عندما طُلِب من علي جعفر، وهو مدير العمليات في برنامج ”أجيال“، أن يذكرَ اسم طالب أو طالبة تميّز عن غيره وشغل تفكيره، كان جوابهُ حاضرًا، إذ قال: ”لقد التقيتُ بها الأسبوع الماضي.“
التحقت تيلين، وهي طالبة في برنامج ”أجيال“ للتقدم الوظيفي بمجال التجزئة في مدينة جاكسونفيل، بولاية فلوريدا، بالبرنامج قادمةً من ظروفٍ اجتماعيةٍ صعبة، على غرار الكثير من طلّاب البرنامج، بعد تنقلها بين العديد من الوظائف المؤقتة التي لم تساعدها في بناء مستقبل مهني واضح.
يقول علي: ”التحقت تيلين ببرنامجنا وأبلت بلاءً حسنًا وكانت متحفّزةً جدًا لدرجة دفعت فريق ”أجيال“ في جاكسونفيل إلى تعيينها كمُرشدة لطلّاب آخرين.“ والملهم أكثر هي حقيقة أن حالتها ليست مثالًا فرديًا أو حالةً خاصة، فقد حصل غيرها من الطلّاب المتميّزين في البرنامج على مثل هذه الفرصة أيضًا.
منذ أن أسسّت ماكنزي برنامج ”أجيال“ قبل 3 سنواتٍ بهدف التصدي لمشكلة بطالة الشباب التي تواجه العالمَ أجمع، بلورت هذه المؤسسة غير الربحية المستقلة طريقة تفكير مبتكرة في مجال تنمية القوى العاملة، وخرّجت خلال ذلك نحو 16,000 طالبٍ في خمسِ دول. وقد التحق الكثير من هؤلاء الطلّاب بالبرنامج وهم يعانون من مصاعبَ اجتماعية قطعت عليهم سُبلَ الوصولِ إلى سوقِ العمل وشكّلت عائقًا كبيرًا أمامهم، بدءًا من البطالة طويلة الأمد إلى التشرّد، وشدائد أخرى يصعب حصرها.
”أجيال“ أمسى أكبرَ برنامجٍ يُدرّب ويُوظّف الشباب على مستوى العالم.
وتُفيدُ منى مُرشد، وهي القائدة العالمية لبرنامج ”أجيال“، قائلةً: ”لقد أمسى أجيال أكبرَ برنامجٍ يُدرّب ويُوفّر فرص العمل للشباب في العالم، حسب حجم المنتسبين السنوي.“ وتشمل هذه الوظائف حاليًا لائحة من عشرين مهنة في أربعة قطاعات، بما فيها الرعاية الصحية وخدمة العملاء والتكنولوجيا وغيرها. بينما تتضمن الأدوار الوظيفية القياسية كلًّا من مُساعِدي الممرضين المجازين وموظفي خدمة العملاء وطاقم دعم تقنية المعلومات. والأهم أن برنامج ”أجيال“ استحدَث منهجيّةً وطرح برنامجًا حققا عائدًا مُثبتًا على الاستثمار للموظفين والطلّاب على نطاق واسع، وذلك عبر مجموعة سريعة التوسّع من المناطق الجغرافية والقطاعات.
في الولايات المتحدة، جَمعَ برنامج ”أجيال“ منحةً مالية قدرها 10 ملايين دولار أمريكي في عام 2017. وفي إسبانيا، حصلت ماكنزي على جائزة من ”مؤسسة سيريس“ (Fundación SERES) تقديرًا لتأثيرِ البرنامج في الدولة، حيث ساعد أكثر من 81 بالمائة من طلّابها البالغ عددهم 1,000 طالب في العثور على وظيفة خلال 6 أشهر من تخرّجهم. أما في المكسيك، فقد رعت شركة ”إنتل“ تنظيم فعاليات ”هاكثون“ دعمًا منها للبرنامج.
تقول منى: ”كلما ضاعفنا جهودنا كلما أدركنا أننا ما زلنا في أول المشوار وما زال هنالك الكثير من العمل أمامنا لنحققه. فنحن نحرص على تجربةِ شيءٍ جديد مع كل مجموعة من الطلّاب لكي نواظب على تطوير نموذجنا التنفيذي.“

دولٌ أكثر وبرامجٌ أوسع
عقبِ النجاح الذي شهدهُ إطلاق البرنامج في الهند وكينيا والمكسيك وإسبانيا والولايات المتحدة، يستعدُ مسؤولو ”أجيال“ للتوسّع بنطاقه الجغرافي في عام 2018، إذ تقرّر إطلاقه في هونغ كونغ والمملكة المتحدة. كما تجري نقاشات على مستويات مختلفة حول إمكانية إطلاقهِ في أكثر من خمسينَ دولةٍ أخرى.
ومنذ ذلك الوقت من العام الماضي، وصل عدد المهن التي يُدرّسها برنامج ”أجيال“ إلى الضعف تقريبًا، ليصل عددها إلى عشرين مهنة، وتجري دراسة إضافة خمس إلى عشر مهن أخرى للعام 2018. يجري كذلك التحضير إلى عقد شراكات ووضع نماذج جديدة، مع تضمين البرنامج لدى أصحاب العمل في المكسيك وفي مؤسسات القطاع العام في كينيا والهند.
النهج التدريسي الذي يستهدفه برنامج ”أجيال“
يُدرّبُ برنامج ”أجيال“ طلّابه من خلال مراكز التدريب التي تتراوح مدة دوراتها ما بين 4 إلى 12 أسبوعًا، وتُحدّد فترتها حسب المهنة. وتُركّز البرامج تركيزًا كبيرًا على أهم النشاطات التي يزاولها الموظفون، وقد صُمّم المنهاج بطريقة تضمن أداء الخريجين على أعلى مستوى منذ اليوم الأول.
تقول لورين وين، وهي زميلة في ماكنزي تعمل من شيكاغو وتقودُ فريق التدريس والتوجيه العالمي في البرنامج منذ يناير 2017 ”إذا اطلعتم على برامج أخرى، ستدركون أنها قد تُدرِّسُ مجموعةً تتضمن 20 مهارةً تلزم الطلّاب لأداءِ وظيفةٍ مُعيّنة. بينما نتطلع بدورنا إلى اللحظات الخمس الحرجة التي تُميّز بين الموظفين من ذوي المستوى المتدني وبين المتفوقين في مهنةٍ مُحدّدة، كما نصبّ جلّ تركيزنا على ممارسة المهارات التي يجب أن يكتسبها الطلّاب بطريقةٍ صحيحة. ونحن نوظف هذا الأسلوب في كل أسبوعٍ ويومٍ نُدرّس به المناهج الدراسية لدينا.“

فعلى سبيل المثال، يُعدّ تغيير المناوبة ”لحظة حرجة“ بالنسبة إلى مساعِدي الممرضين المجازين (CNAs)، إذ أنه يتطلّب اكتسابهم لمهارات فنية مثل تسجيل ملاحظات مفيدة متعلّقة برعاية المرضى، ومهارات أخرى سلوكية مثل الحضور في الموعد المحدد، ووضع خطة لتفقّد حال كافة المرضى قبل نهاية المناوبة، ومعرفة كيفية طلب المساعدة في حال الحاجة لطرح أية أسئلة. وإن لم يتمكنوا من تأدية كلّ هذه المهام على مستوى عالٍ من الإتقان فلن يكتب لهم النجاح في المهنة.
غيّر برنامج ”أجيال“ كذلك طريقة التفكير في الافتراضات التقليدية المتعلقة بتنبؤ نجاح المرء في أي مهنة، ويُفضّلُ أن تُركّز عملية الاختيار التي ينتهجها على الخلفية التعليمية بنفس قدر تركيزها على المهارات الفطرية والكفاءات التي يتحلى بها الشخص. فعلى سبيل المثال، نحو ثُلث الطلّاب المنتسبين ببرنامج ”أجيال“ لأتمتة العمليات عبر الروبوتات في إسبانيا يملكون خلفية تعليمية في الفنون المتحررة، بما يتحدى الفكرة التي تزعّم أن الطلّاب يحتاجون إلى حاسوب أو خلفية برمجية للنّجاح في برمجة الروبوتات. وتُعلّق لورين حول هذه المسألة قائلةً: ”الأمر لا يتعلق بمؤهلك الأكاديمي إنما بقدرتك على إظهار إمكاناتك للنجاح خلال عملية الاختيار.“
وفيما يتعلق بالمهارات، يغطي منهاج برنامج ”أجيال“ ما يتخطى المهارات الفنية المطلوبة لأداء أية وظيفة، وتُشير لورين إلى أن البرنامج: ”يشمل المهارات السلوكية وطرق التفكير اللازمة لبناءِ مسيرةٍ مهنية تتجاوزُ دورَ الموظف المبتدئ.“
كيف تدعم ماكنزي برنامج ”أجيال“
على الرغم من أن ”أجيال“ يُعدّ مؤسسة غير ربحية مستقلة، بيد أن ماكنزي تواظب على تقديم الدعم الضروري والأساسي للبرنامج عبر التمويل والمعرفة والموارد البشرية.
كما يُمكن لزملاء يعملون في ماكنزي مثل علي ولورين أن يتقدموا للحصول على زمالة في برنامج ”جيال“، وهي تجربة تصفها لورين بأنها: ”فرصةٌ تتسنى للمرءِ مرةً واحدةً في العمر لكي تُحدثَ أثرًا مباشرًا وملموسًا بتطبيق ما تعلّمته كاستشاري على هذه المشكلة العالمية المهمة.“
ومع نمو البرنامج فإن قدراته الداخلية تتطوّر كذلك، وهو أمرٌ يُشعرُ قيادتهُ بفخرٍ شديد. يقول علي : ”قبل سنتين، ربما 50 بالمائة من الأفراد في برنامج ”أجيال“ كانوا من موظفي ماكنزي الذين كُرّسوا للعمل في البرنامج، أما اليوم فقد تضاءل الرقم ليصل إلى أقل من 15 بالمائة. يُمكن لمستشاري ماكنزي حاليًا أن يُديروا بعضًا من مجالات الاستراتيجية وتنمية الأعمال، لكنهم في نفس الوقت منحوا هذه القدرات والمهارات إلى الكثير غيرهم الذين وظّفهم برنامج ”أجيال“ مباشرةً.“