دفع عجلة الحراك الاقتصادي والارتقاء بجودة الحياة داخل المجتمعات الحضرية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

خلال هذا الحوار المُلهِم، يتحدث هوراس تيغز الرابع، الشريك في مكتب ماكنزي بمدينة ديترويت، مع دبليو ديفيد تارفر، مؤسس ورئيس مبادرة ريادة الأعمال الحضرية، حول كيفية تعزيز الابتكار وريادة الأعمال داخل المجتمعات الحضرية، ويستعرضان معًا كيف يمكن لهذه المبادرات أن تسهم في دفع عجلة الحراك الاقتصادي وتحقيق فرص أفضل لسكان تلك المجتمعات، في ظل التحديات القائمة. كما يتناول الحوار أهمية الربط بين رواد الأعمال والأنظمة الداعمة التي تُمكنهم من تحويل أفكارهم إلى حلول ملموسة قابلة للنمو والتوسع. وقد خضع هذا النص لبعض التعديلات من أجل توضيحه وتقديمه بشكل مختصر دون المساس بجوهر الحديث.

هوراس تيغز الرابع: "ديفيد"، أود أن أستهل حوارنا وأوجه لك الشكر على حضورك اليوم للمشاركة في هذا الحوار حول ريادة الأعمال الحضرية. لقد سعدت بالتعاون معك في السابق في عدد من المبادرات الملهمة، وأعتقد أننا أنجزنا معًا أعمالًا مؤثرة وأنا متحمس جدًا اليوم لأن نغوص بشكل أعمق في هذا الموضوع ونتناوله بشكل مستفيض.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

دعنا نبدأ برؤية واسعة لهذا المجال. برأيك "ديفيد"، كيف يمكن تعريف ريادة الأعمال الحضرية؟ وما الذي يميزها عن غيرها من أشكال ريادة الأعمال التقليدية؟ ولماذا أصبح لهذا النوع من الريادة دورٌ محوري ومتزايد الأهمية في مجتمعاتنا اليوم، خاصة في ظل التحديات التي تواجه المدن وسكانها؟

دبليو ديفيد تارفر: إذا أردتُ أن أقدّم تعريفًا مبسطًا ودقيقًا لريادة الأعمال الحضرية، فسأقول إنها أي نشاط تجاري أو مشروع يُنشأ بهدف تحسين جودة الحياة داخل المجتمعات الحضرية. ففي جوهرها، تقوم ريادة الأعمال على فكرة حلّ المشكلات؛ إذ يبدأ رائد الأعمال بتحديد مشكلة يعاني منها الناس، ثم يعمل على إيجاد حل فعّال لها، ويُكافأ في المقابل لأنه قدّم قيمة حقيقية تعود بالنفع على الآخرين. لكن ما يُميز ريادة الأعمال الحضرية عن غيرها، لا يكمن في طريقة العمل، بل في الجهة التي نُركّز عليها. ففي هذا النوع من الريادة، نوجّه جهودنا بشكل أساسي إلى خدمة المجتمعات الحضرية، من خلال فهم احتياجاتها، والبحث عن حلول واقعية لمشكلاتها، وتقديم خدمات أو منتجات تُحسّن من حياة من يعيشون فيها.

هوراس تيغز الرابع: في رأيك، ما الفرق الجوهري بين المجتمع الحضري والمجتمع غير الحضري؟ وكيف يمكننا التمييز بينهما بشكل دقيق؟

دبليو ديفيد تارفر: هناك كثير من الناس لديهم فكرة عامة أو انطباع معين عن معنى "المجتمع الحضري"، وغالبًا ما يربطونه بالمدن الكُبرى أو المناطق الحضرية المزدحمة. لكن في الواقع، نحن نُعرّف المجتمع الحضري بطريقة أبسط: هو أي منطقة تتمتع بكثافة سكانية تشبه تلك الموجودة في مدينة أو بلدة كبيرة. وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون مدينة ضخمة؛ فقد تكون بلدة صغيرة يسكنها 20 ألف نسمة، أو حتى 10 آلاف، وتُعدّ مجتمعًا حضريًا. ما يميّز هذه المجتمعات هو أنها أماكن يتجمّع فيها أشخاص من خلفيات مختلفة ومهن متنوعة، حيث يتشاركون في الحياة اليومية، مما يخلق تفاعلًا اجتماعيًا واقتصاديًا غنيًا. لذلك، فإن الأمر لا يرتبط بحجم المدينة بقدر ما يتعلق بكثافة السكان وتنوعهم في منطقة محددة.

هوراس تيغز الرابع: حسنًا، ولعل سبب طرحي لهذا السؤال تحديدًا هو أنه خلال عملنا معًا، قضينا وقتًا طويلًا نحاول تحديد ما إذا كان يمكن ربط تعريف المجتمع الحضري برقم سكاني معيّن. ولكن مع مرور الوقت، أدركنا أن المسألة لا تتعلق بعدد السكان فقط، بل ترتبط أيضًا بطبيعة الأنشطة الاقتصادية الموجودة في هذا المجتمع، وبالفرص المتاحة لإحداث تأثير فعلي على حياة سكانه. لذلك، فالعبرة ليست بحجم المدينة أو عدد سكانها فقط، بل بمدى توافر الصناعات والقطاعات القادرة على إحداث تغيير ملموس داخل هذا المجتمع.

دبليو ديفيد تارفر: عندما بدأنا نتعمق في هذا الموضوع، عدنا إلى التعريفات الرسمية، وتحديدًا تلك التي وضعتها الأمم المتحدة، والتي تعتمد على الكثافة السكانية لكل كيلومتر مربع لتحديد ما إذا كانت المنطقة تُعد مجتمعًا حضريًا أم لا. لكن في واقع الأمر، نحن نميل إلى تعريف المدن والبلدات ببساطة على أنها "مجتمعات حضرية"، دون التقيد الصارم بهذه المعايير الرقمية. ومن باب الدعابة، نقول أحيانًا: "إذا كانت هناك أبقار تتجول في المكان، فغالبًا هذا ليس مجتمعًا حضريًا. غير أن هذه النظرة سرعان ما تُربكنا عندما نفكر في دول مثل الهند، حيث قد تصادف مشاهد لأبقار تسير في الشوارع وسط مدن مزدحمة وحديثة. وهنا ندرك أن الأمور ليست دائمًا بهذه البساطة، وأن المفهوم الحضري لا يقتصر على المظاهر أو المؤشرات الخارجية.

هوراس تيغز الرابع: في نهاية المطاف، تكمُن الفكرة الأساسية لريادة الأعمال الحضرية في ارتباطها المباشر بالمجتمع الحضري نفسه، وهذا ما يجعلها متميّزة ومختلفة عن غيرها من أشكال ريادة الأعمال التقليدية.

دعنا ننتقل للحديث عن "مبادرة ريادة الأعمال الحضرية". نود أن نتعرّف منك على الرؤية العامة والرسالة الأساسية لهذه المبادرة. ما الذي تسعى إلى تحقيقه؟ وكيف يبدو النجاح من وجهة نظركم؟ كما أود أن أقترب أكثر من تجربتك الشخصية؛ فما الذي دفعك في هذه المرحلة تحديدًا إلى إطلاق هذه المبادرة؟ وما الأحداث أو المحطات في مسيرتك المهنية التي ألهمتك لتأسيس هذا المشروع الطموح؟

دبليو ديفيد تارفر: تتمثل مهمتنا ببساطة في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال التي تضع في صميم أهدافها تحسين جودة الحياة داخل المجتمعات الحضرية. أما عن الدافع الشخصي الذي أوصلني إلى هذا المسار، فهو يعود إلى جذوري، حيث أنني نشأت في مدينة "فلينت" خلال ستينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي بدأت خلالها أعي العالم من حولي، وأتكوّن فكريًا وشخصيًا.

وعندما كنت طفلًا، كانت مدينتي "فلينت" آنذاك رمزًا للرخاء والازدهار، حيث احتلت المرتبة الثانية على مستوى الولايات المتحدة من حيث دخل الفرد، حتى أنها كانت تزخر بمدارس عالية الجودة، ومؤسسات عامة قوية، وفرص وفيرة للنمو والتطور. وحينها، تشكلت في ذهني قناعة راسخة بأن جميع المجتمعات تشبه مدينتي، وأن هذا المستوى من الحياة هو الطبيعي والمألوف في كل مكان. ولكن، مع مرور السنوات، تغيّرت الصورة كليًا. وأصبحت "فلينت" معروفة اليوم بأزمتها الشهيرة في مياه الشرب، وتحولت من مدينة نابضة بالفرص إلى مثال يُضرب به مدن التدهور والإهمال.

بعد أن غادرت مدينة "فلينت"، التحقت بجامعة ميشيغان لاستكمال دراستي، ومنها بدأت رحلتي المهنية في ولاية نيوجيرسي، حيث انضممت إلى "مختبرات بيل" التابعة لشركة "AT&T"، وهي واحدة من أبرز مؤسسات البحث والتطوير في الولايات المتحدة. ومن هناك، انتقلت من العمل في المؤسسات إلى عالم ريادة الأعمال، حيث أسست شركتي الخاصة وواصلت العمل بها. وبعد 31 عامًا من العمل والنجاح في نيوجيرسي، عدت إلى ميشيغان في عام 2007، محمّلًا بخبرات وتجارب شكلت الأساس لرؤيتي في دعم الابتكار داخل المجتمعات الحضرية.

وحينما عدت إلى ولاية ميشيغان، وجدت واقعًا مختلفًا تمامًا عن الصورة التي احتفظت بها في ذاكرتي. فقد اختفت مظاهر الحيوية الاقتصادية، وتراجعت حركة ريادة الأعمال، وانكمشت الصناعات التي كانت ذات يوم العمود الفقري للمجتمع الذي نشأت فيه. كان هذا التحول مؤلمًا ومقلقًا في آنٍ واحد، لكنه جعلني أُدرك بوضوح مدى الترابط العميق بين ازدهار الابتكار والنشاط الاقتصادي من جهة، وارتفاع جودة الحياة من جهة أخرى. فحيثما تنتشر ريادة الأعمال وتنمو الأفكار، تُزهر المجتمعات وتزدهر. أما عندما تغيب هذه العوامل، فإن الأثر لا يكون اقتصاديًا فقط، بل يمتد ليشمل الحياة اليومية بأكملها، فينخفض مستوى الرفاهية ويخبو الأمل في التقدم.

التحديات التي تواجه ريادة الأعمال

هوراس تيغز الرابع: يبدو لي من خلال حديثك السابق أن الدافع الحقيقي وراء تأسيسك لمبادرة ريادة الأعمال الحضرية هو دافع شخصي عميق، مرتبط بتجربتك الحياتية وتاريخك في هذه المجتمعات. وهذا في حد ذاته يمنح المبادرة طابعًا إنسانيًا قويًا. لكن ما يشغلني الآن هو سؤال أراه جوهريًا: لماذا برأيك يُعد تحفيز ريادة الأعمال داخل المجتمعات الحضرية أمرًا بهذه الصعوبة؟ أعني، لماذا يبدو من المعقد اليوم إعادة إشعال روح الابتكار والحراك الاقتصادي في هذه البيئات، بالرغم من حاجتها الماسّة إلى ذلك؟ وأنا لا أبحث هنا عن إجابة نظرية، بل أود أن أسمع وجهة نظرك الشخصية، كمن نشأ في قلب هذه المجتمعات ورأى تحوّلاتها عن قرب، لا كمراقب خارجي.

دبليو ديفيد تارفر: أفكّر كثيرًا في هذه المسألة، خاصة حين يتعلق الأمر باتجاهات ريادة الأعمال خلال العقود الماضية. فبطبيعة الحال، يتبع النشاط الريادي ما يُعرف بـ"الفرص المتاحة"، حيث يميل رواد الأعمال إلى التحرك نحو الأماكن التي يرون فيها إمكانيات للنمو وتحقيق الأرباح. وقد ساهمت العولمة، التي تسارعت وتيرتها بشكل كبير خلال القرن العشرين والحادي والعشرين، في فتح آفاق واسعة أمام هذه الفرص، لا سيما في الخارج. ولهذا، بدأنا نسمع باستمرار عن امتداد سلاسل الإمداد إلى دول مثل آسيا والمكسيك وغيرها. ولأن ريادة الأعمال بطبيعتها تستجيب لهذه التحولات، فقد ساهم الكثير من رواد الأعمال في بناء تلك الشبكات العالمية، وأسّسوا مشروعات تجارية تعتمد على هذه السلاسل، ونجحوا في تعظيم العوائد لصالح المساهمين.

وفي كثير من المجتمعات الحضرية المهمَّشة، يعيش أشخاص يملكون فهماً عميقًا لما يحيط بهم من تحديات، ويدركون جيدًا الفرص الكامنة التي يمكن استغلالها لصالح مجتمعاتهم. إلا أن العقبات التي تواجههم - من نقص في الموارد، وضعف في التعليم، وانعدام في فرص الوصول والدعم - غالبًا ما تقف حائلًا بينهم وبين تحويل أفكارهم إلى واقع ملموس. ومن هنا تكون رسالتنا، إذ أننا نسعى إلى تمكين هؤلاء الأفراد ومنحهم الأدوات التي يحتاجونها لتطوير حلول مؤثرة وفعّالة، ليس فقط عبر دعمهم محليًا، بل من خلال ربطهم بأشخاص يشاركونهم نفس الشغف والطموح في أماكن مختلفة من العالم. فكلما اتسعت دائرة التواصل وتلاقحت الخبرات، ازداد هذا المجتمع العالمي من المبدعين في المجال الحضري قوةً وإلهامًا. ومن خلال هذا الترابط، نستطيع أن نخلق تغييرًا حقيقيًا يرتقي بجودة الحياة في هذه المجتمعات ويمنح أهلها الفرصة التي يستحقونها للمشاركة في صناعة مستقبلهم.

إلا أنه من أصعب التحديات التي يواجهها رواد الأعمال في المدن هي الوصول إلى ما يُشبه أو ما يُسمى بـــــــ"الكأس المقدسة" في عالم الأعمال وهي : أن تحقق النجاح المالي وفي الوقت نفسه تصنع أثرًا إيجابيًا في المجتمع. صحيح أن هناك طرقًا كثيرة لجني الأرباح، لكننا كثيرًا ما ننشغل بالسعي وراء المال فقط، ونغفل عن سؤال جوهري: كيف يمكننا أن ننجح دون أن ننسى دورنا الإنساني؟ لا شك أن أي مشروع يحتاج إلى عوائد مادية ليستمر؛ فالمال ضروري لتحفيز الفريق، وجذب المواهب، وتوسيع دائرة التأثير. ولكن، أليس من الرائع أن تجمع بين الاثنين؟ أن تربح، وفي الوقت ذاته، تُحسن حياة من حولك؟ هذا هو جوهر رؤيتنا: أن نبني نماذج أعمال تحقق الربح وتخدم الإنسان، لأن القيمة الحقيقية للمشروع لا تُقاس فقط بما يجنيه من مال، بل بما يتركه من أثر في حياة الناس.

هوراس تيغز الرابع: لفت انتباهي نقطة ذكرتها في ردّك، ولم أكن قد فكّرت فيها بهذا الشكل من قبل. وسأستخدمها كنقطة لنبدأ بها حديثنا عن الأثر الملموس الذي تصنعه مبادرة ريادة الأعمال الحضري. لقد وصفت "فلينت" في الفترة التي نشأت فيها، وأشرت إلى تحوّل اقتصادي عميق وهو: العولمة. وتحدثت عن توسّع سلاسل الإمداد، وتنوّع مصادرها، وانتقال التصنيع إلى نطاق عالمي واسع. وهذه التغيرات لم تكن مجرّد مفاهيم اقتصادية نظرية، بل كانت واقعًا يغيّر شكل المدن، ويعيد رسم دور الفرد فيها. وسط هذا التحوّل العالمي، هناك سؤال جوهري بدأ يطرح نفسه ألا وهو: كيف يمكن لرائد الأعمال في المدن أن يجد له مكانًا وسط هذه المنظومة المتشابكة؟ وكيف يمكنه أن يساهم فيها بفعالية؟

عندما اتأمل واقعنا اليوم، أرى أننا نعيش في عالم شديد الترابط والعولمة. وفي ظل هذا المشهد العالمي المتسارع، تصبح ريادة الأعمال في المدن أكثر ارتباطًا بالعولمة من أي وقت مضى. وهنا يبرز سؤال محوري: ما الخطوة التالية؟ ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية المنصة التي تعملون على بنائها، والتي أراها عنصرًا فارقًا في كيفية تفعيل العولمة لصالح المجتمعات الحضرية، لا العكس. ولهذا، يهمّني أن أسمع منك أكثر عن هذه المنصة: ما الذي يجعلها مختلفة؟ وكيف تسعون من خلالها إلى ربط كل هذه الخيوط المعقدة لتقديم حل عملي للتحديات التي يواجهها رواد الأعمال في المدن اليوم؟

دبليو ديفيد تارفر: تلك كانت نقطة مهمة فعلًا، ولم أكن قد نظرت إليها بهذه الطريقة من قبل. لكن ما أصبح واضحًا بالنسبة لي هو أن هناك فراغًا حقيقيًا: لم توجد حتى الآن منصة تتيح للناس الاستفادة من الحلول التي جرى تطبيقها في أماكن أخرى. وهنا بالتحديد ظهرت فكرة منصة "المبتكر الحضري"، أو ما نُطلق عليه "UIP". نحن لا نعمل فقط على بناء أداة رقمية، بل نبني نظامًا متكاملًا يجمع بين التفاعل الرقمي والمشاركة الواقعية، بحيث يكون بإمكان رواد الأعمال والمبتكرين من مختلف أنحاء العالم التواصل فيما بينهم، والاطلاع على الحلول التي طُبقت بالفعل، ومعرفة من يعمل على ماذا، وفي أي منطقة. وعندما نتحدث عن مستويات حيوية المجتمع، سواء في مجالات مثل الصحة أو التعليم أو التنقل، فإن المنصة تتيح لنا أن نرى بوضوح من هم الأشخاص أو الجهات التي تنشط في هذه المجالات، وما نوع الحلول التي طورتها. وبمرور الوقت، نطمح إلى بناء مجتمع معرفي حيوي، وقاعدة بيانات غنية بالخبرات والتجارب، تُصبح مرجعًا فعّالًا لكل من يدخل هذا المجال. فهذه المنصة ليست فقط أداة للاطلاع، بل هي أيضًا مساحة للتفاعل والمساهمة، حيث يمكن للناس أن يستفيدوا من المعلومات، وأن يُضيفوا إليها ما لديهم من معرفة وتجارب.

بناء منظومة متكاملة تدعم رواد الأعمال داخل المجتمعات الحضرية

هوراس تيغز الرابع: في سياق حديثك، بدأت تلمّح إلى مفهوم بالغ الأهمية، وهو بناء منظومة متكاملة تدعم رواد الأعمال في المدن. ومن خلال هذه المنصة التي تعملون على تطويرها، يصبح بإمكان رواد الأعمال ليس فقط الاستفادة من الموارد والأفكار المتاحة، بل أيضًا المساهمة فيها بما يملكونه من تجارب وحلول. ومن هنا، يراودني سؤال مهم: ما رؤيتك لتأثير هذه المنظومة على المجتمع ككل؟ وكيف ترى دورها في إحداث تغيير مجتمعي أوسع يتجاوز حدود الأفراد إلى إحداث أثر حقيقي في بنية المجتمع الحضري؟ أي بعبارة أخرى، كيف يمكن لمنظومة كهذه أن تتحول من مجرد أداة دعم إلى محفّز شامل للتنمية والابتكار داخل المجتمعات الحضرية؟

دبليو ديفيد تارفر: على مدار سنوات طويلة، كنت أؤمن بأن أساس كل شيء يدور حول فكرة المجتمع. لكن المجتمع ليس دائمًا ذلك المفهوم التقليدي المرتبط بالمكان الجغرافي، بل يمكن أن يكون مجتمعًا مهنيًا أو فكريًا يجمع بين أناس يتشاركون هدفًا واحدًا. عندما كنت أعمل في مجال الاتصالات، لم أكن أدرك آنذاك أنني كنت جزءًا من مجتمع متخصص ، أي مجموعة من الأشخاص يعملون معًا لتحسين طرق التواصل عن بُعد، نلتقي ونتبادل الأفكار من خلال معارض متخصصة، ومعايير تقنية موحدة، ومنظمات مهنية تجمعنا تحت مظلة واحدة. وهذا المفهوم لا يقتصر على مجال الاتصالات فقط؛ ففي الطب مثلًا، هناك مجتمع طبي متكامل يعمل من خلال شبكات ومؤتمرات وأبحاث مشتركة.

لذلك، فإن ما نقوم به اليوم ليس ابتكارًا جديدًا في جوهره، لكنه مختلف من حيث الهدف الذي نضعه نصب أعيننا. فنحن لا نسعى فقط لتطوير فكرة أو منتج، بل نركّز على بناء مجتمع حيّ، وعلى تشكيل بيئة ومنظومة من الأشخاص الذين يجمعهم هدف واحد وهو تحسين حياة الناس في المجتمعات الحضرية. وإذا استطعنا أن نُحدث ولو تغييرًا بسيطًا في النشاط الاقتصادي، أو نُسهم في رفع الناتج المحلي ولو بنسبة ضئيلة، فإن العائد على هذا الاستثمار سيكون هائلًا، ليس فقط من الناحية المالية، بل من حيث التأثير الاجتماعي أيضًا. وما يحمّسني أكثر هو أننا بصدد إتاحة منصة يمكن أن تلهم الآخرين للعمل، بل وحتى للمنافسة، لأنني أؤمن بأن كلما زاد عدد المبادرات والحلول في هذا المجال، ازدادت فرص تحسين واقع هذه المجتمعات.

هوراس تيغز الرابع: رائع، أظنك ذكرت سابقًا أن مبادرة ريادة الأعمال في المدن ليست المشروع الوحيد القائم في هذا المجال، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، لأن وجود مبادرات متعددة يشكّل في حد ذاته فرصة لنجاح أكبر. فبناء منظومة متكاملة من الجهود والمبادرات الحضرية قد يفتح آفاقًا جديدة للتأثير الإيجابي في المجتمعات. وفي هذا السياق، أود أن أتوقف عند النقطة التي أثرتها بشأن التأثير الاقتصادي، وتحديدًا الفكرة القائلة إن مجرد تحسن بسيط في الناتج المحلي يمكن أن يكون له أثر كبير. لذلك، أود أن أعرف: ما هي الاستراتيجيات طويلة الأمد التي تعتمدونها في المبادرة لتحقيق هذا النوع من الأثر الاقتصادي؟ و بتعبير أشمل، ما هي المسارات المستقبلية التي يمكن استكشافها لتعزيز فرصنا في إحداث تأثير اقتصادي ملموس ومستدام داخل البيئات الحضرية؟

دبليو ديفيد تارفر: نعتزم تنفيذ مجموعة من الاستراتيجيات المباشرة التي نؤمن بأنها ستُحدث أثرًا فعليًا. في مقدمتها، نعمل على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين ينشطون في هذا المجال أو يُبدون اهتمامًا حقيقيًا بالانخراط فيه. فنحن على يقين بأن هناك أفرادًا، سواء في داخل البلاد أو خارجها، يقدمون حلولًا مبدعة وملموسة لمشكلات المجتمعات الحضرية. ومن هنا، فإن الخطوة الأولى التي نركّز عليها هي تحديد هؤلاء الأشخاص والتواصل معهم. لأننا نؤمن بأن قوة الترابط بينهم وما يمكن أن ينشأ عن هذا التفاعل من تبادل أفكار وتجارب، سيفتح المجال أمام حلول جديدة قد لا تنشأ إلا من خلال هذه الشبكات المتنوعة. لذلك، فإن بناء هذه الروابط البشرية والمعرفية يشكّل أحد المحاور الأساسية في استراتيجيتنا لتحقيق تأثير أوسع وأعمق.

ومن بين الخطوات المهمة التي نخطط لها أيضًا، هي تسليط الضوء على نماذج الأعمال التي تتبعها الشركات أو الأفراد الذين يقدمون حلولًا حقيقية على أرض الواقع. فحين نتيح هذه النماذج للجميع، يمكن لرواد الأعمال المهتمين أن يطّلعوا عليها ويقول كلُ منهم: "نعم أستطيع أن أُساهم في هذا النوع من المشاريع"، أو "لدي فكرة كنت أفكر بها، والآن بعد أن رأيت كيف يعمل هذا النموذج، يمكنني تطوير فكرتي وتطبيقها في مجتمعي".

إن تمكين رواد الأعمال من الاطلاع على ما يجري داخل القطاعات المختلفة من أنشطة وأعمال، يُعد أمرًا بالغ الأهمية. فهو لا يعود بالنفع عليهم فحسب، بل يمتد أثره ليشمل المجتمعات التي يخدمونها أيضًا. واسمحوا لي أن أشارككم تجربة شخصية توضّح ذلك. في بداياتي المهنية، كنت أعمل في مختبرات "بيل"، وجاءتني فكرة تصميم جهاز للتحكم في العمليات الصناعية باستخدام الحواسيب الصغيرة، والتي كانت آنذاك تقنية ناشئة. آمنت بفكرتي، فصممت الجهاز، وبنيته، واختبرته، وكان يعمل بكفاءة. ثم توجهت إلى صديق لي يعمل في شركة فورد وقلت له: "أريد أن أقدّم هذا الابتكار لشركتكم". لكن ما لم أكن أمتلكه وقتها هو الرؤية الواضحة حول كيفية استخدام هذا الجهاز داخل الشركة، أو من هو الشخص المعني به، أو حتى ما هي المشكلة التي قد يحلّها لهم. ببساطة، لم أكن أملك نظرة داخلية على احتياجات القطاع. واليوم، أدرك تمامًا أن الابتكار وحده لا يكفي. فقبل أن تصمّم حلاً فعالًا، عليك أولًا أن تعرف المشكلة بدقة، وتفهم من يعاني منها. فبالمعرفة تولد الحلول، وبالفهم العميق يُصنع التأثير الحقيقي.

عندما بدأنا في تأسيس هذه المبادرة، كانت هناك فكرة لا تفارق ذهني، وهي أن هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص الموهوبين والمهرة، ممن يمتلكون الحافز الحقيقي والرغبة الصادقة في حل مشكلات مجتمعاتهم. كثيرون منهم يحلمون بتأسيس مشروع ناجح لا يقتصر على الربح فقط، بل يُحدث فارقًا حقيقيًا في حياة الناس من خلال معالجة قضايا حقيقية. ولكن رغم توفر الموهبة والإرادة، ما ينقصهم في الغالب هو المعرفة. فهم لا يدركون تمامًا ما هي الاحتياجات القائمة، ولا ما هي المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الناس، ولا حتى ما إذا كانت هناك شركات أخرى تعمل بالفعل في نفس المجال وتحاول تقديم حلول مشابهة. ومن هنا جاءت أهمية هذه المبادرة، لأننا نؤمن بأن رفع مستوى الوعي وتوفير المعلومات الدقيقة حول احتياجات المجتمع هو خطوة أساسية نحو تمكين هؤلاء الأفراد، ومنحهم فرصة حقيقية للمشاركة بفاعلية في بناء حلول مبتكرة وملائمة.

هوراس تيغز الرابع: أعتقد أن النقطة التي ذكرتها حول أهمية التعرّف على الأشخاص الذين يطمحون إلى إحداث تأثير في مجتمعاتهم، تُعد واحدة من الركائز الأساسية لأي استراتيجية ناجحة. لكن، هناك جانب آخر لا يقل أهمية، وهو كيفية نشر المعلومات. فنحن بحاجة إلى طرح السؤال التالي: كيف يمكنني إيصال المعرفة والمعلومات إلى من يحتاجونها ليستفيدوا منها؟ سواء كانت هذه المعلومات تتعلّق بالمشكلات القائمة، أو بنماذج الأعمال التي جُرّبت من قبل وحققت نتائج واقعية. لذلك، إذا استطعنا توفير هذه المعلومات ووضعها في متناول الجميع، فإننا نتيح لهم فرصة استخدام هذه المعارف كما لو كانت قطع "ليغو" يمكنهم تجميعها بطرق جديدة ومبتكرة. وبهذا الشكل، يمكن لكل فرد أن يبني نموذجًا خاصًا يناسب مجتمعه الحضري ويُحدث من خلاله أثرًا حقيقيًا. وهنا يكمن مصدر الحماسة بالنسبة لي.

وبما أنك تحدثت عن الاستراتيجيات التي تتبعونها، وبالنظر إلى الجهود التي تبذلها المبادرة في الوقت الراهن، وبفضل التأثير الإيجابي الذي بدأ يظهر على أرض الواقع نتيجة لهذا العمل، أود أن أطرح عليك سؤالًا مهمًا، وهو ما الذي يمنحك الأمل في هذه المرحلة؟ أنت الآن بدأت تلاحظ كيف أن أجزاء الصورة بدأت تكتمل، والمبادرة بدأت تترك بصمتها. فما الذي يجعلك تشعر بالحماسة؟ وما الذي ترى أنه يتغير فعلًا ويؤكد لك أنكم تسيرون نحو الطريق الصحيح في تحقيق الأثر الذي تطمحون إليه؟

دبليو ديفيد تارفر: خلال الأسابيع القليلة الماضية، انتهينا من إعداد نسخة تجريبية من المنصة التي كنا نطمح إليها، وهي تُشبه إلى حد كبير ما نخطط لطرحه للجمهور. وما إن أصبحت المنصة جاهزة، وبدأتُ أستعرض خصائصها على سبيل المثال أدوات التواصل بين المستخدمين، والملفات التعريفية للأعمال، وإمكانية تقديم مقترحات لمشروعات جديدة حتى شعرت بحماسِ حقيقي، لأن هذه هي بالضبط المنظومة التي كنا نريد أن نقدمها للمجتمع. وما زاد من حماسي أكثر، هو ردود الفعل التي تلقيناها من بعض الطلاب وأفراد المجتمع بعد أن عرضنا عليهم المنصة، فقد كانت تفاعلاتهم مليئة بالحماسة والإيجابية. ومن هنا، بدأت أتطلع بلهفة إلى إطلاق المنصة رسميًا، والحصول على آراء أوسع من المستخدمين. وبما أنني أعرف الكثير من الأشخاص في مختلف أنحاء البلاد، بل وحتى حول العالم، فأنا على استعداد للتواصل معهم مباشرة وأقول لهم: "ادخلوا إلى المنصة وابدأوا باستخدامها"، وأنا واثق أنهم سيفعلون. وبفضلهم، سنحصل على آراء وتعليقات، وسنبدأ في خلق حوارات حقيقية وفعالة. لذلك، أشعر بالأمل. لأني لمست فعليًا أن هناك حاجة حقيقية إلى شيء كهذا، وآمنت بأن المنصة ستحقق صدى واسعًا، بل وقد تكون حافزًا يساهم في إحداث تغيير ملموس على أرض الواقع.

نحو جيل واعد من رواد الأعمال في البيئة الحضرية

هوراس تيغز الرابع: والآن، أود أن أعود إلى ما ذكرته قبل قليل عن الطلاب، لأن هذه النقطة لفتت انتباهي. أنا أعلم أنك تشغل منصبًا رسميًا في جامعة ميشيغان، وهذا يضعك في موقع مهم للتأثير في الجيل القادم. حدثني أكثر عن الدور الذي تؤديه هناك؟ وكيف تعمل على تحفيز هؤلاء الطلاب ليصبحوا رواد أعمال؟ وما الخطوات التي تتبعها حتى تُشعل فيهم روح المبادرة وتدفعهم إلى المشاركة فعليًا في مشروعات تُحدث فرقًا في مجتمعاتهم؟

دبليو ديفيد تارفر: حسنًا، عندما عدت إلى ولاية ميشيغان في عام 2007، كنت أعمل على عدة مشروعات مختلفة. وفي عام 2012، بدأت مشواري التدريسي في جامعة ميشيغان، وتحديدًا في مركز ريادة الأعمال التابع لها. كانت رغبتي في ذلك الوقت أن أنقل خبرتي الطويلة كرائد أعمال إلى الطلاب، لكنني أيضًا أردت أن أُطور نفسي في تعليم هذا المجال، لأن ممارسة ريادة الأعمال شيء، وتعليمها للآخرين شيء مختلف تمامًا. وخلال الفترة من 2012 حتى 2015، كنت أُدرّس مقررات عامة في ريادة الأعمال، لكن شيئًا ما كان يشغل تفكيري باستمرار وهو: لماذا لا لم يكن هناك تركيزًا حقيقيًا على ريادة الأعمال داخل المجتمعات الحضرية؟ فقد بدا واضحًا بالنسبة لي أن هناك حاجة ملحّة لتثقيف الناس وتسليط الضوء على التحديات والفرص الموجودة داخل المجتمعات الحضرية. ومن هنا، جاءت فكرة تأسيس مبادرة ريادة الأعمال الحضرية. لم تكن مجرد مبادرة تعليمية، بل كانت محاولة لسدّ فجوة حقيقية في المجال. لذلك، قررت وضع مقرر دراسي متخصص يُركّز بالكامل على هذا النوع من الريادة، لأنني رأيت أن هناك من يدرّسون ريادة الأعمال بشكل عام، لكن لم يكن هناك أحد يتناولها من منظور حضري. بدأت تدريس هذا المقرر تحت اسم "ريادة الأعمال في المجتمعات الحضرية"، ثم تغير لاحقًا إلى "الابتكار من أجل التأثير الحضري"، وكان الهدف من هذه الدورة واضحًا وهو تعريف الطلاب بكيفية إيجاد حلول واقعية للمشكلات التي تواجه المجتمعات في المدن، وتعريفهم برواد أعمال حقيقيين، وتمكينهم من فهم النماذج التجارية، بل وتطويرها بأنفسهم. فنحن بحاجة إلى جيل من الشباب متمكن ومُلمّ بهذا المجال الحيوي. ومنذ عام 2015 وأنا أُدرّس هذا المقرر، وقد تم اعتماده هذا العام رسميًا كمادة ثابتة ضمن مناهج جامعة ميشيغان. والأجمل من ذلك أن لدينا الآن منصة رقمية تحمل اسم "منصة المبتكر الحضري"، وهي منصة توفر للطلاب مساحة حقيقية لتطبيق أفكارهم، ومشاركة نماذجهم المبتكرة مع العالم.

هوراس تيغز الرابع: رائع جدًا، اسمحي لي بسؤال أخير قبل أن نختتم حوارنا. كما تعلم، ريادة الأعمال في المجتمعات الحضرية ليست مجرد نشاط تجاري عادي، بل هي توجه يحمل رسالة واضحة، إذ إن المشروع الذي يُطلق في هذا الإطار لا بد أن يكون له أثر مباشر وملموس في مجتمع معيّن، ولهذا السبب بالذات جاء اسم المقرر الذي تُدرّسه. والآن، وبعد كل ما حققته من خلال نشر هذا المفهوم وتعزيزه بين الطلاب والمجتمعات، دعني أسألك: ما هو مفهوم النجاح من وجهة نظرك في هذا السياق؟ ومتى ما مرّ عقدٌ من الزمن، ونظرت إلى الوراء، إلى كل ما أنجزته من خلال هذه المبادرة، كيف تأمل أن يبدو الأثر الذي تركته؟

دبليو ديفيد تارفر: بالنسبة لي، تبدو صورة النجاح واضحة أمام عيني وأتصوّر آلاف الأشخاص يستخدمون منصة "المبتكر الحضري" - أو أيًا يكن اسمها حينها - ويتفاعلون من خلالها مع بعضهم البعض، كما يتفاعلون مع مشروعات بعضهم البعض. ومن خلال هذا التفاعل، تُولد مشروعات جديدة تهدف إلى تحسين جودة الحياة في المجتمعات الحضرية. لكن الأمر لا يتوقف عند عدد المستخدمين أو المشروعات فقط، بل ما أطمح إليه هو أن يُعترف بهذا المجال كفرصة حقيقية وواعدة أمام رواد الأعمال والمبتكرين، فرصة تُركّز على المجتمعات الحضرية، وتُنتج حلولًا تتّسم بالاستدامة من جهة، وقابلة للتوسع من جهة أخرى. فنحن نسعى في نهاية المطاف إلى رفع مستوى النشاط في هذا المجال بشكل عام، وإلى بناء مجتمع حقيقي من الأفراد الطموحين، الذين يعملون معًا بشكل منتظم من أجل تحويل هذه الحلول إلى واقع ملموس يخدم الناس.

Explore a career with us