تطبيق منهجيات أجايل في مجال تقنية المعلومات لتحسين تجارب المواطنين

| مقالة

كثرت الاستعانة بالجمهور في ظل العصر الرقمي الذي نعيشه لتقديم تجارب مخصصة للزبائن وتيسير التعاملات بقطاع الأعمال. وبالمثل نلاحظ تزايد الضغوط على الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع العام لحثها على تقديم تجارب مماثلة إلى "زبائنها" من المواطنين والمقيمين الذين يعملون لأجل خدمتهم.

وخلال عملنا مع مؤسسات تنتمي للقطاعين العام والخاص، وجدنا أن تبني منهجية أجايل في إدارة الأعمال يُعد أحد أنجح الأساليب لتحقيق هذه التجارب، خاصة في أقسام تقنية المعلومات. وكانت الشركات العاملة بمجال التقنيات والبرمجيات هي أول مَنْ روّج لتبني هذه المنهجية، وشاع تطبيقها بعد ذلك داخل القطاع الخاص. وتركز منهجية أجايل في تقديم المنتجات والخدمات على التعاون بين مختلف التخصصات وتطبيق منهج التعلم وتكرار التجربة. وقد تمكنت المؤسسات، التي تبنت منهجية أجايل، من النجاح في طرح منتجاتها في الأسواق بصورة أسرع بمقدار 30% وإدخال تحسينات مماثلة على حجم إنتاجيتها. وتسهم طبيعة منهجية أجايل القائمة على تعدد التخصصات وتمكين فرق العمل في تقديم حلول وخدمات أكثر تمحوراً حول المستخدم. ويعرض الشكل التوضيحي أعلاه أهم أهداف التحسين المأمول من تطبيق منهجية أجايل.

الشكل
Implementing agile ways of working in IT to improve citizen experience

وإننا لعلى ثقة بأن الهيئات الحكومية يمكنها تحقيق مكاسب مماثلة، ولكنها لا تزال تعاني لجني المزايا الكاملة لمنهجية أجايل، ويرجع ذلك لمواجهتها للعديد من التحديات من بينها على سبيل المثال جهل أصحاب المصلحة المسؤولين عن قيادة عملية التحول بالنتائج الواعدة لتطبيق منهجية أجايل واقتصار المعرفة على رؤساء أقسام تقنية المعلومات. وفي حالات أخرى يكون انعزال الهياكل التنظيمية الحكومية والفجوات التي يتسبب بها قصور إمكانات القوى العاملة، خاصة على المستوى المحلي ومستوى الدولة، هو العائق الذي يعيق التحول إلى منهجية أجايل.

وهناك أدلة واضحة تشير إلى تحقيق منهجية أجايل لتحول هائل في إدارة الأعمال بمجرد تجاوز الهيئات الحكومية لتلك التحديات. وخير شاهد على ذلك، ما حققته للتو إحدى الجهات الفاعلة في مجال التمويل المالي، حيث نجحت في إنجاز تحول استغرق 3 سنوات، يهدف إلى تقديم حلول تتمحور حول الزبائن بتطبيقها لمنهجية أجايل في إدارة أعمالها. وبدأت المؤسسة بإعادة هيكلة فرق تقنية المعلومات للإطاحة بالصوامع المؤسسية المنعزلة وحث الجميع على إظهار المزيد من التعاون وإعادة توجيه مسارات تطوير حلولها التقنية لجعلها تتمحور حول احتياجات المستخدم النهائي. وبهذا، تمكنت الهيئة من تحسين معدلات رضا المواطنين وكذلك تحسين زمن تقديم الخدمات. وفي الوقت ذاته، بدأت هيئات مثل "إدارة الضمان الاجتماعي الأميركية" في تكريس المزيد من الوقت والاهتمام لفهم احتياجات المشتركين باستخدام التفكير التصميمي، وأساليب أجايل للتطوير من أجل تقديم خدمات أفضل في وقت أسرع.

العقبات التي تواجهها منهجيات أجايل

تشير الأبحاث والدراسات التي أجريناها إلى أن مؤسسات القطاع العام تواجه عادةً 4 عقبات في أثناء سعيها لتطبيق منهجيات أجايل لإحداث تحول تقني، وهي: ثقافة التسلسل الهرمي، ونقص المواهب والكفاءات، وتقادم الاستراتيجيات المؤسسية، وتعقيد إجراءات الشراء والشراكة.

ثقافة التسلسل الهرمي

تتيح منهجيات أجايل إمكانية التعلم السريع للمؤسسات والتحرك بوتيرة أسرع بكثير. ولكن حتى يتحقق ذلك، يجب تمكين فرق العمل ومنحها الصلاحيات اللازمة لاتخاذ أفضل القرارات المتاحة والتركيز على المستخدم النهائي، بدلاً من الانتظار واتباع الهياكل التنظيمية والقواعد الداخلية. ثمة مبدأ آخر من مبادئ أجايل لا بد من تبنيه وهو منهجية التعلم وتكرار التجربة وعقلية التدارك السريع لأي إخفاق. وقد يصعب تبني تلك العقليات والمنهجيات داخل القطاع العام، الذي يخضع للأجهزة الرقابية العامة ويواجه الكثير من الضغوط السياسية والعامة. وينتج عن ذلك سيطرة ثقافة القيادة والتحكم والخوف من التعرض للإخفاق لتجنب عواقب غير مرغوب فيها. ولهذا غالباً ما تُضطر فرق العمل داخل مؤسسات القطاع العام إلى مواجهة العقبات والقيود البيروقراطية التي تتسبب في تعقيد حتى أبسط المهمات والقرارات، وينتهي الأمر بإعاقتهم عن تقديم الخدمات التي تتمحور حول المواطن في أسرع وقت ممكن.

نقص المواهب والكفاءات

يفتقر القطاع العام، عادة، إلى بعض المهارات الحيوية لتطبيق منهجيات أجايل، مثل التصميم الذي يجعل المستخدم محور الاهتمام، وإدارة المنتجات وهندسة الأتمتة، هذا بالإضافة إلى ما تعانيه أقسام تقنية المعلومات بالقطاع العام حتى تتمكن من توظيف المواهب التي تتمتع بالكفاءة في المجال الرقمي، نظراً للقيود التي تفرضها الميزانية، والحد الأقصى للرواتب، وبعض السياسات المفروضة (مثل اقتصار التوظيف على المبتدئين فقط). كما تعاني مؤسسات القطاع العام من التصور الشائع لدى الكثيرين، لا سيما أفضل المواهب في القطاع التقني، بأن الوظائف الحكومية تتسم ببيئة عمل خانقة وفرص محدودة لتطوير المهارات وتحقيق النمو الوظيفي.

تقادم الاستراتيجيات المؤسسية

يتطلب الانتقال إلى العمل بمنهجيات أجايل نوعاً مختلفاً من المؤسسات، تلك التي تمتاز بأداء أفراد الفريق الواحد لمهمات متعددة والتركيز على التطوير من البداية وحتى النهاية. إلا أن تحقيق ذلك داخل مؤسسات القطاع العام يعد أمراً صعباً، حيث تلجأ تلك المؤسسات إلى فصل الفريق التقني بعيداً عن فِرَق الأعمال التي تتولى تصميم الخدمات وتقديمها للمواطنين. وتتضمن المهمات التقنية صوامع إضافية، تتمثل في المراحل المختلفة لتطوير البرامج والتطبيقات والمشاريع. ونجد على سبيل المثال تبعية فرق التطوير لعدة أنظمة متمثلةً في التطوير والاختبار والبنية التحتية، وقد ينتج عن كل ذلك تشتت هذه التحسينات وبطء تقديمها، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع رضا المواطن عن تجربته. وعلى الرغم من ملاحظة وجود تلك الصوامع في القطاع الخاص، فإن هدمها والتغلب عليها أكثر صعوبة في القطاع العام.

تسريع أثر الذكاء الاصطناعي من خلال ترويض وحش البيانات

تعقيد إجراءات الشراء والشراكة

تتولى فرق العمل، داخل المؤسسات التي تتبنى منهجية أجايل، تحديد احتياجات الشراء الخاصة بها ذاتياً بدلاً من الاعتماد على إدارة مشتريات مركزية. ربما يصعب محاكاة هذا النموذج داخل مؤسسات القطاع العام التي تلتزم بالحصول على مواردها من خلال إدارة مركزية وهو ما يستلزم استيفاء العديد من المراجعات والتوقيعات ويستغرق الأمر فترات طويلة، فضلاً عن اعتماد هذه المؤسسات على الموردين الخارجيين أكثر من شركات القطاع الخاص، وذلك لافتقارها للإمكانات اللازمة داخلياً، لا سيما الخدمات التقنية. وقد يؤدي ذلك إلى مشكلتين، الأولى: مواجهة المؤسسات الحكومية صعوبة في إجراء تقييم عادل لاختيار أفضل الشركاء الموردين، والثانية: صعوبة واستحالة تنفيذ وتصميم نماذج شراكة تتبنى منهجيات أجايل ناجحة مع الموردين وصعوبة دمج مقاييس الأداء والنتائج، نظراً للقيود المفروضة على عمليات الشراء إلى جانب الافتقار إلى الخبرة.

تطبيق منهجيات أجايل

انطلاقاً من خبراتنا السابقة، تبين لنا أنه باستطاعة الهيئات الحكومية تخطي تلك العقبات بالتركيز الواعي على 4 عناصر أساسية، ورغم الوقت الذي تستغرقه هذه التغييرات، فلا شك أن المؤسسات التي تبدأ الآن يمكنها حصد مزايا هائلة.

  1. البدء في أضيق نطاق: تتجه المؤسسات التي نجحت في تبني منهجية أجايل نحو البدء بتنفيذ نماذج صغيرة محدودة النطاق لتتمكن من التعلم واختبار النتائج ورصدها، فهذا النطاق المحدود يتيح للمواطنين والموظفين والمدراء ملاحظة إمكانات منهجيات أجايل، وتخطى مخاوف الإقدام على أي مخاطرة ويولد الحماس داخل المؤسسة، كما أنه يوفر فرصة لتعلم ممارسات أجايل المناسبة لبيئة عمل المؤسسة وتحسينها. يحقق هذا النهج أفضل النتائج حين يحظى المشروع الأولي بالاهتمام وتتطلع إليه الأنظار. وكمثال على ذلك، ما فعلته وزارة شؤون المحاربين القدامى، حيث أنشأت تطبيقاً جديداً يخص برنامج المطالبات المتعلقة بأصحاب الإعاقات بهدف تبسيط عملية نقل البيانات وتيسير إجراءات تقديم المطالبات على المحاربين القدامى (انظر العنوان الجانبي: "إنشاء بوابة إلكترونية جديدة لتسهيل التواصل مع المحاربين القدامى وحصولهم على مستحقاتهم"). في ذلك الوقت كانت الوزارة تتلقى 65% من المطالبات الخاصة بأصحاب الإعاقات ومستحقي المعاشات عبر الطلبات الورقية أو بالفاكس. وأطلقت الإدارة نموذجاً تجريبياً بسيطاً لفهم الإجراءات التفاعلية مع الموقع وأتمتة إجراءات التقديم بالكامل لمجموعة فرعية من المحاربين القدامى. وأثبت البرنامج التجريبي قدرة الإدارة على خفض الوقت والخطوات المطلوبة لتقديم المطالبات بصورة كبيرة، وفي الوقت ذاته شهدت بقية وحدات الإدارة مدى أهمية تطبيق منهجية أجايل.
  2. إعادة بناء التصور عن ثقافة العمل: تتمثل القوة المحركة للمؤسسات التي تتبنى منهجية أجايل، في تمكين فرق العمل المستقلة، وبهذا تتطلب هذه المؤسسات وجود نموذج جديد للقيادة، ولا نلاحظ في تلك المؤسسات استمرار تفوق القادة على مرؤوسيهم وفقاً لما يقتضيه التسلسل الهرمي للمؤسسة، وبدلاً من ذلك نلاحظ أنهم أقران في العمل ويتولون أمور التخطيط والتوجيه وتحفيز الأفراد. وكمثال على ذلك، ما شهده الجيش البريطاني مؤخراً من إجراء عملية التحول من خلال الدفع بمسار تغيير العقليات في "إدارة شئون الضباط"، ففي البداية وضعت الإدارة مجموعة من القيم التي تعكس منهجية أجايل التي تسعى المؤسسة للاتصاف بها. وفور تحديد تلك القيم، يبدأ القادة في محاسبة بعضهم بعضاً على التمسك بهذه القيم ونشرها عبر مجموعات العمل التي يتولون إدارتها، وهو ما أدى في النهاية إلى تحسن الإنتاجية، وزيادة تمكين القوى العاملة، وإظهار مرونة أكبر في التعامل مع أوضاع العمل المتغيرة.
  3. العثور على طرق جديدة لجذب أفضل المواهب: لتطبيق منهجية أجايل على نطاق واسع، لا بد من امتلاك استراتيجية واضحة للتوظيف وإدارة المواهب. ونرى مثالاً على ذلك في نجاح "الهيئة الأميركية للخدمات الرقمية" (USDS) في اجتذاب أكثر من 400 فرد من أفضل المهندسين والمصممين ومديري المنتجات، ممن عملوا سابقاً في "وادي السيليكون" وشركات القطاع العام الرائدة، وذلك بعد أن أعادت صياغة القيم التي تتبناها بصورة واضحة وعرضها، وعكست بذلك صورة لأفضل الممارسات التي تتبناها الجهات الرائدة في مجالي التقنية الفائقة والتقنيات الرقمية. وأتاحت الهيئة تقديم الطلبات عبر موقعها على الإنترنت، وحددت مدة زمنية قصيرة تستغرق 15 يوماً منذ يوم إجراء المقابلة وحتى تلقي المؤهلين من المتقدمين لعرض العمل المشروط، واتسمت الإجراءات بالشفافية للمتقدمين. بالإضافة إلى ذلك تمكنت الهيئات الحكومية من عرض وظائف مقيدة بإتمام مهمات محددة وهذه ميزة لا يوفرها القطاع الخاص عادة. ونجحت "الهيئة الأميركية للخدمات الرقمية" في اجتذاب الموظفين المحتملين من خلال إثارة شعورهم بالغرض من أداء تلك المهمات بتوظيفهم في مشاريع حيوية، بما في ذلك توفير فريق الخدمة الرقمية لدعم قدامى المحاربين، ومشروع لتعزيز الأمن السيبراني في وزارة الدفاع الأميركية.
  4. تحديث نماذج مشاركة الموردين: تساهم إجراءات الشراء المرنة في منهجية أجايل في تمكين فرق العمل من تكوين شراكات مع الموردين بسرعة ودون الإخلال بالجودة؛ فعقود المشاريع، على سبيل المثال، في شركات القطاع الخاص التي تتبنى منهجية أجايل، تعتمد على التقدم المحرز في نهاية كل مرحلة قصيرة المدى، وليس على العمل المنجز في نهاية العقود التي تدوم لسنوات. ويمكن لمؤسسات القطاع العام السعي لدمج بعض هذه المبادئ في تعاملاتها مع الموردين. فيمكنهم على سبيل المثال تبني نماذج التسعير التي تراعي التباين في المتطلبات خلال مراحل المشاريع بالاستعانة بمؤشرات أداء معروفة للجميع ومحددة سلفاً (في أثناء التعاقد) وتركز على النتائج لضمان عمل الهيئة وشركائها نحو تحقيق الأهداف ذاتها. كما يمكن تقسيم الأدوار والمسؤوليات بين الهيئة وشركائها لدعم نقل المهارات إلى فرق عمل القطاع العام والحد من الاعتماد الزائد على المورد الشريك على المدى الطويل. واستفادت المؤسسات التي حققت أداءً جيداً من علاقاتها الجيدة بالموردين لتعزيز الابتكار والإنتاجية ونقل المهارات إلى الموظفين الداخليين بصورة فاعلة.

تواجه الهيئات الحكومية في الآونة الحالية وعلى مستوى معظم دول العالم ضغوطاً كبيرة لزيادة عدد الخدمات المقدمة لأصحاب المصلحة وتحسين جودتها، بالتوازي مع تخصيص ميزانيات وموارد أقل. قد يسهم تطبيق منهجية أجايل لإدارة الأعمال في المجال التقني والرقمي في مساعدة قادة القطاع العام في التعامل مع هذه الضغوط، في ظل تحسين تجارب المواطنين وتقديم الخدمات، ما يعزز شعورهم بالثقة والاطمئنان.

Explore a career with us