ما يظهر في تقديم طعامٍ شهيٍ لهم، واستخدام عطورٍ مميزةٍ، وموسيقى هادئة، وأثاثٍ مريح، بخلاف توفير بيئةٍ بصريةٍ جذابة تحفز حاسة البصر لديهم.

ومما لا شك فيه أن قيام الشركات بتقديم منتجاتها أو خدماتها بشكلٍ مبتكر يمكن أن يؤثر في إسعاد العملاء. تمامًا كما فعلت إحدى شركات التأمين التي أحدثت ثورةً بدفعها تعويضًا كبيرًا لأحد عملائها في ثوانٍ معدودة.

فيما يمكن أن تمنح اللفتات الرمزية والشخصية التي تقوم بها الشركات، كالهدايا ورسائل التقدير الشخصية للعملاء ميزةً تنافسية لها في مواجهة الشركات الأخرى التي لا تتبع النهج ذاته، عند التعامل مع العملاء من ذوي التوقعات العالية على وجه الخصوص. فقد أظهرت نتائج أبحاثنا في مجال التأمين، أن هذه اللفتات لها بالغ الأثر في إسعاد العملاء. ومن أمثلة ذلك، ما ذكرته إحدى العميلات عن حضور أحد مندوبي الشركات التي تتعامل معها لموعدٍ بينهما وقد أحضر معه باقةً من الزهور لها، وزجاجة عصير لزوجها، تعبيرًا عن امتنان الشركة لسنواتٍ من ولائهم لها.

لكن، وفي ذات الوقت، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن تقديم مثل تلك الهدايا على نطاقٍ واسع قد يكلف الشركة مبالغ طائلة، وهو ما قد يجعل البعض يعتقد أن إسعاد العملاء أمرٌ مكلفٌ وغير مستدام. غير أن أبحاثنا كشفت أن تطبيق هذه الاستراتيجية بشكلٍ انتقائي على العملاء من ذوي القيمة العالية يمكن أن يكون له أثرٌ كبير. فقد تُحدِث ترقيةٌ بسيطة لمُنتَجٍ ما سعادةً بالغة لدى البعض، بينما لا يؤثر ذلك في غيرهم. لذا، من الضروري فهم الاحتياجات العاطفية والوظيفية لكل عميلٍ من العملاء، مع بذل الجهد لتلبية تلك الاحتياجات، فهي السبيل لتقوية وترسيخ شعور الانتماء لدى العملاء.

ثلاث ركائز أساسية تعزز من تجربة إسعاد العملاء

تحتاج الشركات إلى تطوير نظامٍ شاملٍ يركز على إسعاد العملاء بطرقٍ منهجيةٍ ومستدامة. ومن الحتميّ أن يتضمن هذا النظام آلياتٍ لقياس وتقييم النتائج، فضلًا عن تصميم تجارب مخصصة للعملاء، مع آلياتٍ فعالة لتقديم هذه التجارب للعملاء المناسبين في التوقيت المناسب. وبالاعتماد على ثلاث ركائز أساسية، تم تحديدها من خلال تحليلاتنا وأبحاثنا، يمكن للشركات تحقيق عوائد إيجابية ومستدامة عبر استراتيجيات إسعاد العملاء.

قياس الإسعاد وقيمته المضافة

لتتمكن الشركات من إسعاد عملائها، يتطلب الأمر عدة خطواتٍ، أهمها الفهم العميق لمتطلبات هؤلاء العملاء بمختلف شرائحهم. ولتقوم الشركات بتلك الخطوة على الوجه الأكمل، فإنها تلجأ لاستخدام مزيجٍ من الأبحاث النوعية كالمقابلات، إلى جانب الأبحاث الكمية كالاستبيانات مثلًا، لما لها من دورٍ مساعدٍ في الكشف عن العوامل المتسببة في إسعاد العملاء. مع ضرورة استخدام نظامٍ قوي قادرٍ على قياس معدلات السعادة، فضلًا عن إمكانية تقييم مستويات الفرحة والمفاجأة التي شعر بها العميل خلال تجربته. فهذا النظام يساعد الشركات في التعرف على أهم اللحظات التي تُسعد العملاء بدقةٍ عالية. ليست الغاية في إسعاد العملاء فحسب، بل فيما يُضيفه هذا الشعور من قيمةٍ على المدى البعيد. لذلك، يتوجب على الشركات قياس القيمة المضافة التي تنشأ من هذه اللحظات السعيدة، ومدى استمراريتها عبر مختلف الأنشطة والإجراءات التي تتخذها الشركة، للتأكد من أن هذه اللحظات تحسِّن من تجربة العميل وتزيد من ولائه.

ومن خلال هذه الاستراتيجية يمكن أن تضمن الشركة توجيه استثماراتها نحو المجالات التي تمتلك أعلى احتماليةٍ لتحقيق العوائد. إذ تُظهر الأبحاث أن مجرد لحظةٍ واحدة من الإسعاد تأتي في الوقت المناسب من رحلة العميل، يمكن أن يكون لها تأثيرٌ هائل في ترسيخ ولائه للشركة، كما تزيد من نية إنفاقه لفترةٍ تمتد بين ستة إلى تسعة أشهرٍ من تلك اللحظة.

ولعل استمرار الشركات في تتبع ومراقبة تأثير تدّخلات الإسعاد على نتائج الأعمال الرئيسية مثل الولاء، والشراء المتبادل، والبيع الإضافي، والاحتفاظ بالعملاء، يُمكِّنُها من خلق تجارب استثنائية وتقديم قيمةٍ مضافةٍ لعملائها.

مطابقة التصميم للتجربة

إن تصميم تجارب استثنائية للعملاء أمرًا حيويًا يتجاوز كونه مجرد عملٍ إبداعي، فهو يتطلب تخطيطًا مدروسًا يهدف إلى تعزيز شعور العملاء بالمفاجأة والفرحة. وكما أشرنا لأهمية فهم مشاعر العملاء بشكلٍ جيد، فهو ما يجعل من السهل على الشركات تصميم هذه اللحظات المثيرة لشرائح العملاء المختلفة. على أن يلي ذلك عملية تنسيقٍ دقيق للأنشطة والتدّخلات التي تهدف إلى إثارة تلك المشاعر، والعمل على تنقيحها بناءً على الانطباعات الواردة من العملاء وردود أفعالهم لضمان فعاليتها. سواء كانت هذه التدّخلات كبيرةً كتسليط الضوء على مميزات المنتج أو الخدمة المقدمة، أو كانت بسيطةً ورمزية كتقديم رسالة اعتذارٍ أو تقديرٍ للعميل مكتوبةٌ بخط اليد.

بالإضافة لذلك، يمكن دمج تصميم تجارب العملاء الممتعة ضمن جهود تغيير ثقافة الشركة وتطوير قدرات ومهارات موظفيها. وبما أن الموظفين الذين يتعاملون مباشرةً مع العملاء هم خط المواجهة الأول، فمن الممكن تدريبهم على تبنّي تنفيذ استراتيجيات التغيير الرامية إلى تحسين تجربة العميل، خاصةً في ظل تفضيل العملاء للتواصل المباشر مع الموظفين والتفاعل الشخصي معهم، على الرغم من تزايد الاعتماد على المعاملات الرقمية في عصر الثورة التكنولوجية.

فعلى سبيل المثال، اشتهرت ديزني بقدرتها الكبيرة على إبهار زوارها من جميع الأعمار وفي مختلف الظروف. فهي دائمًا ما تنجح في زرع إحساس الفرح والمفاجأة لدى ضيوفها عبر تفاعلهم مع شخصياتها المحبوبة. وما قد يراه البعض تجارب عشوائية وغير متوقعة، هو في الواقع أمرٌ مدروسٌ بعناية. فمثلًا،4يستخدم فريق النظافة في ديزني "فن الماء" كوسيلةٍ لإبهار الزوار؛ حيث يقومون برسم شخصيات ديزني وبيكسار المفضلة على الأرض باستخدام مكنسةٍ ودلوٍ من الماء، ليمنحوا ضيوفهم تجربةً مبهجة تسعدهم بينما يقومون بمهام التنظيف الروتينية. ولا تهتم ديزني فقط بتصميم مثل هذه التجارب المميزة، بل تستثمر أيضًا في تدريب موظفيها الذين يتعاملون مع الزوار بشكلٍ مباشر. فهي تقوم بتدريبهم على كيفية التعامل مع أصعب اللحظات، لتضمن تقديم تجربةٍ لا تُنسى لزوارها.

تصميم لحظات مخصصة من السعادة باستخدام البيانات والذكاء الاصطناعي

يمكن للشركات تأسيس قواعد بيانات مخصصةٍ تتضمن كافة الإجراءات والأنشطة التي يمكن أن تُقدِّم للعملاء تجارب مميزة تُشعرهم بالسعادة. وسواءً كانت تلك الإجراءات كبيرةً أم بسيطة، يمكن استخدامها في اللحظة المناسبة لكل عميل بحسب حالته. كما ذكرنا في مقالٍ سابقٍ تناول دراسة مستقبل تجارب العملاء الشخصية، فمن المتوقع أن تستخدم الشركات ما لديها من بياناتٍ ومعلومات لتتوقع احتياجات العملاء بشكلٍ مسبق، ومن ثم تقوم بتقديم تجارب مخصصة لهم بناءً على هذه التوقعات. وفي ظل ما نواكبه من عصر البيانات الكبيرة، يمكن للشركات استخدام تلك البيانات لتصميم أنشطةٍ بسيطةٍ وفعالة تُحدث تأثيرًا كبيرًا، فبدلاً من الاعتماد على الاقتراحات المكلفة، يمكن للشركات بما لديها من قواعد بيانات تحديد أولوياتها بالنسبة لكل عميل، واختيار الإجراء المناسب له بطريقةٍ مستدامة تضمن تحقيق أقصى عائدٍ استثماريّ وقيمةٍ طويلة الأمد.


وأخيرًا، بعد أن ظل اعتبار إسعاد العملاء خيارًا مكلفًا لسنواتٍ طوال، باتت الظروف الراهنة ملائمةً بشكلٍ كبير، إذ تمنح فرصةً ثمينة للشركات لإعادة اكتشاف الفوائد العميقة لفلسفة إسعاد العملاء، مع الحفاظ على تطبيق استراتيجياتٍ مدروسةٍ وفعالة. فلم يعد كافيًا أن يشعر العملاء بالرضا، بل باتوا يبحثون عن شعورٍ أكثر عمقًا يبلغون به ذروة السعادة، حتى يصبحوا داعمين مخلصين للشركة أو العلامة التجارية، يتمسكون بتجربتهم، ويعاودوا الكرة مجددًا، بل ويوصون بها الآخرين، مضيفين للشركة قيمةً لا تُقدّر بثمن.

Explore a career with us