الأول من نوعه في المملكة العربية السعودية: برنامج قِمم لدعم المواهب الشابة

يعتبر العثور على القادة الموهوبين المحليين واحدًا من أهم التحديات التي تواجه الشركات والأعمال في الشرق الأوسط.

ويقول الدكتور أنس عابدين، وهو رائد أعمال سابق وأحد خريجي برامج ماكنزي ”يرى البعض في المنطقة أن هناك شُحًّا في المواهب“ لكنه يرد بالقول ”إن هذا الافتراض ليس صحيحًا، فالمواهب متوافرة، ولكن علينا تحسين طرق العثور عليها ورعايتها وتعزيزها.“

عادة ما يتم البحث عن الطاقات الشابة المتميزة وتقديرها ورعايتها وفتح المسارات المهنية الناجحة أمامها من خلال برامج الزمالة والجوائز والتدريب الوظيفي والمنح الدراسية. وهذا الأمر الذي يدركه د. أنس تمامًا بحكم خبرته الشخصية، فهو ينحدر من أصول شرق أوسطية إلا أنه نشأ في ألمانيا حيث حظي بفرص لتطوير مساره المهني والعملي من خلال برامج الزمالة والبرامج الأخرى التي لم تتح لنظرائه وأقربائه في الشرق الأوسط.

لذا، فقد استجاب د. أنس من خلال: العمل مع ماكنزي لتأسيس برنامج زمالة يستهدف طلبة الجامعات لتوفير الإرشاد من قبل كبار المسؤولين التنفيذيين، وتدريبات القيادة، والفرص المهنية، فيما أطلق عليه اسم برنامج ”قمم“. ومؤخرًا، أنهى الفوج الأول المكون من 50 زميلًا البرنامج، الذي حظي بإشادات واسعة.

ورشة عمل خلال برنامج "قمم" الذي يمتد لاثني عشر يومًا

وفي المرحلة التأسيسية، تواصل عابدين مع بعض زملائه السابقين لغايات تحويل فكرته إلى مبادرة واقعية.

ويقول توم إشروود وهو شريك في مكتب ماكنزي بدبي ويختص بدعم عملاء القطاع العام والتعليم ”تمثلت الطريقة الأساسية لرد الجميل في الشرق الأوسط بتطوير المواهب من خلال إقامة ورش العمل وبرامج القيادة المناسبة“، مشيرًا إلى أن ”برنامج قِمم فتح الباب أمام الفرص لشمول الأفراد الذين لم يحظوا بعائلات ثرية أو بالدراسة في أفضل المدارس. هناك مواهب متميزة، لكنها لا تكون بالضرورة حيث نتوقع وجودها.“

وسرعان ما وقّع كل من إشروود وعابدين مع 13 من كبريات المؤسسات السعودية متعددة الجنسيات والتي تغطّي قطاعات مختلفة من التعدين حتى الاتصالات. ولتطوير معايير الاختيار والدورات والبرامج المقدمة، قاما بدراسة برامج مثل برنامج رودس للمنح الدراسية ومنحة ترومان الدراسية، كما استفادا من خبرة ماكنزي في تصميم برامج القيادة والتعليم حول العالم، مثل أكاديمية القادة الشباب في ماليزيا.

دفعة عام 2018 من زملاء برنامج قِمم

في البداية، كان عابدين قلقًا حول ما إذا كان البرنامج سيحفز المرشحين لتقديم الطلبات، نظرًا لعدم توفير أيّة مبالغ نقدية على شكل منح أو جوائز. لكن قلقه لم يكن في محله؛ فقد تلقى البرنامج 13,000 طلب في غضون 5 أسابيع من جميع أنحاء المملكة.

وعلى إثر ذلك، أجرى أكثر من 50 من كبار قادة الأعمال مقابلات مع 150 مرشحًا تم اختيارهم، بحثًا عن الأفراد الذين يتمتعون بحس المبادرة والمسؤولية الاجتماعية، بالإضافة إلى السجل الأكاديمي المتميز. وكانت ردود الفعل من القائمين على المقابلات مرضية للغاية، فقد نقل عابدين عن أحدهم قوله ”إنني أشعر بالتواضع أمامهم؛ إنهم أفضل بكثير مما كنت عليه حينما كنت في سنهم“. وقال آخر ”جعلتني هذه المقابلات أفكر بطريقة مختلفة بشأن تربية بناتي ورعايتهن، والفرص التي قد تتاح لهن.“

وبدوره، قابل إشروود شابة من مدينة صغيرة في منطقة نائية بالمملكة، كانت تتعرض للسخرية في المدرسة لكونها تنتمي لوالدين من عرقين مختلفين، ولأن والدها لا يعيش مع عائلتها. وقد دعمت نفسها ماديًا خلال الدراسة الجامعية، وعملت في وقت فراغها على برمجة الروبوتات، كما جمعت التبرعات بنفسها لدخول مسابقات الروبوتات، مما دفع إشروود للتعليق بالقول ”لقد دهشت من صمودها وعزيمتها.“

وعلى مدار أيام البرنامج الاثني عشر، تلقى كل زميل من المشاركين في برنامج ”قمم“ مشورة مهنية شخصية خلال جلسات الإرشاد الشخصي مع كبار قادة الأعمال في المجالات التي يرغبون بالتخصص فيها، كما زاروا العديد من المؤسسات في جولات قادهم فيها كبار المسؤولين. إضافة لذلك، شارك أعضاء الفوج في ورش عمل حول القيادة والتدريب المهني.

على سبيل المثال، تعلمت طالبة علم الحاسوب عائشة الدباغ كيفية التغلب على خوفها من التحدث أمام الجمهور. وصرّحت: ”قلت لنفسي أنت هنا لبضعة أيام فقط، وعليك أن تتحدى نفسك ... كنت متوترة للغاية وأرتعش“. وبعد أن استكملت برنامج قِمم، قررت هذه الطالبة الانضمام إلى نادي توست ماسترز العالمي لتطوير مهارات العرض.

وبالنسبة لطالبة تطبيقات تكنولوجيا ”نانو“ في الطاقة الشمسية، سمو الخضير، التي تتطوع في جمع التبرعات لمرضى السرطان والفقراء، فإن أهم ما في الأمر أن الطلبة وجدوا فرصة للتعرف على بعضهم البعض، فقد شكلوا مجموعات محلية واجتمعوا عدة مرات منذ نهاية البرنامج. وتقول الخضير التي تلقت عرضين للتدريب العملي في مؤسستين من شركاء برنامج ”قمم“ ”التقينا أول مرة مثل الغرباء، لكننا غادرنا البرنامج كعائلة متماسكة.“

ويخطط المنظمون لتنقيح البرنامج خلال العام المقبل، مع احتمالية كبيرة أن تشهد السنوات المقبلة توسعًا خارج نطاق المملكة العربية السعودية، لكن ضمن ذات الهدف: إيجاد قادة الجيل القادم من مختلف الخلفيات ورعايتهم، لرسم مستقبل أفضل للبلاد.