الاستعداد للمرحلة التالية من أزمة فيروس كورونا

تنتشر جائحة ”كوفيد-19“ بسرعة غير عادية. ومن المحتمل أنك كوّنت فريقاً للأزمات، وبذلت كلّ ما في وسعك للحفاظ على سلامة موظفيك، والبقاء على رأس عملك، والتعامل مع حالة الغموض في ظل هذه الظروف المتغيرة باستمرار. ومع ذلك، قد لا تكون هذه الإجراءات جيدة بما يكفي

فعلى الرغم من أننا في أعقاب مرحلة تفشي فيروس كورونا، فنحن نقترب من الموجة التالية من الزعزعة المتمثّلة في أكبر صدمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية. ولا تُعتبر هذه الموجة مجرد صدمة اقتصادية، وإنما هي صدمة بلغ تأثيرها سلوكيات الزبائن ونماذج الأعمال أيضاً. وستكون التحديات المرتبطة بهذه الصدمة أكبر حجماً من التحديات التي اعتدنا مواجهتها. وللتعامل مع هذه التحديات، لا بدّ لك من اعتماد نموذج تشغيل يستوعب حالة الغموض الشديد الذي يكتنف أعمالك التجارية.

من الطبيعي أن تتأثر معظم الشركات بشدة بالتداعيات الاقتصادية الناجمة عن التدابير الموسعة لعزل العامة والموظفين. ونظراً لاحتمال تصاعد حدة المشكلات التي تواجهها أعمالك التجارية، توجد خطوتان عمليّتان يمكنك اتخاذهما لمساعدتك في أن تبقى في الطليعة:

  1. تكوين فريق للتخطيط المسبق للاستعداد للمرحلة التالية من الأزمة.
  2. توجيه هذا الفريق للعمل عبر آفاق زمنية متعددة باستخدام خمسة إطارات عمل.

تنطوي مهمة فريق التخطيط المسبق على مساعدتك في تحسين وجهة نظرك بعيداً عن الاستجابة اليومية التي يُديرها فريق الأزمات الخاص بشركتك. ويتمثّل هدفه في تمكين أساليب التفكير التركيبي المرتكز على إنشاء وحدات عمل والقدرة على التطوير والتوسع الذي يحتاج إليها أي رئيس تنفيذي لتجاوز هذا الوضع غير المسبوق والمتطور بسرعة. كما سيقدّم فريق التخطيط المسبق خطة عمل استراتيجية للأزمات هدفها توجيه عملية صنع القرار وتسريعها. 

تكوين فريق التخطيط المسبق

غالباً ما تُشكّل المؤسسات العسكرية المتخصصة في التعامل مع الأزمات واسعة النطاق هياكل متعددة المستويات مسؤولة عن أداء مهام محددة للغاية، مثل العمليات والتواصل وجمع المعلومات الاستخبارية. ومع ذلك، تستخدم جميع هذه المؤسسات فرق التخطيط المسبق لمساعدة صُنّاع القرار الرئيسيين عند التعامل مع مجموعات معقدة ومتصاعدة من المشكلات.

يجب تكليف فريق التخطيط المسبق بجمع معلومات استخبارية مستقبلية ووضع سيناريوهات وتحديد الخيارات والإجراءات اللازمة للتصرف بشكل تكتيكي واستراتيجي. وعلى عكس فريق الاستراتيجية النموذجي، سيتعين على فريق التخطيط المسبق وضع خطط على نطاق عدة آفاق زمنية تمكّنك من الإحاطة الجارية بمختلف القضايا المتصاعدة والقرارات التي يجب عليك اتخاذها في ظل هذا الوقت الذي يكتنفه الغموض، وتكون هذه الآفاق الزمنية على أساس يومين وأربعة وسبعة أيام، وأسبوعين وأربعة أسابيع، وعلى أساس ربع سنوي وربعين سنويين، وسنة وسنتين، والوضع الطبيعي التالي.

ويقدّم فريق التخطيط المسبق سيناريوهات وتوصيات بشأن الإجراءات التي يجب اتخاذها، ويطرح عدة نقاط إلى الرئيس التنفيذي وفريق الإدارة لتمكينهم من تحديد مسار العمل الصحيح. ويجري بعد ذلك إبلاغ هذه القرارات إلى فريق الأزمات أو أقسام أخرى من المؤسسة بهدف تنفيذها. وفي حال كان من الضروري تقديم مزيد من التفاصيل، سيُجري فريق التخطيط المسبق جولة أخرى، ويجمع مزيداً من المعلومات للحدّ من حالة الغموض.

والأهم من ذلك هو أن هيكل فريق التخطيط المسبق هو هيكل مركب من وحدات عمل، حيث تركّز خلايا العمل الفردية فيه على قضايا محددة عبر الآفاق الزمنية. وقد تبرز الحاجة إلى إضافة خلايا عمل جديدة مع بروز مشكلات جديدة أو مع توسّع الآفاق الزمنية، وهو ما سيمكّن الفريق من التوسع بما يتناسب مع حجم الأزمة (الشكل1 )

الشكل 1

وعلى الرغم من أن موظفي المجموعة الاستراتيجية العادية قد يشكلون جزءاً من فريق التخطيط المسبق، تبقى مسؤوليات الفريق بعيدة عن نطاق الاختصاص المعتاد لوظيفة الاستراتيجية. إذ يتطلب التخطيط المسبق اليوم جهداً مكّرساً مع قيادة تنفيذية عليا متفرغة تكون مسؤولة عن فريق مكوّن من موظفين مؤهلين وذوي قدرات عالية يعملون جنباً إلى جنب مع الرئيس التنفيذي.

وتتمثّل مهمة الفريق الأولى في إعداد خطة ليوم واحد من خطة العمل الاستراتيجية للأزمات وفق أطر العمل الخمسة الموضحة في القسم التالي من هذا المقال. وتُعتبر السرعة أمراً جوهرياً، ذلك أن الانتظار للحصول على إجابات مثالية قد يُفضي إلى نتائج عكسية. لذلك، يجب عليك التعامل مع حالة الغموض بدلاً من أن تقف عائقاً أمام عملية صنع القرار. ويجب على فريق التخطيط المسبق تحديث الخطط وتحسينها باستمرار من خلال دمج المعلومات الاستخبارية الجديدة بمجرد توفرها.

العمل وفق آفاق زمنية متعددة باستخدام خمسة إطارات عمل

ستختلف أفضل استجابة لتجاوز أزمة "كوفيد-19" ومرحلة التعافي اللاحقة بناءً على ظروف الشركة. فبالنسبة لبعض الشركات، يُعتبر مجرد التزام الهدوء ومتابعة العمل هو النهج الأمثل. في حين قد تحتاج شركات أخرى إلى إعادة هيكلة جذرية لأساس التكلفة ونماذج الأعمال التجارية على الفور.

من المهم ألا تتبّع النهج المعتمد في عمليات التخطيط الاستراتيجي الاعتيادية في أثناء إجراء تقييم لأفضل مسار مستقبلي، ألا وهو إنكار حالة الغموض تماماً أو اعتبارها جزءاً من عملية تحليل المخاطر في نهاية تصميم العرض التقديمي. في المقابل، يمكنك استخدام خطة العمل الاستراتيجية للأزمات لتوجيه استجابتك خلال المراحل المقبلة للأزمة مع تطوّر الأحداث (الشكل 2)

الشكل 2

ولإعداد هذه الخطة، يجب عليك مواجهة حالة الغموض وجهاً لوجه. ويجب على فريق التخطيط المسبق العمل وفق أطر العمل الخمسة التالية:

  1. تكوين نظرة واقعية لنقطة البداية.
  2. وضع سيناريوهات متعددة لمستقبل الشركة.
  3. تحديد موقف الشركة واتجاه التحول العام.
  4. تحديد الإجراءات والتحركات الاستراتيجية الأكثر فاعلية ضمن السيناريوهات.
  5. تحديد نقاط الانطلاق التي تدفع مؤسستك إلى اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب.

لا تُسعفنا الكلمات للتأكيد على مدى أهمية السرعة، فهي أمر جوهري. ويجب أن يتحرك فريق التخطيط المسبق بسرعة، وأن يمنحك إجابة عن اليوم الأول غداً، وأن يكرر النهج ذاته بسرعة عالية. وفي حال ظهرت مشكلات أو فرص جديدة، يمكنك إضافة وحدات عمل جديدة إلى فريق التخطيط المسبق دون تباطؤ، ذلك أن الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة هي ما ستحدد معالم مستقبل شركتك أو القطاع بأكمله.

1. تكوين رؤية واقعية لنقطة البداية

في أوقات الغموض الشديد، من الضروري أن تبدأ بتحديد نقطة انطلاق واضحة من آخر وضع معروف لشركتك قبل الأزمة. ويمكنك اعتبار هذه العملية بمثابة إجراء "استعادة للنظام" إلى شهر يناير. لن يكون لديك وقت لإعادة تصميم نموذج عمل شركتك، لكن يمكنك استخدام استراتيجيتك الحالية باعتبارها نقطة ارتكاز لتقييم الأمور التي شهدت تغييرات بشكل منهجي.

ومن الضروري أن يُجري فريق التخطيط المسبق تقييماً في ثلاثة مجالات رئيسية، وهي التوقعات المالية ومبادراتك الحالية وخياراتك الاستراتيجية الكبيرة. كما أن الرجوع إلى خطة الثلاث سنوات وتحديد افتراضات التخطيط الواردة في تلك الخطة قد تساعد في توضيح ما يحرّك الأداء المالي للشركة. ومن الضروري تصنيف هذه العوامل إلى ثلاث فئات تتضمّن العوامل التي لا تزال تبدو صحيحة، والعوامل الخاطئة، والعوامل التي لا تزال غير متيقّن منها. ثم أجرِ تحليلاً سريعاً للحساسية لتقييم التوقعات الأكثر أهمية.

وتنطوي المهمة التالية على تحديد المبادرات الكبيرة الحالية، بدءاً من المشاريع الكبرى الواردة في قائمة الإنفاق الرأسمالي، وتنظيمها في نفس الفئات. وتتمثّل الخطوة الأخيرة في إعداد قائمة بالخيارات الاستراتيجية الكبيرة التي يرتكز عليها نموذج عمل شركتك، على سبيل المثال، بيع المنتجات بأسعار مرتفعة، ومواصلة الاستثمار في شبكة اتصال ملموسة، والتركيز على الاستثمار بدلاً من المنافسة. ثم صنّف هذه الخيارات في فئات ثلاثة أيضاً، وتكون بذلك قد أوضحت نقطة البداية وجلبت القضايا الحاسمة إلى المقدمة.

2. وضع سيناريوهات متعددة لمستقبل الشركة

غالباً ما يعتمد النهج التقليدي للتخطيط الاستراتيجي على مبدأ إنكار الحقائق، بمعنى رفض حالة الغموض، أو يعاني من متلازمة "الوقوع تحت الأضواء"، بمعنى الشعور بالشلل بسبب عدم القدرة على التنبؤ.1hbr.org وبما أنه يستحيل التخلص من حالة الغموض اليوم، لا بدّ لك من مواجهتها. وتتمثّل الطريقة الجيدة لمواجهتها في وضع سيناريوهات عمل، وتُعتبر سيناريوهات ماكنزي الخاصة بفيروس "كوفيد-19" العالمية بمثابة نقطة انطلاق مفيدة (الشكل 3).2

حدّدنا أكبر الشكوك المرتبطة بالأزمة والمتمثّلة في انتشار الفيروس والاستجابة الصحيّة المرتبطة به، والتداعيات الاقتصادية البالغة، إلى جانب استجابة السياسة العامة، ودمجناها في نتائج الاقتصاد الكلي المحتملة.

الشكل 3

لا ينطوي الهدف على مناقشة السيناريوهات المحتملة، وإنما على استكشاف ما يمكن تحقيقه وتهيئة نفسك لأي خطة تبدو معقولة. ومن المهم أن تُدرك أن صقل السيناريو لإلغاء الاحتمالات المتطرفة قد يجعل عملية تحليل السيناريو عملية فاشلة تُسفر عن مجرد بضع متغيرات للوضع الأساسي. وعلى الرغم من أن بعض السيناريوهات قد تبدو سيئة للغاية لدرجة لا يمكن التفكير فيها، لا يعني ذلك أنه يجب تجاهلها. ويجب أن يضع فريق التخطيط المسبق أربعة سيناريوهات على الأقل، ذلك أن وجود ثلاثة سيناريوهات فقط قد يغرينا إلى الاعتماد على خيار وسطي باعتباره الوضع الأساسي3

بعد ذلك، يجب على فريق التخطيط المسبق اختبار أداء شركتك واستراتيجيتها تحت الضغط مقابل كل سيناريو عن طريق تحويل الاستراتيجية إلى نتائج أعمال تجارية منمذجة. حدد الأقسام التي تنطوي على أكبر قدر من الخطورة في عملك والأقسام الأكثر قدرة على التحمل، ثم أجرِ تقديراً لهامش رأس المال أو العجز المالي في أسوأ السيناريوهات. وقيّم بعد ذلك قائمتك الحالية من المبادرات الاستراتيجية مقابل كل سيناريو، واتخذ قراراً حاسماً بشأن المبادرات، سواء متابعتها كما هو مخطط لها أو تسريعها أو إلغاؤها.

إن وضع السيناريوهات يُسفر عن فوائد فورية، فهو يتيح لك جعل حالة الغموض قابلة للإدارة وقابلة للقياس، وهو ما يخفّف من الارتباك، كما أنه يتيح لك فرز القضايا المجهولة والقضايا الهامة، ويمكّنك من تحديد التحركات التي لا ندم عليها والتي يجب تنفيذها على الفور في أثناء إعداد هيكل واضح للعمل من خلال الخيارات التي تهدف إلى التعامل مع مجموعة من النتائج المحتملة. أخيراً، تمكّنك هذه السيناريوهات من تحديد الإشارات التي ستكون بمثابة دلائل مبكرة على أن السيناريو قد يؤتي ثماره.

ومن المهم للغاية أن يدرس فريق التخطيط المسبق سيناريوهات متعددة باعتبارها مدخلات ويحولها إلى أفكار ملموسة لاتخاذ إجراءات بشأنها. ومع ذلك، من المهم أيضاً أن يكون لدى الفريق مجموعة من افتراضات التخطيط التي يقدّمها على شكل مدخلات لفرق التنفيذ. فإذا كان فريق التخطيط المسبق يعتقد أن الشركة بحاجة إلى العمل في ظل افتراض وجود انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8 في المائة، فلن يكون الفريق الذي يقوم بإنشاء المحفظة الاستثمارية المالية قادراً على تقديم افتراض مختلف عن ذلك.

وتتمثّل أحد الأساليب التي وجدنا أنها مفيدة في البدء بتطوير وجهة نظر واضحة حول الكيفية التي يمكن أن يتطور بها التهديد أو الفرصة الأساسية التي تواجهها (على سبيل المثال، توجهات الاقتصاد الكلي والصناعة، والعمليات، والتنظيم). ثم فكر في تأثير تطور ذلك التهديد أو تلك الفرصة على أداء عملك. وتساعدك إدارة هذه العملية عدة مرات في اكتساب وجهة نظر دقيقة حول كيفية تغير الوضع الحالي.

إن فريق التخطيط المسبق هو في أفضل وضع يؤهله لتحديد المدخلات اللازمة لعمليات تطوير السيناريو وصنع القرار في المؤسسة، ذلك لأنه الفريق المسؤول عن جمع معلومات ذات صلة وعالية الجودة. ويعود السبب في ذلك إلى جمع معلومات عالية الجودة عن البيئة هي عملية مُكلفة وتتطلب عادةً توضيح الفروق الدقيقة والقدرة على إصدار الأحكام. كما أنها تنطوي على تواصل أكثر من مجرد عملية بسيطة لتحليل المشاعر الإيجابية والسلبية على منصة "تويتر".

3. تحديد موقف الشركة وتوجه التحوّل العام

تتمثّل إحدى المسؤوليات الرئيسية لفريق التخطيط المسبق في تحديد أفضل استجابة لموقف متطور بناءً على ظروف الشركة بعد انحسار الأزمة المباشرة. وفي حين تحتاج بعض الشركات إلى خوض مرحلة طويلة وصعبة من عمليات الإصلاح البطيء، ستجد شركات أخرى فرصاً على المدى القريب فيما يتعلق بالتحركات والابتكارات الاستراتيجية الكبيرة. ولا ينطوي الهدف على وضع خطط تفصيلية، وإنما على تحديد توجه التحول العام، بمعنى تحديد الفكرة الموضوعية الكبيرة التي يمكنك من خلالها تكوين استجابة استراتيجية. وفي عالم يعجّ بالغموض، يجب عليك السعي لتحقيق هدف مهم قبل كل شيء. وستسفر هذه الفكرة الكبيرة عن منح استجابتك التكتيكية المتطورة مزيداً من الاتساق وتمدك بالعزم على تحقيقها.

وفي خضم زعزعة بحجم جائحة "كوفيد- 19"، تُعدّ وجهات النظر حول الأمور التي شهدت تغييراً دائماً أمراً ضرورياً، ذلك أنها تساعدك في تجنب نهج التحوّط للمستقبل الذي عادة ما تنشر فيه مواردك بوفرة عبر مجموعة من الفرص دون اتخاذ موقف واضح حقاً. وقد واجهت العديد من الشركات الناجحة هذه اللحظات عندما اضطرت إلى الالتزام برؤية للمستقبل. على سبيل المثال، لم يكن بيل غيتس يعرف أي نظام تشغيل سيحظى بهيمنة في الثمانينيات من القرن العشرين، لكنه أدرك أن الحوسبة الشخصية ستكون الحدث القادم الكبير وأن أجهزة الكمبيوتر ستعمل على واجهات المستخدم الرسومية. وكان يعلم أيضاً أنه من المحتمل أن يتبنّى الناجحون جميع هذه الافتراضات، وهو ما جعل شركة "مايكروسوفت" تتبنى موقفاً واضحاً حول محاولة الفوز بسباق تطوير أنظمة تشغيل أجهزة الكمبيوتر المحمولة.

وبعد مرحلة وضع السيناريوهات الخاصة بك، ستكون قد فكرت في كيفية تأثير الصدمات المزدوجة على الطلب على شركتك ونموذج عملك. ومن المحتمل أن تكون قادراً على إدراك ماهية الأوضاع في المستقبل. وقد يكون من المفيد التفكير في الاتجاه الذي ستبني عليه توجه التحول العام لشركتك، شريطة أن تبقى منفتحاً على الاحتمالات المتعددة. (الشكل 4).

الشكل 4

ومع أزمة "كوفيد- 19" من النادر أن نشهد وجود أي شركة في الزاوية السفلية من الخريطة الموضحة في الشكل 4، ذلك أن التحدي منتشر في كل مكان. وسيكون لدى بعض الشركات ضرورة حتمية للبقاء، ذلك أنها ستعاود العمل باتباع النهج ذاته ولكن بسرعات تعافٍ مختلفة (على سبيل المثال، خدمات الاشتراك الأساسية، مثل الاتصالات الهاتفية الاستهلاكية الأساسية وتجارة الكهرباء بالتجزئة).

في حين ستلجأ شركات أخرى إلى إعادة الهيكلة لتتناسب مع بيئة الطلب الأقل حجماً (على سبيل المثال، شركات الطيران والرحلات البحرية). وستواجه شركات أخرى صدمات طلب أقل حدة، لكنها ستلاحظ اختلاف سلوكيات الزبائن بشكل جذري. وسيتعين على هذه الشركات تغيير نماذج أعمالها. ومع ذلك، ستجد الشركات والقطاعات الأخرى نفسها في منطقة مختلفة تماماً في كلا المحورين الموضحين في الشكل 4، وهو ما يُلزمها بتشكيل أعمال تجارية جديدة كلياً.

وتتمثّل إحدى السمات البارزة لأزمة "كوفيد- 19" في التحول الجذري إلى نماذج الأعمال عن بعد. ففي غضون أيام، كثّف الناس بشكل كبير من استخدامهم للتقنيات التي تتيح لهم التعلم والعمل وطرح الخدمات والاستهلاك عن بعد. هل سيتراجع هذا التبني بعد الأزمة، أم أننا سننتقل إلى وضع جديد؟ ونتيجة لذلك، هل يجب عليك اليوم تسريع استثماراتك في نماذج الأعمال الرقمية؟ هل تحتاج إلى تقليص خططك الاستثمارية الرأسمالية التي تركز على زيادة بصمتك المادية وتأمين عرض النطاق الترددي لإدارة عملك الافتراضي بدلاً من ذلك؟ ونظراً للغموض الذي يكتنف عالم اليوم، لا يمكنك وضع كل بيضك في سلة واحدة أو أن تبقى أسير الأمل. وتنطوي النتيجة الحاسمة لإطار العمل هذا على ترسيخ القناعة بالموضوعات المستقبلية قبل تحديد أي مبادرات.

4. تحديد الإجراءات والتحركات الاستراتيجية الفاعلة ضمن السيناريوهات

لن تدوم الخطة الحتمية والثابتة فترة طويلة في عالم يعجّ بالغموض. في المقابل، قد يكون اتباع نهج المرونة طريقاً باهظ الثمن إلى المجهول. بدلاً من ذلك، يجب عليك التفكير في بناء مجموعة من التحركات الاستراتيجية التي ستحقق أداءً جيداً نسبياً بشكل جماعي عبر جميع السيناريوهات المحتملة، حتى إن لم تكن كل خطوة ناجحة بمفردها.

وتتمثّل الطريقة المجربة في العمل على سيناريو واحد في كل مرة، وتحديد المجموعة المثلى من التحركات التي ستنفذها إذا كنت على يقين من أن السيناريو سيؤتي ثماره. ابدأ بالمبادرات الحالية الخاصة بك، بمعنى تلك المبادرات التي كانت مُدرجة في القائمة قبل الأزمة، ثم ابحث عن الفرص والتهديدات على نطاق واسع قبل اتخاذ قرار بشأن المبادرات التي يجب عليك إلغاؤها والمبادرات الجديدة التي يجب إضافتها. ثم تحقق من القواسم المشتركة والاختلافات الكبيرة بين الاستراتيجيات الخاصة بالسيناريوهات.

ستكون بعض المبادرات منطقية في جميع السيناريوهات، خاصة تلك المبادرات التي تمثّل تحركات لا ندم عليها والتي يمكنك تنفيذها بثقة. في حين ستؤتي بعض المبادرات ثمارها بشكل كبير في بعض السيناريوهات وتفشل في سيناريوهات أخرى، مثل الرهانات الكبيرة. وينطوي السر هنا على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات قبل اتخاذ قرار تنفيذ المبادرة أو إلغائها. وفي حال كان ذلك ممكناً، يجب أن تحاول تقسيم هذه المعلومات إلى أجزاء أصغر، والاستثمار على مراحل بهدف تقليل المخاطر المرتبطة باستثمار كبير لمرة واحدة في ظل بيئة يسودها الغموض.

وتنطوي تحركات أخرى على امتلاك الشركة حق اتخاذ إجراءات على أساس تفضيلي لاحقاً، وتكون هذه الخيارات حقيقية وتبرز قيمتها عندما تكون التقلبات عالية، لذلك من الضروري وضع هياكل الاختيار عند الإمكان. على سبيل المثال، تتّبع الشركات المتخصصة في استكشاف النفط والغاز واستوديوهات الأفلام نهج هياكل الاختيار باعتباره جزءاً من الأعمال اليومية، ومن المحتمل أن تجد هذه الخيارات الحقيقية في أي جزء من عملك عندما تنوي اتباعها. أخيراً، يوجد خطوات يمكنك التفكير فيها تحميك غالباً من الجوانب السلبية. لا تُجنّبك هذه الخطوات المخاطر إلا أنها تساعدك في أن يكون تعرضك للمخاطر ذكياً وتوفر لك جانباً إيجابياً جيداً، مع وجود جانب سلبي تكون محمياً منه.

ويجب أن تكون نتيجة إطار العمل هذا عبارة عن مجموعة من عشرات التحركات الاستراتيجية، بدءاً من التحركات التي لا ندم عليها إلى التحركات التي لا رجعة فيها والتي يمكن أن تغير مستقبل الشركة بشكل نهائي. تأكد من تنفيذ التحركات حول كل موضوع بالتشارك مع صناع القرار وأصحاب المصلحة الرئيسيين، داخل المؤسسة وخارجها على حد سواء. من الناحية المثالية، يمكنك القيام بذلك من خلال تمارين المحاكاة النظرية أو ورش العمل التي تجبر صناع القرار على الانخراط في الاحتمال الحقيقي الذي ينطوي على إطلاق الإجراءات لاتخاذ التحركات المستبعدة في الوقت الحالي.

5. حدد نقاط الانطلاق التي تدفع مؤسستك إلى اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب

إن مرور الوقت سيجعل من أي خطة غير مرنة خطة عديمة الجدوى في بيئة تشهد حالة من الغموض، مثل بيئتنا التي تنتشر فيها جائحة "كوفيد-19". وعلى الرغم من أن العالم يتطور بسرعة، لا أحد يعرف بعد السيناريو الذي نقترب منه. لذلك، يجب عليك أن تكون أفضل متعلّم، بمعنى أول من يعرف المسار الذي يتجه العالم نحوه، وأفضل من يتكيّف مع الوضع الحالي ويتخذ أفضل القرارات ويكرّر الخطة. لا ينطوي الأمر على إعداد خطة مثالية، وإنما على أن تكون على مسار التحسين الأسرع. وهذا ما يهم في عالم سريع الحركة تتحول أفضل الخطط فيه إلى خطط قديمة.

وكما ناقشنا، لن يكون لمعظم التحركات التي نصفها معنىً إلا في ظل مجموعة معينة من الظروف. ومع ذلك، لا تبدأ الشركات التي تواجه زعزعة في مناقشة هذه التحركات إلا بعد أن تظهر الظروف على حقيقتها. وهذا هو السبب الجذري الذي يدفع العديد من فرق القيادة إلى اتخاذ إجراءات متأخرة أو الفشل في اتخاذها.

ولتجنب مثل هذه المشكلة، من المهم للغاية التأكد من أن تنطوي كل خطوة على مجموعة واضحة من نقاط الانطلاق التي تُبيّن الوقت الذي ستبدأ فيه المؤسسة بإجراء التخطيط التفصيلي وتنفيذ هذه الخطوة. وعندما تصل إلى هذه المرحلة يزداد وعيك بضرورة إجراء هذا التحرك ويُصبح من المنطقي الاستثمار في فريق يضمن اتخاذ المؤسسة إجراءاتها بسرعة. وتكون عملية اتخاذ قرار بشأن وقت تنفيذ نقاط الانطلاق، وموعد بدء مرحلة التخطيط التفصيلي والتنفيذ مسؤولية رئيسية للرئيس التنفيذي، بالاشتراك مع فريق التخطيط المسبق.

ابق في الصدارة في السباق مع الزمن

إن وجودك على المسار الأسرع في ظل هذه الأوقات هو أمر أكثر أهمية من امتلاك خطة رائعة، ذلك أن الخطط سرعان ما تصبح عديمة الجدوى. والبقاء في الطليعة في السباق مع الزمن يعني اتخاذ الخطوات التالية:

  • قم بتحويل أفعالك ومجموعة تحركاتك إلى خطة عمل استراتيجية للأزمات يتم تجميعها و"اتخاذ القرار بشأنها" بشكل مثالي من خلال تمارين المحاكاة النظرية.
  • إلغاء جميع المبادرات في الخطة لصالح الأهداف قصيرة المدى وعناصر صنع القرار لتحصل على رؤية أوضح وتتمكّن من توجيه الإجراءات بشكل مباشر.
  • إنشاء مجموعة من المؤشرات وتجميعها في مركز تحكم يعمل بصفته نظام إنذار مبكر للإشارة إلى السيناريو الناجح. ولا تنطوي وظيفتك على أن تعرف المجهول وإنما على أن تكون أول من يعلم بالظروف المتغيرة وأسرع من يتخذ إجراءات بشأنها، وهو ما يتطلب وجود فريق رصد يمكنه تحديد هذه الإشارات، بالإضافة إلى امتلاك خطة مرنة وجاهزة للعمل وفق نقاط الانطلاق.

بالإضافة إلى ذلك، تُفيد معظم الشركات التي نتحدث معها أن ميزانياتها الحالية في الحضيض، وأنها لا تمتلك أي طريقة موثوقة لوضع ميزانيات جديدة، وهو ما سيفرض عليها تطوير نهج أكثر مرونة وفي الوقت الفعلي لتخصيص الموارد، مثل ذلك النهج المستخدم في جلسات تطوير المنتجات الفصلية "السريعة". ومن المهم تخصيص التمويل وطرحه على مراحل، إضافة إلى وضع نقاط الانطلاق لإلغاء الاستثمار أو إجراء مزيد من التخفيضات. وقد تضطر إلى إزالة الفجوة القائمة بين الوظائف الاستراتيجية والمالية بسرعة.

قد يبدو كل هذا معقّداً، وعلى الأرجح أنك لا تمتلك القدرة على إدارته بنفسك. لهذا السبب، حتى مع انشغال فريق الأزمات الخاص بك بإبقاء العمل قائماً، يجب أن تمتلك فريق تخطيط مسبق يمتلك فكراً تركيبياً يرتكز على إنشاء وحدات العمل ومنفتحاً لديه القدرة على التطوير والتوسع ويدعم دورة التخطيط التكراري طوال فترة الأزمة، بغض النظر عن مدى تأزم الأوضاع (الشكل 5).

الشكل 5

في النهاية، لا بدّ لك من العمل بسرعات عالية في ظل مستويات عالية من الغموض، إضافة إلى مراجعة مبادئ سير العمل بانتظام. وتذكّر أنه من الضروري التركيز على السرعة بدلاً من الكمال؛ وكلما أسرعت، حقّقت نتائج أفضل. ومن المحتمل ألا تكون المحاولة الأولى ناجحة بنسبة 100%، إلا أنك ستحصل على إجابات أفضل بعد كل تكرار، حيث سيجري تحسين السيناريوهات وتحديثها باستمرار، وتتكشّف لك معلومات جديدة بمرور الوقت. في المقابل، قد تتخلى عن بعض الأمور في حين قد تحتاج إلى تسريع خطى أمور أخرى. وكلّما طوّرت نهجك تحصل على نتيجة أفضل.

عندما تواجه مجموعة متصاعدة من المشكلات التي أثارتها الموجة التالية من أزمة "كوفيد-19"، سيكون فريق التخطيط المسبق هو من يُبقيك خارج المعركة ومن يساعدك في الفوز في السباق مع الوقت. ولتسبق المرحلة التالية من الأزمة، كوّن فريق التخطيط المسبق اليوم.

Explore a career with us